وصية قداسة البابا يوحنا بولس الثاني الروحية

"كلي لكِ"

بهذه العبارة الموجهة إلى مريم العذراء، والتي شكّلت شعار حبريته استهل قداسة البابا يوحنا بولس الثاني وصيته الروحية، التي باشر في كتابتها في السادس من آذار مارس من عام 1979.

كتب البابا إن كلمات يسوع لتلاميذه "اسهروا لأنكم لا تعلمون أي يوم يأتي سيدكم"، تُذكّرني باللحظة التي يناديني فيها الربّ. أريد أن أتّبعه وأود أن يُعدّني كل ما يشكّل جزءاً من حياتي اليومية لتلك اللحظة، التي سأضع فيها نفسي بين يدي والدة ربّي: "كلّي لك". وأضع بين يديها الكنيسة وأمّتي والبشرية كلّها.

… أوجّه شكري إلى الجميع وأطلب المغفرة من الكل. وأطلب أن يُصلّى من أجلي.

… لقد اطّلعت مجدداً على وصية قداسة البابا بولس السادس، أثناء الرياضة الروحية، وحملتني هذه القراءة على كتابة وصيتي هذه. وبعد وفاتي أُريد أن تُقام القداديس والصلوات من أجلي …

… أريد أن تُحرق ملاحظاتي الشخصية المدوّنة وأود أن يشرف الأب ستانيسلاو شخصياً على ذلك … وإني أشكره على تعاونه ومساعدته لي خلال السنوات الطويلة الماضية …

… أود أن أعرب عن ثقتي التامة بأن الربّ، وعلى الرغم من كل ضعفي، سيمنحني النعمة اللازمة لأقوم بواجباتي كما تقتضي مشيئته، وأفعل كلّ ما يطلب الرب إلى خادمه خلال حياته …

… يجب أن يكون كلّ شخص مستعداً لمواجهة الموت، والمثول أمام الرب القاضي والمخلّص والآب …

… إن الأزمنة التي نعيش فيها صعبة وتحمل على القلق، والكنيسة تسير على دروب لا تخل من الصعوبات التي يتعيّن أن يواجهها المؤمنون والرعاة على السواء … فالكنيسة تعاني من الاضطهاد في بعض الدول، لا يقل خطورة عن الاضطهاد الذي عانى منه المسيحيون الأوائل …

… أريد أن أوكل ذاتي مرة جديدة إلى رحمة الرب وأقول لمريم العذراء "كلّي لك" في الحياة والممات. وآمل أن يمنحني المسيح نعمته في نهاية حياتي الأرضية، وأن تصب هذه النعمة في مصلحة القضية التي أسعى إلى خدمتها ألا وهي خلاص البشر، وحماية العائلة البشرية وجميع الأمم والشعوب …

… إن محاولة الاغتيال التي تعرّضت لها في الثالث عشر من أيار مايو 1981، جاءت بمثابة تأكيد على ما كتبته في وصيتي خلال السنوات الماضية … إني أشعر أكثر فأكثر بأن حياتي موضوعة بالكامل بين يدي الله، وأوكل نفسي بالكامل إليه وإلى والدته …

… عندما تم انتخابي حبراً أعظم في السادس عشر من تشرين الأول أكتوبر من عام 1978 قال لي الكاردينال ستيفان فيزينسكي: "واجب البابا الجديد أن يقود الكنيسة داخل الألف الثالث"، فقلتُ له: لقد كنت شاهداً على رسالة "الرجل" الذي صنع التاريخ ووضعت نفسي بالكامل في تصرفه. ومع بداية عام ألفين ولّى القرن العشرون، وشاء مخطّط العناية الإلهية أن أعيش في هذا القرن الذي طُبع بالصعوبات …

… لقد أنقذتني العناية الإلهية من الموت بطريقة عجائبية، بعد تعرّضي لمحاولة الاغتيال في ساحة القديس بطرس. فقد شاء ربّ الحياة والموت أن يطيل عمري ويمنحني الحياة مجدداً. وآمل أن يمنحني الرب القوة اللازمة لأتم الرسالة التي أوكلها إلي.

… العقد الأخير من القرن العشرين خلا من التوترات التي كانت سائدة في الماضي، غير أن هذا لا يعني أن المستقبل لن يحمل معه مشاكل وصعوبات جديدة … وشاءت العناية الإلهية أن تنطوي صفحة الحرب الباردة، دون اللجوء إلى الصراع النووي، الذي كان هاجساً يلقي بثقله على العالم بأسره …

… أريد أن أعرب مرة جديدة عن امتناني للروح القدس على المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني … ومنذ بداية خدمتي الأسقفية اختبرت الشركة الأخوية في الأسقفية … وخلال حبريتي اختبرت التعاون الخصب الذي قدمه لي معاوني من كرادلة، ورؤساء أساقفة وأساقفة وكهنة ورجال ونساء مكرسين وعلمانيين. ويتوجه فكري أيضاً إلى جميع الأساقفة في العالم، وأخوتي المسيحيين غير الكاثوليك، وحاخام روما والممثلين عن باقي الديانات.

… ومع اقتراب نهاية حياتي الأرضية، أعود بالذاكرة إلى الماضي، لأفكّر بوالديّ، بشقيقي وشقيقتي (التي لم أعرفها لأنها توفيت قبل ولادتي) … أفكّر أيضاً برعيتي في فادوفيتش، حيث نلت سرّ العماد، وبرفاقي في المدرسة والجامعة … وأفكر في رعية نييغوفيتش التي خدمتها ورعية القديس فلوريانو، وبمدينة كراكوفيا وروما … وأود أن أقول لهؤلاء الأشخاص "جازاكم الله خيراً".

"بين يديك يا رب أستودع روحي".

 

————————————————-

فإذا يأس الإنسان من الله …سقط في بحر الإلحاد
و إذا يأس الإنسان من الناس ..سقط في بحر العداوة و البغضة..
و إذا يأس الإنسان من نفسه ..انتهت المعركة بالاستسلام