تكنولوجياً وعلمياً واقتصادياً وسياسياً واجتماعياً…
أجمل ما تعلمناه من القرن العشرين أن المائة سنة لم تعد مقياساً للقرن. بل التطور السريع الذي جعلَ من كل حقبة زمنية قصيرة، لا تتعدى العشر سنوات، قرناً جديداً من ناحية الاكتشافات والتطوّرات في الحقول كلّها. فالزمن ببعده المادي وتحديده العلمي لا يعنينا. ما يهمّنا اليوم في زمن البدايات أن نؤكّد على استمرارية قضيتنا من أجل الإنسان، وترك أبوابنا مشرّعةً لكل ما يخدمه، في كلِّ زمان ومكان. في السنة المقدسة، وفي السنة العادية، في بداية اليوبيل وبعد نهايته.
نحن بحاجة ماسّة في الزمن الجديد إلى مفاهيم جديدة تتبناها البشريةُ ليسودَ السلامُ والعدالةُ والتضامن بين الناس ويتحقّق خيرُ البشرية، عوضًا من خيرِ جماعاتٍ سياسيةٍ وعرقيّة وثقافيّة خاصة. الزمن الجديد لا نريده زمن تعدّي على الحقوق الإنسانيّة، وبالتالي على الضمير البشري. بل نريده زمن لنجاح للمفاوضات والوساطات واللجوء إلى شرعة حقوق الأمم المتحدة، لتكون البشرية جمعاء عائلة واحدة، تجد قوّتها في توزيع عادل لخيرات الأرض من أجل منفعة الخير المشترك للناس. منحلّ مسألة فقر المليارات من الرجال والنساء والأطفال. حتى لا تبقى المساواة أغنية، كلُّ يُغنيها على ليلاه.
الزمن الجديد لا نريده زمن أحقاد تتجذّر فينا وتؤدي إلى نشأة أوضاع ظلم ومآس، وتدوس أبسط حقوق البشر. بل نريده زمن حبّ نلتقي فيه كلّنا أخوة وأصدقاء. مع الزمن المنصرم نريد أ نطوي صفة الطوائف والمذاهب التي تتناحر عقائدياً وفكرياً على سياسة الهيكل وكيفيّة حفظ الشريعة، فتدوس بعض الأحيان الناس المنبوذين والمهمّشين، المطروحين على طرقت العالم، الذين يستحقون أقله منا لمسة حنان وحضوراً إنسانيّاً مميّزاً، وحده ينتشلهم من بؤسهم وفقرهم، بدل العظات الرنّانة والمبادئ الفضفاضة.
لا نريده زمن الأنظومة الدينيّة والعقائد القاسية التي قد تخسر الإنسان، لتربح المنطق وتخلّص صورتها وتدافع عن كيانها، ناسية أن الله تخلى عن ذاته وأخذ صورتنا ليخلصنا، متبنّياً واقعنا ومتحدثاً لغتَنا.
هذا الزمن لا نريد فيه سياسة حاقدة ملحدة، تحرث البشر وقوداً لمصالحها. بل نريده زمن سياسة تحترق بمسؤوليها من أجل صقل قضايا الفقراء والمظلومين وخدمتهم. نريد فيه نظاماً اقتصادياً جديداً يشارك فيه الفقراء كنوزهم وخيراتهم. حتى لا يدوم الاقتصاد الكافر لذي يقتل البشر ليرفع رصيد الأغنياء.
لا نريد في الزمن الجديد ثقافة قاسية جافّة، تركّز على المعلوماتيّة والكتابة المحفورة على أحجار هياكلنا القديمة، بل ثقافة سلام يستند برنامجها إلى رحمة الإنسان ومسا محته، ليعمّ الفرح قلوب الناس وتكتب الثقافة البنّاءة عمل قلوب من لحم ودم. فأهلاً بالزمن الجديد، وتحيّةً للزمن المنصرم. وإذا وجدنا أنفسنا اليوم قد تركنا أمكنتنا وأمنتنا، فلنعمل لكي لا نجد أيدينا فارغة في الزّمن الحقيقي من هديّة فيها سلامٌ لأرضنا ولشعبنا.
أ?. طوني خضره
المرجع:
