الإصغاء لمعرفة وتمييز صوت الله

لذلك يجب علينا أيضاً أن نميز ونعرف الفرق بين الإصغاء والسماع. فالإصغاء هو الدرجة الأعمق من السمع، لأنه يتطلب تركيز في جميع الحواس، ليس فقط على مستوى حاسة السمع، بل كل الحواس، لأن هناك الكثير والكثير ممن لهم حاسة السمع ولكنهم لا يعرفوا كيف يصغون، والعكس صحيح هناك الكثير والكثير ممن فقدوا أو ليس لهم حاسة السمع ولكنهم يعرفون جيداً كيف يصغون. لهذا يوجد نوعان من الصمت هما: الصمت الخارجي، والصمت الداخلي.
أيضاً يذكر لنا الكتاب المقدس عدة أمثلة وشخصيات قد تمتعوا حقاً بالإصغاء واستطاعوا أن يميزوا صوت الله لهم، ومنهم مريم العذراء التي كانت تحفظ كل الأمور وتتأملها في قلبها. القديس يوسف النجار، يوحنا المعمدان، وغيرهم في الكتاب المقدس سنجدهم عندما نبدأ في تقليب صفحاته. وهناك الجمل والعبارات التي نجدها في العهد القديم أو العهد الجديد تحدثنا عن قيمة الصمت الضروية، بل يمكنني أن أطُلق عليها القول بأنها "نعمة التمييز" التي تنبع من الصمت. بصفة خاصة في سفر المزامير، وسفر أشعياء. بل أكثر من ذلك يسوع ذاته الذي صمت كي ينفذ بل حرية وطاعة مشيئة الله الآب له حتى اصعب اللحظات التي حُكم عليه بالموت، وفي أثناء صلاته سواء كانت مع تلاميذه أو عندما كان بمفرده. لذلك تصبح ممارسات وتدريبات هامة بالنسبة لنا يجب أن نتدرب عليها، ونحياها حتى نستطيع أن نعرف إرادة الله لنا، ونحاول أن نعيشها بكامل حرينا في مختلف مجالات حياتنا اليومية، وفي واقعنا المعاش. وكذلك يوجد العديد والعديد من الآباء القديسين الذين تمتعوا حقاً بمعرفة وتميز صوت الله، من خلال حياتهم، وساعدوا الكثيرين كي يتعرفوا عليه، وفي القمة لهذه القائمة نجد مريم العذراء الت يقول عنها الكتاب إنها كانت تحفظ كل هذه الأمور وتتأملها في قلبها. لأن الله يتكلم من خلال كل ما هو محيط بنا في حياتنا، فعلينا أن نتدرب في المعرفة لنعرف كيف يمكننا أن نميز صوته، من خلال المواقف والأحداث التي تمر علينا في يومنا العادي. نذكر بعض الوسائل المساعدة على سماع صوت الله. لأنه يوجد العديد والعديد من الطرق التي تساعدنا على أكتشاف صوت الله، أذكر منها في هذا اللقاء: التأمل في كلمات الكتاب المقدس التي هي دستوراً لحياتنا كمؤمنين. الصلاة، التميز لأن الله يتحدث لكل واحد منا من خلال كلمته المؤحى بها في الصمت. لذلك لها شروط تتطلب أن يكون لدينا صمت داخلي وصمت خارجي.
1.    التأمل في الكتاب المقدس
من المعرف لدينا جميعاً أن الكتاب المقدس ليس بكتاب عادي، بل هو دستور للحياة المسيحة لمن يريد أن يحيا متحداً مع الله الآب،وفي محبة الابن وبقوة الروح القدس. لهذا يجب على من يريد أن يتأمل فيه ليعرف مشيئة الله في حياته أن يستخدم بعض من هذه الخطوات المساعدة حتى يصل لنتجة بناءة في حياته، وهذه الخطوات هي:
·       اختيار المكان والزمان.
أي لا يليق أن أجعل من قراءتي وتاملي في كلمة الله كأي قراءة عادية أمام التليفزيون، أوعندما أكون منشغل بشيء آخر. لأنها تتطلب التركيز القوي. مثالاً لذلك عندما يأتي عندي ضيف كيف استقبله؟ وقس على ذلك كلمة الله. نحاول بهذا أن ندع الله يتحدث إلينا، ونتابع خطوات التأمل بتهيئة النفس والجسد والروح، حتى نجني الثمار الرجوة وهى سماع صوت الله وتمييزه. "ندع الله يتحدث إلينا في الصمت. نحفظ الصمت لبعضة من الوقت، ونسمح خلالها بأن يحدثنا الله".
·       الهدوء والصمت الداخلى والخارجى.
هذا الصمت وهذا الهدوء ينطلقان من الحواس الخارجية حتى يشمل قدس أقداس الإنسان أى القلب، قيبدأ باللسان والسمع حتى القلب. لكى يدخل الانسان فى مناخ مناسب للصمت والصلاة الحقيقية، لابد من أن يهيئ ذاته خارجياً وداخليا بالهدوء، وخاصة وهو يواجه عالم يعج بالحركة والضجيج. ولهذا نقول بضرورة البحث عن الهدوء والسكون والصمت، لكى يتسنى للإنسان الاصغاء الجيد لصوت الله. لإن حركة الحياة العصرية ونشاطها تركت أثراً سلبياً على الإنسان وذلك بتركه عصبى المزاج. وكذلك الكم العظيم من الواجبات المستعجلة للتحقيق أفقدت الإنسان هدوءه وعمقه، وجعلت منه انساناً سطحياً عن ذاته. فإنسان هذا العصر لم يعد قادراً على فهم ذاته، لانه بعيداً عنها وغريباً منها. وهذا يرجع الى استغراق الإنسان فى عالم مملوء ومشحون بالاهتمامات والمشغولية اللواتى افقدتاه الرؤيه، وجعلته فى خوف شديد وعدم الرؤية الحقيقية لذاته ولحياته. وعلى جانب آخر نجد أنفسنا أمام ثقافة تتسم بثلاثة قيم وهى: السلطة- المال- والشهوة، مولعة فقط بالبحث عن المتعة والمصلحة أو الفائدة المادية.
ونحن هنا فى إطار حياة الصمت والصلاة نجد العكس هو الذى يجب أن يكون، حيث أنه من الضرورى أن تحدث عمليه تفضيل للكيان على الملكية أو الامتلاك، وشخصية الإنسان على ما يملك يجب أن نعترف بضرورة أن تظهر القيم الروحية الأخرى كالمجانية والأشياء الاصيلة المقدسة.
فالمؤمن المصلي الصامت المصغي هو الذى يتنفس فى أجواء نقية، ويعيش فى أفق متسعة وممتدة، ولهذا يجب عليه أن يبذل مجهوداً جباراً حتى لايساير التيار، بل يذهب عكسه، (أي العوم ضد التيار) لكى يتسنى له الدخول فى عالمه الداخلى الباطنى، المؤمن المصلى لايترك ذاته لتجربة عروسة البحر والتى تعد بحياة سهلة، وهى فى واقعها كاذبة وخداعة. المؤمن المصلى والذى يصغى لكلمة الله من خلال الكتاب المقدس، يعطى أهمية كبرى لهذه الآية:"أن ملكوت الله فى داخلكم"  لو17: 21 . فالإنسان الذى يبحث عن ملكوت الله، عليه
 أولاً: أن يبحث عنه فى كيانه وأعماقه.
ثانياً: يجب عليه أن يخلق بيئه ملائمه ومناسبة للبحث تتسم بالصفاء والسلام لأجل حماية أوقات الهدوء والصمت. لم أقل أنه سهلاً على الإنسان أن يغوص فى أعماق ذاته وكيانه بهدوء وصمت، وهو يشعر فى أعماقه ومن حوله بعالم الحركة والإهتزازات العاطفية. هذا التيار الجارف الذى يكتسح ويقتحم حياة الإنسان، هذا التيار المنتشر وخاصة بين عناصر الشباب، والذى يعدهم بتحقيق الحيوية والحياة اللذيذة. هذا التيار الذى يعد بسهولة  الحياة وهو يضع تحت اقدامهم لغم الدمار عن طريق الجنس والحوار. هذا التيار الذى ينادى بمسايرة الحواس والمشاعر الجنسية والتى يجب أن تكون تحت الضبط وليس الكبت.
إنه من الإهمية أن يقوم الإنسان بعملية تهذيب للطاقة الفاعلة فيه كالعواطف والجنس …الخ. الذى يريد أن يدخل فى مناخ ملائم لحياة الصمت والصلاة، عليه أن يتخلص أو يتحرر من الصور والخيالات والافكار التى تدخل النفس من العالم الخارجى. المؤمن المصلى يضع ذاته وكيانه وشخصه الشامل فى حضور الله، ومن هنا تحدث عمليه تحرر من كل شئ يمنع الإصفاء لصوت الله وبهذا الشكل يستنير الذهن بنور الايمان ويزداد ذكاءاً. أف 4: 17 -18.
واليوم نجد مدارس كثيرة للصلاة وهى التى تطلب مطلباً أساسياً للدخول فى حياة الصلاة وهو القيام بأعداد وتهيئه النفس، هذا الاستعداد الذى تقوم به نفس المصلى هو بمثابة اللحظات المهمة التى تعبر من خلالها النفس من ورشة الدوشة والزحمة والمشغوليات الى لحظة حاسمة وقوية للقاء الرب واستقباله بشكل شخص فى حياته. هذه اللحظات التى يستعد فيها المؤمن المصلى بمثابة لحظات للتنفيس البطئ لهواء نقى بعيداً عن البيئه الملوثة والغير الملائمة للدخول للعمق داخل الذات أو للقاء الصديق يسوع. وفى نفس الوقت هى لحظات وعي شخص المصلى بأنه يمر من خلالها من إختناقه من أشياء هذه الدنيا الى أشياء أخرى أكثر تقوية أو عبادية مريحة له.
إن اللحظات التى تمر على الإنسان وهو فى حالة صلاة هى لحظات راحة حقيقية. حيث أن الإنسان يضع ذاته وبكل ثقلها أمام الله. لكي يسمع ويميز صوته الموجه له من خلال واقعه المعاش لأن الله لا يكلمنا بلغات غريبة عن واقعنا ومحيطنا."تعالوا الىَ ياجميع المتعبين وثقيلى الأحمال وأنا أريحكم" (مت 11: 28). المؤمن يشعر بان حياته ووجوده كله متعلق بالله، وفى لحظة الصلاة ليستوعب الإنسان معنى أن كيانه ووجوده مستمر من الله وبالله وموجه اليه أيضاً. "الذى به نحيا ونتحرك وتوجد" (أع 17: 29 أ).
في لحظة الصلاة، وهى لحظة للهدوء والصمت، والتى من خلالها تنمو القوى الباطنية للإنسان. وفى لحظة الصمت تنبثق وتصدر من أعماق الإنسان صرخات فرح وتأوهات آلم يصبحان كالبخور أمام عرش الله. علينا أن نؤمن وأن نتحلى بالإيمان فى الصلاة بأن. مشاعرنا وخواطرنا وأفكارنا وطموحاتنا تتحول الى الصلاة الى عمل ممزوج بالفرح والدهشة والألم والتوسل حسب ظروف ووضع كل واحد.
وهنا يأتي السؤال كيف أدخل في التأمل في كلمة الله؟
1.    فتّش عن الوقت وحدّد المدة.
2.    اختر المكان المناسب "عندما تريد أن تصلي، ادخل غرفتك وأغلق بابها، وهناك في الخفية صلّ إلى أبيك" (مرقس 6:7).
3.    اسأل عن دوافعك لماذا أصلي؟ يسوع صلى، الرب هنا وهو يدعوك.
4.    ادخل في اختلاء، في صمت داخلي وخارجي.
بداية التأمل
1.    أبدأ بإشارة الصليب.
2.    استدع الروح القدس، إنه يأتي لنجدة ضعفنا. (إن الروح يصلي فينا، ويعلمنا الصلاة).
3.    انتبه إلى حضور الله الحي، الآب والابن والروح القدس (الثالوث). إذ لا يمكننا أن نتحدّث إلى الله بطريقة حميمة، إن لم نحسّ بوجوده وبتفرغه لنا.
4.    أصغ إلى الله يكلمك، اقرأ الكتاب المقدس.
5.    تذكّر كلامه، كرر ما سمعت أو قرأت.
6.    قارن بين حياتك التي تعيشها وكلام الله من خلال النص الذي قرائته.
7.    اطلب أن تفهم مشيئة الله.
8.    حاور الله وتحدّث إليه.
9.    عبّر عن رغباتك وردات فعلك على ما سمعت أو عشت.
10.                      اشكر، عاتب، أطلب، افرح، احزن.
11.                      اطلب أن تتم مشيئة الله في حياتك.
الخاتمة:
1.    صل أبانا والسلام…
2.    اشكره على الوقت الذي استقبلك فيه.
3.    افرح به وعده بأنك ستعود إليه.
ملحوظات:
–       الصعوبات الرئيسية في التأمل: التشتت، الجفاف، السأم.
–       تحاول بطريقة ما أن تعيش التأمل والاختلاء والتطلّع من خلال النظر إلى وجه الله نظرة حب.
2.    الصلاة
·       كيفية الدخول فى حياة الإصغاء والصلاة :
لكى ندخل ونندمج فى حياة الصلاة، لابدً لنا من كيفية مختبرة ومدروسة لكى نخطو خطوة الى عمق هذه الحياة: ومن هنا نستطيع ان نقدم دروساً كثيرة أو دراسه شاملة عن هذا الموضوع .. ولكن نختار بعض النقاط التى تبدو لى مهمة. ولكننا فى هذا المجال نختار بعض النقاط:
·       الصلاة هى نشاط يقوم بها الانسان الكلى والشامل:
كل كيان الانسان يقوم بالصلاة. فالشخص بكامل واقعه وحقيقته هو الذى يصلى. فالجسد مثل الروح لديه نفس الغاية الاخيرة وهى مجد لله الحى. وأن كان التأمل هو مجهود تقوم به النفس على مستوى العقل، ومبنى بشكل عام على التعبير عن الرغبات الشخصية. ولكن لابد لنا بأن نقر بأن الجسد هو أيضاً يقوم بنشاطه العبادى أثناء الصلاة، وهذا النشاط وهذه الحركات تعبر عن شدة التركيز والانتباه لدى المصلى فى مثل هذه اللحظات. وضمن نشاط الجسد أثناء الصلاة : الركوع، الأنحناء العميق، والذين بعبران عن الحب والمعرفة، وهناك ايضاً الخضوع أو السجود الذى يعبر عن العرفان بالجميل من قبل الانسان لله. ولهذا يجب أن نعطى أهمية خاصة على ضرورة الصلاة بشخصية موًحدة ومتكاملة الكيان أمام الله.
·       الدوافع البشرية:
كل علم أو فن يتطلب شروطاً صعبة وجادة لإكتسابه، فالفنان يخضع لساعات طوال للتدريب المستمر والمتكرر لأجل  أن يكتسب ثقنيه أو مهارة أو صناعة خاصة لفنه. هكذا الصمت والصلاة تتطلب الجدية للحصول على مهارة تسمح للشخص بإمتلاك فن الصمت في الصلاة لسماع صوت الله. فالصلاة  الصامتة تحتاج الى الجدية عن طريق أعمال مناسبة وموافقة حتى يتسنى للإنسان الوصول الى أن يكون أبناً للصلاة الصامتة، وأن يجيد فنها.
علينا أن نتواضع وأن نقر بصعوبة الدخول فى حياة الصمت والأصغاء الحقيقي، وأن كان ليست بمستحيل. فالإقرار بالصعوبة لايعنى استحالتها كما أنه لايترك مجالاً للتساهل أو التهاون. ومما يزيد من صعوبة الدخول فى حياة الإصغاء هو صعوبة المشاغل والمشغوليات المتراكمة والمتزاحمة الموجودة فى كيان الإنسان على عقله أثناء صمته في الصلاة، وبالتالى يتطلب مجهوداً كبيراً من المصلى لكى يتجاوز هذه التجربة ويركز فيها بإمعان. فإذا ضعف الإنسان المصلى أمام هجوم مجموعة الافكار عليه أثناء الإصغاء في صلاته، ولم يستطيع أن يتصدى لها، عليه أن يقدم مثل هذه الافكار كمادة صلاة إلى الآب السماوى، باسم الابن الحبيب يسوع المسيح. وسوف نرى أن الروح القدس يتقبل هذه الصلاة كهدية من المؤمن، ويعمل على تحقيقها، فإذا كانت هناك أفكاراً للنجاسة أو للشر، قام الروح القدس بعمليه تطهير للذهن وللقلب من هذا الشر، واذا كانت رغبات مقدسة وطموحات تبغى الفائدة العامة، ينهض الروح القدس لمساعدة المصلى على تحقيقها. "التأمل هو حوار صداقة… نجريه غالباً على انفراد مع مَن نعرف أنه يحبنا"             (القديسة تريز الآفيلية)
"في التأمل يصبح الحديث صامتاً ويتحوّل إلى نوع من الانتباه الودّي نحو يسوع، ذلك الانتباه الودّي الذي يجب أن يتروحن دوماً وأن يصبح إرادة هادئة وعازمة على الحياة والتألم من أجله" (من كتاب مع يوحنا للصليب، ص64).
"كي تقتدي النفس بيسوع المسيح، عليها بادئ ذي بدء، أن تغذي في ذاتها رغبة مستمرة في الإقتداء بالمسيح… وأن تتأمل في حياته كي تتصرّف في كل أعمالها تصرّف المسيح ذاته" (القديس يوحنا الصليب، صعود جبل الكرمل، 1: 13، 3).
3.     التميز
هل توجد علاقة واقعية بين الله والإنسان؟ فإذا كانت توجد هذه العلاقة علي أيُ أساس تبني هذه؟ هل توجد موضوعية في هذه العلاقة؟ الله والإنسان هل يستطيعان التحدث فيما بينهما والوصول إلى التفاهم الحقيقي؟ أية لغة يستخدمان للتواصل فيما بينهما؟ هل هي لغة رمزية، جدلية، حوارية، صوت واحد؟ هل يأمر الله والإنسان يطيع؟ أو هل يفكر الإنسان في الأشياء التي ترضي وتعجب الله والمبنية على قاعدة الوصايا العشرة أو الآلهية وبالتالي الإنسان يحققها؟ هل توجد مساحة فيها يشعر الإنسان بالاستقلالية في خطة الله الكاملة؟ معلمين الروحانية ربما غير متفقين على الطريقة التي وضعت بها المشكلة بهذه الأسئلة، لأنه بالنسبة إليهم هناك واقعين لا يجب التعامل معهما على أساس وكانهما منقسمين. العلاقة بين الله والإنسان تتم بالروح القدس، الأقنوم الإلهي الذي يشارك الإنسان في حب الآب والابن. هذه المشاركة، أيُ هذا الحضور للحب الآلهي في الإنسان يجعل هناك إمكانية تداخل أو إمكانية عاطفة بين الله والإنسان الذي خُلق من هذا الحب. -ليس هذا فقط- لكن السكني الإلهية التي في الإنسان لاتجعل الله في موضعاً خارجياً أو بعيداً عن واقعنا البشري المعاش، ولكن يصبح عمله داخلي باطني لطبيعتنا. توجد علاقة بين الإنسان وسيده وهذا هو الضمان الحقيقي للحرية، يستخدم مشاعره وأفكاره. أختار الأباء استخدام لغة الرمز، لكي يتم التواصل بين الإلهي – والإنساني أو البشري. بالنسبة للأباء التمييز يأتـي من خلال ممارسة الصلاة، وهو عبارة عن فن حقيقي للحياة في الروح القدس. التمييز على كل حال هو جزء من العلاقة الحية بين الله والإنسان، أو بالحري هو المساحة التي من خلالها الإنسان يختبر العلاقة مع الله كخبرة حرية، وكامكانية أبداع. في التمييز المصحوب بالإصغاء يختبر الإنسان هويته كخالق لشخصيته. بهذا المعني، يصبح التمييز فن من خلاله الإنسان يكتشف الإنفتاح علي ذاته حتى يصير مبدعاً في التاريخ ومشكلاً، بل وصانعاً لتاريخه بذاته! التمييز هو إذن عبارة عن علاقة واقعية، بالضبط مثل الإيمان ذاته. لأن الإيمان المسيحي هو عبارة عن علاقة واقعية، لان الله هو الذي يوحي وهو الذي يتواصل معنا عن طريق الحب، والحب يعرض ويقترح ليصل إلى معرفة "الأنت". الله هو حب لأنه تواصل مطلق، علاقة ابداعية، سواء في أعماله الأساسية أو البدائية للحب، سواء الحب المتبادل بين الإقانيم الثلاثة وكذلك مع الخليقة. ولهذا فخبرة العلاقة الحرة التي يختبرها الإنسان في التمييز لاتكون فقط علاقة بين إنسان والله، ولكن تحتوي العلاقة بين الإنسان والإنسان وبشكل مباشر الإنسان والخليقة. منذ اللحظة التي يدخل فيها في علاقة حقيقية وشرعية مع الله، معني هذا أنه يدخل تحت بصر الحب في علاقة حية مع كل موجود. الذي لديه هذه الرؤية معناه يستقبل هذه القاعدة أو الأسس التي تلحم الأبناء في رباط أو قيد مجتمعين معنا في جزء من الخليقة، ويعملوا علي إبراز الشركة  ككيانات من هذا الوجود. من اللحظة التي فيها يشيروا الأبناء الى نفس البعد الإلهي الواقعي، فحضورهم في الإشياء، في الانتاج، الإنسان يشير أو يوحي فيها بمعني جديد من خلاله كل شي وكل فعل لديه مهارة وقدرة بتعهد معني أكثر عمقاً. وهكذا يتم تقديم رؤية جوهرية وأساسية وسرية للعالم، حيث من خلال الإشياء لدينا مشاعر أو تداخل نحو الحقيقة. التمييز هو الفن الذي من خلاله نفهم أنفسنا، واضعين في عين الإعتبار هذا البناء المتلاحم المتوحد معاً، نري في الوحدة، لان نري بالعين الإلهية وبعين وحدة الحياة.
إذا قمنا حقاً بتطبيق هذه الخطوات البسيطة في حياتنا نستطيع بالفعل أن نميز ونعرف صوت الله لنا في حياتنا من خلال واقعنا الذي نعيشة، والمحيط بنا.

 

أبونا دانيال أيوب