بيان توضيحي حول رواية وفيلم ” شيفرة دافنشي”

ويطيب للاتحاد الكاثوليكي للصحافة في الأردن، أن يبيّن بعضا من مواقع الإساءة في الرواية للديانة المسيحية بعقائدها ورموزها وأشخاصها، مؤكدا على أنّ حريّة التعبير لا تعني الإساءة إلى الأديان والمشاعر الدينية ، ومؤكدا في الوقت ذاته أنّ الابهار الفني في شكل الرواية – الفيلم، لا يعني بالضرورة الأخذ بالمضمون الذي يحتوي أخطاء تاريخية ومساسا بالعقيدة:

يؤكد الاتحاد أنَّ الحقَّ في حرية التفكير والتعبير الذي ينصُّ عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لا يستطيع أن يتضمَّن حق الإساءة إلى الشعور الديني للمؤمنين. وهذا المبدأ يُطبق على جميع الديانات. وهذا ما بيّنه موقف الفاتيكان الرسمي من الرسومات الكاريكاتورية في الدانمارك.

وإنَّ التعايش الإنساني يتطلَّب مناخًا من الاحترام المتبادل لتعزيز السلام بين البشر والأمم. وبعض أشكال الانتقادات المفرطة والاستهزاء بالآخرين تعكس غيابًا للحس الإنساني، وقد تكون في بعض الحالات تحريضًا غير مقبول.

إنّ رواية شيفرة دافنشي ، وهي موضوع الفيلم وقد ابهرت الناس بكثرة قرائها ، مع انّ هذا ليس مقياسا للنجاح، تسيء بشكل واضح وسافر لشخصيّة السيّد المسيح ولتاريخ الكنيسة، وذلك من خلال:

1) يكيل الكاتب الاتهامات للكنيسة الكاثوليكية في عقائد لا تخص الكاثوليكية وحدها، بل تخص جميع الطوائف المسيحية من أرثوذكس وبروتستانت وإنجليكان، كما راح في تصويره للتاريخ وكأنه مجموعة من الألغاز، يصوّر الفاتيكان وكأنه خزانة للأسرار التي يغلفها الغموض وتخفي حقائق التاريخ وأسراره!! كما زعم أنّ كلّ الأديان تتكون من الأكاذيب الكثيرة والملفقة، ونسب لأشخاص ما لم يكن لهم، وبدلاً من أن يتحرى الحقائق راح يجرى وراء القصص والروايات والأساطير المنحولة والمزيفة وأدعى أنها حقائق دامغة!!

2) أسطورة الكأس المقدسة والدم الملكي والنسل المزعوم: تقول هذه الأسطورة، أسطورة الكأس المقدسة (Holy Grail)، إنها الكأس التي استخدمها يوسف الرامي ليجمع فيها دم المسيح المُراق من جسده على الصليب. هذه الكأس كانت لها قوة إعجازية كبيرة، ثم حملها يوسف الرامي وذهب بها إلى بريطانيا، وهناك أسس سلالة من الحراس لحمايتها. وكان العثور على هذه الكأس هو هدف فرسان الدائرة المستديرة التي كونها الملك آرثر الذي حكم بريطانيا في نهاية القرن الخامس الميلادي وبداية السادس، والذي دارت حوله الأساطير الكثيرة.

3) ينتحل براون ما جاء في رواية ” الدم المقدس، الكأس المقدسة “، وزعم أن الشخص الجالس على يمين المسيح في لوحة العشاء الأخير لليوناردو دافنشي، والذي يفترض أنه القديس يوحنا الرسول، قام ليونادرو دافنشي برسمه، بشيفرة متعمدة، على أنه مريم المجدلية؛ ” كان ذلك الشخص ذا شعر احمر كثيف ويدين ناعمتين مطويتين وصدر صغير. لقد كان الشخص دون أي شك 000 امرأة “، وزعم أنها كانت زوجة للمسيح وأنها كانت حامل منه، وقال أنه لم يرسم الكأس في اللوحة على افتراض أنه كان يعرف أن المجدلية هي نفسها الكأس المقدسة، حاملة دم المسيح، أي النسل الملكي!! جاء في الرواية أنّ رفيقة السيد المسيح كانت مريم المجدلية, أحبها المسيح أكثر من كل التلميذين واعتاد أن يقبلها في معظم الأحيان من فمها. وقد تضايق باقي التلاميذ من ذلك وعبروا عن استيائهم. وقالوا آه ,” لماذا تحبها أكثر منا؟”

4) بحسب الرواية ، لم يكن بطرس هو التلميذ الذي أعطاه المسيح تعليمات تتضمن كيفية تأسيس الكنيسة المسيحية, بل كانت مريم المجدلية “. وهذا ينسف كل ما جاء في الانجيل، عندما سلم المسيح السلطة الكنسية بعده للقديس بطرس أو صخر. هنا تدعي الجمعية السرية ان المسيح لم يوص بطرس بحمل رسالته، لذا يبدو هذا متشنجاً في لوحة دافنشي، بل اوصى بأن تحمل مريم المجدلية الرسالة من بعده، فهو اي المسيح اودع الامانة للمرأة لا للرجل وهذا هو معنى الكأس او الحرف 7 الذي يرمز الى التكوين الانثوي. هذا كلام خيالي ومشوّه للحقائق كما وردت في الانجيل المقدّس.

5) تسيء الرواية بشكل خاص الى الفاتيكان ومؤسساته ومنها مؤسسة الاوبس ديي ( عمل الله) تظهر المؤسسة في الرواية حاضنة لأشخاص يمتهنون الكذب والمراوغة والتدليس والغش والقتل، وكأن هذه الأعمال مرضيّة في نظر الله والكنيسة. تأسست الأوبس ديي من كاهن كاثوليكي أسباني هو جوسيماري اسكريفا عام 1928، وصادق الفاتيكان على تاسيسها عام 1950، وينتمي إليها اليوم 83 ألف عضو علماني (منهم 3000 في الولايات المتحدة) وألفا كاهن وتنتشر في 61 دولة. وشارك الملايين من الناس في تجمعات المؤسسة العامة ومؤتمراتهم. وفي عام 2002 تم إعلان المؤسس قديساً بعد 27 سنة على وفاته. يقرأ الاتحاد اساءة الرواية للفاتيكان كالتالي: يبدو أنّ كاتب الرواية لم يعجبه نجاح ” فيلم آلام المسيح” لميل جيبسون والذي تظهر فيه الحقائق الكاثوليكية بأصالة ووضوح، واحتجت بعض الأوساط اليهودية آنذاك على بعض ما جاء في فيلم جيبسون، فانبرى دان براون تشويه صورة الكنيسة الكاثوليكية ومؤسساتها الكبرى من خلال رواية ” شيفرة دافنشي” التي تقدّم العالم الكاثوليكي مجمّعا لأسرار غامضة وجرائم بشعة ومغامرات بوليسية وقصص غرامية. من حق العالم المسيحي ان يقول أنّ الرواية المصنوعة في أمريكا تسيء الى شعوره الديني بلا مجاملة. تماما كما قال المسلمون – والمسيحيون معهم- أنّ رسومات مصنوعة في الدانمارك قد أساءت الى الشعور الديني.

6) زعم دان براون وبقية نقاد المسيحية والكتاب المقدس، من لا دينيين وملحدين ، أن الكنيسة المسيحية الأُولى لم تكن تؤمن بلاهوت المسيح!! وأن هذه العقيدة، عقيدة لاهوت المسيح، لم تثبت في الكنيسة المسيحية إلا في مجمع نيقية بتأثير من الملك قسطنطين، وأن المسيح لم يكن أكثر من مجرد نبي فان، فيقول في الفصل الثامن والخمسين: ” فأن الكنيسة كانت بحاجة لإقناع العالم بأن الانسان الفاني يسوع المسيح كان كائناً إلهياً. ولهذا فان أي إنجيل من الأناجيل كان يتضمن في طياته وصفاً لمظاهر إنسانية فانية من حياة المسيح, كان يجب حذفه من الإنجيل الذي جمع في عهد قسطنطين “!! وهذا الزعم والذي رد عليه المئات من الكتّاب في الغرب، هو زعم باطل. فجميعُ المظاهر التي تخصّ إنسانية المسيح موجودة كما هي في الإنجيل بأوجهه الأربعة. كما أن موضوع لاهوتَ المسيح موثق بصورة غير قابلة للجدل والشك في العهد الجديد تفصيلاً وكذلك في الكتب الأبوكريفية، وامتلأت به كتابات الآباء في القرنين السابقين لقسطنطين ومجمع نيقية.

7) تعتمد الرواية على الكتب أو الأناجيل المنحولة ، وأنّ كتّاب هذه الكتب الأبوكريفية الغنوسية، كانوا يؤمنون بلاهوت المسيح بصورة مطلقة لا جدال فيها، وإن كان بصورة أسطورية تختلف عن مسيح المسيحية الحقيقي. فهذه الكتب كتبها زعماء وأفراد هذه الهرطقة وأعطوها أسماء رسل المسيح، وأسماء مستخدميها كإنجيل المصريين، وأسماء زعماء الغنوسية، كإنجيل مركيون. وحتى ” انجيل يهوذا” الذي أعلن في أميركا قبل أسابيع عن اكتشافه هو غنوسي منسوب الى يهوذا ليتم تبرير عمل الخيانة التي ارتكبها ببيع معلمه بثلاثين من الفضة. وبرغم أن هذه الكتب تحمل شهادة قوية للاهوت المسيح وصلبه وقيامته إلاّ أنها تمتلئ بالأفكار الهرطوقية الخيالية والأسطورية. فهي مزيج بين الفكر المسيحي واليهودي والوثني ولا يجوز التعويل عليها لتكوين أفكار وحقائق سليمة عن المسيحية.

8) أدعى الكاتب أن جماعة ” أخوية سيون “، والتي أعطى لها أهمية خاصة في روايته، أنها منظمة قديمة ترجع لسنة 1099م! وهذا الكلام ثبت بالدليل القاطع وباعتراف موثق أنه غير صحيح أبداً! فقد تأسست هذه الجماعة أصلاً سنة 1956م، وقد أسسها في فرنسا بيير بلانترد Pierre Plantard وأندرى بونهوم Andre Bonhomme, وتبين أن ما كل ما نسب إليها، وخاصة ما سمي بـالملفات السريّة Les Dossiers Secrets، ليعطيها أهمية ومكانة قديمة، بنى عليها الكاتب جزءاً كبيراًَ من حبكته، كان تزييفاً زيفه الكاتب الفرنسي الساخر والممثل فيليب دي كريزى Philippe de Chérisey (1923 – 1985)، المشهور بخلق وتزييف الوثائق عن جماعة ” أخوية سيون “. وقد اعترف تحت القسم أن الموضوع كله تزييف وفبركة.

9) اسم الله القدوس يهوه: زعم دان براون أن اسم الله القدوس يهوه المكون من أربعة حروف والمسمى في اليونانية (Tetragrammaton)، أي الاسم الذي من أربعة حروف (YHWH)، مأخوذ من اسم Jehovah المخنث والذي يتضمن الذكورة والأنوثة معاً!! والمكون من اتحاد المذكر Jah والاسم السابق للعبرية Eve فصار Havah !! وهذا في حد ذاته يدل على جهله الفاضح، ومدى الفبركة والتلفيق في ادعاءاته!! ويمكن الاشارة هنا الى علاقة الكاتب بمجموعات ” شهود يهوة ” اليهودية والموجودة في العالم والتي تنسف العديد من العقائد المسيحية.

10) يعتبر الموضوع الرئيس لهذه الرواية هو ما يمكن أن نسميه بلاهوت الأنثى، أو الاتحاد بين الذكر والأثني، كما صوره الكاتب في ادعاءاته عن آمون وإيزيس ( ومنهما فسر كلمة المواناليزا)، وفي ادعائه عن كلمة Jehovah وزعمه أنها مكونة من اتحاد المذكر Jah والاسم السابق للعبرية Eve ، المؤنث فصار Havah !! وقوله عن دافنشي أنه رسم الموناليزا ليعبر بها عن الازدواجية في ذاته، أي دافنشي نفسه، وأخيرا في محاولته الأساسية في كل فصول الرواية لتصوير هذه الازدواجية في ادعاءه وجود علاقة بين المسيح والمجدلية!!

ان شيفرة دافنشي في لوحة العشاء السري تقوم على المثلث المفتوح او الكأس، وهو الشكل الذي يكونه كتف المسيح مع كتف الشخص المجاور له على اليمين في اللوحة، إن المثلث المقلوب رمز للخصب الانثوي الذي يقابله المثلث العادي غير المقلوب الذي يرمز بدوره الى الخصوبة الذكرية، وهكذا فإن الرواية تتحدث عن التقاء المثلثين، التقاء النماء والخصب والمحبة التقاء من شأنه ان يكون النجمة السداسية، التي تتكون حقاً من مثلثين متعاكسين متراكبين. وهذه شطحات خيالية ولا تقدّم حقائق دينية. ( للمزيد حول قراءة موضوعية لشيفرى دافنشي، أنظر مقال الأستاذ الدكتور نبيل حداد، نظرة علمية موضوعية الى ” شيفرة دافنشي”، ملحق الرأي الثقافي، الجمعة 2052005).

خاتمة:

انّ الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة، يعيد التأكيد على حريّة التعبير لدى كل الناس، وهو حق مقدس من حقوق الانسان، لكنّه يؤكد في الوقت ذاته على أنّ الرواية تقدّم الاساءات الواضحة والصريحة للديانة المسيحية. ومثلما أصدر الاتحاد بيانا أدان فيه الرسومات الكاريكاتورية في الدانمارك (نشر في وكالة الأنباء الأردنية السبت 422006 ) والتي أساءت بشكل واضح للإسلام، وفي الوقت الذي تنادت فيه الدول إلى سنّ ميثاق شرف دولي يحرِّم الإساءة إلى الأديان وكان الأردن من روّاد المناشدين به ، فانّ الاتحاد الكاثوليكي للصحافة يدعو الاخوة أصحاب القرار والمعنيين بعدم عرض الفيلم في الأردن ، مراعاة لمشاعر العديد من المؤمنين الذين تمسّ الرواية والفيلم ما يؤمنون به . لا للإساءة إلى الأديان، كل الأديان. ونعم لاحترام مشاعر المؤمنين. ونعم للتعاون والحوار بين أتباع الديانات السماوية والتوحيدية. نعم لقراءة صحيحة غير مزيّفة للتاريخ ، نعم لاحترام دور المرأة في الكنيسة والمجتمع ولكن بطريقة نزيهة تحفظ للمرأة كرامتها ودورها الرئيسيين، ولكن بشكل لا يحرّف ما جاء في الكتب السماوية ومعطيات التاريخ.

وأخيرا وليس آخرا، جاءت الاحتجاجات على الرسومات المسيئة لنبي الاسلام في الدانمارك من مسلمين ومسيحيين معا، فلماذا لا تكون الدعوة الى عدم عرض فيلم ” دافنشي كود” في الأردن بشكل خاص وفي الوطن العربي بشكل عام من مسلمين ومسيحيين يقفون معا في الدفاع المشترك عن أصالة الأديان ونزاهتها ورسالتها السماوية الخالدة؟

الأب رفعـــت بدر
عضو الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة – فرع الأردن