قال لهم بيلاطس مَنْ تريدون أن أطلق لكم: باراباس أم يسوع الذي يُدعَى المسيح؟…(مت 27: 17 -21)
غريب أن يضع إنسان: يسوع وباراباس في كفتي ميزان، فيخيّر الناس بينهما، مع أن الفرق بينهما أبعد مما بين السماء والأرض، بل أبعد مما بين الخالق والمخلوق العادي، بل إنه لا يوجد في الحقيقة نسبة بين باراباس والمسيح. ولكن الأغرب من هذا جداً أن يختار الناس باراباس ويفضلونه على المسيح.
كان باراباس لصاً سافكاً للدماء يسطو على المنازل ويزعج سكانها، وكان يقطع الطرق فينقّض على المارة لكي يسلب ما معهم ويقضي على أعمارهم، وكان اسمه كافياً لأن يُدخل الرُعب في القلوب، وأصبح من مكدري السلام وأصحاب السوابق، ولكن شاءت العناية أن يُضبط ويقع في أيدي الحكام أسيراً فكان أسيراً مشهوراً (مت 27: 16). أما يسوع الوديع الهادئ، الطيّب الحنّان، الذي كان بكلمة يحوّل المآتم إلى ولائم والأحزان إلى أفراح، والموت إلى حياة، والمرض إلى صحة، والجوع إلى شبع، والجهل إلى معرفة، والعار إلى شرف، والخوف إلى طمأنينة، يسوع هذا يُفضَّل باراباس عليه! إن في هذا عجباً!!
أيُفضّل مَنْ يسفك دماء الناس لأجل منفعته على مَنْ يسفك دمه لأجل خلاص الناس؟ أيُفضل مَنْ يسلب الناس لكي يغتني هو ويفتقرون هم، على مَنْ "افتقر وهو غني لكي نستغني نحن بفقره"؟ عجباً وكل العجب. ولكن مهلاً، يوجد ما هو أعجب من هذا كله. قد تندهش أيها القارئ من هذا، ولكن اسمح لي أن أقول لك إنك إذا كنت للآن لم تقبل يسوع بالإيمان، فأنت هو ذلك الشيء الأعجب، لأنك تفضّل مَنْ هو أشرّ من باراباس عن يسوع. إن باراباس على شره وخبثه وجُرمه ليس هو إلا صورة مصغّرة من الشيطان الذي يسلب لا الجيوب فقط ولكن العقول والقلوب أيضاً. ويقتل لا الأجساد فقط ولكن النفوس أيضاً. ذلك الشيطان الذي يقبض على الإنسان بيد من حديد ويقيده بقيود العادات الرديئة التي يذوق بسببها مرارة المُر في الحياة الحاضرة ثم ينحدر به إلى قرارة جهنم حيث النار لا تُطفأ والدود لا يموت.
إن كل شرور باراباس وأضراره لا شيء بجانب ما يعمله عدو الخير مع البعيدين عن الله؛ فهل أنت أيها العزيز منهم؟ إن كنت كذلك فاعلم أنك أضلّ من أولئك الذين فضّلوا باراباس على المسيح