الصليب هو تبني مخطط الله
في بداية الألفية الثالثة, يبحث الإنسان عن الرفاهية والملذات, ولكن نرى هنا وهناك رجالاً ونساءً منسحقين ومجروحين من هذه الحياة, وأيضاً نرى أشخاصاً تمتعوا بكل شيء وجربوا كل الملذات ولكنهم غير سعداء.
لقد نسينا علامة المسيحي وهي الصليب, لقد روضّنا الصليب ولم يعد يدهشنا, بل جعلناه زينة لحيطان بيوتنا ولأجسادنا. وهذا النسيان للصليب هو بداية فراغنا الروحي الداخلي.
يسوع يعلمنا بوضوح قانون "الخصوبة في الحياة" : "الحقّ الحقّ أقول لكم: إنّ حبّة الحنطة التي تقع في الأرض إن لم تمت تبق وحدها. وإذا ماتت, أخرجت ثمراً كثيراً" (يوحنا 12: 24).
ولكن فكرة موت حبة الحنطة في الأرض تخيفنا وتربكنا داخلياً, لأننا أبناء زمننا المادي وننسى أننا أيضاً أبناء الله وأخوة المسيح المصلوب.
إنّ الصليب وبذل الذات ليست أفكاراً مجردةً بل هي مخطط الله لنا, نحن المسيحيون, لنتبع المسيح على طريق الصليب. وهذا يعني أننا نتخلى عن مشروعنا الشخصي, المحدود في أغلب الأحيان, لنتبنى مشروع الله. أي أن نتبع المسيح في دعوته لنا في حمل صليبنا والسير معه والعيش حسب " قانون بذل الذات الأقصى ". فالصليب هو دعوة من المسيح لنا لنتبعه إلى أبعد ما يمكن في الحياة. والصليب هو الطريق الحقيقي للحرية. هل أعيش بحرية أبناء النور؟ ماذا يمنعني عن ذلك؟.
الصليب وبذل الذات هو التجدد الضروري للوجود المسيحي. فلا نخف ما دمنا نتجدد فنحيا حسب حياة المسيح وخصوصاً بالصلاة وتبني عملياً الفضائل المسيحية, عندها نستطيع أن نقول مع بولس الرسول: " أنا لست أحيا, بل المسيح يحيا فيَّ ".
الصليب هو رمز الحب المطلق
عندما يهدينا يسوع الصليب يعطينا فرصة الحب الكامل والمجاني, ولكن ينبهنا أن لا نقع في فخ اعتبار الصليب أنه فقط الألم أو الفشل أو موت قريب أو المرض أو أي مصيبة تقع علينا, فإن يسوع يعلمنا أن الصليب هو رفيقنا الغير منفصل عنّا, لأن يسوع المسيح يريد أن نختبر حبه لنا دائماً, في كل يوم, وفي أي عمل نقوم به, فنحبه أكثر فأكثر وهذا يظهر بأمانة في عملنا اليومي الذي نجريه بمحبة..
في العشاء الأخير, أعطانا يسوع المسيح مثلاً ودعانا أن نحب حتى "النهاية" , وهذا يعني أننا مستعدون لمجابهة الصعوبات من أجل المسيح, ويعني أيضاً أن ننسى أنفسنا قليلاً, أن "نختفي" ليظهر المسيح.
بالطبع, إن إتباع يسوع ليست مهمة سهلة. أن نحب مثلما أحبنا يسوع يعني أن لا نخاف من الإهانات والصعوبات والاضطهادات من أجل حياتنا المنسجمة مع إيماننا بيسوع المسيح .
إن تاريخ الكنيسة مليء بالشهادات لرجال ونساء عرفوا كيف يحبّوا مثل يسوع. وكثير منهم هم شهداء امتزجت دمائهم بدم يسوع المصلوب. ولكن أيضاً هناك شهداء آخرين ضحوا بكرامتهم وبشهرتهم وبمجدهم الشخصي ولم يخونوا يسوع .
إذاً الحب حتى النهاية, الذي هو الصليب, يفرض علينا أن نستعد لمحبة الجميع وحتى أعدائنا, ونصلي من أجل بعضنا البعض ومن أجل مضطهدينا, وهنا يكمن جوهر رسالتنا المسيحية والثورة التي فجرها التجسّد والموت على الصليب والقيامة ليسوع المسيح, وهذا هو جوهر المسامحة وبذل الذات.
الصليب هو ضمانة لنصرتنا
من الأمور المثيرة للجدل في الإيمان هو وجود الألم في العالم مع أن يسوع المسيح انتصر من خلال حياته وآلامه على الألم, أي افتدى يسوع الألم لأنه أدخله في آلامه. وبيسوع يتبدل ضعفنا في الألم إلى واسطة لانتصارنا. في بعض الأحيان يلوموننا, نحن المسيحيون, على تعلقنا بالصليب وينسوا أننا عندما يتعمق قلبنا بمعاني صليب المسيح, ننتبه إلى أن المسيح لا يبحث عن الألم بحد ذاته بل يبحث عن الحب. إن الألم ليس له معنى كألم, ولكن الحب الحقيقي يظهر في العطاء من ذاتنا الذي هو دائماً مؤلم.
فقط المسيح, بمثاله, أظهر لنا ثمار الألم في عطاء الذات. فالصليب الذي يدعونا يسوع أن نحمله كل يوم, بطرق عديدة, يصبح رمز الحب والنعمة. وحمل الصليب عن يسوع هو شرط أساسي لنكون تلاميذه, فنتحد معه في عطاء الحب الكامل.
كل منّا له صليبه الخاص به, "وبهذا الصليب سننتصر". وعندما يدق الألم بابنا فلنسمح ليسوع أن يستريح قليلاً من آلامه ولنحمل الصليب ولو جزءاً صغيراً منه أو شوكة واحدة من إكليله.
صلاة:
يا يسوعي أنت متَّ على الصليب لأجل خلاصي وخلاص كل البشرية, ساعدني بحبك لأتقبل صليب الألم على هذه الأرض, وأن أساعد غيري على حمل صليبه بطريقة تجعلنا نتحد بك بحميمية, ولكي نختفي نحن لتظهر أنت وهكذا نتمتع بثمار فدائك. آمين
نقلاً عن: www.catholic.net "تأمّل يومي" Salve, oh Cruz, esperanza única – Mesditacion diaria – 3.5.2005