حواء القديمة و حواء الجديدة

للبدء بالمقارنة علينا تأكيد أن كلتيهما أنثى و كلتيهما عرفت الله جيداً.

لو فكرت حواء قليلاً لاكتشفت خبث الشيطان، فكيف لها أن تعرف الخير من الشر في قضية أكل الثمرة المحرمة وهي لم تأكل بعد من الشجرة التي تعطيها تلك المعرفة. لم تكن حواء قادرة على التمييز في إعطاء الثقة للكلمة الصادقة الوحيدة، و التي هي كلمة الله تعالى.

نحن أيضاً نصبح فريسةً سهلةً للتجارب حين نترك للشيطان مجال القرار و التفكير عنا دون مناقشة تلك التجارب مع ما في نفوسنا من مكان لكلمة الحق و للثقة الواضحة أمامنا في

حتى السيد المسيح كان عرضةً لحجج الشيطان، لكنه تسلح بكلمة الله و سلم ذاته لمشيئة الله في حربه ضد الشيطان، و هذه الثقةهي التي تعطي الانتصار.

حواء القديمة لم تتحلى بأقل قدر من التفكير و الشجاعة لتتمكن من مجابهة هذه التجربة التي لم تكن موثوقة كفاية لتخوضها.

إن كلتا النقلتين في حياة حواء القديمة و حياة العذراء مريم كانت بعيدةً عن المنطق و المعقول لطبيعة الإنسان المتواضعة، و الفرق هنا هو أن العذراء مريم تساءلت و فكرت و ناقشت " كيف لي هذا و أنا لا أعرف رجلاً؟"، فكان رد الملاك بأن الإيمان هو الجواب و الطريق الوحيد لتقبل الحقيقة الجديدة.

حواء القديمة تخلت عن الحقيقة الملموسة في علاقتها بالله، دون تفكير، في سبيل الحصول على ما هو غبر ملموس و غير حقيقي، و هنا كان السقوط. بينما العذراء مريم، قد تخلت عن الحقيقة الملموسة في علاقتها مع الله بشجاعة و إيمان و قناعة تامة بكلمة الله لتعيش المستحيل و الغير ملموس، و هنا كانت الولادة الجديدة.

قبول العذراء بالمستحيل لم يكن عن معرفة أو فهم لإرادة الله، و إنما عن إيمان بكلمته و الثقة بوجوده معها إن قبلت هذه الكلمة و سلمت لمشيئته.

الإيمان ليس معادلةً رياضيةً، إنما هو القبول بإرادة الله و كلمته بشجاعة و ثقة.

الصمت هو ما ميز حواء الجديدة عن حواء القديمة، فبصمت مريم استطاعت أن تصغي لكلمة الله وأن تترك مجالاً لتلك الكلمة كي تعمل فيها، فنراها تؤثر الصمت و تراقب عن كثب و تحفظ كل شيء في قلبها.

بالصلاة و التأمل في حياة السيدة العذراء و فهم مسيرتها مع الله ثم مع ابن الله، نتمكن من معرفة مشيئة الله في تقدمة الذات و خدمة الآخر بشجاعة و صمت

 

المرجع

محاضرة لسيدات كنيسة القديسة تريزيا قدمها الأب عبدو رحال، في 9 مارس 2004