تمّ في صالة ماركوني في مبنى إذاعة الفاتيكان يوم الثلاثاء 20 مارس، عرض ألبوم صور القديسين لمناسبة عيد الفصح. أكثر من 400 صورة إيطالية وأوروبية، تعرض مسيرة يسوع من الآلام الى الصلب وصولاً الى إتمام السر الفصحي.
ننشر في ما يلي، عرض مونسنيور رافايلو مارتينيلي، مسؤول في مجمع عقيدة الإيمان ورئيس معهد سان كارلو لهذا الألبوم. * * *
" الفنانون عبر العصور، قدّموا للمؤمنين أحداثاً من سر الخلاص، معبرين عنها بالألوان وبجمال كامل" (الكردينال جوزيف راتسينغر، ملخص تعليم الكنيسة الكاثوليكية 2005).
تسهّل الصور من اكتشاف، فهم وتوصيل المضمون الى الأشخاص المنتمين الى لغات، أعمار وثقافات مختلفة: فمن السهل قراءتها، ونسبة الى الكلمة المكتوبة، تجتذب عدداً أكبر من الناس. وهذا ما دفع بفنانين عبر مرّ العصور الى إعطاء أهمية كبيرة للأيقونة في نقلها للمعرفة عامة، والمعرفة الدينية خاصة، الى جانب مضاعفة الكنيسة بها.
ما هي الأسس التي ترتكز عليها الصور الدينية؟
للصور الدينية أسس عدة تكمّل بعضها البعض:
الأساس الأنتروبولوجي:
كونه جسد وروح، يعبر الإنسان عن نفسه من خلال حركات، كلمات، علامات ورموز. وهو يتعرف على الروحانيات من خلال علامات ورموز حسيّة. يؤكد دانتي في الفردوس (النشيد 4، 42-46) بأن العقل لا يستطيع أن يفهم حقيقة طبيعة الله دون اللجوء الى الحواس.
"تحتل العلامات والرموز مكاناً مهماً في حياة الإنسان. فكونه كائناً جسدياً وروحياً في آن، يتلقى الإنسان الواقع الروحي ويعبّر عنه من خلال علامات ورموز حسيّة. وككائن اجتماعي، يحتاج الإنسان الى علامات ورموز ليتواصل مع الآخرين من خلال اللغة، الحركات والأعمال. والشيء نفسه يحصل في العلاقة مع الله" (تعليم الكنيسة الكاثوليكية، 1146).
الأساس الاجتماعي:
كونه كائناً اجتماعياً، محتاجاً وراغباً في العلاقة مع الآخرين، يحتاج الإنسان الى التواصل مع الآخرين، ويفعل ذلك بواسطة اللغة، الحركات، الأعمال والصور. نعيش في عالم يخصّ الصور بانتباه كبير، بحيث تلعب الصور دوراً مهماً في حياة الأشخاص وفي المجتمع.
وليس من قبيل الصدفة أن تُستعمَل عبارة "حضارة الصورة"، للدلالة على المجتمع الحالي. اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، تستطيع الصورة المقدسة – في حضارة الصورة – "أن تعبّر أكثر بكثير من الكلمة نفسها…" (الكردينال جوزيف راتسينغر – ملخص تعليم الكنيسة الكاثوليكية).
الأساس اللاهوتي:
هناك علاقة وثيقة بين الخليقة وخالقها. العالم في الرؤية المسيحية، هو خليقة الله، الذي أراد أن يُظهر طيبته، حقيقته وجماله. والله يكلّم الإنسان من خلال خليقته المرئية، التي تعكس، ولو بشكل محدود كمال الله غير اللامحدود. وغاية الخليقة هي أن يصبح الله، في المسيح، "كلاًّ في الكل" (1كو 15، 28)، "لمجده ولسعادتنا" (ملخص تعليم الكنيسة الكاثوليكية 53). "كل شيء هو خليقة الله، ومنه نستقي طيبتنا وكمالنا، قوانيننا ومكاننا في الكون" (ملخص، 62).
خُلق الإنسان على صورة الله ومثاله. وبالتالي، لكي يتعرّف على الله، يقف الإنسان أمام ذاته: فمن خلال معرفته العميقة لذاته، كونه على صورة الله، ومن خلال تصرفّه على هذا الأساس، تزداد معرفته بالله. وفي الوقت عينه، من خلال معرفته لله في أعماله، يتعرف الإنسان أكثر فأكثر على ذاته. أظهر الله نفسه بيسوع المسيح. وبما أنه ابن الله البكر، وهو متحد حميمياً بالله الآب – "أنا والآب واحد" (يو 10، 30) – ، يعرّفنا يسوع بطريقة كاملة على الله الآب: "من رآني رأى الآب" (يو 14، 9). يسوع المسيح هو الصورة المنظورة للإله المحجوب.
"في الماضي، لم يكن بالاستطاعة الدلالة على الله من خلال الصورة، إذ لم يكن الله قد أخذ جسداً وشكلاً. أما اليوم وقد ظهر في الجسد وعاش بين البشر، أستطيع أن أكوّن صورة لما رأيته من الله" (القديس يوحنا الدمشقي De sacris imaginibus oratio, 1, 16: PTS 17, 89 e 92 ). تجسُّدُ المسيح إذن يبرّر تنفيذ، وتكريم الصور الدينية في المسيحية.
هل استعان يسوع بالعلامات والرموز البشرية ليعبّر عن الألوهية؟
الى جانب أنه هو نفسه الذي جعل الله ظاهراً للعيان، يستعين يسوع، خلال عظاته وأعماله، بالخليقة، ليعلن ويبشر بأسرار ملكوت الله. وخير دليل على ذلك، الأمثال والعجائب التي قام بها. كما أنه استعمل عناصر وعلامات دنيوية ليؤسس الأسرار.
هل الصورة البشرية محدودة نسبة للإلهي؟
علينا بالتأكيد التذكير بأنه لا يمكن لأي صورة حسيّة أن تعبر بالملء عن سر الله: إن الواقع الديني والروحي، يتخطى دائماً الصورة البشرية. ولكن العنصر الحسي يستطيع أن يظهر شيئاً من هذا السر.
ما هو الهدف من الصور المقدسة؟
الصور المقدسة:
تسهّل من اكتشاف، فهم وتوصيل المضمون الى الأشخاص المنتمين الى لغات، أعمار وثقافات مختلفة: فمن السهل قراءتها، ونسبة الى الكلمة المكتوبة، تجتذب عدداً أكبر من الناس. إذا ما نُظر إليها، وفُهِمت بعين الإيمان المسيحي، يمكن حينئذ فهم الرسالة التي أراد الفنانون إيصالَها من خلال الصور المقدسة.
هل الصور هي أيضاً دعوة الى الصلاة؟
بالتأكيد! الفن والأيقونات المسيحية، الى جانب كونهم أدوات في خدمة البشارة والتعليم، كانوا ولا يزالون دعوة الى الصلاة: "جمال ولون الصور هما حافز لصلاتي" (القديس يوحنا الدمشقي De sacris imaginibus oratio 1, 47 ). إن التأمل بالصور المقدسة، الى جانب سماع كلمة الله، يساعد على حفر السرّ في ذاكرة القلب، محوّلاً إياه الى صلاة، وشاهداً له في الحياة الجديدة التي تنبع من الإيمان المسيحي الذي يتمحور حول المسيح.