بغبغة بلا قفص!

إبراهيم عيسى-28/04/2012

مشكلتنا بصراحة هى البغبغة، رغم أن مصر لا تعرف انتشار طائر الببغاء فى أنحاء البلاد، ولا تتوافر عندنا أنواع ببغاوات تستدعى التشبه بهذا الطائر جميل الشكل الذى وضع عقله فى حنجرته وروحه فى أذنيه، يلتقط الحروف والكلمات ويرددها، فنسمع ونتعجب ونضحك.
لكن ماذا لو أن شعبا بأسره صار كل مواطن فيه يضع ببغاءً فى عقله وحنجرته؟!
يقول الشاعر أحمد مطر:
ذكينا يشمت فيه الغباء
ووضعنا يضحك منه البكاء
هناك عدد كبير من البغبغانات (الببغاوات) فى حياتنا، وإذا كان هذا طبيعيا وواردًا بين عوام الناس ودهماء الوطن أن يسمعوا شيئا فيرددونه، مصدقين مكررين مثل الببغاوات، وإذا كان تعبيرا عن مجتمع فقدَ عقليته النقدية القادرة على الفرز والتفنيد بعد سنوات من تجميد العقل فى ثلاجة التطرف والخرافة والاستبداد، فإن المؤسف أن الوسط السياسى والجيل الشاب الذى كان مأمولا فى ذكاوته يسقط فى فخ البغبغة بسرعة مذهلة ومزرية، لا أحد يشغل عقله قبل ما يسمع، والكل مشغول بإصدار الأحكام السهلة، ولا أحد يبذل جهدا فى تفنيد جملة تتكرر أو معلومة تدور وتلف على الأسماع فى «تويتر» أو فى جورنال أو برنامج!
ونحن نصدق بسرعة جدا ونردد بسرعة أكبر ما سمعناه وصدقناه دونما تفكير للحظة، أو لفيمتوثانية!
ومرة أخرى يقول الشاعر أحمد مطر:
يا أرضنا، يا مهبط الأنبياء
قد كان يكفى واحد لو لم نكن أغبياء.
ونحن كلنا حازمون، ليس جمهور حازم صلاح أبو إسماعيل فقط من يعتنق حتى الإيمان بنظرية «الشيخ حازم مابيكذبش»، بل معظم، إن لم يكن كل شرائح المجتمع، دخلت فى سكة اللى يروح مايرجعش، ففلان خائن حتى لو كانت أى مناقشة عقلية تنسف هذا الهراء الذى يرددونه، وفلان برىء حتى لو هناك أدلة لبراءته تخزق عين التخين، البلد كلها مش عايزة تشغَّل عقلها وتسلم نفسها لغرائزها وانحيازاتها العاطفية وبلاهتها الثقافية وعبطها السياسى، من اليسار إلى اليمين، من جمهور «التويتر» إلى جمهور الشيخ حازم، من شباب «الفيس» إلى شباب حملة شفيق، من «الفراعين» إلى «الحكمة»، من الأساتذة اللى عاملين فيها ثوريين إلى الثوريين اللى عاملين فيها أساتذة، كله فى الببغائية، ينغمسون فى البغبغبة وتكرار المكرر!
بعد ثورة يناير استرد الشعب المصرى كثيرا من حريته لكنه لم يسترد حتى الآن عقله كاملا، فقدْ لوثته سنوات التعليم الفاشل والفقر والفساد والاستبداد والتجارة بالدين، ولهذا تسلم عقل مصرى الثورة، وهو لم يتحرر كما تحررت روحه وكرامته!
تأمل البغبغة التى سمعتها خلال الأيام الماضية عن الانتخابات الرئاسية وعن المرشحين والمؤامرات، وعن أهمية قانون العزل الذى هو عار وفضيحة علينا جميعا، وعن خطط المجلس العسكرى التى تتغير كل يوم الصبح طبقا للعقلية الهشة التى تتخيل كل ما تعجز عن فهمه خطة، وكل ما تتعطل قدرتها عن تفسيره مؤامرة. عمر سليمان دخل الانتخابات بصفقة مع «العسكرى»، عمر سليمان خرج من الانتخابات وتم استبعاده من الترشح لأنه كانت الصفقة من الأول هى ترشحه ثم استبعاده كى يغطى على خروج خيرت الشاطر وحازم أبو إسماعيل، ثم لا، إن الخطة هى أنهم يستبعدون سليمان مع المرشحَين الاثنين الإسلاميين ثم يعيدونه وحده، ثم تتحول الخطة يا ألطاف الله إلى أنهم لم يعيدوا سليمان لأنهم يعملون لصالح موسى وأحمد شفيق.
ثم إنهم (ضمير الغائب «هم» يعود على المجلس العسكرى الذى يتوهم الجميع أنه صاحب حظوة وخطوة كأنه فارق قوى يا اخويا عن البلد كلها فى المستوى الذى وصل إليه العقل السياسى خلال الثلاثين عاما الماضية)، لم يصدقوا على قانون العزل كى يدخل الفلول الانتخابات، ثم يباغتهم «العسكرى» بالتصديق على قانون العزل، ثم فاجأتهم لجنة الرئاسة باستبعاد شفيق، فقالوا إنهم (إنهم تانى وعاشر!!) استبعدوا شفيق لمصلحة عمرو موسى وكى تخلو الساحة له، لأن موسى هو مرشح «العسكرى»، وهكذا تجلت الخطة. ألم نقل لكم إنهم مدبرين الرئاسة لموسى، ومن ثم رموا شفيق؟ لكن لجنة الرئاسة تفاجئهم بإعادة شفيق، فيصرخون بسرعة. شفتم ألم نقل لكم إن شفيق مرشح «العسكرى» وأعادوه كى يسحب من رصيد عمرو موسى؟!
وهكذا أيها السادة، البلد كلها بتهرتل، من مجلسها الأعلى لأوطى عيل فيها!

\"\"