رجل للبلد دى

٢٨/ ٤/ ٢٠١٢


بقلم مفيد فوزى

تروق لى مخاطبة العقلاء.. ولو كانوا يفكون الخط فقط، لكنهم يحسنون التمييز بعقولهم المثبتة فى رؤوسهم، ولذلك فالمتفذلكون يمتنعون. يروق لى الحديث بصوت منخفض إلى حد الهمس ليصل الرأى إلى ثنايا المخ، ولذلك فالغوغائيون يمتنعون، بعد أن صورونا للعالم على أننا كأمة مجرد «ظاهرة صوتية»، ولعلى أرى أن الأهم فى أدوار الصحافة هو كشف الطريق أمام قارئ وحقنه بالوعى فى زمن انتقالى غاب فيه الوعى كثيراً. وكما يقول الإنجليز: «خذ مقعدا وتكلم»، وموضوع الكلام: من هو الرجل الذى «سيحكم» البلد دى؟ دروس التاريخ علمتنا الكثير وهى بمثابة مشاعل إنارة. عبدالناصر كان زعيما «يحلم» وتراثه السد العالى وتأميم القناة وتحديد ملكية الأرض والكرامة، بيد أن «صداقته الحميمة» أوقعته فى شباك الهزيمة والنكسة.

السادات كان رجل دولة «مناور» واستطاع خداع العدو الإسرائيلى وكسب الحرب من براثن إسرائيل وأزال غبار النكسة، بيد أنه ترك السوق «سداح مداح» على حد تعبير أحمد بهاء الدين، فاغتنى الأغنياء وافتقر الفقراء وأراد أن يضرب الشيوعيين- بعبع ذلك الزمان- فأتى بالإخوان وصار القط نمراً وكان أن أسقطوه من فوق جواده وصرعوه وسط موكب حافل، وكان قد تخلص من سطوة مراكز القوى. مبارك كان رئيساً «واعدا» منحازاً لمحدودى الدخل، استفاد من عصرين وضمن للمصريين «زمنا بلا حروب» وعبر سنواته الأولى أعطى ما استطاع، بيد أنه «انفصل» عن الناس إثر رحيل حفيده وتعرضه شخصياً للموت، فترك الأمور لبيته ومجموعة هواة سياسة من رجال الأعمال الوزراء.
وكانت النهاية خلال ١٨ يوماً حسب سيناريوهات إلهية على يد «هبة شباب» ليس لها قائد أو قيادة، لكنها صرخت فى مليونية «الشعب يريد إسقاط النظام» وكان للشعب ما أراد. وعاشت البلد دى زمناً أغبر ولا تزال، وآن الأوان لسقوط دولة «الكلامنجية» و«خريجى السجون والمعتقلات»، و«الكذب الأقحوانى». آن الأوان لعودة كلمات مثل «حضرتك» و«اتفضل» و«شكرا» و«آسف» و«أعتذر» بعد أن هبطنا فى مستنقع البذاءة والندالة والتخوين والتحول الفاجر.
كيف؟ باختيار حر لرجل للبلد دى. رجل قوى ليس مصارعا فى حلبة، بل يصارع الفقر الذى زادت نسبته والجهل الذى استشرى، فسيطرت عليه الذقون والمرض الذى يفتك بالمصريين. دون إحصاءات.. رجل قوى بعقله ينهى زمن الفوضى بالقانون والقوة وليس بالطبطبة والخشية من «حقوق الإنسان» مزدوجة الوجه«!» رجل للبلد دى يتحالف مع الشيطان- لا الإخوان- ليطعم الأفواه المفتوحة بقمح يرويه ماء النيل ولا نستورده. رجل كل كلمة ينطقها تشى بكلمة «م. د. ن . ى. ة» ودروس العمر خير بيان أن فى غياب رئيس مسلم مدنى الهوية، يسقط البلد فى بئر بلا قرار. رجل يعرف شرع الله دون أن يكون «شرع الله» بضاعته الوحيدة، رجل بتاع ربنا بضميره، وليس بشوية سكر ودقيق وبطانية. وعلى أفندية القرى المتنورين أن «يوعوا» الغلابة الحيارى الباحثين عن رجل للبلد دى يلتفت لهم ويجلس معهم على الطبلية، لا فى تمثيلية كوباية شاى معدة سلفاً للرئيس! رجل للبلد دى يختار «فراودته» بعناية مفرطة فلا يحجبون عنه شيئاً ولا يزورون الصورة.
رجل للبلد دى يمارس رياضة حمل «أثقال المجتمع» ويسبح لمسافات طويلة «لترسيخ قيم» اتمرمطت. رجل يحترم القضاء ويعطى للقاضى أمناً وهيبة بعد أن صارت المحاكم ساحات حرب قذرة، لا ساحات عدالة. رجل للبلد دى ينشر الأمن فى ربوعه.

رجل للبلد دى يستثمر خبرات العالم مع الأيدى المصرية فى بناء مشاريع كبرى ذات عائد. رجل للبلد دى متزن وليس «مهياص»، محترم حتى لو قابل «سفهاء». رجل للبلد دى يحافظ على جذوة الشباب، فلا تفتر، فربما طلع حزب سياسى ناطق باسمهم يقلص الائتلافات ذات المليون رأى!.

رجل للبلد دى يستعين بكوادر مدربة فى أى مجال لأنه ليس «أبوالعريف» الذى يفهم فى كل شىء! رجل للبلد دى، يؤمن بأنه للموقع الرفيع مجرد «زائر» لسنوات معدودة، أقل من أصابع اليد الواحدة، والوطن ليس عزبة ولا ثكنة ولا قطعة أرض امتلكها بالأمر المباشر. رجل للبلد دى، أحزانه هى أحزان وطنه وأفراحه هى أفراح ناسه، لا يهتز لقصائد مدح لأنها قد تصبح بعد قليل قصائد ردح!.. وأيا كانت التمريرات أو السيناريوهات أو التربيطات أو الصفقات أو التعميات أو الاستبعادات أو الإخلاءات، يظل المصرى من ٨٠ مليوناً إلا قليلاً هو صاحب تراب البلد دى وهو «الحاكم» فى الصندوق العالى المقام.

المصرى اليوم