الإكليروس للأب د. يوأنس لحظي جيد، الفصل الثاني انتماء الإكليروس إلى ايبارشية محددة

الفصل الثاني

انتماء الإكليروس إلى ايبارشية محددة

(ق. 357- 366)

 

أُسس تشريعية:

الانتماء الإكليريكي: يؤكد التشريع الكنسي أن كلّ إكليريكي "يجب أن يكون منتميا كإكليـريكي إلى إيبارشيّة معيّنة أو إلى اكسرخيّة أو مؤسّسة رهبانيّة  أو جمعيّة حياة مشتركة على غرار الرهبان، أو مؤسّسة أو جمعيّة أحرزتا حقّ انتماء الإكليروس إليهما من الكرسي الرسولي أو من البطريرك برضى السينودس الدائم، في حدود منطقة الكنيسة التي يرئسها" يجب أن يكون منتميا" (ق. 357).

وهذا الاساس القانوني ينبع من أن "الحالة الإكليريكي" هو حالة قانونية، تجعل صاحبه يتمتع ببعض الحقوق ويُطالب ببعض الوجبات، هذه الحقوق والواجبات تحدد له من قبل القانون الكنسي على أساس إنتمائه كإكليريكي لإيبارشية أو كنيسة أو مؤسسة رهبانية… إلخ، أي أعتراف السلطة الكنسية به. وبعبارة أخرى، فإن مبدأ "الانتماء" او "الاكتتاب" يعني أن المرشح لنوال درجة إكليريكية سيتم إدراجه في الهيكله الكنسية، على أساس درجته الكهنوتية التي ستنمح له من قبل السلطة الكنسية، فلا يمكن أن يسمى أحداً "إكليريكياً" من تلقاء ذاته، مالم يكن قد قُبل من قبل إيبارشيّة معيّنة أو إلى اكسرخيّة أو مؤسّسة رهبانيّة إلخ… "كإكليريكياً". فالحالة الإكليريكية هي حالة مكانيّة، أي أنه لا يوجد "إكليريكياً" متجوّل أو رحّال، بمنعنى أنه غير منتمي إلى كنيسة محددة.

الانتماء إلى كنيسة خاصة محددة[1] يكوّن وثاقاً قانونياً[2] حقيقياً لا يخلو أيضا من قيمة روحية. لأن من هذا الإنتماء تنجم "علاقته بالأسقف في وحدة الجسم الكهنوتي ومشاركته في رعاية الكنيسة وبذله الراعوي في خدمة شعب الله في الأحوال التاريخيّة والاجتماعيّة الواقعيّة"[3]. وبالتالي فالأمر لا يتعلق بمجرد الارتباط والتبعية لإسقف ما، بل الاندماج والانخراط في ايبارشية محددة، لخدمة الكنيسة التابعة لها هذه الايبارشية، ومن ثمَّ لخدمة الكنيسة الجمعاء.

فصل الانتماء: إن القانون عندما يستخدم تعبير "فصل الانتماء" يقصد أن انتماء هذا الإكليريكي إلى هذه الإيبارشيّة أو إلى اكسرخيّة أو مؤسّسة رهبانيّة إلخ… لم يعد سارياً، بمعنى أنه قد تمَّ تبديل انتمائه من هذه الايبارشية إلى ايبارشية أخري، أو من هذه الرهبنة إلى رهبنة أخري… ولكن لكي "يتسنّى لإكليريكي منتم ٍإلى إيبارشية ما، أن ينتقل إلى إيبارشيّة أخرى على وجه صحيح، يجب أن يحصل على كتاب فصل من أسقفه الإيبارشي موقّع بيده، وكذلك ان يحصل على كتاب انتماء من الأسقف الإيبارشي للإيبارشيّة التي يرغب في الانتماء إليها، موقّع بيده" (ق.359).

وفصل الانتماء لا يتمّ إلا في حالتين: إما بالانتقال إلى ايبارشية أخرى أو بعقوبة الحط الكنسي[4].

وتجدر الإشارة بأن اللفظ القانوني "الإنتماء الإكليريكي" هو من ثمار المجمع الفاتيكاني الثاني، وقد راعى المشرع الكنسي استخدامه، سواء في التشريع الكنسي الغربي أو الشرقي، بنفس المعنى الوارد في تعاليم المجمع المقدس، وهو لا يعني بشكل من الأشكال تحجيما جغرافيا لخدمة الإكليريكي ورسالته، بل ضماناً نفسيّاً ولاهوتياً له؛ فالإكليريكي، عن طريق "إنتمائه" لكنيسة بطريركية، يصبح جزاءً لا يتجزأ منها، وبذات الفعل يصبح واضحا له، ما له من حقوق، ما له وما عليه من التزامات وواجبات رعوية. فالدعوة الإكليريكية هي في الأساس دعوة خدميّة، والدعوة لكي تكون خدميّة يجب أن تكون موّجهة، ولكي تكون موجهّة يجب أن يكون هناك انتماء. فالإكليريكي باختياره الحرّ يضع كل قدراته ومهاراته، بل وكل حياته من أجل الخدمة والرسالة، هذه الخدمة والرسالة لا معنى لهما إن لم يكن في خدمة جسد الكنيسة السري. وهنا يتضح التناغم بين الانتماء الكنسي الإيبارشي المحدد، وبين الخدمة والرسالة التي بلا حدود.

وهنا يجب أن يكون واضحاً بالنسبة كل إكليريكي أن "الكنيسة" هي كنيسة واحدة وجامعة ومقدسة، فهو إكليريكيا لأنه منتميا إنتماءً محددا لكنيسة ما، ولكونه إكليريكيا فهو خادما للكنيسة الواحدة والجامعة والمقدسة، فالكثلكة أو الجامعية للكنيسة هي ثمرة التحديد والانتماء الإكليريكي.

وهنا يمكننا تلخيص ما سبق في إن غاية الانتماء الإكليريكي هي:

1- رعوية: الاندماج والانخراط في التنظيم والنشاط الإيبارشي.

2- عقائدية: ممارسة سلطة الدرجة المقدسة، في اطار الارتباط بكل الجسد الكهنوتي.

3- شخصية: الضمان القانوي كل إكليريكياً، أي الشكل القانوني لخدمته: ماله من حقوق وما عليه من التزمات.

الإنتماء وإمكانية الانتقال:

إن الانتماء الإكليريكي لا يعني بحال من الأحوال أن الإكليريكي لا يمكنه الانتقال إلى ايبارشية أخرى أو حتى إلى كنيسة أخرى (ق. 32 بند1)، فالانتماء شيء والانتقال شيء أخر، بل أن التشريع الكنسي يعطي الإكليريكي امكانية الانتقال سواء المؤقت أو الدائم: بالنسبة للانتقال المؤقت إلى ايبارشية أخرى فيتم مع  "الاحتفاظ بالانتماء إلى الأولى يكون إلى أجل محدّد، يمكن تجديده أكثر من مرّة، باتفاقيّة مكتوبة بين كلا الأسقفين الإيبارشيّين، تُحدّد فيها حقوق وواجبات الإكليريكي أو الاطراف المعنيّة" (ق.360 بند1).

ولكن بعد مرور خمس سنوات فالإكليريكي "ينـتـمي بحكم الشرع إلى الإيبارشيّة المضيفة، إذا عبّر عن رغبته هذه كتابةً لكلا الأسقفين الإيبارشيّين ولم يعترض أيّ منهما عليها كتابةً في غضون أربعة أشهر" (بند 2).

والتشريع الكنسي حرصا منه على تأكيد حرّيّة الإكليريكي في الانتقال يؤكد أنه "لا يُـرفض لإكليريـكي يحرص على الكنيسـة ككلّ ­ لا سيّما في سبيل التبشير ­ طلب العبور أو الانتقال إلى إيبارشيّة أخرى، تُعاني من نقص حادّ في عدد الإكليروس، بشرط أن يكون مستعدّا وكُفؤًا على القيام بالخدمة فيها، إلاّ من أجل حاجة حقيقيّة لإيبارشيته أو كنيسته المتمتّعة بحكم ذاتي" (ق. 361).

غير أنه يمكن للإسقف لسبب صوابي أن "أن يستدعي الإكليريكي من المكان الذي انتقل إليه، كما بوسع الأسقف الإيبارشي المضيف أن يُعيده، مع مراعاة  الاتفاقيّات المعقودة والعدالة " (ق.362). مع الاحتفاظ "للعائد" إلى ايبارشيته بجميع الحقوق التي كان سيحصل عليها لو أُلحق  للخدمة المقدّسة فيها (بند 2).

والقانون يحفظ للإسقف الايبارشي وحدة حق الموافقة على الانتقال وحق الاستدعاء، ومن ثمّ، فلا "يمكن على وجه صحيح أن يَقبل انتماء إكليريكي إلى الإيبارشيّة أو أن يفصله عنها أو أن يَمنحه الترخيص  للانتقال: كل من: "مدبّر الكنيسة البطريركيّة بدون رضى السينودس الدائم؛ والإكسرخوس البطريركي ومدبّر الإيبارشيّة بدون رضى البطريرك" (ق. 363).

شروط الانتقال:

1- أن يكون لأسباب صوابية: "كمصلحة الكنيسة أو خير الإكليريكي نفسه" (ق. 365 بند 1).

2- بعد نوال موافقة السلة المختصة: "انتقال الإكـليريكي إلى إيبارشيّة أخرى مع الاحتفاظ بالانتماء إلى الأولى يكون إلى أجل محدّد، يمكن تجديده أكثر من مرّة، باتفاقيّة مكتوبة بين كلا الأسقفين  الإيبارشيّين، تـُحدّد فيها حقوق وواجبات الإكليريكي أو الاطراف المعنيّة" (ق. 360 بند 1).

3- وإذا كان الاكليريكيا غريبا عن الايبارشية يلزم أن:

       تنبع الموافقة بناء على تطلّبت واحتياجات الإيبارشية أو منفعتها (ق. 366 بند 1، 1).

       اتّضحت للأسقف كفاءة الإكليريكي للقيام بالخدمات، لا سيّما إذا كان الإكليريكي قادما من كنيسة أخرى متمتّعة بحكم ذاتي (بند 1، 2).

       اتّضح له بوثيقة شرعيّة، فصل الإكليريكي من الإيبارشية على وجه مشروع، وحصل من الأسقف الإيبارشي الذي فصله ­حتّى سرّا إذا اقتضى الأمر ­ على الشهادات المناسبة حول سيرة الإكليريكي وسلوكه (بند 1، 3).

       أن يعلن الإكليريكي كتابة ً أنّه يكرّس نفسه لخدمة الإيبارشية الجديدة وفقا للشرع (بند 1، 4).

4  كما أنه على على الأسقف الإيبارشي الذي تم الانتماء إلى إيبارشيته أن يحيط به علمًا في أقرب وقت الأسقف الإيبارشي الأوّل" (بند 2).



[1]  راجع القانون الكنسي الغربي (CIC)، ق. 265.

[2]  يوحنا بولس الثاني، خطاب في كاتدارئية كيتو؛ إلى الأساقفة والكهنة والرهبان والطلاب الإكليريكيين "Insegnamenti VIII/1(1985)"، 29/1/ 1985، 247 – 253.

[3]  يوحنا بولس الثاني، اعطيكم رعاة، 70.

[4]  "لا ينتهي انتماء إكليريكي  إلى  إيبارشيّة ما إلاّ بالانتماء إلى إيبارشيّة أخرى على وجه صحيح أو بفقدان الحالة الإكليريكيّة" (ق. 364).