لا تكن لصًّا؟

 

تحفظ الوصية السابعة من الوصايا العشر حق الملكية الذي يخول للإنسان التصرف في شيء بالانتفاع أو البيع أو الإهداء أو الإتلاف.وتعد الوصية السابعة من الوصايا الأدبية التي تنظم علاقة الإنسان بالقريب وممتلاكاته.

في العهد القديم

لمن المهم ان نعرف كيف التزم شعب العهد القديم بالوصية السابعة وكيف عاقب من خالفها؟

خاطبت الوصية شعباً عاش في مجتمع البداوة حيث المعاملات أقل تعقيداً من مجتمع المدنية الحديثة وللوصول إلى عمق مغزى هذه الوصية علينا أن نأخذ بعين الاعتبار التطورات التي أضفت الكثير من التعقيد على المعاملات بين البشر في الزمن المعاصر.

كانت السرقة من الجرائم الكبيرة التي يعاقب مرتكبوها عقابا صارما_ وقد ارتبط العقاب القاسي بالمجتمعات البدائية على مر العصور فما زالت بعض المجتمعات تقطع يد السارق والبعض الآخر الإعدام حرقاً!كان على السارق في العهد القديم أن يرد خمسة أضعاف ما سرق من بقر، أو أربعة أضعاف إذا كان المسروق غنماً! ويتحتم تنفيذ الحكم ولو يباع السارق نفسه! وفي بعض الأحيان يصل التعويض إلى سبعة أضعاف ( أمثال 6: 31).

جاء النهي الإلهي (لا تسرق) ليحفظ السلام الاجتماعي ويدعم الاستقرار. نفهم من قسوة العقاب مدى وعي المجتمع بخطورة السرقة على ترابط أفراده، ورغبته في الحفاظ على حق الملكية.ساعدت بساطة التعاملات بين الأفراد،في ذلك الزمن،  على تحديد العقوبة قياساً بمادة المسروق ( غنم أو بقر… الخ) . كانت العقوبة تعويضاً مادياً كما سبق وأشرنا وأيضاً عقاباً معنوياً فينال السارق احتقار الجميع ، كما ورد في سفر أيوب :« يطردون من الحَضَر ويُصاح عليهم مثل اللصوص» (أي 30 :5 ).وفي رؤيا السفر الطائر لزكريا النبي :« اللعنة تطير لتبيت في وسط بيت السارق وتفنيه مع خشبه وحجره»(زك 5 :3).  والجدير بالملاحظة في رؤيا زكريا هو الغضب من التغاضي عن السارق وانتظار الوقت الذي لا يُتغاضى فيه عن السارق.

 

في العهد الجديد

تطور مجتمع اليهود وتعقدت المعاملات بين الناس مما رفع عدد الوصايا في زمن المسيح إلى 613 وصية مع رابي عَقيبا! وإن استمر الخزى عقاباً معنوياً للسارق فيسوع نفسه يعاتب من أتوا للقبض عليه:« كأنه على لص خرجنم بسيوف وعصي» (مت 26 : 55).

أما من الناحية الأدبية فيسوع يضع خطيئة السرقة على نفس الثقل الذي للزنى والفسقفَمِنَ القَلْبِ تَنْبَعِثُ المقَاصِدُ السَّيِّئَة والقَتْلُ والزِّنى والفُحْشُ والسَّرِقَةُ وشَهادةُ الزُّورِ والشَّتائم. تِلك هي الأَشياءُ الَّتي تُنَجِّسُ الإِنسان. (مت 15: 19 – 20)واللص هو الذي يختار الطرق غير الشرعية للوصول إلى غنيمته، فهو لا يدخل من الباب بل يتسور من موضع آخر :« من لا يدخل من الباب إلى حظيرة الخراف فهو لص وسارق».

ويشير يسوع إلى مكان آمن من اللصوص وهو ملكوت الله حيث لا سيتطيع اللص الوصول إليه: (( ولا تَكنِزوا لأَنفُسِكُم كُنوزاً في الأَرض، حَيثُ يُفسِدُ السُّوسُ والصَّدَأ، ويَنقُبُ السَّارِقونَ فيَسرِقون. بلِ اكنِزوا لأَنفُسِكُم كُنوزاً في السَّماء، حيَثُ لا يُفْسِدُ السُّوسُ والعُثّ، ولا يَنقُبُ السَّارِقونَ فيَسرِقوا. )) (مت 6: 19 – 20)

 

العهد المعاصر

أضحت الاجابة علىسؤال : مَن هو السارق؟ أكثر صعوبة !! لقد اختلف الأمر عما كان عليه في قديم الزمان ، حيث اقتصرت الملكية على المواشي وقليل من المقتنايات! اذ شملت الملكية :

§     ملكية الفكر: كل الأفكار والابتكارات …الخ

§     ملكية المادة : المقتنيات العينية ( الادوات والاموال و العقارات..الخ).

§     ملكية الجهد : كل جهد (بدني او ذهني) بذله انسان في عمل ما. "العامل مستحق أجرته".

"لا تسرق" وصية تطلب الدفاع عن حق الملكية بأنواعها الثلاثة تلك. لكن اليوم مَن يضبط هو يسرق حافظة نقود يوسعه الجمهور ضربا ويكيل له الشتائم.وقد يكون بين المشاركين في ضرب اللص من هو أكثر لصوصية ولكن تحت قناع قبله المجتمع باسم (إكرامية – عمولة – بقشيش إجباري- رشوة … الخ ). ويصمت المجتمع عن إهمال موظف في عمل يتقاضى عنه أجراً! فإنّ  كل من يهدر المال العام، و كل من يستغل منصبهمن أجل منفعة شخصية،و كل من يغش، وكل من يتخطى غيره دون حقّ"فهلوي" ،وكل من اجحف بحق الجهد الإنسانيهو لص وسارق!

فمثلا، معلمة في فصول محو الأمية تكد وتتعب طيلة شهر من الزمان لتتقاضى 120 جنيهاً مصرياً فقط ! أياربع جنيهات مقابل يوم عمل كامل، دون اي انصاف او تقدير للجهد البشري المبذول.بينما يتقاضى مدير عام الجمعية "الخيرية" التي تعمل بها المعلمة 36,000 جنيه كأجر شهري!! أيثلاثمائة ضعف هذا المبلغ!! أليس في ذلك سرقة رضي عنها المجتمع؟أو فتاة أخرى تعمل في عيادة طبيب أو في متجر تتقاضى من 80 إلى 120 جنيها كراتب شهري وساعات عمل تتخطى العشر ساعات؟لقد تم اسكات الضميرالمجتمعي، وتفريغ الشرع الإلهي من مضامينه السماوية. وتمّ استثمارمحدودية الشرع الوضعي.

 

متى أكون لصاً؟

عندما أهمل في عمل أتقاضى عليه أجراً أو عمل ألتزمت به طواعية، أسرق حقّالمنتفعين بالخدمة.

عندما أعمل في يوم الرب أو أهمل تكريسه لله، أسرق حقّ نفسي عليّ.

عندما أهتم بدخولي المادية وأهدر حق أسرتي في التواجد معهم، أسرق أسرتي فيّ كزوج وأب.

عندما تكون أحاديثي "مونولوج" يخلو من الاصغاء أسرق حقّ الآخر في التعبير.

عندما يكتظ دولابي بالملابس أسرق حقّ العريان.

عندما تمتلئ سلة مهملاتي ببقايا الطعام أسرق حقّ الجوعان.

عندما يرتفع رصيدي في المصرف أسرق حقّ الشريد والمريض.

عندما لا أدفع العشور والصدقة أسرق حقّ الله.

عندما أحبط محاولات النهضة (الفردية او المجمتعية) أسرق الحق في الرجاء.

عندما اسهم في اشعال الصراع بين طرفين أسرق حقّ العيش في سلام.

عندما اتسبب في حزن الاخر أسرق حقّه في الفرح.

عندما لا اهتم بقضايا الوطن أسرق حقّ الاجيال القادمة.

 

والقائمة هنا تطول.  إلا أنني على رجاء، ننتظر مع زكريا النبي، الزمن الذي لا يُتغاضى فيه عن السارق.

الأب متى شفيق