الرسالة البابوية حول الليتورجيا كمصدر التعليم الديني

 

"الليتورجيا ليست ما يفعل الإنسان، بل ما يفعل الله"

حاضرة الفاتيكان، الجمعة 26 أغسطس 2011 (Zenit.org)

ننشر في ما يلي الرسالة التي بُعث بها بالنيابة عن بندكتس السادس عشر إلى الأسبوع الليتورجي الإيطالي الثاني والستين الذي يستمر لغاية 26 أغسطس.

وقد حملت الرسالة توقيع أمين سر البابا، الكاردينال ترشيزيو برتوني.

***

إلى صاحب السيادة الأكثر وقاراً

المونسنيور فيليتشي دي مولفيتا

أسقف تشيرينيولا – أسكولي ساتيرانو

صاحب السيادة الأكثر وقاراً،

يسرني أن أنقل تحيات الأب الأقدس الحارة إليكم وإلى المشاركين في الأسبوع الليتورجي الوطني الثاني والستين الذي سيقام من 22 ولغاية 28 أغسطس في ترييستي. يأتي شعار اللقاء – "الله يعلم شعبه: الليتورجيا، منبع التعليم الديني الذي لا ينضب" – في سياق الإرشادات الرعوية للكنيسة في إيطاليا المخصصة للعقد الممتد بين عامي 2010 و2020، والمعدة للتصدي للإلحاحية التربوية الراهنة، ويحاول تسليط "الضوء على أولية الله… الأول على كل شيء ،الله" (جوزيف راتزينغر، لاهوت الليتورجيا، Opera Omnia، XI، ص.5)، أولويته المطلقة في الدور التربوي لليتورجيا.

الكنيسة، بخاصة عندما تحتفل بالأسرار الإلهية، تقر وتظهر ذاتها كواقع لا يمكن اختزاله بطابع أرضي وتنظيمي فقط. في هذه الأسرار، يجب أن يظهر بوضوح أن القلب النابض للجماعة يجب الاعتراف به بعيداً عن حدود الطقوسية الضيقة وإنما الضرورية، لأن الليتورجيا ليست ما يفعل الإنسان، بل ما يفعل الله بتعطفه الرائع والمجاني. إن أولية الله هذه في العمل الليتورجي سلط عليها الضوء خادم الله بولس السادس في اختتام الدورة الثانية للمجلس الفاتيكاني، عندما أعلن دستور المجمع المقدس: "في هذا الحدث، نلاحظ احترام نظام القيم والواجبات: وهكذا، فقد أدركنا أن منصب الشرف مخصص لله؛ أن واجبنا الأول يتمثل في كوننا مدعوين إلى رفع الصلوات لله؛ أن الليتورجيا المقدسة هي المصدر الأول لهذا التبادل الإلهي الذي تُنقل لنا فيه حياة الله؛ هي المدرسة الأولى لروحنا، الهبة الأولى التي يجب أن نعطيها للشعب المسيحي". (بولس السادس، الكلمة في اختتام الدورة الثانية، 4 ديسمبر 1963، AAS [1964]، 34).

بالإضافة إلى تعبيرها عن أولية الله المطلقة، تكشف الليتورجيا ذاتها كـ "الله معنا"، فـ "الكينونة المسيحية ليست نتيجة خيار أخلاقي أو فكرة رفيعة المقام، وإنما اللقاء مع حدث، شخص، مما يعطي الحياة آفاقاً جديدة واتجاهاً حاسماً". (بندكتس السادس عشر، رسالة الله محبة، Deus Caritas Est، 1). في هذا الصدد، الله هو المربي الأعظم لشعبه، المرشد المحب والحكيم الذي لا يعرف الكلل ضمن وعبر الليتورجيا، عمل الله في حاضر الكنيسة.

انطلاقاً من هذا الجانب التأسيسي، يدعى الأسبوع الليتورجي الوطني الثاني والستين إلى التفكير في البعد التربوي للعمل الليتورجي، بقدر ما هو "مدرسة تنشئة دائمة حول الرب القائم من بين الأموات، مكان تربوي وموح حيث يتخذ الإيمان شكلاً ويتم نقله" (مجلس أساقفة إيطاليا، Educare alla Vita Buona del Vangelo، رقم 390). لذلك، من الضروري التفكير بشكل أفضل في العلاقة بين التعليم الديني والليتورجيا، وإنما مع رفض كل استخدام غير ملائم لليتورجيا لغايات "تعليمية". في هذا الصدد، يعلمنا تقليد الكنيسة الآبائي الحي أن الاحتفال الليتورجي بذاته، ومن دون أن يفقد خصوصيته، يتمتع على الدوام ببعد تعليمي مهم (المجمع المقدس، Sacrosanctum Concilium، 33). في الواقع، بقدر ما هي "المنبع الأولي والأساسي الذي ينبغي على المؤمنين أن يستقوا منه الروح المسيحية الحقيقية" (المصدر عينه، 14)، يمكن لليتورجيا أن تدعى تعليم الكنيسة الدائم، مصدر التعليم الذي لا ينضب، التعليم الثمين في الواقع (مجلس أساقفة إيطاليا، Il Rinnovamento della catechesis، 7 فبراير 1970، 113). كتجربة متكاملة من التعليم والاحتفال والحياة، تعبر إضافة إلى ذلك عن دعم الكنيسة الأمومي، مساعدة بذلك على تطوير نمو حياة المؤمن المسيحية ونضوج ضميره.

يؤكد الأب الأقدس بندكتس السادس عشر عن طيب خاطر على صلاته لكي يحمل الأسبوع الليتورجي الوطني الثاني والستين ثماراً للمشاركين وللكنيسة في إيطاليا. ويرجو أن يوضع هذا المؤتمر المهم، بالإضافة إلى المبادرات التي يرعاها مركز العمل الليتورجي، في خدمة معنى الليتورجيا الأصلي، مما يعزز تنشئة لاهوتية – رعوية متينة بالتوافق مع تعليم وتقليد الكنيسة. لهذه الغاية، يبتهل الحبر الأعظم حماية مريم الكلية القداسة الوالدية لجميع المشاركين، ويمنح من كل قلبه بركة رسولية خاصة لكم صاحب السيادة، لرئيس أساقفة ترييستي، للأساقفة والكهنة الحاضرين، للمتكلمين ولجميع أعضاء المؤتمر.

مع التحيات الأخوية وأطيب التمنيات، أنتهز هذه الفرصة لأحييكم.

الكاردينال ترشيزيو برتوني

أمين سر قداسته

***

ترجمة وكالة زينيت العالمية (Zenit.org)

حقوق الطبع محفوظة لمكتبة النشر الفاتيكانية 2011