عزيزي القارئ إن المسيحية ليست اعتقادا ذهنيا أو طريقة تفكير أو مذهبا فكريا أو فلسفة بشرية إنها الإيمان بأن يسوع المسيح هو ابن الله الحي الذي جاء ليؤكد للإنسان أن الله لا ينسى خليقته وأن محبته للبشر هي محبة كاملة وحقيقية. فالمسيح هو حجر زاوية إيماننا “هو هو أمس واليوم وإلى الأبد” (عب8:13)، ولهذا لا يمكن أن يجب على سؤال من لا يعرف شخص المسيح.
وقد كتب ديوجنِس (حوالي القرن الرابع) في إحدى رسائله عن «السرّ المسيحي» أن “لا وطن، ولا لغة، ولا لِباس، يُميّز المسيحيين عن سائر الناس. لا يقطنون مدناً خاصة بهم، ولا يتفرّدون بلهجة تَخرُج عن المألوف من اللهجات. أمّا تعليمهم فأبعد ما يكون عن تخيّلات وأحلام عقول مترجرجة. يأبون أن يكونوا، كأمم كثيرة، دُعاةَ تعليم بَشريّ. تراهُم منتشرين في المدن اليونانية وغيرها، وفقاً لنصيب كلّ منهم. يُجارون عادات البلاد في المأكل والملبس ونمط الحياة ويمتثلون في آن معاً، لما في سلطنتهم الروحية من شرائع سامية. يُقيم كلّ منهم في وطنه، إنّما كغريبٍ مُضاف. يتمّمون واجباتهم كمواطنين، ويتحملون كلّ الأعباء كغرباء. كلّ ارضٍ غريبة وطنٌ لهم، وكلُّ وطنٍ أرضٌ غريبة. يتزوجون كسائر الناس ويتناسلون، إلاّ أنّهم لا ينبذون مواليدهم. يتقاسمون المأكل ذاته، ولا يشاركون في المَضْجِع ذاته. إنهّم في الجسد، ولكنهم لا يَحيون حسبَ الجسد. يَصرفونَ العمرَ على الأرض، إلاّ انّهم مِن مواطني السماء. يمتثلون للشرائع القائمة، إلاّ أنّ نمطَ حياتهم يسمو كمالاً على الشرائع. يتودّدون إلى الجميع، والجميع يضطهدونهم ويتنكّرون لهم ويحكمون عليهم، وبموتهم يربحون الحياة. إنهم فقراء، وبفقرهم يُغنونَ الكثيرين. يفتقرون إلى كلّ شيء، وكلُّ شيءٍ فائضٌ لديهم. يحتقرُهم الناس، وباحتقار الناس إياهم يتمجّدون. يَنُمُّون عليهم فيَتَبرّرون، يشتمونهم فيبارِكون، يُهينونهم فيكَرِّمون. لا يعمَلون إلاّ الصَلاح، ويُعاقَبون كالسفلاء، وفي عِقابهم يتهلّلون، كأنهم يُولدون للحياة. يُصْليهِمِ اليهود حرباًَ كغرباءٍ وأعداء، ويضطهدهُمُ اليونان. وإن سألتَ مُبغضيهم عن السببِ، فلا يعلَمُون“.
وقد لخص ديوجنِس بهذه الكلمات “السر المسيحي” الذي هو “إتباع المسيح إتباعا كاملا وغير مشروط“، إتباع الأحرار وليس العبيد، إتباع الأبناء وليس المأجورين، إتباع الاقتناع وليس التبعية، أتباع الإيمان الذي ينبع من قلب أضاءه الله بنور الحقيقة، إتباع الاستجابة الكيانية على محبة الله.
ومن ثمَّ فالمسيحي هو من يؤمن أن في شخص المسيح “يحل الملء”، أي الكمال. ولأن من عاين نور الشمس لا يرويه نور الشموع، فأنا مسيحي لأني أجد المسيح “النبع الحي” الذي يروى ظمئ قلبي، “شمس البر” التي بجوارها تبدوا على الإضاءات الأخرى صغيرة وبلا معنى. أنا مسيحي لأني أؤمن أن المسيح وحده يمكنه أن يروي عطش “قلب الإنسان”.
بقلم الأب يوأنس لحظي جيد