في الحقيقة، السلام: رسالة قداسة البابا ليوم السلام العالمي 2006

 2. بداية أود التعبير عن امتناني الصادق لسلفيَّ، البابوين العظيمين بولس السادس ويوحنا بولس الثاني، فاعلي السلام. لقد عرفا، بوحي روح عظة الجبل، أن يقرآ في أحداث تاريخية عديدة وسمت حبريتهما، عمل العناية الربانية التي لا تنسى أبدا مصائر الجنس البشري. ولكونهما رسولي الإنجيل بدون كلل، وجها مرات كثيرة دعوة لكل شخص بشري للانطلاق من الله لتعزيز تعايش سلمي في مختلف بقاع الأرض. وفي سياق هذا التعليم النبيل تندرج أول رسالة لي بمناسبة يوم السلام العالمي تأكيدا على إرادة الكرسي الرسولي الحازمة في الاستمرار بخدمة قضية السلام. إن اسم بندكتس، الذي اخترته يوم انتخابي على السدة البطرسية، يشير إلى التزامي العميق لصالح السلام. لقد شئت، في الواقع، الإشارة إلى شفيع أوروبا، منبع حضارة سلمية داخل القارة، وفي الوقت عينه، إلى البابا بندكتس الخامس عشر، الذي ندد بالحرب العالمية الأولى ووصفها بـِ “المجزرة العبثية”1 وعمل كي يقر الجميع بمبررات السلام المثلى.

 

 3. إن موضوع الرسالة لهذه السنة ـ “في الحقيقة، السلام” ـ يعبر عن الاقتناع بأن الإنسان عندما يستنير من تألق الحقيقة يسلك بشكل طبيعي درب السلام. يؤكد الدستور الراعوي فرح ورجاء للمجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني، الذي انتهى لأربعين سنة خلت، على أن البشرية لن تنجح في “بناء عالم أكثر أنسنة لجميع البشر على الأرض إلا إذا عادت بنفسية جديدة إلى السلام الحقيقي”2. ولكن ما المراد من التعبير “حقيقة السلام”؟ للإجابة بشكل صحيح، لا بد من الأخذ بعين الاعتبار أن السلام ليس مجرد انعدام النزاعات المسلحة بل إنه “ثمرة نظام رسمه المؤسس الإلهي في المجتمع الإنساني”، نظام “يجب أن يتحقق بواسطة أناس لا ينفكون يتوقون إلى عدل أكمل”3.  إن السلام، لكونه ثمرة نظام شاءته ورسمته محبة الله، يحتوي في طياته على حقيقة باطنية لا تقهر ويتجاوب مع “لهفة ورجاء حصينين يعيشان فينا”4.

 

 4. في هذا الإطار، يبدو السلام عطية سماوية ونعمة إلهية تقتضي، على مختلف المستويات، ممارسة المسؤولية الكبرى أي التوافق ـ ضمن الحقيقة والعدالة والحرية والمحبة ـ بين التاريخ البشري والنظام الإلهي. وعندما يغيب التلاحم مع النظام المتسامي للأشياء، وكذلك أيضا احترام “قاموس” الحوار الذي هو النظام الأدبي الجامعي، المكتوب في قلب الإنسان 5، ويتعثر النمو الكامل للشخص وتنتهك حقوقه الأساسية، وتضطر شعوب كثيرة إلى معاناة الظلم  واللامساواة، كيف لنا عندئذ أن نأمل بتحقيق عطية السلام؟ تتقلص، في هذه الحالة، العوامل الجوهرية التي تجسد حقيقة هذه العطية. لقد وصف القديس أغوسطينوس السلام بأنه “نظام هادىء“6، أي بالوضع الذي يسمح، في نهاية المطاف، باحترام حقيقة الإنسان وتحقيقها.

 

 5. إذن، من وماذا يحول دون تحقيق السلام؟ يتطرق الكتاب المقدس، في هذا الصدد، في سفر التكوين، إلى الكذب الذي تكلم به الشيطان منذ مطلع التاريخ والذي قال عنه الإنجيلي يوحنا إنه “أبو الكذب” (يو 8،44).  الكذب أيضا إحدى الخطايا الواردة في الكتاب المقدس، في رؤيا يوحنا، إشارة إلى استثناء الكذبة عن أورشليم السماوية:”ليبق خارجا كل من يحب الكذب ويعمل به!” (22،15). وترتبط بالكذب مأساة الخطيئة ونتائجها المنحرفة التي تؤدي إلى تأثيرات مدمرة على حياة الأفراد والأمم. يكفي التفكير بما حصل في القرن المنصرم حين شوهت أنظمة إيديولوجية وسياسية زائغة، بشكل مبرمج، الحقيقة وقادت إلى استغلال وقمع عدد كبير من الرجال والنساء وإبادة أسر وجماعات برمتها. كيف لنا ألا نقلق، بعد هذه الخبرات، أمام أكاذيب زماننا التي ترسم سيناريوهات موت في مناطق عديدة في العالم؟ لا بد للبحث الأصيل عن السلام أن ينطلق من الوعي بأن مسألة الحقيقة والكذب تطال كل رجل وامرأة وهي مصيرية لمستقبل سلمي في كوكبنا.

 

 6. إن السلام رغبة مضطرمة في قلب كل شخص بغض النظر عن الميزات الثقافية الخاصة. ولهذا السبب بالذات على كل فرد أن يشعر بأنه ملتزم في خدمة خير ثمين ويعمل كي لا تشوبه شائبة. إن جميع البشر ينتمون إلى عائلة واحدة. كما أن التعظيم المفرط للاختلافات الذاتية يتناقض مع هذه الحقيقة الأساسية. لا بد من استعادة الوعي بالمصير المشترك، في نهاية المطاف، لتقييم أفضل للاختلافات التاريخية والثقافية الذاتية بدون تضارب إنما بتجانس مع المنتمين إلى الثقافات الأخرى. هذه هي الحقائق البسيطة التي تجعل السلام ممكنا وتصبح سهلة الإدراك عندما ينصت المرء إلى قلبه بنوايا طاهرة. عندئذ يظهر السلام بطريقة جديدة: لا كانعدام الحرب بل في شكل تعايش بين المواطنين الأفراد في مجتمع تحكمه العدالة وحيث يتم، قدر المستطاع، تحقيق خير كل واحد منهم. إن حقيقة السلام تدعو الجميع إلى زرع علاقات مثمرة وتحث على البحث عن دروب المسامحة والمصالحة والسير عليها وعلى الشفافية في التعامل والأمانة للوعود. وبخاصة فإن تلميذ المسيح، الذي يشعر بمكيدة الشر ويحتاج بالتالي إلى تدخل المعلم الإلهي المحرِّر، يتوجه إليه بثقة وعيا منه “أنه لم يقترف خطيئة قط، ولم يكن في فمه مكر” (1 بطرس 2،22؛ أشعيا 53،9). في الواقع، قال يسوع عن نفسه “أنا هو الحق”، وتحدث في رؤيا القديس يوحنا عن معارضته “كل من يحب الدجل ويعمل به”، وأعلن ملء حقيقة الإنسان والتاريخ. وبقوة نعمته بإمكاننا أن نكون في الحقيقة ونعيش فيها لأنه هو فقط صادق وأمين. يسوع هو الحق الذي يعطينا السلام.

 

 7. لا بد لحقيقة السلام أن تظهر مزاياها وانعكاس نورها الخيِّر حتى في حالة الحرب المأسوية. لقد أكد آباء المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني في الدستور الراعوي فرح ورجاء ما يلي:”وبما أن الحرب تنشب ويا للأسف، لا يصبح بذات الفعل كل شيء مباحا بين الأطراف المتنازعة”7. لقد أضحى للمجتمع الدولي حق دولي إنساني للحد قدر الإمكان، ولا سيما بالنسبة للمدنيين، من نتائج الحرب المدمرة. ولقد عبَّر الكرسي الرسولي في ظروف عديدة وبآليات مختلفة عن دعمه هذا الحق الإنساني وشجع على احترامه وتطبيقه السريع اقتناعا منه بوجود حقيقة السلام حتى في الحرب. ولا بد من إدراج الحق الدولي الإنساني في عداد المقتضيات الأكثر فعالية والمتأتية من حقيقة السلام. ولهذا السبب فإن احترام هذا الحق يمسي واجبا على جميع الشعوب. ولا بد من تقدير قيمته وضمان تطبيق سليم له ومواكبته للأزمنة من خلال أحكام قادرة على مواجهة سيناريوهات النزاعات المسلحة الآخذة بالتبدل واستخدام أسلحة جديدة ومتطورة.

 

 8. يتجه فكري إلى المنظمات الدولية والذين يجهدون باستمرار لتطبيق الحق الدولي الإنساني. كيف لي أن أنسى الجنود الملتزمين في عمليات حساسة لتسوية النزاعات وإعادة إحلال الأوضاع الضرورية لتحقيق السلام؟ أذكر هؤلاء أيضا بكلمات المجمع الفاتيكاني الثاني:”وأما الذين يتكرسون لخدمة الوطن في الحياة العسكرية فليعتبروا أنفسهم أيضا كخدام لأمن الشعوب وحريتها. وإنهم ليساهمون حقا في الحفاظ على السلام إن قاموا بمهمتهم هذه كما يجب”8. وفي هذا الإطار يندرج العمل الراعوي لمراكز الإرشاد العسكرية للكنيسة الكاثوليكية. وإني أشجع المرشدين العسكريين والكهنة العسكريين على البقاء، في أي ظرف ووضع، مبشرين أمناء لحقيقة السلام. 

 

 9. لا تزال حقيقة السلام حتى يومنا هذا معرضة للخطر ومنكرة بشكل مأسوي من قبل الإرهاب القادر، بتهديداته وأفعاله الإجرامية، على إبقاء العالم في حالة من القلق وغياب الأمن. ولقد تدخل البابوان بولس السادس ويوحنا بولس الثاني أكثر من مرة لينددا بمسؤولية الإرهابيين ويشجبا مخططاتهم الجنونية. وفي الواقع، يبدو أن هذه المخططات مستوحاة من عدمية مأسوية وصفها البابا يوحنا بولس الثاني على هذا النحو:”إن من يقتل عبر أفعال إرهابية إنما يزرع مشاعر تحقير تجاه البشرية ويعكس يأسا تجاه الحياة والمستقبل. في هذا التطلع يصبح كل شيء قابلا للبغض والتدمير”9. وليست العدمية وحدها إنما التعصب الديني أيضا، الذي يسمى في غالب الأحيان الأصولية، قد يغذي غايات وأعمالا إرهابية. وإذ أدرك البابا يوحنا بولس الثاني منذ البداية خطورة التعصب الأصولي أسرع ليندد به بقسوة محذرا من المزاعم بفرض اقتناع ذاتي بالحقيقة على الغير بالعنف بدل طرحه على الآخرين كي يُقبل بحرية. وكتب في هذا الصدد:”إن فرض حقيقة مزعومة على الغير بالعنف يعني انتهاك كرامة الكائن البشري، وفي نهاية المطاف، إهانة الله من قبل الإنسان المخلوق على صورته ومثاله”10.

 

 10. إن نظرة العدمية والتعصب الأصولي للحقيقة خاطئة: فأتباع العدمية يرفضون وجود أي حقيقة في ما الأصوليون يدَّعون فرضها بالقوة. وعلى الرغم من اختلاف أصولهما وانخراطهما في أطر ثقافية مختلفة، يجمع بين العدمية والتعصب الأصولي تحقير للإنسان وحياته، وفي نهاية المطاف، لله ذاته. إن هذه النتيجة المأسوية، في الواقع، تعكر صفو ملء حقيقة الله: العدمية التي ترفض الوجود وحضور الإنسان في التاريخ والتعصب الأصولي الذي يشوه وجه الله الحبيب والرحيم ليبدله بأوثان على صورته. إننا إذ نتقصى أسباب ظاهرة الإرهاب المعاصرة، نأمل بأن تؤخذ بعين الاعتبار، إلى جانب المبررات ذات الطابع السياسي والاجتماعي، الدوافع الثقافية والدينية والإيديولوجية.

 

 11. أمام المخاطر التي تحدق بالإنسانية في عصرنا هذا، تقع على عاتق الكاثوليك في مختلف أنحاء العالم مهمة تكثيف الإعلان “بإنجيل السلام” والشهادة له والتأكيد على أن الإقرار بملء حقيقة الله شرط لا غنى عنه لتدعيم حقيقة السلام. الله هو محبة مخلِّصة، أب عطوف يرغب برؤية أبنائه يقرون بكونهم أخوة ويسعون إلى وضع مواهبهم في خدمة الخير المشترك للعائلة البشرية. الله ينبوع لا يسبر غوره للرجاء الذي يعطي معنى للحياة الشخصية والجماعية. الله، وحده الله، يحرك عمل الخير والسلام. ولقد أثبت التاريخ أن محاربة الله لاستئصاله من قلوب البشر تقود بالبشرية، الخائفة والمنهكة، نحو خيارات بدون مستقبل. ولا بد أن يدفع هذا الأمر بالمؤمنين بالمسيح إلى أن يكونوا شهودا لله الذي هو حقيقة ومحبة، ويعملوا في خدمة السلام في إطار تعاون مسكوني واسع مع الديانات الأخرى وكذلك أيضا مع جميع البشر ذوي الإرادة الحسنة.

 

12. وإذا نظرنا إلى الإطار العالمي الراهن لرأينا بانشراح بعض المؤشرات المؤملة على طريق بناء السلام. أفكر، على سبيل المثال، بانخفاض عدد النزاعات المسلحة. ما من شك أنها خطوات خجولة على طريق السلام لكنها قادرة على رسم أفق مستقبل أكثر صفاء ولا سيما بالنسبة إلى السكان المعذبين في فلسطين، أرض يسوع، وإلى سكان بعض المناطق في أفريقيا وآسيا الذين ينتظرون منذ سنوات خاتمة إيجابية لمسيرات السلم والمصالحة. إنها مؤشرات معزية لا بد من تدعيمها عبر عمل دؤوب وبخاصة من قبل المجتمع الدولي وهيئاته المعنية بالوقاية من النزاعات وإيجاد تسوية سلمية للنزاعات الدائرة.

 

 13. مع ذلك لا بد من تحاشي الانجراف وراء تفاؤل ساذج. لا ننسى، في الواقع، أنه وللأسف، تتواصل نزاعات أخوية وحروب مدمرة تزرع في مناطق كبيرة في العالم الحزن والموت. وهناك أوضاع حيث النزاع، كالنار الكامنة تحت الرماد، قد يندلع من جديد ليسبب دمارا لا تحسب أبعاده. وتقع مسؤولية كبيرة على عاتق السلطات التي، بدل أن تطبق ما لديها من صلاحيات لتعزيز السلام بشكل فاعل، تحرك لدى المواطنين مشاعر عدوانية تجاه أمم أخرى وتعرض للخطر، وبخاصة في مناطق هشة، التوازنات الحساسة وليدة مفاوضات شاقة، وتزيد بالتالي من ظلام مستقبل البشرية. وما القول عن الحكومات التي تتكل على الأسلحة النووية لضمان أمن بلدانها؟ بالإمكان التأكيد، إلى جانب أشخاص كثيرين من ذوي الإرادة الحسنة، على أن هذا التطلع باطل بالإضافة إلى كونه مهلكا. في الواقع، ليس من منتصر في حرب نووية بل ضحايا وحسب. إن حقيقة السلام تتطلب من الجميع ـ حكومات تملك بشكل علني أو خفي أسلحة نووية، أم أخرى تنوي حيازتها ـ، تغيير الاتجاه عبر خيارات واضحة وحازمة والتطلع نحو نزع السلاح النووي بشكل تدريجي وتوفيقي. بالإمكان عندئذ استخدام الموارد المدَّخرة في مشاريع تنموية لما فيه خير جميع السكان، وبالدرجة الأولى، الأشد فقرا.

 

 14. وفي هذا الصدد لا يسعنا ألا نشير بأسف إلى زيادة النفقات العسكرية بشكل يبعث على القلق وإلى الاتجار بالأسلحة الذي يدر أرباحا طائلة في ما العملية السياسية والقضائية التي أطلقها المجتمع الدولي لتدعيم مسيرة نزع السلاح ترسب في مستنقع اللامبالاة. أي مستقبل سلام ممكن إذا ما استمر الاستثمار في إنتاج الأسلحة وفي البحث العملي لتطوير أسلحة جديدة؟ الأمنية التي تنطلق من صميم القلب هي أن يجد المجتمع الدولي من جديد الشجاعة والحكمة لإطلاق عملية نزع السلاح وتطبيق الحق في السلام الذي هو لكل إنسان وكل شعب. إن التزام مختلف هيئات المجتمع الدولي في صون خير السلام يسمح لها باستعادة السلطة اللازمة كي تكون مبادراتها أكثر مصداقية وحزما.

 

 15. إن أولى الدول المستفيدة من نزع السلاح هي البلدان الفقيرة التي تطالب بعدل، بعد الوعود الكثيرة، بتطبيق عملي للحق في النمو. ولقد أعادت التأكيد على هذا الحق الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة والتي احتفلت هذه السنة بالذكرى الستين لتأسيسها. إن الكنيسة الكاثوليكية، إذ تؤكد من جديد ثقتها بهذه المنظمة الدولية، تأمل بتجدد عملي لمؤسساتها كي تكون قادرة على التجاوب مع احتياجات عصرنا الذي تميزه ظاهرة العولمة. على منظمة الأمم المتحدة أن تصبح أداة فاعلة أكثر فأكثر في تعزيز قيم العدالة والتضامن والسلام في العالم. ومن جهتها لا تكف الكنيسة، الأمينة لرسالتها التي أوكلها إياها مؤسسها، عن إعلان “إنجيل السلام” في كل مكان. وهي تذكر الجميع، إذ يحركها وعيها الصلب في أداء خدمة أساسية لجميع الذين كرسوا طاقاتهم للسلام، بأن السلام كي يكون أصيلا ومستديما لا بد أن يبنى على صخرة حقيقة الله وحقيقة الإنسان. هذه الحقيقة فقط قادرة على توعية روح العدالة كي تنفتح على المحبة والتضامن وعلى تشجيع الجميع على العمل من أجل إنسانية حرة وراسخة حقا. أجل، إن أسس سلام أصيل ترتكز فقط على حقيقة الله والإنسان. 

 

16. في ختام هذه الرسالة أود أن أتوجه بالأخص إلى المؤمنين بالمسيح لأجدد لهم دعوتي كي يكونوا تلاميذ الرب يقظين ومطواعين. أيها الأخوة والأخوات، إننا إذ ننصت إلى الإنجيل إنما نتعلم تأسيس السلام على حقيقة وجود يومي مستوحى من وصية المحبة. ومن الأهمية بمكان أن تلتزم كل جماعة في عمل تربوي دؤوب ينمي في كل شخص وعيا لضرورة اكتشاف أعمق لحقيقة السلام. وفي الوقت نفسه أسأل الجميع أن يكثفوا صلواتهم لأن السلام هو قبل كل شيء عطية من عند الله يجب التماسها دون انقطاع. وبفضل العون الإلهي يصبح إعلان حقيقة السلام والشهادة لها أكثر تألقا. فلنوجه أنظارنا بثقة وتجرد إلى مريم، والدة أمير السلام. في مطلع السنة الجديدة نطلب منها أن تساعد شعب الله كله كي يكون في مختلف الظروف فاعل سلام ويستنير من الحقيقة التي تحرر (يوحنا 8،32). وليزداد، بشفاعة العذراء مريم، تقدير البشرية لهذا الخير الأساسي كي تلتزم في ترسيخ وجوده في العالم لتعطي الأجيال الآتية مستقبلا أكثر أمنا وصفاء.    

  

عن الفاتيكان، 8 ديسمبر 2005

بندكتس السادس عشر