رسالة البطريرك إلى كهنة الكنيسة المارونية

لمناسبة عيد الكهنوت في خميس الأسرار

بكركي، الأربعاء 4 أبريل 2012 (ZENIT.org).

ننشر في ما يلي الرسالة التي وجهها البطريرك الماروني مار بشاره بطرس الراعي استعدادًا للاحتفال بعيد الكهنة، يوم خميس الأسرار، في 5 أبريل 2012.
* * *
أيّها الكهنة المحترمون الأحبّاء

1. يسعدني أن أكتب إليكم يوم خميس الأسرار، باسم إخواني السادة المطارنة الأجلّاء، وأنتم لنا معاونون ومستشارون في خدمة تعليم شعب الله وتقديسه ورعايته(القرار في رسالة الكهنة وحياتهم، 7).
وإذ نحتفل اليوم بعيد تأسيس سرَّي القربان والكهنوت، وبتكريس الميرون، علامة قبول الروح القدس وفعله، نتذكّر ميلادنا الكهنوتي، وشركة اتّحادنا بالمسيح والوحدة فيما بيننا بالروح القدس. فلكم منا التهنئة والتمنيات الكبيرة.
الـتأسيس والدعوة
2. في مثل هذا اليوم، أسّس الربّ يسوع، الكاهن الأزليّ، سرّ القربان، محوّلاً الخبز إلى جسده الذي يُبذل، والخمر إلى دمه الذي يُراق لمغفرة الخطايا(لو22: 19-22)، من أجل استمرارية ذبيحة آلامه وموته على الصليب لفداء البشر، ووليمة جسده ودمه لحياة العالم.
وأسّس سرّ الكهنوت بكلمة "إصنعوا هذا لذكري"(لو 22: 19؛ 1 كور11: 24-26)، من أجل تحقيق هذه الإستمرارية المزدوجة، وضمانة حضوره في حياة الكاهن وفي الكنيسة وفي حياة كلّ مؤمن ومؤمنة. هذان السرّان وُلدا معاً، ولا ينفكّ مصيرهما مرتبطاً الواحد بالآخر حتى آخر الأزمنة. إنّ كهنوتنا يأخذ منشأه ويحيا ويؤتي ثماره من القربان. فلا وجود للكهنوت من دون القربان، ولا وجود للقربان من دون الكهنوت.
3. لقد قدّم الربّ يسوع ذاته عطيّة للكنيسة وللعالم، تتجدّد كلّ يوم بيدَي كلّ كاهن، وقدّم الكاهن عطيّة لهما. وكانت رغبته أنّ الكاهن، فيما يوزّع هبة جسد المسيح ودمه، ذبيحة غفران وفداء، ووليمة الحياة الجديدة، يهب معها ذاته متفانياً في التعليم والتقديس والتدبير، من أجل خلاص كلّ إنسان. أجل لقد كنتم، واحداً واحداً ونحن أيضاً، في خاطر المسيح الكاهن والفادي عندما قال: "إصنعوا هذا لذكري". واليوم، يشعر كلّ واحد أنّ المسيح وضع يده عليه، وأشركه شخصيّاً في سرِّه الكهنوتي القرباني. بهذا الشعور نجدّد اليوم مواعيد الكهنوت، والأمانة للمسيح الكاهن الذي بذل ذاته فدىً عن الكثيرين، وللكنيسة ورسالتها الخلاصيّة.
4. يوم وضع الأسقف يده على رأسك أيّها الكاهن، كان الربّ يسوع يضع يده عليك، قائلاً لك "اتبعني"، كما قالها لرسله، كهنة العهد الجديد. إنّ يده ترافقُكَ في كلّ مراحل حياتك، وتنشلُك وتقوّيك. وعندما تختبر المحدودية في شخصك، والخوف أمام عظمة الواجب، والضعف في الإمكانيات، يأخذك المسيح بيده ويقول لك: "لا تخفْ أنا معك"، مثلما قال لبطرس بعد الصيد العجيب(لو5: 4-11). وعندما تخاف من هول الرياح المعاكسة وأمواج بحر العالم الهائجة، وكأنّك تشرف على الغرق في هموم الدنيا وتجارب الحياة وتتراجع أمام صعوبات الرسالة، "يمدّ ربنا يده إليك كما مدّها لبطرس، وينشلك ويقول لك: تشجّع يا قليل الإيمان، لماذا شككت؟"(متى31:14).
الميرون وهبة الروح القدس
5. في هذا اليوم يكرّس البطريرك الميرون وزيوت المعمودية ومسحة المرضى، علامةً لحلول الروح القدس على قابلي الأسرار المقدّسة، وبخاصّة على كهنة العهد الجديد. بمسحة الميرون وحلول الروح، أصبح الكاهن شريكاً للمسيح في النبوءة والكهنوت والملوكيّة، معلِّماً لكلام الله، ومقدِّساً بنعمة الأسرار الشعب المفتدى بدمه الإلهي، وراعياً يقود الجماعة المؤمنة إلى ينابيع محبة المسيح. والروح يصوّره في كيانه الداخلي على صورة يسوع المسيح، الكاهن الأزلي و"راعي الرعاة العظيم"(1بط 4:5)، ويُدخله في شركة الإتّحاد بالله الواحد والثالوث، وفي شركة الوحدة مع الأسقف والجسم الكهنوتي وجميع الناس.
6. إنّ تكريس الميرون، على يد البطريرك، وتوزيعه على جميع الكنائس، علامة للشركة التراتبية مع من هو "رأس الكنيسة وأبوها". هذه الشركة الروحية في الكنيسة يقيمها الروح القدس، لأنّه المبدأ الجامع، كالروح في الجسد. ويغذّيها خبز جسد المسيح ودمه، ويشدّد روابطها، على ما يقول بولس الرسول: "لأننا نغتذي من الخبز الواحد، نحن كلّنا جسد واحد"(1كور17:10)، ولأنّ "كأس الشكر التي نباركها هي شركة دم المسيح"(1كور16:10).
هذه الشركة الروحية هي تراتبية أيضاً، لأنَّ الكنيسة، بعنصرَيها الإلهي والبشري، مكوّنة ومنظّمة كمجتمع، وتقتضي من جميع أعضائها، إكليروساً وعلمانيين، لكي تكون كاملة، الإلتزام بثلاثة متكاملة وغير قابلة للإنفصام: الإعتراف بحقائق الإيمان، والإقرار بالأسرار السبعة، والخضوع للسلطة الكنسيّة وقوانين الكنيسة(مجموعة قوانين الكنائس الشرقية، ق 7و8).
7. لكن الميرون الذي يتقدّس، وقد مُسح به الكاهن، إنما هو لتقديس من يُمسح به بنعمة الروح. فإذا جمعنا الصلوات التي تُتلى في رتبة تكريس الميرون، وهي مأخوذة من الليتورجيا الأنطاكية السريانية، تُختصر بالصلاة التالية:
"أيّها الآب أرسلْ روحك القدوس علينا وعلى هذا الزيت الذي بين أيدينا، ليكون لجميع الذين يُمسحون ويُختمون به، ميروناً مقدّساً، ميروناً كهنوتيّاً، ميروناً ملوكيّاً، مسحة بهجةٍ، وثوب النور، وحلّة الخلاص والعطيّة الروحية، وتقديساً للنفوس والأجساد، والسعادة التي لا تبلى والختم الذي لا يُمحى، ودرع الإيمان والخوذة الرهيبة لصدّ هجمات العدوّ(راجع هذا المختصر في كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، 1297).
8. في إطار تأسيس سرَّي القربان والكهنوت، قام الربّ يسوع بمبادرة بنويّة، وهم في عشاء الفصح الأخير، فغسل أرجل كهنة العهد الجديد، وأعطانا القدوة(يو10:13)، بحيث أنّ مشاركة الكاهن في سرَّي القربان والكهنوت دعوة للخدمة الوضيعة من دون حساب. لأنّ هذه مشاركة في الحبّ الإلهيّ الذي ينقّي من الكبرياء والأنانية وحبّ الذات والظهور. فلا يوجد في حياة الكاهن أثمن من المسيح. ألم يرفض يهوذا الإسخريوطي محبّة المسيح عندما غادر مائدة المحبة، وفضّل الثلاثين من الدراهم على يسوع، وأسلمه للحاقدين الرافضين مثله محبة الله؟(متى 26: 15-16؛ يو 13: 30).
9. أيّها الكهنة المحترمون والأحبّاء، دعائي مع التهنئة بالعيد أن تحافظوا على الرباط العضوي الوجودي بينكم وبين القربان، وأن تتميّزوا بالروحانيّة القربانيّة الغنيّة، أعني: الإنتماء الكامل إلى المسيح وتكريس الذات له ولرسالته؛ والمحبّة للمسيح النابعة من القربان؛ والتقوى في العبادة والإحتفال بالليتورجيّا الإلهيّة؛ والغيرة في توزيع خبز الكلمة بالكرازة والتعليم وخبز جسد الربّ ودمه في القدّاس للبعيدين والقريبين؛ واكتساب صداقة المسيح بالتأمّل الدائم في وجهه، في مدرسة مريم الكلّية القداسة، التي وحدها تعرف جمال يسوع، والتي تحت الصليب جعلها بشخص يوحنا أمّاً لكلِّ كاهن(راجع يو 19: 26-27).
مع تأكيد محبتي وبركتي الرسولية.
عن كرسينا في بكركي، خميس الأسرار 5 نيسان 2012
+ بشاره بطرس الراعي
بطريرك أنطاكيه وسائر المشرق