التصوّف والحبّ بقلم: الفنانة ماجدة الرومي

منذ أيام الدراسة استوقفني فكر الغزالي وبهرتني تجربة المتصوفين الكبار وما زالت تستوقفني طاقتهم على الوصول إلى شعلة الحب المتقدة. وهي الوحيدة التي يمكن أن تتمم معنى العبور لهذا الكون. اسأل نفسي أحـياناً: هل أكون حفيـدة جلال الدين الرومي؟ أعيش في العالم وكل ما دون هذه الشعلة لا يهمني ولا يستهويني بأي شكل من الاشكال.
أشعر بأني شبعت من معاني هذا العالم وغناه وأتساءل دوماً إذا كنت سأصل إلى بعض ما وصل إليه المتصوفون ولو عبر طريق الحياة وواجباتي التي أمارسها يومياً بفرح وحب.
أعيش حالة غبطة في كل لحظة وفي كل فعل من أفعالي وأكسر إرادتي مرات عديدة لأتخطى المصاعب.
أملك شغفاً كبيراً للوصول إلى بعض درجات التصوف..
وأؤمن أن الألم يؤدي إلى الانعتاق..
وان آخر النفق نور..
وآخر الليل ضوء..
صحيح أن الأزمنة المعاصرة لا تساعد الإنسان في الوصول إلى ما يسعى إليه والمطلوب أن يقوم ببعض العزلة الداخلية عبر ممارسة حياته العادية.
أما الإنسان المتدين الحقيقي فأحدده بثلاث كلمات: تسامح، رحمة وتقبّل الآخرين مـهما كانوا.
عندما نقابل فكر المتصوفين المسلمين والمسيحيين، يذهلنا التقارب بينهما وتوحد لغتهمـا الروحية عبر الخـالق والمخـلوق. كاد المتصوفون أن يصلوا إلى الكمـال بترفعهم عن الأرض واتحادهم بالله.
الأرض لا تكفيني وأحلامي تتخطاها، لكني أمّر فيها بفرح متكلة على الله.
كل الذي غنيته كان يصب في شـعلة الحب المتقـدة.
أغمض أحياناً عينيّ على المسرح وأشعر بأني أحلق بصفاء وسلام وأرغب في أن أجعل الناس يحلّقون معي وأن أنقل إليهم فرحي فأحرك عواطفهم بتجربة أعمق وأشمل.
لا فرق عندي بين فني وإيماني، بين وقوفي على خشبة المسرح أو في الكنيسة.
الحبّ يوحّد كل شيء لدي في علاقتي مع عائلتي والنـاس والأشياء.
مهما عظم الحبّ على الأرض، يبدو لي شحيـحاً بالنسبة إلى الحب الكبـير..
وأشعـر بتقصيري الدائم في عطائي كأني أحتاج إلى أكثر من حياة على الأرض لأحب من أحبهم قدر ما أريد.
لا شك في أن مدينة لورد مكان استثنائي يوحي النشوة الروحية. كنت محاطة فيه بآلاف المصلين والمرضى والمعوقين والمنازعين والغاطسين في المياه المقدسة. كم سمعت تأوهات المتألمين وتراتيل المبتهلين!
مهما كبر الإنسان ليس لديه إلا الله.
ومطلوب منا أن نقوم بدور إنساني اكبر مهما تكن ديانتنا.
حين رتلت للمعوقين .. شعرت كم أن فعل المحبة الصغير هذا أفرح قلوبهم، كان الفرح الذي أدخلوه هم إلى قلبي لا يقاس بفعل محبتهم الصافية، وكان أكبر من أجسادهم المتألمة.
أما تجربة المحبسة فأتت كأنها خارج الزمن… وبالحب الكبير الذي يعيشه الناس الاستثنائيون فقط.
أشعر بأني مطلوبة لدور معين في هذه الحياة.
إن هذا الدور بالذات يناسبني.
أريد أن تصيب شعلتي المتقدة الآخرين .
إذا كنا نملك اتجاهات عدة في الحياة، فلماذا لا يكون النقاء واحداً من أجملها وأسماها وأصدقها على الإطلاق؟..
نقلاً (بتصرّف) عن مقابلة أجرتها الصحفيّة ندى الحاج (النهار- 23 حزيران 2001)