البابا للدبلوماسيين: الظلام يكتنف العالم عندما يرفض الإنسان الإقرار بعلاقته مع خالقه

 

الفاتيكان – إذاعة الفاتيكان

التقى البابا بندكتس السادس عشر صباح اليوم الاثنين أعضاء السلك الدبلوماسي المعتمد لدى الكرسي الرسولي كعادته في مطلع كل سنة لتبادل التهاني لمناسبة حلول العام الجديد. بدأ اللقاء بتحية وجهها إلى البابا عميد السلك الدبلوماسي، سفير هندوراس لدى الكرسي الرسولي أليخاندرو فالاداريس لانزا.

 

استهل البابا كلمته بتحية وجهها إلى الدبلوماسيين ومن خلالهم إلى الدول التي يمثلونها شعوبا وحكومات. وقال إن حضور السفراء يعكس أهمية الإسهام الذي تقدمه الكنيسة الكاثوليكية في مجتمعاتهم لاسيما في حقول التربية والصحة والرعاية. ولفت إلى أن الكرسي الرسولي عازم على تعزيز الحوار مع تلك الدول ومع مختلف المنظمات الدولية والإقليمية.

 

أشار بندكتس السادس عشر إلى أنه التقى خلال العام المنصرم عددا كبيرا من رؤساء الدول والحكومات، لافتا بنوع خاص إلى المسؤولين السياسيين الذين شاركوا في احتفال تطويب سلفه البابا يوحنا بولس الثاني والذين التقى بهم خلال زياراته الرسولية. كما شاء البابا أن يوجه تحية إلى دولة جنوب السودان التي نالت استقلالها في تموز يوليو الماضي.

 

تابع البابا كلمته قائلا إن الظلام يكتنف العالم عندما يرفض الإنسان الإقرار بعلاقته مع خالقه، مسلطا الضوء على الأزمات العديدة التي يشهدها عالمنا المعاصر لاسيما الأزمات الاقتصادية، والسياسية والاجتماعية. وتوقف بندكتس السادس عشر عند الأزمة الاقتصادية والمالية التي ألقت بثقلها على الأسر والشركات في الدول المتقدمة صناعيا وتلك النامية على حد سواء مؤكدا أن الأزمة تضع الإنسان أمام التعمق في البعد الخلقي للحياة الاقتصادية والسعي إلى وضع قواعد جديدة تضمن عيشا كريما لكل شخص.

 

لم تخل كلمة البابا من الإشارة إلى التطورات الأخيرة التي شهدتها منطقتا أفريقيا الشمالية والشرق الأوسط حيث أطلق الشبان ضحايا الفقر والبطالة حركة تطالب بحقهم في المشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية. تابع البابا يقول: يصعب في الوقت الحاضر فهم ما سيترتب على هذه التحركات من نتائج وانعكاسات على التوازنات في المنطقة. والتفاؤل الذي رافق بداية المسيرة ترك اليوم مكانا للإقرار بالصعوبات الراهنة خلال المرحلة الانتقالية. ومن البديهي ـ مضى البابا يقول ـ أن الطريق الأنسب لمتابعة هذه المسيرة تكمن في الاعتراف بكرامة كل شخص غير القابلة للتصرف وبحقوقه الأساسية. احترام الشخص البشري يجب أن يكون في صلب المؤسسات والقوانين وينبغي أن يؤدي إلى نهاية العنف ويحول دون أن يتحول الإصغاء الواجب لمطالب المواطنين والتضامن الاجتماعي إلى أدوات لا ترمي إلا للحفاظ على السلطة. تابع البابا يقول: أدعو الجماعة الدولية إلى عقد حوار مع جميع اللاعبين في هذه العملية في إطار احترام الشعوب.

 

تابع بندكتس السادس عشر كلمته إلى أعضاء السلك الدبلوماسي قائلا: أشعر بقلق شديد إزاء شعوب دول يسودها العنف والتوترات خصوصا في سورية حيث أتمنى أن يوضع حد سريعا لإراقة الدماء وأن ينطلق حوار مثمر بين اللاعبين السياسيين، يسهله حضور المراقبين المستقلين. أما في الأرض المقدسة، حيث تحمل التوترات بين الفلسطينيين والإسرائيليين انعكاسات على توازنات منطقة الشرق الأوسط بأسرها فينبغي على المسؤولين عن الشعبين تبني قرارات شجاعة وطويلة الأمد لصالح السلام. وقد تلقيت بسرور نبأ استئناف الحوار على أثر مبادرة أطلقتها المملكة الأردنية. وأتمنى أن يستمر الحوار ليؤدي إلى سلام دائم يضمن حق الشعبين في العيش بأمن في دولتين سيدتين وضمن حدود آمنة ومعترف بها دوليا. وعلى الجماعة الدولية أن تتقدم بمبادرات تعزز مسيرة السلام، في إطار احترام حقوق كل طرف. وأتابع أيضا باهتمام كبير التطورات في العراق منددا بالاعتداءات التي أسفرت عن سقوط ضحايا كثيرة وأشجع السلطات العراقية على المضي قدما بحزم على طريق المصالحة الوطنية.

 

بعدها ذكّر البابا بأبرز ما جاء في رسالته لمناسبة اليوم العالمي للسلام 2012 حول موضوع "تربية الشباب على العدالة والسلام" مشددا على أهمية الإطار العائلي في المسيرة التربوية لأنه في أحضان العائلة يتعلم المرء كيفية الانفتاح على العالم والحياة. ولفت بندكتس أيضا إلى الدور الواجب أن تضطلع به في هذا المجال المؤسسات التربوية، مشيرا إلى التزام الكنيسة الكاثوليكية الدؤوب في هذا المجال. كما أكد البابا أهمية الدفاع عن الحريات الدينية في العالم، لكون هذا الحق يأتي في طليعة حقوق الإنسان.

 

وتذكر البابا وزير الأقليات الدينية الباكستاني شهباز باتي الذي ذهب ضحية انعدام التسامح. وقال إن المسيحيين يُحرمون من حقوقهم الأساسية في العديد من الدول ويعيشون على هامش الحياة العامة. وفي دول أخرى يتعرضون للعنف وتُهاجم بيوتهم وكنائسهم. وأحيانا يُجبرون على مغادرة بلدان ساهموا في بنائها. وندد البابا بالإرهاب الذي يتخذ طابعا دينيا لافتا إلى أنه أوقع العديد من الضحايا خلال العام الماضي لاسيما في أفريقيا وآسيا. وتضمنت كلمة البابا إشارة إلى أعمال العنف الأخيرة التي وقعت في نيجيريا، لاسيما الهجمات التي استهدفت عددا من الكنائس النيجيرية يوم عيد الميلاد، لافتا أيضا إلى الحرب في شاطئ العاج، وانعدام الاستقرار في منطقة البحيرات الكبرى والأزمة الإنسانية في منطقة القرن الأفريقي. ودعا مرة جديدة المجتمع الدولي إلى العمل على إيجاد حل للأزمة المستمرة منذ سنوات في الصومال.

 

وفي ختام كلمته أشار البابا إلى الكوارث الطبيعية والبيئية التي شهدها العام 2011، خصوصا في جنوب شرق آسيا، خاصا بالذكر حادثة المفاعلات النووية في فوكوشيما باليابان. ثم أكد أن الكرسي الرسولي سيواصل تقديم إسهامه وسط الجماعة الدولية في إطار توجيهات المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني الذي شدد على ضرورة إعلان عظمة دعوة الإنسان الذي يحمل في طياته بذرة إلهية، والتعاون بشكل صادق مع البشرية لإرساء أسس الأخوة الكونية التي تتلاءم مع هذه الدعوة.