الخادم والخدمة الروحية

حب مقدس :


    الخدمة حب مقدس امتلأ به قلب إنسان أحب الله وعاش معه وذاق حلاوته ، ومن ثم طفق ينادى بين الناس ” ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب ” .


ومن حيث كونها حباً مقدساً ، فليس لها مكان ثابت لا تتعدى دائرته ، وليس لها زمان معين أو أوقات محدودة . ورسالتها لا تقف عند حد طبقة معينة أو فئة خاصة أو أشخاص بالذات . بل إنها تعمل بقوة فى كل الأمكنة ، فى الوقت المناسب ، وغير المناسب ، فى كل خليقة الله الناطقة من كل الطبقات والفئات والأجناس .


    إنها تهدف إلى نقل عواطف هذا الحب إلى كل شخص محروم منه .. فهى والحال هذه تحطيم للفردية وانطلاق الإنسان من حب ذاته إلى حب الآخرين .. هى تخرجه من محوره الخاص إلى المحور العام .


سعـادة روحيـة :


    الخدمة مصدر هام من مصادر السعادة الإنسانية . لقد حدد الرب يسوع معنى السعادة فى قوله ” الغبطة ( السعادة ) فى العطاء أكثر من الأخذ ” ( أع 20 : 35 ) .


فليست السعادة الحقة بأن أستأثر بكل شئ لى ، بل هى فى إشراك الآخرين معى فى هذا الشىء . ليست سعادة الإنسان فى أن تتوفر له كل احتياجاته ، بل هى فى إشراك الآخرين فيما يتمتع هو به. إن البحيرات تنقسم إلى نوعين : مالحة ، وعذبة . والنوع الأول ما يعرف باسم البحيرات المغلقة التى تصب فيها الماء دون أن يكون لها مخرج أى أنها تأخذ ولا تعطى . أما النوع الثانى فهى التى تأخذ وتعطى ولذا فإن مياهها عذبة .


إن الخدمة تنشئ فى النفس سعادة كبيرة .


سمو الخدمـة :


    سما العهد الجديد بالخدمة وارتفع بالخادم فجعل منها ومنه واسطة لتقريب القلوب إلى الله ، وتجديد النفوس وجذبها إلى ملكوت الله ومحبته .


    إن ابن الله الوحيد جاء ليتمم هذا العمل العظيم وحينما نشترك معه فى هذا العمل أى حينما نخدم النفوس لنقربها لله نستحق أن نكون أبناء الله . لقد أوضح معلمنا بولس ذلك حينما قال     ” الله الذى صالحنا لنفسه بيسوع المسيح وأعطانا خدمة المصالحة إذ نسعى كسفراء عن المسيح كأن الله يعظ بنا نطلب عن المسيح تصالحوا مع الله “  ( 2 كو 5 : 18- 20 ) .


وفى موضع ثان يبين الرسول بولس عظمة الخدمة وسموها حينما يقول ” فإننا نحن عاملان مع الله ، وأنتم فلاحة الله ، أبناء الله “  1 كو


    ما أجمل هذه العبارة ” مع الله ” .. إن فيها تأملات حلوة وتعزيات فياضة . فهى تبين شرف الرسالة التى يضطلع بها الخادم ، فهو يعمل مع الله شخصياً فأى شرف هذا . إنها تضمن للخادم رعاية حياته ومصالحه طالما هو يعمل ” مع الله ” . والخادم ليس مسئولاً عن الخدمة بل الله . أما هو ( الخادم ) فإنما يعمل معه الخــادم


مستواه الروحي :


    حيثما وجد الخادم الأمين النشيط فهناك الثمر الكثير.ولذا فإنه يحسن قبل أن نخوض فى أى موضوع أن نقف قليلاً لنعرف أولاً من هو الخادم ؟ .


    الخادم إنسان عرف الله وامتلأ قلبه بحبه وتذوق حلاوة الحياة معه ، فطفق يحدث الآخرين عن الله. وعلى هذا فالخادم مفروض فيه أن يكون فى حالة روحية أسمى من مخدوميه .


يجب أن يكون نقياً فى أفكاره وسلوكه وحياته عموماً . لأنه بحياته يظهر لمخدوميه طريق الحياة . وهكذا يتقدم المخدومين بالمثل أكثر من الكلام . إن كلماته تدخل إلى قلوب سامعيه إن كانت حياته تؤكد كلماته ، وما يقوله بالكلام يوضحه بالمثال . ولذا قال النبى قديماً ” على جبل عالٍ اصعدى يا مبشرة صهيون ” ( أش 40 : 29 ) .


ومعنى هذا أن من يعلم الآخرين تعاليم السماء يجب أن يكون قد ترك المستويات المنخفضة التى للأفعال الأرضية ، ويجب أن يرى واقفاً على ذروة ، وهو ما عبر عنه الوحى بجبل عالٍ .


يجب أن يكون الخادم فى حالة روحية وثقافة دينية أفضل من مخدوميه . فمن المعروف أن الماء يجرى منحدراً من الأرض المرتفعة إلى الأقل ارتفاعاً ، لكنها لا تجرى من المنخفض إلى المرتفع .. !!


    ليس عمله إرشاد الأعضاء إلى طريق الرب بوصفه إياه لهم ، بل أن يجعلهم يضعوا أقدامهم على هذا الطريق ويرافقهم فيه . ولا يقنع بحديث عن المسيح يبهر به مخدوميه ، بل بتسليمهم للرب نفسه ويجب ألا يقنع الخادم بأعمال حسنة وصالحة إذا قورنت بأعمال الأشرار بل يجب أن يفوق ذوى الأعمال الصالحة من بين مخدوميه وكما يتقدمهم بحكم كونه قائدهم عليه أن يتقدمهم فى الفضيلة أيضاً . من الضرورى أن تكون اليد التى تنظف نظيفة وإلا وسخت كل شئ تلمسه . من أجل ذلك يقول النبى ” تطهروا يا حاملى آنية الرب ” ( أش 52 : 11 ) . ومن هم حاملى آنية الرب إلا الذين يحملون النفوس لكى يقربوها إلى الله .


    ويؤكد معلمنا بولس هذه المعانى فى كلامه إلى الكورنثيين ” لسنا نجعل عثرة فى شئ لئلا تلام الخدمة . بل فى كل شئ نظهر أنفسنا كخدام الله . فى طهارة فى علم فى أناة فى لطف فى الروح القدس فى محبة بلا رياء فى كلام الحق فى قوة الله بسلاح البر لليمين ولليسار “                      ( 2 كو 6 : 3 -7 ) .


وكتب إلى تلميذه تيموثاوس ” لاحظ نفسك ” والتعليم وداوم على ذلك لأنك إذا فعلت هذا تخلص نفسك والذين يسمعونك أيضاً  ( 1 تى 4 : 16 ) . وهنا نلاحظ كيف أن الرسول يربط بين حياة تيموثاوس وخدمته بين الناس .


شخصيتـه :


    الخادم قائد للجماعة التى يخدم بينها . لذا يجب أن تتوفر له شخصية من طراز معين تؤهله لهذه الخدمة القيادية . وبالإضافة إلى حياة الشركة التى تكون للخادم مع الله ، يجب أن يكون بعيداً بقدر الإمكان عن الأخطار الروحية المعثرة ، متمتعاً بصحة عقلية ونفسية وشخصية ، حتى يمكن أن يكون قدوة للآخرين ، ولا يكون عثرة للمخدومين . فمثلاً أخطاء اللسان الكثيرة هى نقائص واضحة يراها الآخرون ، وقد يتأذون منها ، ومن الصعب أن نوافق على وجود خادم لم يصل إلى مستوى مقبول من هذه الناحية . والغضب وعدم ضبط الأعصاب وما إلى ذلك هى نقائص أيضاً يجب تلافيها .


    ويجب أيضاً أن يكون للمدعو للخدمة مستوى عقلى إلى جانب المستوى الروحى . ونقصد بالمستوى العقلى ، النشاط الفكرى وحضور البديهة والتمييز ، بحيث لا يرتبك أمام بعض الأسئلة العارضة التى تقدم إليه فى محيط الخدمة سواء من الصغار أو الكبار بغض النظر عن مستواه الدراسى العلمى العام .. فهناك أميون ممتلئون من روح الله والحكمة ويخدمون خدمة مثمرة .


مسئوليتـه :


    يشعر الخادم الأمين أن مخدوميه الذين عرفوا الرب معرفة حقه هم مجده وموضوع فرحه وإكليل افتخاره ( 1 تس 2 : 19 ، 20 ) وإنهم هم رسالته فى الرب ( 1 كو 9 : 2 ) أى إنهم العلامة التى تظهر صحة وقانونية رسالته . فالرسالة لا تعتمد لدى الجهات الرسمية إلا إذا كانت ممهورة بخاتم رسمى .. !!


    من أجل ذلك يشعر كل خادم أمين أنه مسئول عن حياة كل فرد من مخدوميه مسئولية مباشرة أمام الله . ولذا فإن جهاده لا يقف عند حد ، حتى يحضر كل إنسان كاملاً فى المسيح يسوع ويضاعف من شعور الخادم بالمسئولية ، قيمة النفس البشرية فى نظره . إن قيمة كل نفس هى دم المسيح الذى مات عنها لينقذها من العالم الحاضر الشرير . وبقدر ما تزداد قيمة النفس فى نظر الخادم بقدر ما يزداد جهاده وتتضاعف تضحياته من أجل خلاصها . من أجل هذا كانت أتعاب الخدمة والدموع التى سكبت لأجل كل نفس والميتات التى لاقاها المبشرون بالخلاص .


    لقد اقتدى الخدام الأمناء بالرب يسوع خادم الخلاص الذى أحبنا وأسلم ذاته فدائنا .. ذاك الذى فتش عن خروف واحد ضال ، ودرهم واحد مفقود ، وسعى وراء امرأة خاطئة هى السامرية ، وقال : ” هكذا ليست مشيئة أمام أبيكم الذى فى السموات أن يهلك أحد هؤلاء الصغار ” ( مت 18 : 14 ) .


هذا ما نلمحه فى حياة رسوله بولس الذى لم يحتسب لشئ ولا كانت نفسه ثمينة عنده ، حتى أتم بفرح سعيه ، والخدمة التى أخذها من الرب يسوع .


    نستطيع أن نلمس غيرة هذا المبشر العظيم والخادم الأمين فى حديثه الوداعى إلى قسوس أفسس .. لذلك أشهدكم اليوم هذا ، إنى برئ من دم الجميع لأنى لم أؤخر أن أخبركم بكل مشورة الله .. لذلك اسهروا متذكرين أنى ثلاث سنين ليلاً نهاراً لم أفتر عن أن أنذر بدموع كل واحد  ( أع 20 : 26 ) .


    أرجو أن تقف أيها الخ وأنتِ أيتها الأخت قليلاً عند كل كلمة من كلمات الرسول السابقة . إن وراءها نفساً كبيرة عرفت حقاً قيمة خلاص الرب ، وقيمة كل نفس مات الرب عنها .


فهو بلا شك يعرف مسئولية كاملة أنه كمعلمه الذى يعرف خرافه ويدعوها بأسمائها . ولا شك أن تلك الدموع التى سكبها الرسول كانت أمام عرش لنعمة فى صلوات متواترة ، كما يتضح فى حديثه إلى أهل رومية ” الله الذى اعبده بروحى فى إنجيل ابنه شاهد لى كيف بلا انقطاع أذكركم متضرعاً دائماً فى صلواتى ” .


    ونود أن نشير إلى أمر هام ، وهو أن نظرة الخادم الأمين للنفوس لا تقف عند حد المؤمنين وحدهم ، وصلواته لا ترفع من أجل هؤلاء وحدهم ، بل من أجل الجميع مؤمنين وغير مؤمنين. فالرب مات لأجل الجميع ، لكى يتمتع الكل ببركات خلاصه إنه لا يهدأ وهو يرى خرافاً كثيرة خارج الحظيرة بينما راعى الخراف العظيم ، ربنا يسوع المسيح ينادى الجميع ” تعالوا إلىّ يا جميع وأنا أريحكم ” .