\’\’إنجيل يهوذا\’\’ ليس أهم من أي إنجيل منحول

واطار تقويم هذا النص الانجيلي واضح هنا ايضا، ويستند المطران خضر الى ثلاث نقاط لتحديد اهميته ومدى صدقيته: "اولا انه خارج عن لائحة الاناجيل القانونية التي وافقت عليها الكنيسة، وهي من الشهود الاوائل او اتباعهم المباشرين. ثانيا جاء هذا النص متأخرا اي ليس قبل القرن الرابع. وهذا عامل يقصي الشهادة. ثالثا يتبين ان فحوى التعليم في هذا الانجيل غنوصي او عرفاني".

وثمة اشارة تسترعي انتباه المطران خضر: "فقد ذكرت الصحف، نقلا عن الانجيل، ان السيد المسيح قال ليهوذا: ضحّي بالرجل الذي يلبسني. وهذا معناه ان عندي غلافا جسديا لروحي، واذا ضُحي به، اي اذا أُميت، فتتحرر هذه الروح. هذا الكلام لا يمكن ان ينطق به اطلاقا رجل عبراني. مستحيل".

ويستتبع قوله هذا بالشرح اللازم: "الرجل العبراني، وبين هلالين يسوع، يعتبر ذلك انتحارا، لانه ليس عند اليهود اعتقاد ان الجسد قميص للنفس وانها هي الاساسية. هذه الثنائية الفلسفية خارجة عن المسيحية واليهودية، عن كل الكتاب المقدس. وهذا يدل على ان اهل العرفان ليسوا مسيحيين. وما قالته مقدمة البرنامج عن انجيل يهوذا على محطة "ناشيونال جيوغرافيك" ان الغنوصيين مسيحيون ليس له اي اساس من الصحة.

فالغنوصيون متأثرون بالمسيحية واليهودية والديانات الرومانية القديمة. وواضح انهم كانوا متأثرين ايضا بالديانة الفارسية. آنذاك حاربهم القديس ايريناوس في كتابه "ضد الهرطقات"، واعتبرت الغنوصية هرطقة، اذ سمّى المسيحيون كل ما هو خارج عنهم آنذاك هرطقة".

تسلية ادبية فقط

ومع ان يهوذا الاسخريوطي "يبيّض" صورته الانجيل المثار، وهو الذي تقول الاناجيل القانونية انه اسلم المسيح ليصلبوه، الا ان هذا الامر لا يغير شيئا بالنسبة الى خضر. "هناك من يحاولون تجميل صورة يهوذا الاسخريوطي في العصر الحديث. وهذه ظاهرة نجدها في المسرح الاميركي وغيره. انها موضة الاعتداء على المسيح في الغرب بتعظيم صورة يهوذا. الحملة على المسيح قديمة في الغرب، منذ عصر التنوير. والآن، عظمت في الازمنة المتأخرة، وتتخذ اسلوب النقد النصي، اي نقد الاناجيل (القانونية) وابراز الاناجيل المزيفة على ان الكنيسة خبأتها. لكن الكنيسة لم تخبئ شيئا وهذه الاناجيل المنحولة منشورة. وهذا يأتي من ان بعض الناس لديهم روح روائية، يريدون وضع كتب ليست مستندة الى شيء. والكنيسة حرّمت على اتباعها، وهي حرة في ذلك، قراءة هذه النصوص في الخدمة الالهية، لانه لا نقرأ في الصلاة الا الموحى. الاناجيل القانونية تحتوي على قاعدة الايمان، وما خالفها ليس منها. وليس بتسمية كتب اناجيل، تكون اذاً اناجيل". و"للاصرار" على اثارة هذا النص الانجيلي في فترة عيد الفصح رائحة يشمها خضر جيداً، ويعيد مصدرها الى "وجود موقف ضد المسيحية. قد ظهر ذلك في البرنامج عندما قالت مقدمته ان القديس ايريناوس هو الذي اخترع قصة الاناجيل الاربعة. وهذا ليس صحيحا، لان هذا الانجيل او ذاك ذكره آباء عديدون للكنيسة، بدءا بالقديس اغناطيوس الانطاكي الذي استشهد عام 117، وليس ايريناوس عام 175".

ويرى خضر ان التعاطي مع هذا النص امر محسوم، "انه مجرد وثيقة شبيهة، من حيث الفحوى، باناجيل منحولة عديدة، مثل اناجيل توما وفيليبس والمصريين ومريم المجدلية. فحواه خاطئ. فهو ليس منا، ويحتوي على تعاليم مغلوطة هي التعاليم العرفانية التي كانت موجودة في العصر اليوناني. وقد حاربتها الكنيسة آنذاك، لانها تناقض جوهريا التعليم المسيحي. ومن اراد ان يتسلى ادبيا فيمكن ان يقرأه".

 

عن "النهار"

الأحد 21 أيار 2006