التوبة سلاح التلميذ

"وبعدَما أُلْقيَ يوحنَّا في السِّجْنِ، أَتى يَسوعُ إِلى الجَليلِ وهو يَكْرِزُ بإِنجيلِ اللهِ، ويَقول: "لقَد تَمَّ الزَّمانُ، واقْتَرَبَ مَلكوتُ الله؛ فَتُوبوا، وآمِنوا بالإِنجيل". )مر 1: 14 – 15)

لنتوقف أمام حالتين في النص:

الاولى: حالة شر :(يوحنا البار في السجن)؛

الثانية: حالة موقف من الشر ( يسوع يدعو الي التوبة) .

قال السيد المسيح في يوحنا المعمدان  أنه: "أفضَلَ مِنْ نَبِـيٍّ." (مت 11: 9) وقال ايضا: الحقَّ أقولُ لكُم: ما ظهَرَ في النَّاسِ أعظمُ مِنْ يوحنَّا المَعمدانِ، ولكِنَّ أصغَرَ الّذينَ في مَلكوتِ السَّماواتِ أعظمُ مِنهُ. ت11-11 ) يمثل يوحنا المعمدان  الانسان البار والمتخلي. وها يوحنا المعمدان في السجن تنتظره مؤامرة خبيثة من الشرير لقطع رأسه الطاهر.  ما اقبح وجه الظلم عبر الازمان! حقا انه الوجه القبيح والفج للشر في العالم. فماذا فعل المسيح لمقاومة هذا الشر؟ كان بامكانه ان يعيد تنطيم صفوف تلاميذ يوحنا ومريديه ليخرج بمظاهرة تهتف للافراج عن يوحنا قبل ان يعدم! او حتى تشجيع بعض الشبان على اقتحام السجن وتحرير يوحنا! مناصرة للحق ومناهضة للشر وقباحة ظلمه. لكنَّ شيئا من هذا لم يحدث! لقد اختار الرب ان يعطينا سلاح التوبة الشخصية لمقاومة الشرّ! وهي عنده السلاح الوحيد الفعّال .. لذلك اختاره وبعدَما أُلْقيَ يوحنَّا في السِّجْنِ:" أَتى يَسوعُ إِلى الجَليلِ وهو يَكْرِزُ بإِنجيلِ اللهِ، ويَقول: "لقَد تَمَّ الزَّمانُ، واقْتَرَبَ مَلكوتُ الله؛ فَتُوبوا، وآمِنوا بالإِنجيل")مر 1: 14 – 15)

عبر تاريخ البشر، سعيا وراء العدالة والسلم الاجتماعي، سن الانسان قوانين وفرض عقوبات قاسية على من خالفها ك:  السجن ، أوالجلد أو التعذيب أوبتر الاعضاء أوالاعدام. و مع ذلك مازال الشر قابعا على قلوب الكثيرين. اعطى الله موسى الوصايا العشر ومازال الشر قائما!!  وأعطانا الله النعمة والحق عن يد يسوع المسيح ومازال الشر قائما!!

فالنعمة والحق لن يستلم من يد يسوع المسيح سوى كل تلميذ تعلم كيف يتوب. فقد أخرج المسيح التائب من زنزانة الماضي وبنعمة الغفران. ودعاه الا يهدر المتبقي من العمر جالسا في المسوح والرماد. بل أمره أن يقم الان ويمشي الي الامام. فتلميذ المسيح يعترف بالخطأ (الآن) وينسى ما وراء(ورفض الشر بالكليّة) ويمتد الي ما هم قدام (الله).

والتعبير بالعامية المصرية الذي يقول:" انا تبت مش هاعمل كده تاني "  يلخص المفهوم العميق للتوبة فلا يبدي كثيرا من الاهتمام بالماضي بل يصب تركيزه على المستقبل.

فالتوبة هي مقاوم الشر الساكن في النفس اولا، وبذات الفعل  يقلّ الشرُ في العالم. وتتحرر الروح من اصناف العبوديات. متذوقة حلاوة كلمة الله. فنمكن الاخرين من طيبتها. نستلم ملكوت الله لنجعل الملكوت حاضرا بين الناس. فنسهم حقا في تحرير الماسورين من قبضة الشر. إنها سبيل الحق الذي غنى عنه .

مهّد يوحنا المعمدان لذلك التعليم عندما قال لمن اتوا طالبين المعمودية لغفران خطاياهم: (( يا أَولادَ الأَفاعي، مَن أَراكُم سَبيلَ الـهَرَبِ مِنَ الغَضَبِ الآتي ؟)). نعم، بالحق نطق الروح  بلسان يوحنا: التوبة هي سبيل الهرب من الغضب الآتي.

ثمار التوبة

تفرض التوبة الحقيقية على التائب أن يثمر في المستقبل (ما بعد التوبة) ثمارا  تبرهن على صدق التوبة :" أَثمِروا إِذاً ثَمَراً يَدُلُّ على تَوبَتِكم". فدموع التمساح على ضحيته لن تعيد الفريسة الي الحياة،  والنية الحسنة دون كفاح من اجل الثبات على طريق الله لن تسعف ارواحنا يوم الدينونة: (( هاهيَ ذي الفَأسُ على أُصولِ الشَّجَر، فكُلُّ شجَرةٍ لا تُثمِرُ ثَمَراً طَيِّباً تُقطَعُ وتُلقى في النَّار(( .

حسب يوحنا المعمدان ثمار التوبة هي :

1-     العدالة الاجتماعية:" فسَأَله الـجُموع: (( فماذا نَعمَل ؟ ((  فأَجابَهم: ((مَن كانَ عِندَه قَميصان، فَليقسِمْهُما بَينَه وبَينَ مَن لا قَميصَ لَه. ومَن كانَ عِنَده طَعام، فَليَعمَلْ كَذلِك((  

2-     الرحمة :" وأَتى إِلَيه أَيضاً بَعضُ الجُباةِ لِيَعتَمِدوا، فقالوا له: (( يا مُعَلِّم، ماذا نَعمَل ؟((   فقالَ لَهم: ((لا تَجْبوا أَكثَرَ مِمَّا فُرِضَ لَكم((  

3-     القناعة:" وسَأَله أَيضاً بَعضُ الـجُنود: (( ونَحنُ ماذا نَعمَل ؟)) فقالَ لَهم ))  لا تَتَحاملوا على أَحَدٍ ولا تَظلُموا أَحَداً، واقْنَعوا بِرَواتِبِكم ((

ومن ثم، التوبة هي تغيير مسار حياة الفرد  ليتجه نحو الله الذي هو (الطريق والحق والحياة).  والتوبة هي سلاح المسيح ، وكل من تبعه، لمقاومة الشر.

 

الاب متى شفيق