الدّين لله.. والدَّمع للجميع

 

دلع المفتي

لقد أعطونا الساعات وأخذوا الزمن..
أعطونا البرلمانات وأخذوا الحرية..
أعطونا الأراجيح وأخذوا الأعياد..
أعطونا الجوامع والكنائس وأخذوا الإيمان..
أعطونا الحراس والأقفال وأخذوا الأمان..
أعطونا الثوار وأخذوا الثورة.
(محمد الماغوط)
* * *
كلنا تابعنا بألم وخزي ما جرى في «ماسبيرو» في القاهرة، وفي تونس من إرهاب فكري عقائدي على حريات المواطنين، ولست هنا لأحلل وأترجم ما حصل، فكلنا نعلم أين العلة، لكنني أتساءل فقط: ما الذي فعله مينا دانيال الذي كان أول الواقفين في ميدان التحرير ليُقتل بدم بارد في ماسبيرو عن 23 عاما وخاتم الخطوبة ما زال في يده؟ بأي حق وبأي ترخيص تُرفع لافتة سلفية في تونس، تقول «مسيرة سلميّة مرخصة من رب العالمين»؟
ما أظلمنا.. نطالب بحقوقنا ونحارب من أجلها وننكر على الآخرين أبسط حقوقهم، وهو حقهم في المواطنة والعيش الكريم. ندين حظر إقامة منارات المساجد في سويسرا ثم «نسمح» للمسيحيين بإقامة كنيسة بشرط ألا تضم منارة أو جرساً أو صليباً، بدعوى أنها تؤذي مشاعر المسلمين. أسألكم بصدق: ما الذي يؤذي مشاعرنا عندما نرى صليبا أو نسمع جرس كنيسة؟ ما الذي يستفزه فينا وجود شخص يختلف عنا؟ بأي حق يمنع مسيحي من ممارسة عقيدته فتُحرق كنيسته ولا يعاقَب حارقها، بل يعاقب هو لاعتراضه على حرقها؟ ما أكذبنا.. نعلق مشاكلنا على شماعة المؤامرات الخارجية، ونحن نعلم أن «الدود» منا وفينا. جهل، تخلف، احتقان اجتماعي، تطرف ديني ومذهبي، تزمّت مقيت يأكل الأخضر واليابس، والدموع تسيل والدماء تغرق الأوطان.
الثورات العربية قامت من أجل توحيد كل المظلومين في الوطن العربي، لا من أجل تقسيمهم وتفتيتهم، لكن من الواضح أن الجهل ما زال يعشش في نفوس الكثيرين، وما زالت الفتنة تجد من يسقيها، ففي هذه المرحلة الانتقالية الحرجة التي تمر بها الثورات، بدأت تهتز ثقة «العاقل» العربي ببعض الثوار وليس بالثورات. فعندما يتبجح جندي مصري بقتل مواطن من دين مغاير فيصفق له زملاؤه، وعندما تخرج تظاهرات في تونس (بتصريح من رب العالمين) مطالبة بخلافة إسلامية، يعترينا الشك.
فنحن لم نقف في صف الثورات ضد الدكتاتوريات لتأتينا دكتاتوريات أخرى بقناع آخر، ولم نصرخ في وجه المستبد ليأتينا مستبد ثان في ثوب شيخ ولا حتى في ثوب راهب، ولم تُذرف الدموع وتسيل الدماء كي يسرق أحدهم الثورة، فيلغي ويكفّر ويقتل. نحن لم ولن نقف في صف دين أو مذهب أو حزب ضد الروح الإنسانية مهما كان الثمن، فالإسلام الذي نعرفه كرّم الطير والحيوان والشجر.. فكيف بالبشر؟
قلناها ونقولها.. لا سبيل لضمان حريات المواطن العربي إلا بدول علمانية تقف على مسافة متساوية من جميع الأديان والمذاهب، وبقوانين مدنية تضمن حقوق جميع فئات الشعب. وإلى أن يحصل ذلك سنردد مع مريد البرغوثي «بكيت مع الباكين.. الدين لله والدمع للجميع».