مواجهة الموت

وجهة نظر العالم بأخلاقيات علم الأحياء الأسترالي في مسائل مثيرة للجدل

 

 

بقلم الأب جون فلين،

روما، 4 مايو  2012 (ZENIT.org).

سنموت كلّنا يوماً وطريقة تفاعلنا مع المرض والمعاناة تخبر الكثير عنّا، هذه نظريّة نيكولاس تونتي- فيليبيني في كتابه الجديد "الاهتمام بالأشخاص المرضى أو المنازعين" (منشورات كونور كورت).

تونتي – فيليبيني هو العميد المساعد ورئيس أخلاقيات علم الأحياء في معهد يوحنا بولس الثاني للزواج والعائلة في ميلبورن، أستراليا. كان أوّل خبير استرالي في الأخلاقيات في مستشفى وذلك قبل 28 عاماً في مستشفى سانت فنسنت، ميلبورن.

إضافةً إلى مؤهلاته المهنية، يتمتّع بتجربة شخصيّة كونه شخص مريض حارب لسنوات طويلة أمراض مزمنة مختلفة. في الواقع، يتضمّن كتابه أموراً مقتبسة عن تجربته الخاصّة كمريض في المستشفى وكيف عاش مرضه وواجه نقص مبادئ أخلاقيات علم الأحياء.

في الفصل الأوّل من الكتاب، يناقش تونتي-فيليبيني عدداً من المسائل العامّة التي تخصّ علاقة المريض بنظام العناية الصحية. في قسم أوّل يتناول موضوع مبادئ العناية الصحية كما هي معروفة في التقليد الكاثوليكي.

أحد هذه المبادئ هو الإدارة، المنبثقة من العصور الوسطى والتي تتمحور حول فكرة مسؤولية الإنسان عن العناية بجسده. هذه النظريّة تختلف كثيراً عن النظرية العامّة التي ترى الحياة قابلة للاستهلاك إذا فقدت فائدتها. مبدأ حصانة حياة الإنسان يتعلّق بالفكرة الأولى.

وكمبدأ ثالث، يأتي مبدأ الكلّيّة الذي يفترض أنّ كلّ عضو من أعضاء الجسد موجود لمنفعة الجسد بأكمله. وفقاً لهذا المبدأ فإن الأعضاء ذات الدور الثانوي في الجسد لا يمكن التخلّي عنها إلّا لتحسين عمل الشخص ككلّ أمّا المقدرات الأساسيّة للإنسان فلا يمكن التخلّي عنها إلّا في حال ضرورة إنقاذ حياته.

العناية الاستثنائية

يتناول الفصل الثاني من الكتاب المشاكل المختلفة للعناية بالأشخاص المنازعين. التفرقة بين وسائل العناية العادية والعناية الاستثنائية تعود إلى القرن السادس عشر بحسب ما ذكر تونتي-فيليبيني.

وبالتالي، فإن الإجراءات الطبيّة التي تشكّل عبئاً غير مناسب أو التي لا تتناسب مع النتيجة المتوقعة يمكن إيقافها. هذه المسألة تختلف كثيراً عن الإنتحار الذي يتناقض مع الميل الطبيعي للحفاظ على حياتنا.

علاوة على ذلك، عولج في هذا الفصل موضوع أوامر الإنعاش. عندما يعاني شخص ما من مرض مزمن، أي محاولة لإنعاش قلبه في حال توقّفه فهي على الأرجح ستبوء بالفشل. إنّ محاولة إنعاش كل شخص تعني ألّا أحد سيموت بسلام، كما فسّر تونتي-فيليبيني، فعمليّة الإنعاش تطفليّة كثيراً وتدليك القلب يؤدّي إلى تكسير الضلوع خصوصاً عند الكبار في السنّ.

يذكر الكاتب من ضمن العوامل التي يجب أخذها في الحسبان عند تقرير سواء السماح أو عدم السماح بإجراء أمر الإنعاش: حالة المريض الفكرية وأي ميول للانتحار، سواء كان المريض على علم بالمعلومات الطبية وبحكم طبيب المريض.

فيما يخصّ وقف الطعام والماء عند المريضين، يعتقد تونتي-فيليبيني أنّه من شأن المنشأة الكاثوليكيّة المحاولة بجهد لإقناع الشخص الذي امتنع عن الطعام والمياه ليموت بالعدول عن قراره.

أمّا بالنسبة إلى القتل الرحيم الذي يتميّز عن الإمتناع عن تطبيق علاج غير نافع والذي ينهي حياة شخص ما عن قصد بعلاج مميت، فيعتقد تونتي-فيليبيني أنّه علينا احترام استقلالية الشخص وإنهاء حياة شخص ما يقضي على أي فرصة لاستقلالية الشخص في المستقبل. وبالفعل، قال إمانويل كنط أنّ الإنتحار خطأ إذ يعامل الشخص نفسه كسلعة أو كوسيلة لتحقيق غاية.

والإنتحار بمساعدة الأطباء يتعارض مع دور الطبيب ألا وهو محاولة الحفاظ على الحياة والصحة. وفي حال كان القتل الرحيم ممكناً، سننقل التركيز من العناية المخففّة إلى إنهاء حياة الناس.

ذكر تونتتي-فيليبيني أيضاً أن المنظمات الطبية الوطنيّة في العالم الأجنبي رفضت رفضاً قاطعاً تطبيق الموت الرحيم والانتحار بمساعدة الأطباء معتبرة أنّه منافٍ لأخلاقيات العناية الطبية.

احترام الحياة

رداً على النقد الذي يعتبر أنّ قدسيّة حياة الإنسان هي معتقد ديني لا يجب أن يؤثّر على القانون المدني، يقول تونتي-فيليبيني أنّ عدم انتهاك حياة الإنسان ليست فقط فكرة دينية إنّما معترف بها أيضاً في شرعة حقوق الإنسان.

عندما يتعلّق الأمر بالأشخاص غير المتجاوبين، لا يمكن المساس باحترام  حياتهم لأن هذا الاحترام لا يقتصر على الأفعال التي يمكنهم أو لا يمكنهم القيام بها إنّما يقتصرعليهم شخصياً.

كثيراً ما يقول مؤيّدوا القتل الرحيم أنّ التشريعات الحذرة الموضوعة ستمنع الإساءة كما أنّها ستمنع تطبيق القتل الرحيم للّذين هم بحاجة إليه. أشار مونتي-فيليبيني إلى أنّ التجارب في البلدان حيث القتل الرحيم مسموح تثبت العكس. فهناك فعلاً "منحدر زلق"  كما أن إرادة العيش ستتأثّر بخيار الموت الرحيم إذ بعض الناس سيرفضون أن يكونوا عبئاً على حياة أسرهم.

في فصول أخرى، تناول تونتي-فيليبيني مواضيع كالأمراض العقلية والمعاناة من المنظار المسيحي وما يعني العيش مع أمراض مزمنة وألم. باختصار، يسعى الكتاب إلى الدمج  بطريقة مقنعة بين المعايير الأخلاقية والمبادئ المسيحية التي تتخلّلها تجارب الكاتب الخاصّة المؤثّرة.