زيارةُ البابا بندكتوس الـ16 للبنان والعالمُ العربيُّ ومسيحيوه

والعالمُ العربيُّ ومسيحيوه

أشرف ناجح إبراهيم

خاص بالموقع – الاثنين 17 ديسمبر 2012

مُقدِّمةٌ

في أعقابِ زيارةِ البابا بندكتوس الـ16 لأراضي لبنان الحبيبِ (مِن 14 إلى 16 سبتمبر 2012) أُريدُ أَنْ أُعبِّر له عن فرحتي بزيارته للشَّرق الأوسط بواسطة زيارته للبلد الحبيب لبنان، وأُريدُ أَنْ أُعبِّر له أيضًا عن رجائي بأَنَّ هذه الزَّيارةَ الرَّسوليَّةَ المُقدَّسةَ ستكون خطوةً جديدةً نحو شرقٍ أوسطٍ جديدٍ ونحو السَّلامِ العالميِّ الَّذي نصبو إليه جميعًا. ولم أجد طريقةً أخرى للتَّعبير له عن فرحتي ورجائي غير كتابةِ هذه الخواطرِ السَّريعةِ والَّتي ستتمحَّور حول ثلاثةِ عناصرِ أساسيَّة: الزَّيارةُ الرَّسوليَّةُ للبابا بندكتوس الـ16 للبنان، مسيحيو الشَّرقِ الأوسطِ والعالمُ العربيُّ وأحوالُه، همومُ بابا الكنيسةِ الجامعةِ والعالمُ العربيُّ وكنائسُه.

1.     الزَّيارةُ الرَّسوليَّةُ للبابا بندكتوس الـ16 للبنان

إِنَّ زيارةَ البابا بندكتوس الـ16 للبنان هي الزَّيارةُ الدَّوليَّةُ الرَّابعةُ والعشرون لقداسته، والزَّيارةُ الرَّابعةُ لقارة أسيا (بعد تركيا في عام 2006 والأراضي المُقدَّسة في عام 2009 وقبرص في عام 2010). وقد تمت هذه الزَّيارةُ الرَّسوليَّةُ بعد دعوةِ الرَّئيسِ اللبنانيِّ "ميشيل سليمان" ودعوةِ البطاركةِ والأساقفةِ الكاثوليكِ في لبنان للبابا بندكتوس الـ16 لزيارةِ لبنان الحبيب؛ وهذه الدَّعوةُ المُزدوجةُ تُظهِر بدورها أَنَّ غايةُ هذه الزَّيارةُ الرَّسوليَّةُ للبابا إلى لبنان هي أيضًا مزدوجةٌ: تعزيزُ العَلاقاتِ القائمةِ منذ القدم بين لبنان والكرسيِّ الرَّسوليِّ، وتوقيعُ وتسليمُ الإرشاد الرَّسوليّ للمجمع الخاص لسينودس الأساقفة مِن أجل الشَّرقِ الأوسطِ[1].

وفي الواقعِ، يحتل "الإِرشادُ الرَّسوليُّ" ("الكنيسةُ في الشَّرقِ الأوسطِ") المُوجَّه لكنائس الشَّرقِ الأوسطِ، وليس فقط، المكانةَ الرَّئيسيَّةَ في هذه الزَّيارةِ الرَّسوليَّةِ. ويأتي هذا "الإِرشادُ الرَّسوليُّ" بعد مرور حوالي عامين (أكتوبر 2010) على انعقادِ سينودسِ الأساقفةِ من أجل الشَّرقِ الأوسطِ الَّذي كان تحت شعارِ "شركةٌ وشهادةٌ". ومن خلال هذا "الإِرشادِ الرَّسوليِ" يسعى قداسىةُ البابا بندكتوس الـ16 إلى شكرِ وتشجيعِ كنائسِ الشَّرقِ الأوسطِ على رسالتهم العريقةِ والعظيمةِ في هذه المنطقةِ؛ ويرجو أيضًا أَنْ يكونَ هذا "الإِرشادُ الرَّسوليُّ" بمثابة "خارطةِ طريقٍ" للسنوات المقبلةِ[2].

وقد تحدَّث أيضًا البابا بندكتوس الـ16 في خطابه في مراسمِ الاستقبالِ عن "التَّعايشِ المشتركِ" في الشَّرقِ الأوسطِ وفي العالمِ بأسره. وأكَّد أَنَّ زيارته تحمل رسالةَ سلامٍ إلى الجميعِ:

«فخامة الرَّئيس، أيُّها الأصدقاء الأعزاء، جئتُ إلى لبنان كحاجِّ سلام، كصديقٍ لله، وكصديقٍ للبشر. "سلامي أُعطيكم": سلامي أعطيكم هكذا يقول المسيح، (يو ١٤، ٢٧). ومن خلال بلدكم، أتيتُ اليومَ، وبطريقةٍ رمزيِّةٍ، إلى جميع بلدان الشَّرق الأوسط كحاجِّ سلام، كصديقٍ لله، وكصديقٍ لجميع سكَّان دول المنطقة كافّة، مهما كانت انتماءاتُهم أو معتقدهم. ولهم أيضاً يقول المسيح: "سلامي أعطيكم". أفراحُكم وآلامُكم حاضرةٌ دائماً في صلاةِ البابا، وأطلبُ من الله أن يَرافقكم ويُعزّيكم. وأؤكِّدُ لكم أنني سأصلِّي بطريقةٍ خاصّة من أجلِ جميع الَّذين يتألَّمون في هذه المنطقة، وهم كثيرون»[3].

إنها كلماتٌ في غايةِ الرَّوعةِ والعمقِ، وتُلخِّص بدورها معنى زيارةِ البابا للشَّرقِ الأوسطِ (الدَّعوةَ إلى الحوارِ، والدَّعوةَ إلى السَّلامِ ضد العنفِ، والسَّيرَ معًا لإيجادِ الحلِّ للمشاكل)[4]؛ ولا أبالغ إِنْ قلتُ إِنَّها تُلخِّص أيضًا رسالةَ بابا الكنيسةِ الجامعةِ تجاه هذا العالمِ ومن أجله: إِنَّه يحمل رسالةَ سلامٍ من أجلِ عالمٍ انهكته الحروبُ والصِّراعاتُ، إِنَّه صديقٌ لله ويريد أَنْ يجعل مِن البشرِ أصدقاءً لله، إِنَّه صديقٌ للبشر ويسعى لخيرهم. 

2.     مسيحيو الشَّرقِ الأوسطِ والعالمُ العربيُّ وأحوالُه

ماذا نقول عن عالمنا العربيِّ وأحواله في هذه الأيامِ الحاضرةِ؟ كيف أصبحت "أرضُ الوحيِّ الكتابيِّ"[5] أرضًا فُقِدَ فيها السَّلامُ والاستقرارُ؟ وكيف أصبحت أرضُ "الدَّياناتِ الثَّلاثةِ الإبراهيميِّةِ"[6] (اليهوديَّةِ والمسيحيَّةِ والإِسلامِ) منطقةَ صراعاتٍ وحروبٍ؟ وهل هذا يُثبت للعالمِ فَراضيَّةَ أَنَّ الأديانَ مصدرُ عنفٍ وعدمِ تسامحٍ؟

بالطَّبع لا، فالعالمُ العربيُّ ليس مجردَ صراعاتٍ وحروبٍ، وإِنْ كانت وسائلُ التَّواصلِ الاجتماعيِّ تُظهِر فقط هذه الصَّورةَ؛ فالعالمُ العربيُّ عالمٌ غنيٌّ ومُعقَّدٌ ومُتناقضٌ في ذاتِ الوقتِ. إِنَّه عالمٌ غنيٌّ بالمواردِ الطَّبيعيَّةِ والإِقتصاديَّةِ، لدرجة أَنَّ الفقرَ يتغُّول فيه وبين سكَّانه بغض النَّظرِ عن بلادهم؛ وهو عالمٌ غنيٌّ بحضاراتٍ وثقافاتٍ وشعوبٍ سكَّانه وبكثرةِ مثقَّافيه وعلماءه، لدرجة أَنَّ حضارته تبدؤ وكأنها توقفت عند العصورِ الوسطى وأَنَّ المؤسساتَ التَّعليميَّةَ والدِّينيَّةَ تعاني من عدمِ التَّحديثِ لمواكبةِ الواقعِ المُعاصرِ؛ وهو عالمٌ مُتدَّينٌ جدًا، لدرجة أَنَّ التَّدُّين يصل فيه إلى حدِّ الأوصوليَّةِ المُتطرِّفةِ؛ وهو أرضُ الأنبياءِ والمؤمنين بالإلهِ الوَاحدِ-الخالقِ، لدرجة أَنْ يصل التَّطرُّفُ الدِّينيُّ ببعضِ أبنائها إلى يَضحوا أنبياءً كذبةً ومؤمنين بالتَّدميرِ والقتلِ باسِ الدِّينِ والإيمانِ بالإلهِ الواحدِ-الخالقِ؛ وهو أرضٌ الكرمِ والتَّقاليدِ والعائلةِ والزَّواجِ والتَّرابطِ بين أفرادِ الأسرةِ، لدرجة أَنَّ البُعدَ الفرديَّ والحريَّةَ الشَّخصيَّةَ لا تجدان مكانهما الصَّحيحَ في مجتمعٍ يغلب عليه الطَّابعُ البطريركيُّ والبُعدُ الجماعيُّ؛ إنه منطقةٌ لا يمكنها أَنْ تحيا بدون النِّساءِ وحضورهن الأصيلِ، لدرجة أَنَّ المرأةَ لا تملك فيها حريتها الطَّبيعيَّةَ وكرامتها الأنطولوجيَّةَ؛ إنه بلادٌ معروفةٌ بالتَّحيَّةِ العربيَّةِ المشهورةِ "السَّلامُ عليكم" ( التَّحيَّةِ الَّتي نسمعها منذ الصَّباحِ وحتى المساءِ)، لدرجة أَنَّ هذا التَّرديدَ اللَّفظيَّ والشَّفهيَّ أضحى صرخةً عميقةً خارجةً مِن أعماقِ كيانِ كُلِّ عربيٍّ…إلخ

وبعيدًا عن الرُّومانسيَّةِ واللَّعبِ بالألفاظِ يمكن القَولُ أَنَّ عالمنا العربيَّ أكثرُ تعقيدًا ممَّا تُقدِّمه لنا وسائلُ الاتصالاتِ الاجتماعيَّةِ؛ فهو عالمٌ يعاني في كثيرٍ مِن مناطقه مِن الفقرِ والجهلِ والمرضِ والتَّطرُّفِ والتَّزعزُّع وعدمِ الحوارِ وإهدارِ كرامةِ المرأةِ وحقوقها وعدمِ الرعايا الكفايةِ للشبيبةِ والطُّفولةِ، هذا بالرغم مِن مقدرته ورغبته في تحسينِ كُلِّ هذا وفي إصلاحِ ما أفسده البشرُ بأعمالهم غيرِ المسؤولةِ.

إِنَّ زيارةَ البابا بندكتوس الـ16 إلى العالمِ العربيِّ وكلماتَه وأحاديثَه تلمس كُلَّ هذه القضايا المُعقَّدةِ وتريد تحريكها؛ وهي تُعبِّر أيضًا عن همومِ خليفةِ القديسِ بطرس وراعي الكنيسةِ الجامعةِ تجاه العالمِ كله، وخاصةً تجاه العالمِ العربيِّ وأحواله، وليس فقط تجاه مسيحي الشَّرقِ الأوسطِ.

  إِنَّ مسيحي الشَّرقِ الأوسطِ، في الحقيقةِ، هم بمثابة جزءٍ أصيلٍ مِن مُكوِّناتِ العالمِ العربيَّ.   فليس كُلُّ العربِ مسلمين، كما أَنُّه ليس كُلُّ المسلمين عربًا، فمسيحيو الشَّرقِ الأوسطِ هم أيضًا عربٌ؛ فالعروبةُ ليست ديانةً، ولا تقتصر على ديانةٍ بعينها، إِنَّما العروبةُ هي صفةٌ تَسِم النَّاطقين باللُّغةِ العربيَّةِ والقاطنين المنطقةِ العربيَّةِ والمساهمين في بناءِ الحضارةِ والثَّقافةِ العربيَّتين وتطويرهما. والتَّاريخُ شاهدٌ على أَنَّ المسيحيين بجميع طوائفهم مساهمون في بناءِ وتعزيزِ الحضارةِ والثَّقافةِ العربيَّتين، وليس فقط أَنَّهم يتحدَّثون اللُّغةَ العربيَّةَ ويساهمون في تطويرها وأَنَّهم يسكنون البلادَ العربيَّةَ ويعمِّرون فيها[7]. ومسيحيو اليومِ، كما فعل أجدادهم بالأمسِ، يُحبُّون أوطانهم ويريدون أَنْ يأخذوا على عاتقهم مسؤوليَّةِ تحديثِ العالمِ العربيِّ ليواكبَ مُتطلِّباتَ العصرِ الذَّي نعيش فيه.   

3.     همومُ بابا الكنيسةِ الجامعةِ والعالمُ العربيُّ وكنائسُه

إِنَّ زيارةَ البابا بندكتس الـ16 إلى العالمِ العربيِّ بواسطةِ زيارته للبنان الحبيبِ وتسليمه "الإِرشادِ الرَّسوليِّ" لكنائس الشَّرقِ الأوسطِ لهو حدثٌ تاريخيٌّ مُكتَّظٌ بالمعاني الغنيَّةِ، ويُعبِّر عن حبِّ قداسته لهذه المنطقةِ واهتمامه بها. ولكنني أرغب أكثرَ في توجيهِ أنظارِ الجميعِ إلي "الإِرشادِ الرَّسوليِّ" (الكنيسةُ في الشَّرقِ الأوسطِ) وفي دعوةِ الجميعِ إلى التَّفكيرِ والتَّأملِ في محتواه[8]، كما يطالبنا البابا بندكتوس الـ16 ذاته بذلك[9]. فدعونا نتوقَّف، ولو بطريقةٍ مُوجزةٍ، عند بعضِ النِّقاطِ البارزةِ الَّتي ظهرت في هذا "الإِرشادِ الرَّسوليِّ" وفي أحاديثِ البابا بندكتوس الـ16 وكلماته أثناء زيارته الرَّسوليَّةِ للبنان.

إِنَّ عنوانَ الإِرشادِ الرَّسوليِّ لهو عنوانٌ مُعبِّرٌ جدًا عن حقيقةِ كنيسةِ المسيحِ، فهي الكنيسةُ الواحدةُ المُقدَّسةُ الجامعةُ الرَّسوليَّةُ، الَّتي أرادها الكلمةُ المُتَّجسِّدة إمتدادًا له ولتجسده في تاريخِ البشريَّةِ؛ فعنوانُ الإِرشادِ الرَّسوليِّ: "الكنيسةُ في الشَّرقِ الأوسطِ"! أجل، فكنيسةُ المسيحِ هي واحدةٌ مهما تعددت أماكنها ولغاتها وثقافاتها، وبالرغم مما تراه عيوننا وتتسبَّب فيه أفعالنا من انقساماتٍ ونزاعاتٍ؛ فما يجمعنا بالحقيقةِ هو أكثرُ بكثيرٍ مما يُفرِّقنا. ولذلك حذَّر البابا بندكتوس الـ16 في يومِ "توقيعِ الإِرشادِ الرَّسوليِّ ما بعد السِّينودسِ" ( يوم 14 سبتمبر  2012 بازيليك مار بولس – حريصا) المسيحيين جميعًا، ككنيسةٍ واحدةٍ، مِن "تجربةِ إغفالِ أو نسيانِ الصَّليبِ المجيدِ"، وذكَّرهم بـ"لغةِ الصَّليبِ المجيدِ" وبـ"جنونِ الصَّليبِ"[10]. وقد توجَّه قداسته بكلماتِ الشُّكرِ والتَّشجيعِ والبركةِ إلى كنائسِ الشَّرقِ الأوسطِ جمعاء، وبالأخصِ الكنائس الكاثوليكيَّة ذات الحقِّ الخاصِ:

«يا كنائسَ الشّرقِ الأوسط، لا تَخفْنَ، لأنَّ الرَّبَّ حقّاً معكُنّ حتّى إنتهاء العالم! لا تَخفْنَ، لأنَّ الكنيسةَ الجامعةَ ترافقكُنّ بقُربها منكِ إنسانيِّاً وروحيِّاً! بمشاعرِ الرجاءِ والتّشجيع هذه بأن تكونوا مبادرين فعّالين للإيمان عبر الشّركة والشّهادة، سأسلّم يوم الأحد الإرشاد الرسولي لأخوتي الموقَّرين البطاركة، ورؤساء الأساقفة والأساقفة، ولجميع الكهنة، والشمامسة، والمكرَّسين والمكرَّسات، وللإكليريكيِّين، وللمؤمنين العلمانيِّين. "فتَشَجَّعوا" (يو ١٦، ٣٣)! بشفاعة العذراء مريم، أمِّ الله، أَستدعي وبعاطفة كبيرة فيضاً من النعم الإلهيِّة عليكم جميعاً! ليمنح اللهُ كلَّ شعوبِ الشّرق الأوسط أن يحيوا في السّلام والأُخُوَّة والحُرِّيِّة الدّينيِّة! ليباركَكُم اللهُ جميعاً!»[11].    

إِنَّ كلمتى "الشَّركةِ" و"الشَّهادةِ" كانتا شعارَ الجمعيَّةِ الخاصةِ لسينودسِ الأساقفةِ مِن أجلِ الشَّرقِ الأوسطِ، وهما بعينهما محورُ الإِرشادِ الرَّسوليِّ ذاته. فيتحدَّث قداسةُ البابا بندكتس الـ16 عن مفهومِ الشَّركةِ ومصدرها الإلهي وأهميتها في داخلِ الكنيسةِ الكاثوليكيَّةِ في الشَّرقِ الأوسطِ ذاتها، ثُمَّ يتطرَّق إلى أهميتها في الحوارِ المسكونيِّ والحوارِ بين الأديانِ (راجع البند 3)؛ ويؤكِّد كثيرًا على أهميَّةِ الشَّركةِ مِن أجلِ الشِّهادةِ (راجع البند 4). وفي كثيرٍ مِن المقاطعِ يربط قداسةُ البابا بين الشِّهادةِ والشَّركةِ (راجع البنود 3، 4، 37، 66-67): «فلا توجد شهادةٌ بدون شركةٍ: إِنَّ الشِّهادةَ الوحيدةَ والحقيقيَّةَ هي حياةُ الشَّركةِ» (راجع بند 37).

والبابا اللاهوتيُّ يشير أيضًا إلى "الأعمدةِ الأربعةِ" الَّتي ارتكزت عليها الشَّركةُ والشِّهادةُ وسط جماعةِ المؤمنين الأولى حتى تهتم بهم جماعةُ المؤمنين المعاصريين أيضًا: "تعاليمِ الرُّسلِ" (إعلانِ كلمةِ اللهِ)، و"الشَّركةِ الأخويَّةِ" (خدمةِ المحبَّةِ)، و"كسرِ الخبزِ" (الإفخارستيا وجميعِ الأسرارِ)، و"الصَّلاةِ" (الفرديَّةِ والجماعيَّةِ) (راجع بند 5).

في هذا "الإِرشادِ الرَّسوليِّ" نلاحظ مدى اهتمامِ البابا بندكتوس الـ16 الرَّعويِّ بالمسيحيين المُقيمين في الشَّرقِ الأوسطِ وحضورهم المُستمرِ في فكره وصلواته (راجع خاصة البندين 95-96). ومِن ناحيَّةِ أخرى يُحثُّ قداسته مسيحي الشَّرقِ الأوسطِ على محبةِ أوطانهم وعدمِ مغادرتهم لها، رغم معرفته وتقديره للظُّروفِ الصَّعبةِ الَّتي تحيط بهم (راجع بند 7)، والَّتي تحاول الكنيسةُ الكاثوليكيَّةُ جاهدةً في إيجاِد حلولٍ سلميَّةٍ ودبلوماسيَّةٍ لها، ولكنها تحتاج أيضًا للتعبيراتِ المسيحيَّةِ الملموسةِ (مثل يومياتِ للصَّلاة مِن أجلِ الشَّرقِ الأوسطِ، وإمكانيَّةِ الحوارِ بين المسيحيين والمسلمين، ومبادراتِ المحبَّةِ، والتَّضامنِ الماديِّ والسِّياسيِّ والإنسانيِّ)[12]. إِنَّه يُطالبنا أيضًا بالبشارةِ والمحبةِ، أي برسالةِ الكنيسةِ (راجع البنود 84-91)؛ ويقول لنا: «لا تخافوا أو تخجلوا مِن أَنْ تكونوا مسيحيين» (بند 63)، «المسيحيُّ قبل كُلِّ شيءٍ شاهدٌ» (بند 67)[13].

أمَّا عن "الحوارِ المسكونيِّ" (الحوارِ المسيحيِّ-المسيحيِّ) و"الوَحدةِ المسكونيَّةِ" فقد كرَّس لهما البابا كثيرًا مِن المقاطعِ. لقد عبَّر عن إعجابه بـ"فسيفساءِ" الكنائسِ والجماعاتِ الكنسيَّةِ في الشَّرقِ الأوسطِ (راجع بند 11). وحثَّ الجميعَ على "المسكونيَّةِ الرُّوحيَّةِ" (الإيمانِ، الصَّلاةِ، التَّوبةِ، المحبَّةِ…) (راجع بند 11)، وعلى "مسكونيَّةِ الخدمةِ" (راجع بند 14). وشجَّع أيضًا "عملَ اللاهوتيين" مِن أجلِ الوَحدةِ بين الكنائسِ (راجع بند 13). وتحدَّث أيضًا عن "الاشتراكِ في القُدسيَّاتِ" (راجع بند 16)، مُذكِّرًا "كاثوليكَ الشَّرقِ الأوسطِ" (راجع بند 18) بـ"الدَّليلِ المسكونيِّ" (راجع بند 12). وخاطب كُلَّ أعضاءِ الكنائسِ والجماعاتِ الكنسيَّةِ في العالمِ، وخاصةً تلك الَّتي في الشَّرقِ الأوسطِ، قائلًا: «ينبغي، قبل كُلِّ شيءٍ، أَنْ يعودَ الجميعُ بشكلٍ أقوى إلى المسيحِ نفسه» (بند 15).

وبالنَّسبةِ إلى "الحوارِ مع أعضاءِ باقي الدياناتِ الأخرى" (راجع بند 19)، فقد تحدَّث عن عَلاقةِ المسيحيين باليهودِ (راجع البنود 20-22)، وعن عَلاقةِ الكنيسةِ الكاثوليكيَّةِ بالمسلمين (راجع البندين 23-24)، مُؤكِّدًا على "الحوارِ الإِسلاميِّ-المسيحيِّ" (راجع بند 28)، ومُطالبًا بالاهتمامِ بـ"الحريةِ الدِّينيَّةِ"، و"حريةِ اتباعِ الضَّميرِ"، و"حريةِ العبادةِ" (راجع البندين 26 و34)[14]. وقد ذكَّر الجميعَ بأَنَّ اليهودَ والمسيحيين والمسلمين «يؤمنون بإلهٍ وَاحدٍ، خالقِ جميعِ البشرِ» (بند 19) وأَنَّه باستطاعةِ «الأديانِ أَنْ تلتقيَ معًا لخدمةِ الخيرِ العامِ وللمساهمةِ في تنميَّةِ كُلِّ شخصٍ وفي بناءِ المجتمعِ» (بند 28).

ولا يمكن لبابا الكنيسةِ الجامعةِ ألَّا يتحدَّث في زيارته الرَّسوليَّةِ هذه، وخاصةً في هذا "الإِرشادِ الرَّسوليِّ" عن «السَّلامِ في العالمِ، وفي الشَّرقِ الأوسطِ على وجهِ التَّحديدِ» (بند 10). وفي لّقاءه مع "أعضاءِ الحكومةِ ومؤسَّساتِ الدَّولةِ، والسِّلكِ الدِّبلوماسيِّ، والمسؤولين الدِّينيِّين وممثِّليِ عالمِ الثَّقافةِ" (القصر الجمهوريّ – بعبدا السّبت 15 سبتمبر ٢٠١٢) تحدَّث قداسته عن "التَّربيِّةِ على السَّلامِ لبناءِ ثقافةِ سلامٍ"، وعن عَلاقةِ كُلِّ هذا بالمجتمعِ وكرامةِ الإنسانِ والعدالةِ والخيرِ العامِ والحريَّةِ الدِّينيَّةِ[15]. وفي عظته أثناء قدَّاسِ بيروت مقابل البحرِ (16 سبتمبر 2012) تحدَّث عن الهُويَّةِ الحقيقيَّةِ ليسوعَ، كمسيحٍ مُتألمٍ، ومسيا خادمٍ مُطيعٍ، ومصلوبٍ وقائمٍ؛ ثُمَّ تحدَّث أيضًا عن المسيحيين كـخُدَّامٍ حقيقيين تَشبُّهًا بالمسيحِ وعن دورهم في خدمةِ العدلِ والسَّلامِ، وطالبهم بأَنْ يصيروا "خُدَّامًا للسَّلامِ وللمصالحةِ" في منطقةِ الشَّرقِ الأوسطِ[16]. وفي "الإِرشادِ الرَّسوليِّ" فقد أشار إلى الواقعين الجديدين المتضاربين الذين يختبرهما الشَّرقُ الأوسطُ، كباقي أنحاءِ العالمِ: "العَلمانيَّةِ" و"الأصوليَّةِ العنيفةِ" (راجع بند 29)، مُذكِّرًا بأَنَّ هناك عَلمانيَّةٌ مُتطرِّفةٌ وإيديولوجيَّةٌ وعَلمانيَّةٌ أخري إيجابيَّةٌ وهي تلك الَّتي «تعني تحريرَ المُعتقدِ مِن ثِقلِ السِّياسةِ، وإغناءَ السِّياسةِ بإسهاماتِ المُعتقدِ، بحفظِ المسافةِ اللازمةِ، والتَّمييزِ الواضحِ، والتَّعاونِ الَّذي لا غنى عنه، لكليهما» (بند 29). فـ"العَلمانيَّةُ الإيجابيَّةُ" إذن هي تلك الَّتي تنادي بالعَلاقةِ المُثلى بين السِّياسةِ والدِّينِ، أي عَلاقةِ الوَحدةِ والتَّمايزِ بين ما هو زمنيُّ وما هو روحيٌّ (راجع بند 29). وطالب أيضًا قداسته بنبذِ ورفضِ "التَّطرُّفِ الدِّينيِّ" بكُلِّ أنواعه (بند 30)، فـ«الأصوليَّةُ هي دائمًا تزييفٌ للدِّينِ. وهي تتعارض مع جوهرِ الدِّينِ، الَّذي يريد المُصالحةَ وخلقِ سلامِ اللهِ في العالمِ»[17].

وقد توقَّف قداسةُ البابا في "الإِرشادِ الرَّسوليِّ" وفي الأحاديثِ الَّتي ألقاءها بمناسبةِ زيارته للبنان الحبيب عند الكثيرِ والكثيرِ مِن القضايا الهامةِ الأخرى المُتعلِّقةِ بالعالمِ العربيِّ وكنائسه، ولكنني أرغب في التَّذكير بخمسةِ أمورٍ أخرى فقط، للتَّفكيرِ فيها وتأملها ودراستها: الإكليروسِ والعلمانيين (راجع البنود 39-57)، "العائلةِ والزَّواجِ" (راجع البنود 58-60)، "نساءِ الشَّرقِ الأوسطِ" (راجع البندين 60-61)، "الشَّبابِ والأطفالِ" (راجع البنود 62-65)[18]، "كلمةِ اللهِ والصَّلاةِ واللَّيتورجيا والأسرارِ المُقدَّسةِ" (راجع البنود 5 و68-83).

خُلاصَّةٌ

ما الَّذي دعى الأخواتَ والإخوةَ المسلمين في لبنان لاستقبالِ البابا بندكتس الـ16 بكُلِّ هذا القَبولِ والتَّرحيبِ؟

لاشك في أَنَّ هذا الشَّيءَ ذاته هو الَّذي دعى المسيحيين إلى رفضِ كُلِّ أشكالِ الظُّلمِ والعنفِ والموتِ، والإلتفافِ حول أخواتهم وإخواتهم المسلمين في ثوراتِ الرَّبيعِ العربيِّ، وهو ذاته الَّذي دعى المسيحيين لاستنكارِ كُلِّ ما يسيء إلى الأديانِ، وخاصةً الفيلمِ الأخيرِ المُسيءِ إلى نبيِّ الإِسلامِ، إِنَّه الإيمانُ بالإلهِ الواحدِ-الخالقِ، والمحبةُ الَّتي تسكن كيانَ البشرِ والَّتي مصدرها هذا الخالقُ، والرَّجاءُ العميقُ في السَّلامِ الكونيِّ وفي الحياةِ الهادئةِ الخاليَّةِ مِن الحروبِ والصِّراعاتِ الإيديولجياتِ!

فليتنا نعود مِن جديدٍ إلى إعمالِ عقولنا والإصغاءِ إلى قلوبنا، فعقولنا وقلوبنا مصدرها الوحيدُ هو هذا الإلهُ الواحدُ-الخالقُ الَّذي نؤمن به ونحبه ونعبده جميعًا، والَّذي وضع في عقولنا وقلوبنا المحبةَ والإيمانَ والرجاءَ وترك لنا الحريَّةَ في التَّمسُّك بهم أو استنكارهم. وليتنا نختار التَّمسُّك بالمحبةِ والإيمانِ والرَّجاءِ ونقوم بترجمةِ ذلك في أفعالٍ عمليَّةٍ تخدم أخواتنا وإخوتنا في البشريَّةِ؛ «فالجميعُ مسؤولون عن بعضهم بعضًا أمام الله»، يقول البابا بندكتس الـ16 ("الإرشاد الرسولي"، بند 31)!

 




[1] Cfr. http://www.vatican.va/holy_father/benedict_xvi/speeches/2012/september/documents/hf_ben-xvi_spe_20120914_benvenuto-libano_ar.html

[2]  «سبب آخر لزيارتي هو توقيع وتسليم الإرشاد الرَّسوليّ للمجمع الخاص لسينودس الأساقفة من أجل الشَّرق الأوسط، الكنيسة في الشَّرق الأوسط. يتعلق الأمر بحدثٍ كنسيٍّ بالغ الأهمِّيَّة. أشكر جميع البطاركة الكاثوليك الَّذين قَدِموا، وأخصُّ بالذِّكرِ البطريرك السابق، الكاردينال العزيز مار نصرالله بطرس صفير، وخَلَفَهُ البطريرك مار بشارة بطرس الرَّاعي. وأحيِّي بطريقةٍ أخويِّةٍ كلَّ أساقفةِ لبنانَ، وكذلك الَّذين قَدِموا ليُصلوا معي وليتسلَّموا هذه الوثيقة من يديّ البابا. مِنْ خلالهم أُحيِّي أبويّاً جميع مسيحيّي الشَّرق الأوسط. يَبغي هذا الإرشاد، الموجَّه إلى العالم كلِّه، أنْ يكون لهم خارطةَ طريقٍ للأعوامِ القادمة».

http://www.vatican.va/holy_father/benedict_xvi/speeches/2012/september/documents/hf_ben-xvi_spe_20120914_benvenuto-libano_ar.html

[3] http://www.vatican.va/holy_father/benedict_xvi/speeches/2012/september/documents/hf_ben-xvi_spe_20120914_benvenuto-libano_ar.html

[4] http://www.vatican.va/holy_father/benedict_xvi/speeches/2012/september/documents/hf_ben-xvi_spe_20120914_incontro-giornalisti_it.html

 

 [5] راجع "الإرشاد الرسولي" (الكنيسة في الشرق الأوسط، البند 83)

Cfr. http://www.vatican.va/holy_father/benedict_xvi/apost_exhortations/documents/hf_ben-xvi_exh_20120914_ecclesia-in-medio-oriente_ar.pdf

[6] http://www.vatican.va/holy_father/benedict_xvi/speeches/2012/september/documents/hf_ben-xvi_spe_20120914_incontro-giornalisti_it.html

[7]  وقد تحدَّث كثيرًا الأبُ سمير خليل اليسوعيُّ وكتب أيضًا في كُتبه ومقالاته عن "تمييزِ العروبةِ عن الإِسلامِ" وعن "دورِ المسيحيين في بناءِ الحضارةِ العربيَّةِ". ويُذكِّر الجميعَ عادةً بقَولِ الدُّكتورِ طه حسين في كتابِ "مستقبلِ الثَّقافةِ في مصرَ":

«ليست اللغة العربية لغة المسلمين وحدهم، ولكنها لغة الذين يتكلمونها، مهما تختلف اديانهم. وما دام الاقباط مصريين، وما دامت اللغة العربية مُقوما من مقومات الوحدة المصرية والوطن المصري، فلا بُد من ان يتثقف بها الاقباط، كما يتثقف بها المسلمون. ولا بد من ان يتثقف بها رجال الدين من الاقباط، كما يتثقف بها رجال الدين من المسلمين«.

راجع مقالات الأبِ سمير خليل اليسوعيِّ في مجلةِ "صديق الكاهن" لعام 1983، ومجلةِ "المسرة" 76 لعام 1990 (ص. 160-164).

[8]  سأذكر هنا فقط مرجعَ "الإِرشادِ الرَّسوليِّ" (الكنيسةُ في الشَّرقِ الأوسطِ)، وهو الموقعُ الرَّسميُّ للفاتيكان؛ وكُلُّ مرةٍ سأذكر فيها مقطعًا مِن "الإِرشادِ الرَّسوليِّ" سأكتفي فقط بذكرِ رقمِ البندِ في الوثيقةِ.

Cfr. http://www.vatican.va/holy_father/benedict_xvi/apost_exhortations/documents/hf_ben-xvi_exh_20120914_ecclesia-in-medio-oriente_ar.pdf

[9]  «بعد التّوقيع على الإرشاد الرسوليّ الكنيسة في الشرق الأوسط، يُسعدُني أن أُسلّمه لجميعِ الكنائس الخاصة من خلالكم، يا أصحاب الغبطة وإيّها الأساقفة الشرقيين واللاتين في الشرق الأوسط. بتسليم هذه الوثيقة، والبدء في دراستها وتطبيقها من قبل جميع العاملين في الكنيسة، رعاةً وأشخاصاً مكرّسين وعلمانيين، ليجد كلُّ فرد فرحة جديدة للاستمرار في رسالته، مرتكزا على الشجاعة والقوّة اللتين سيحصل عليهما، ليبدأ في تطبيق رسالة الشركة والشهادة المُنبَثِقة، بحسب مختلف الأبعاد الإنسانيِّة والعقائديِّة والكنسيِّة والروحيِّة والرعويِّة، من هذا الإرشاد».

http://www.vatican.va/holy_father/benedict_xvi/speeches/2012/september/documents/hf_ben-xvi_spe_20120916_consegna-es-ap_ar.html

[10]  «إنَّه الآن تحديداً حيث يجب الاحتفال بانتصار المحبّة على الكراهيِّة، والمغفرة على الانتقام، والخدمة على التّسلط، والتّواضع على التّكَبر، والوحدة على الانقسام. على ضوء عيد اليوم [عيد الصّليب المجيد] وبغرض تطبيق مثمر للإرشاد، أدعوكم جميعا ألا تخافوا، وأن تقيموا في الحقيقة وأن تُفعّلّوا طهارة الإيمان. إن هذه هي لغة الصّليب المجيد! هذا هو جنون الصّليب: هو أن نعرف أن نحوّل آلامنا إلى صرخة محبّة تجاه الله، وصرخة رحمة تجاه القريب؛ هو أن نعرف أيضاً كيف نُبدِّل أشخاصاً مهاجَمين ومجروحين في إيمانِهم وفي هُويّتِهم، إلى آنِيَةٍ مِنْ خَزَفٍمستعدّة للامتلاء من العطايا الإلهيِّة الوافرة والنفيسة كالذّهب (راجع: ٢ كو ٤، ٧-١٨). إنَّ الأمر لا يتعلَّق بمجرّد لغة بلاغيِّة، ولكنَّه نداء ملحّ للقيام بأعمالٍ ملموسة تنعكس دائما وقبل كلّ شيء في المسيح، بأعمالٍ تُساعد مختلف الكنائس لتعكس كمرآة بهاءَ جماعة المؤمنين الأولى».

http://www.vatican.va/holy_father/benedict_xvi/speeches/2012/september/documents/hf_ben-xvi_spe_20120914_firma-es-ap_ar.html

[11] http://www.vatican.va/holy_father/benedict_xvi/speeches/2012/september/documents/hf_ben-xvi_spe_20120914_firma-es-ap_ar.html

 

[12] http://www.vatican.va/holy_father/benedict_xvi/speeches/2012/september/documents/hf_ben-xvi_spe_20120914_incontro-giornalisti_it.html

[13]  «أيَّتها الكنائسُ الحبّيبة بالشرق الأوسط، انهلِي من ينبوع الخلاص الأصيل الَّذي تحقّق على هذه الأراضي الفريدة والمحبوبة بين الجميع! تقدَّمِي على خطى آبائك في الإيمان، الَّذين فتحوا، بثباتِهم وإيمانِهم، طريقاً لجواب البشريِّة على وحي لله! اكتشفِي في بهاء تنوّع القدّيسين، الَّذين أينعوا في أرضك، الأمثلةَ والشفاعةَ الَّتي تُلهم ردّكِ على دعوة الرَّبِّ للسير نحو أورشليم السماويِّة، حيث سيمسح الله كلَّ دمعة من عيونكم (راجع: رؤ ٢١، ٤)! لتكنِ الشركةُ الأخويِّةُ عضداً في الحياة اليوميِّة وعلامةً للإخوّة العالميِّة الَّتي جاء يسوع، الابنُ البكر بين كثيرين، لإقامتها. هكذا، في هذه المنطقة الَّتي شاهدت الأعمال واستقبلت الكلمات، يَستمرّ الإنجيلُ يُسمع صَداه كما فعل منذ أكثر من ألفيّ عام مضت، فليكن مُعَاشاً اليومَ وإلى الأبد!».

http://www.vatican.va/holy_father/benedict_xvi/speeches/2012/september/documents/hf_ben-xvi_spe_20120916_consegna-es-ap_ar.html

[14] Cfr. http://www.vatican.va/holy_father/benedict_xvi/speeches/2012/september/documents/hf_ben-xvi_spe_20120915_autorita_ar.html

[15]  «إذاً الواجبُ الأَوَّل لفتح مستقبل سّلامٍ للأجيال القادمة، هو التّربيِّة على السّلام لبناء ثقافة سلام. التّربيِّة، في الأسرة أو في المدرسة، يجب أن تكونَ وقبل كلِّ شيء تربيِّةً على القيمِ الرّوحيِّةِ الَّتي تعطي عمليّةَ نقلِ المعرفة والتّقاليدَ الخاصّة بثقافة ما، معناها وقوَّتها. يمتلك الفكر البشريِّ الحسَّ الفطريِّ لتذوّق الجمال والخير والحقّ. إنّه الختمُ الإلهيُّ، بصمة الله فيها! من هذا الشوق الكونيّ يَنبع إدراك أخلاقيٌّ ثابتٌ وصادقٌ، يَضع دائما الشّخص في المركز […] التّربيِّةُ على السّلام ستشكّلُ كذلك رجالاً ونساءً كرماء وحقّانيِّين، ومنتبهين للجميع، ومهتمّين خاصّة بالأشخاص الأكثر ضعفاً. أفكارُ السّلام، وكلماتُ السّلام، وأفعالُ السّلام تخلق مناخاً من الإحترام والإستقامة والمودّة، حيث يمكن الاعتراف بالأخطاء والإهانات بالحقّ للتقدّم سويةً نحو المصالحة. ليفكّر رجالاتُ الدّولةِ والمسؤولون الدّينيِّون مَليِّاً في ذلك! […] للحريِّة الدّينيِّة بُعدٌ إجتماعيّ وسياسيّ لا غنى عنه للسلام! إنّها تروّجُ لتّعايش و حياة متناغمتين، من خلالِ الالتّزامِ المشترك في خدمة القضايا النبيلة وعبر البحث عن الحقيقةِ الَّتي لا تفرض نفسَها من خلال العنف، إنّما عبر "قوّة الحقيقةَ نفسها" (كرامة الإنسان، ١)، هذه الحقيقةَ الَّتي في الله».

http://www.vatican.va/holy_father/benedict_xvi/speeches/2012/september/documents/hf_ben-xvi_spe_20120915_autorita_ar.html

[16] http://www.vatican.va/holy_father/benedict_xvi/homilies/2012/documents/hf_ben-xvi_hom_20120916_libano_ar.html

[17] http://www.vatican.va/holy_father/benedict_xvi/speeches/2012/september/documents/hf_ben-xvi_spe_20120914_incontro-giornalisti_it.html

[18]  «الكنيسةُ تثقُ فيكم. إنّها تعتمدُ عليكم. كونوا شباباً في الكنيسة! كونوا شباباً مع الكنيسة! الكنيسة تحتاجُ لحماسكم ولإبداعكم! الفُتُوَّةُ هي وقت الاستلهام من المُثُل الرفيعة وهي فترةُ الدراسة للاستعداد لمهنة ما وللمستقبل. إنَّ هذا لمُهمٌّ ويحتاج للوقت. اسعَوا إلى ما هو جميل، وتذوَّقوا ما هو خيّر! اشهدوا لعظمة وكرامة جسدكم الَّذي "هوَ للرَّبِّ" (١ كو ٦، ١٣ب)»

http://www.vatican.va/holy_father/benedict_xvi/speeches/2012/september/documents/hf_ben-xvi_spe_20120915_giovani_ar.html