من يفوز ضبط النفس أم الذكاء؟

     إن النتيجة غالباً ما ستكون أن المجموعة لن تستطيع أمام الجوع أن تقاوم أغراء الطعام ورائحته، وسيبدأ واحد منهم بالبحث عن مبرر مقبول كالقول: “سندوتشاً باليد خير من وجبةٍ في الغيب”، أو “بالنسبة لي يكفي السندوش، بلاش طمع”، ومع بداية واحد ستخور مقاومة الأخرين، ولن يستطيع أن ينتظر إلا من كان منهم لديه قدرة على “ضبط النفس”.

ومن ثمَّ يمكننا القول بأن الذكاء لا يعني بالضرورة القدرة على ضبط النفس بل إنه أحيانا يضعف ضبط النفس حين يبدأ العقل في البحث عن حجج ومبررات منطقيّة ومقبولة، حجج ترضى الكبرياء الذاتي حتى بقلب الحقائق في كثير من الأحيان. بل وأكثر من ذلك فضبط النفس يؤثر تأثيراً كبيراً جداً على الذكاء، فالإنسان بمجرد أن يفقد تحكمه بذاته يفقد بذات الفعل مقدرته على استخدام ذكائه، ومن ثمَّ القدرة على التحكم في أقواله وأفعاله فتخرج عنه بعض الأفعال التي كلما يحاول اخفائها كلما تزداد قوتها، وكلما يحاول إنكارها كلما تتحكم فيه أكثر.

 

     كيف يمكننا التحكم في أنفسنا لاسيما في المواقف الصعبة والمحرجة وأمام الاختيارات المصيريّة؟ وما هي التمارين التي يجب أن نقوم بها حتى ننعم بهذا الصفة، التي يمكنها أن تعطي لحياتنا طعماً وشكلا مختلفين؟

في البداية يجب التأكيد على: ان ضبط النفس لا يعني البرود أمام المواقف الصعبة، بل يعني أن الشخص برغم المواقف الصعبة لا يزال متحكما في تصرفاته، وفي ردود افعاله، وفي هدؤه. وهو التحكم الذاتي، وصدق من قال: “منْ يتحكم في نفسه يتحكم في كل العالم”.

 

     ان ضبط النفس، مثله مثل كل الفضائل الأخرى، هو ثمرة جهد صادق ومحاولات عديدة. فهو فضيلة لا تهبط من السماء جاهزة، بل تنمو بالمصابرة وتترعرع بالتدريب.

وإليكم بعض النصائح المفيدة لاكتساب هذه الصفة:

 

    أولا: “كن إيجابياً في طريقة تفكيرك”، في البداية يجب أن نعرف أننا “أبناء أفكارنا”، فمَنْ يفكر بطريقة سلبية يحيا بطريقة سلبية، ومن كان ايجابيا في تفكيره سيكون بذات الفعل ايجابياً في حياته. فشخص يفكر دائما بأنه: “لا يستطيع أن يفعل هذا”، و”لا يمكنه الاقتراب من ذاك الشيء”، و”هو ضعيف أمام تلك الشخص أو الشيء”… هو شخص حبيس لمخاوفه، شخص مقيد بأفكاره السلبية وبمخاوفه المهمية. وبالتالي فالخطوة الأولى، بالنسبة له، يجب أن تكون تغير طريقة تقكيره، ويجب أن يُكوّن ايمانه بأنه “لا توجد أشخاص تُخوف وإنما توجد أشخاص تَخاف”، وأن الأشياء التي نعتقد أننا لا يمكن أن نواجها لن نستطيع أن نواجها مادمنا نعتقد ذلك. فأهم خطوات النجاح هي التغلب على الأفكار السلبية بزرع أفكار أخرى أيجابية.

    ثانياً: “كن منطقياً في حياتك”، فالخوف وفقدان الثقة بالنفس هما النتيجة لشخصية ترى الأمور فقط من زاويتها دون النظر للأبعاد الأخرى. فكلما أعتقد الشخص أنه مركز العالم وأن كل الأمور تدور حوله كلما تأثر تأثراً سلبيا بكل كلمة وكل حركة وكل همسة لا توافق اعتقاداته الشخصية. فبالطبع يجب أن نرى الأمور بأعيننا ولكن لا يجب أن نرفض أن يراها الأخرون بأعينهم.

      ثالثا: عندما تشعر بأنك بدأت تفقد ثقتك بنفسك حاول تطرد عنك مباشرة هذه الفكرة السلبية، وذلك بتحويل نظرك بطريقة إرادية على كل الأشياء التي توجد حولك، لأن هذا الفعل البسيط يجعل عقلك لا يتمحوّر حول هذه الفكرة السلبية، ومن ثمَّ تموت الفكرة، أو بالأحرى، تُجهض بدلا من أن تتعملق وتتحكم.

    رابعاً: الثقة في النفس ليست شيئاً مستقلا عن باقي عناصر الشخصية، وبالتالي فهي تنمو بنمو الشخصية وتتكامل مع باقي العناصر الأخرى، أي أنها لا يمكن أن تأتي بين ليلة وضوحاها بل تنمو مصاحبة لمسيرة النمو الشخصي، وهي، كباقي عناصر الشخصية، تحتاج إلى شيئين: المصابرة والوقت.

    خامساً: الثقة في الذات هي أبنه الثقة في الله، فمنْ يقول إنه يؤمن يجب أن يثبت ذلك بتسليم أمور حياته لله، وقد صدق أحد القديسين عندما قال: “أفعل مائة بالمئة وكأنك كل شيء، والله غير موجود، واترك لله مائة بالمائة وكأن الله كل شيء وأنت غير موجود”، فالإيمان يعني أن الانسان يجب أن يفعل كل ما بإستطاعته فعله معتمدا على كل قواه الشخصية والاجتماعية… تاركا لله، في النهاية، كل شيء لله. وهنا فقط يمكن للمؤمن أن يقول: “لتكن إرادتك لا إرادتي، ايماناً منه بأن “كل الأشياء تعمل للخير للذين يحبوا الله”. فالإيمان إذا ليس عنصراً كماليّا للشخصية الثابتة بل هو العمود الفقري لها، والذي يجعلها تواجه أخطر الأمور دون أن تهتز ثقتها لا في نفسها ولا في ربها.

وختاماً ليس من السهل الإجابة على السؤال من يفوز منهما في الحياة ضبط النفس أم الذكاء؟ لأن الواحد يقوم على الأخر، ولأن الفائز هي في الأثنين هو الشخص ذاته.

 

الأب/ يوأنس لحظي جيد

روما 26/11/ 2004