مصر: الربيع العربي يضحي خريفًا بربريًا

تظاهرة سلمية تتحول إلى مجزرة

 

 

بقلم روبير شعيب

روما، الاثنين 10 أكتوبر 2011 (Zenit.org).

حتى الأمس، كانت ما تزال تتألق صافية في مخيلاتنا وأمام عيوننا صورة الشعب المصري المتكاتف بمسلميه ومسيحييه، يئن ومن ثم يصرخ جهرًا صرخة تزيح حجر قبر الديكتاتورية لقيامة الشعب؛ صرخة هي من أصدق ما يصدر عن الحنجرة البشرية: صرخة الحرية، العدالة والتوق إلى مستقبل أفضل.

حتى الأمس… لأن صورة الدبابات التي تدهس بوحشية بربرية المتظاهرين تخنق الحلم، وتفتح العيون على أفق مخيف يقلق حلم الربيع العربي، الذي كان الشعب المصري – بمسلميه ومسيحييه – من رواده، ليحوله إلى واقع هو أشبه بالكابوس.

الربيع يضحي خريفًا تنزف فيه أوراق الأمل بحياة أفضل، عندما يُستعمل الأبرياء والمسالمين كوقود لتغذية حملة انتخابية باتت على الأبواب في نوفمبر. حصيلة هذه الحملة كانت 24 قتيلاً و 212 جريحًا يرفعهم البعض أحباء في نعش الفقدان، ويستغلهم البعض راية انتصار (أي منطق يستطيع اعتبار قتل الإخوة في الوطن نصر؟) لإنعاش أحلام متطرفة تنكر مبادئ الأديان – الأخوة، الرحمة واحترام قدسية الحياة – وتحرض على قيام كيان قوته هي إزالة الآخر، كرهه وتدنيس مقدساته.

كان أصل التظاهرة – بحسب ما أوردت وكالة آسيا نيوز – الاستنكار لاعتداء مجموعة إسلامية متطرفة مؤخرًا على كنيسة في أسوان ، اعتداء زاد ثقله صمت الشرطة والإدارة المحلية. وقد سار آلاف المسيحيين – والمتضامنين معهم من المسلمين – من حي شبرا إلى موضع التلفزيون الوطني، مطالبين باستقالة محافظ اسوان مصطفى السيد الذي قال انها بنيت بدون تصريح من السلطات وهو ما اثار غضب بعض المسلمين الذين قاموا بحرقها. وكان المسيحيون يتهمون مصطفى السيد بالتواطؤ مع المتطرفين المسلمين. كما واتهموا التلفزيون الوطني بتأجيج المشاعر المعادية للمسيحيين.

تختلف القراءات للأحداث التي أدت إلى اندلاع الصراع. على ما يبدو، قام بعض المشاغبون خلال التظاهرة برمي المتظاهرين بالحجارة وبإطلاق النار عليهم. فأجاب المسيحيون على الاعتداء برشق الحجارة. فما كان من الجيش إلا أن هاجم الحشد بالدبابات، وقام البعض منها بسحق المتظاهرين، بحسب شهادة كاهن قبطي نجا من الحادث وقال أنه شاهد بعينه الدبابة تدهس خمسة متظاهرين.

وحرق المسيحيون في ما بعد، بعض عربات الشرطة. وتأجج الوضع، فقامت الشرطة بدورها بإطلاق النار، بينما قام المتظاهرون برشق الشرطة بكل ما توفر أمامهم.

وقد اعتبرت جريدة "الحياة السعودية" ما جرى بـ "أكثر اعمال العنف دموية منذ ثورة 25 يناير التي اطاحت الرئيس السابق حسني مبارك".

وأفاد صحافي في فرانس برس كان موجودًا خلال المظاهرة انه شاهد العديد من جثث المتظاهرين مشوهة في المستشفى القبطي في القاهرة، مشيرا إلى أن بعضها كانت في حالة مزرية لدرجة أنه يصعب معرفة هوية صاحبها، وكانت الفوضى تعم المستشفى وسط صراخ وعويل أهل القتلى.

وقد نشرت قوات الجيش وشرطة مكافحة الشعب آلياتها بالقرب من موضع التظاهرة للحؤول دون تصاعد الفتنة أكثر. وليلاً، رغم حظر التجول، سار مسلمون مسالمون إلى المستشفى القبطي هاتفين "مسلم، مسيحي، يد واحدة".

تشهد مصر منذ ثورة يناير تصعيدًا للتوترات الطائفية، بينما تسعى القوى المختلفة إلى تثبيت سيطرتها الميدانية مع تغيّر وجه الواقع المصري. وقد سعت السلطات المصرية الجديدة في الأشهر المادية إلى تهدئة الأقباط معلنة عن وضع قانون جديد بشأن دور العبادة يرفع القيود المفروضة على بناء الكنائس في البلاد.