أولاً: لمحة تاريخية
1- الإكليريكية بحي الموسكي 1878
كان عدد الكهنة المتخرجين، من كلية انتشار الإيمان محدوداً وضئيلاً، ولم يكن كافياً لسد احتياج الكنيسة إلى العديد من الكهنة المثقفين والملمين بجميع احتياجات الوطن. لذا فقد كلّف مجمع انتشار الإيمان، الآباء اليسوعيين في عام 1878م بتأسيس إكليريكية للأقباط الكاثوليك بمصر، والقيام بإدارتها[1]. فقدم إلى القاهرة الأب نورمان، رئيس إرسالية الأباء اليسوعيين في سوريا في يناير 1879م، بصحبة الأب هنري اليسوعي، ونزلا ضيفين لمدة شهر طرف الأباء الفرنسيسكان، إذ لم يكن حينذاك مرسلون يسوعيون في مصر.
في 3 فبراير 1879، استأجرا منزلاً صغيراً في حي الموسكي، وبعد أن تفقد الأب نورمان الحالة وأتم مهمته، ترك الأب هنري في القاهرة ورجع إلى بيروت، وأوفد من هناك إلى القاهرة الأب جرنييه والأخ يوحنا سيمرلي. وانتقل هؤلاء اليسوعيون الثلاثة، في شهر مايو من نفس السنة، من منزلهم الصغير بالموسكي، واستأجروا منزلاً فسيحاً ليس ببعيد عن الأول، هو قصر باغوص باشا[2]، في حديقة روزيتا بالموسكي، الذي صار بعد قليل المقر الأول للمدرسة الإكليريكية للأقباط الكاثوليك.
فتحت المدرسة الإكليريكية أبوابها في أول أكتوبر عام 1879م، وكان قد تم الاتفاق على أن تكون هذه المدرسة، إكليريكية صغرى يتلقى فيها إكليريكيو الأقباط الكاثوليك دروسهم الثانوية، ويرسلون من بعدها إلى الكلية الشرقية للأباء اليسوعيين ببيروت ليواصلوا فيها علوم الفلسفة واللاهوت. وأن يصرّح لمن يشاء من الطلبة، أن يتلقنوا الدروس في نفس المدرسة مع الإكليريكيين.
بدأ العام الدراسي، وقد ضمّت المدرسة بين جدرانها ثمانية إكليريكيين وأربعة عشر طالباً خارجياً. وكان قد عين لها رئيساّ هو الأب إدوارد سلزاني، عوضاً عن الأب هنري وأصبح الأب جرنييه مساعداً له. وقد حققت هذه المدرسة الإكليريكية نجاحاً باهراً ونمواً مشجعاً. إلا أن ثورة عرابي باشا، عام 1882م، أرغمت الأباء اليسوعيين- الذين وصل عددهم آنذاك في القاهرة إلى حوالي سبعة عشر راهباً- على الرحيل مع الإكليريكيين إلى بيروت، ولم يبق منهم إلا الرئيس الجديد الأب ميشيل جوليان وأربعة من اليسوعيين ومعهم أكبر الإكليريكيين سناً وهو حبيب سبع الليل. ولكن نظراً لتزايد حدة الثورة اضطر حتى هؤلاء أن يرحلوا إلى بيروت في 15 يونيه 1882 ولم يرجعوا إلا في أعقاب ثورة عرابي باشا. بعد هذه المحنة البسيطة عادت المدرسة بالقاهرة لتفتح أبوابها في شهر نوفمبر 1882م وتواصل الإكليريكية سيرها على ما يرام. وفي عام 1883م أي بعد ثلاث سنوات فقط من تأسيسها، بلغ عدد طلاب المدرسة ثمانية عشر إكليريكياً وثلاثة وستين طالباً خارجياً.
2- الإكليريكية بحي الفجالة 1889م
في عام 1888م شرع الأباء اليسوعيون، في بناء مدرسة كبيرة في حي الفجالة بالقاهرة، وهي مدرسة “العائلة المقدسة” للأباء اليسوعيين حالياً. وتم افتتاحها الرسمي في عام 1889م، فترك الأباء حينذاك قصر باغوص يصحبهم الإكليريكيون إلى جناح خاص بهم بجوار مدرسة العائلة المقدسة، وظلت المدرسة الإكليريكية الصغرى بالقاهرة تحت إدارة الآباء اليسوعيين إلى عام 1907م، حيث أغلقت المدرسة أبوابها من جديد على أثر استقالة، مثلث الرحمات غبطة الأنبا كيرلس الثاني عام 1908وتعيين نيافة الأنبا مكسيموس صدفاوي نائباً رسولياً للبطريركية فسافر طلابها الإكليريكيون إلى بيروت لمواصلة دراساتهم الثانوية والفلسفية واللاهوتية، في الكلية الشرقية للآباء اليسوعيين. ثم افتتحت ثانية في عهد الأنبا مرقس خزام حتى سنة 1947حين انتقل كل الإكليريكيين إلى طنطا.
3- إكليريكية المنيا الكبرى المؤقتة 1895-1896م
لما كان عدد الكهنة المتخرجين من بيروت، قليلاً جداً بالنسبة إلى احتياج الكنيسة، اتجهت الفكرة في عام 1894م إلى افتتاح مدرسة إكليريكية، في دير الآباء اليسوعيين بالمنيا، تقبل الراغبين في الكهنوت والحاصلين على السن القانوني للرسامة الكهنوتية، حتى من المتزوجين. يتلقى هؤلاء- في مدة وجيزة- ما هو ضروري من معارف الكهنوت يشمل: شرح العقائد الدينية وكيفية الاحتفال بذبيحة القداس، وطقوس خدمة الأسرار المقدسة، ولم يتمّ هذا المشروع إلا بهمة النائب الرسولي الجديد، نيافة الأنبا كيرلس مقار، الذي افتتح هذه المدرسة في 7 مايو 1895م واضعاً إياها تحت إدارة الآباء اليسوعيين، وعين مدرساً لها الأب بولس قلادة، الذي صار فيما بعد نيافة الأنبا أغناطيوس برزي.
وظلت هذه الإكليريكية عامرة لمدة سنة، تخرّج منها أربعة عشر كاهناً، ثم أُغلقت هذه المدرسة لأن أساقفتنا، كانوا يطالبون الكرسي الرسولي بتأسيس مدرسة إكليريكية خاصة بالأقباط الكاثوليك، متكاملة، على مثال الإكليريكيات الأوروبية، منظمة في قوانينها ودروسها، بحسب ما تتطلبه الشرائع الكنسية.
4 – إكليريكية القديس لاونبطهطا 1899م [3]
أ- التأسيس
في أوائل شهر مايو عام 1896م، وعلى إثر اجتماع لأصحاب النيافة الأساقفة الثلاثة: الأنبا كيرلس مقار والأنبا مكسيموس صدفاوي والأنبا أغناطيوس برزي، أرسلوا إلى الكرسي الرسولي تقارير عن حالة إيبارشياتهم، ليُعلموا قداسة البابا لاون الثالث عشر باحتياج الكنيسة القبطية لمدرسة إكليريكية أخرى، يكون التدريس فيها باللغة العربية وتكون مدة الإقامة بها قصيرة، وذلك لشدة احتياج الكنيسة إلى كهنة. وعرض الأساقفة على قداسة البابا مدينة طهطا لأنها الأصلح في ذلك الوقت لتؤسس فيها المدرسة الإكليريكية لكونها مركز الكثلكة في الصعيد ولأن كرم نخلة بك يسى أحد أعيان طهطا تبرع بقطعة أرض مساحتها ألف ومائتان متر مربع ملاصقة للأولى لتكون حديقة للمدرسة. وشُرع للحال في بناء المدرسة الإكليريكية تحت إدارة وإشراف الأب جوليان اليسوعي. أما حفل وضع حجر الأساس الذي تم في 25 يناير 1897، فحضره أربعة أساقفة وهم أساقفتنا الثلاثة ونيافة المطران فرانسيسكو سوجارو (النائب الرسولي في السودان) وخرج المحفل من الكاتدرائية بالترانيم حتى وصلوا إلى موضع البناء. فوضع الحجر الأساسي نيافة الأنبا كيرلس مقار.
ب- الافتتاح
في 15 نوفمبر 1899م تم الافتتاح الرسمي برئاسة غبطة البطريرك الأنبا كيرلس الثاني ودعيت هذه المدرسة الإكليريكية باسم القديس لاون الكبير، عرفاناً بالجميل لمحبة قداسة البابا لاون الثالث عشر ورعايته للكنيسة القبطية. واهتم المجمع الإسكندري، المنعقد من 18 يناير إلى 3 يونيه 1898، بوضع قوانين هذه الإكليريكية وعين الأب أثناسيوس سبع الليل رئيساً لها والأب أنطون بسطوروس مساعداً له. وأخذت الإكليريكية تسير سيراً حسناً وتبشر بمستقبل زاهر علق عليه أبناء الكنيسة جميع آمالهم.
5 – نقل الإكليريكية الكبرى والصغرى في مدينة طنطا سنة 1947م
لما كان احتياج الكنيسة إلى كهنة عديدين ملّحاً، ولما كانت دار المدرسة الإكليريكية الصغرى لا تتسع لأكثر من خمسين إكليريكياً، بحث الرؤساء إذ ذاك عن دار مناسبة صالحة لإيواء ما يزيد عن مائة إكليريكي. وتحقق أملهم هذا في سبتمبر 1947م. إذ نقلت الإكليريكية الكبرى من طهطا والصغرى من القاهرة، إلى مدينة طنطا بالوجه البحري في جناح فسيح رحب من مبنى كلية القديس لويس للأباء المرسلين الأفريقيين.
6- المعهد الإكليريكي للأقباط الكاثوليك بالمعادي 1953م
ولما كان المعهد الإكليريكي بطنطا في مبنى القديس لويس مؤجراً، فكّر آباء السينودس في تشييد مبنٍ كبيرٍ يضم إكليريكيين من جميع الكنائس الكاثوليكية بالقطر المصري. وقد التحق به فيما بعد بعض الإكليريكيين من الموارنة والسريان وبعض الرهبان الفرنسيسكان. وفي عام 1952م قامت الدار الجديدة في شارع من أجمل شوارع حي المعادي. على مساحة عشر أفدنه والمبنى مستطيل يبلغ طوله 117م وعرضه 67م وتحيط به حدائق. وأُعِدَّ المعهد لاستقبال إكليريكيي القسم المتوسط (إعدادي وثانوي) وإكليريكيي القسم العالي (الفلسفة واللاهوت).
اُفتتح المعهد رسمياً في 3 نوفمبر 1953م بحضور نيافة الكاردينال أوجين تيسيران مندوباً عن قداسة البابا بيوس الثاني عشر وجمع غفير من أبناء وإكليروس الطوائف المسيحية وعلى رأسهم غبطة البطريرك الأنبا مرقس الثاني خزام ومعاونه نيافة الأنبا إسطفانوس سيداروس الذي صار مديراً للإكليريكية الجديدة على رأس مجموعة من الكهنة الأقباط الكاثوليك وبعض الرهبان اللعازريين حتى عام 1954م. وحين اُنتخب غبطة الأنبا إسطفانوس سيداروس بطريركاً في يونيو 1958 أُسنِدَت الإدارة إلى الآباء اليسوعيين بالتعاون مع مجموعة من كهنة الأقباط الكاثوليك واستمر هذا الوضع حتى سنة 1969 عندما عُيّن الأب لويس أبادير مديراً للمعهد الإكليريكي على رأس مجلس إدارة من كهنة الكنيسة.
ثانياً: المؤسسون
1- نيافة الأنبا كيرلس مقار
وُلد جرجس وهو نيافة الأنبا كيرلس مقار بالشناينة محافظة أسيوط في 17 يناير 1867م، والتحق بالكلية الإكليريكية الشرقية التابعة لجامعة القديس يوسف لبنان وحاز على شهادة الدكتوراه في الفلسفة واللاهوت، وسيم كاهناً باسم الأب جرجس مقار في شهر يونيه 1891م على يد نيافة المطران غودانزيو بونفيلي النائب الرسولي لللاتين بلبنان. وعُيِّن مدرساً بالمدرسة الطائفية المجاورة للدار البطريركية بدرب الجنينة بحي الموسكي وبقي في التدريس سنة 1893 وسنة 1894. فسيم أسقفاً ونائباً رسولياً لكنيسة الأقباط الكاثوليك بتاريخ 15 مارس 1895، وصار لقبه نيافة الأنبا كيرلس مقار أسقف قيصرية فيلبس والنائب الرسولي على الكنيسة المرقسية الإسكندرية.
وأصدر منشوراً بتاريخ 3 يناير 1898 يعلن فيه عن عقد مجمع رسمي كنسي- هو المجمع الإسكندري الأول- وافتتحه في 18 يناير 1898 وخُتم في 3 يونيو 1898بمقر البطريركية بالموسكي بدرب الجنينة.
وقد أعلن قداسة البابا لاون الثالث عشر في جلسة 19 يونيو 1899 بصفته صاحب الرئاسة العليا، كيرلس مقار بطريركاً على الكرسي الرسولي الإسكندري لما رأى فيه من العلم والتقوى وحسن الإدارة وتم تجليسه بالإسكندرية في الكاتدرائية الجديدة في 31 يوليو 1899. وقدّم استقالته في 30 مايو 1908م وقبلها قداسة البابا بيوس العاشر. وتنيّح في بيروت في شهر مايو 1921م، ودُفن تحت المذبح الرئيسي في الكنيسة الكاتدرائية بدرب الجنينة بالقاهرة- ثم نُقل جثمانه إلى مدفنة الكاتدرائية الجديدة بمدينة نصر.
2- نيافة الأنبا مكسيموس صدفاوي
وُلد يوسف صدفاوي وهو نيافة الأنبا مكسيموس صدفاوي بأخميم (محافظة سوهاج في 17 أغسطس 1863م، والتحق بالكلية الشرقية ببيروت (لبنان) وحاز على شهادة الدكتوراه في الفلسفة واللاهوت.
وسيم كاهناً على يد المنسنيور بونفيلي ببيروت في 29 يونيه 1889باسم الأب يوسف صدفاوي، وسيم أسقفاً في 29 مارس 1896 لإيبارشية هيرموبوليس (المنيا) ثم تعيّن مدبّراً رسولياً للبطريركية في 12 يونيو 1908م عقب استقالة غبطة البطريرك كيرلس الثاني مقار، تنيح في 27 فبراير 1925 ودُفن بكنيسة الأقباط الكاثوليك بدرب الجنينة بالموسكي بالقاهرة ونُقل جثمانه إلى مدافن البطاركة بالكاتدرائية الجديدة بمدينة نصر.
3- نيافة الأنبا أغناطيوس برزي
وُلد الأب بولس قلادة بالهمّاص محافظة سوهاج في 7 يناير 1867م، والتحق بالكلية الشرقية ببيروت وحاز على شهادة الدكتوراة في الفلسفة واللاهوت، وسيم كاهناً في بيروت في 29 يونيو 1891م باسم الأب بولس برزي.
وعُيّن راعياً لكنيسة أخميم ثم المنيا في 1893م وعلاوة على الرعية عُيّن مدرساً للاهوت في المدرسة التي كان أعدّها الأباء اليسوعيون بالمنيا لبعض المؤمنين الأتقياء المرشحين للكهنوت، سيم أسقفاً في 29 مارس 1896 باسم نيافة الأنبا أغناطيوس برزي على كرسي طيبة وسائر أقاليم الوجه القبلي، وعُيّن عضواً بمجلس الشيوخ.
تنيّح يوم الخميس الموافق 29 يناير 1925م، ودُفن يوم الجمعة 30 يناير في الكنيسة القديمة ثم نُقل جثمانه إلى الكاتدرائية الجديدة بمدينة نصر.
[1] عن خطاب من الأب بيكلكي إلى الأب مونوث الرئيس الإقليمي للأباء اليسوعيين بليون، بتاريخ 15 يونيه سنة 1878 في مجلة Lettres de Fourvière المجموعة الثالثة سنة 1936م صحيفة رقم 111.
[2] هدم هذا القصر عام 1889م لتوسيع الشارع الكبير، وهو شارع الجيش الحالي.
[3] اختار مؤسسو الإكليريكية القديس لاون الكبير شفيعاً لها، عرفاناً بجميل البابا لاون الثالث عشر صاحب قرار إنشاء الإكليريكية بمصر. واسم لاون يعني الأسد، وقد وُلد في مدينة روما وتسلم قيادة الكنيسة بعد البابا سكتوس، من 440 حتى رقد في الرب عام 461م. يُذكر للبابا لاون دوره الكبير في مجمع خلقيدونية 451م، وكذلك جهاده الكبير لإصلاح ما أفسدته الحروب.
المرجع: كتاب اليوبيل المئوي للكلية الإكليريكية للأقباط الكاثوليك 1899- 1999، ص 33- 40