الكرسي الرسولي، كيان مستقل، بقلم سعادة السفير اللبناني، السيد ناجي أبي عاصي

الكرسي الرسولي، كيان مستقل، بقلم سعادة السفير اللبناني، السيد ناجي أبي عاصي

\"\"

دور التمثيل الدبلوماسي ووظائفه لدى الكرسي الرسولي

روما، 28 مايو 2007 (ZENIT.org) – تكمن إحدى ميزات الكرسي الرسولي في "عدم امتلاكه مصالح مادية يدافع عنها، حيث تترفع أعماله عن أي مصلحة خاصة". هذا ما يذكر به السفير اللبناني لدى الكرسي الرسولي، السيد ناجي أبي عاصي

تحدث الدبلوماسي اللبناني في الخامس عشر من مايو حول "دور التمثيل الدبلوماسي ووظائفه لدى الكرسي الرسولي" في إطار سلسلة المحاضرات التي قدمتها جامعة الغريغوريانا الحبرية  في روما بعنوان "الكنيسة الكاثوليكية والسياسة الدولية للكرسي الرسولي"، خلال الدورة حول "السلك الدبلوماسي: السفارات البابوية والتمثيل الدبلوماسي لدى الكرسي الرسولي". 

يتوجه هذا الدرس إلى دبلوماسيي العالم العربي للتعرّف على الكنيسة الكاثوليكية بتشجيع من مؤسسة "الغريغوريانا" والمعهد الدولي "جاك ماريتان". وترأس الجلسة الكاردينال جان-لويس توران. 

في هذا السياق، أشار السفير اللبناني إلى أن: "الإجابة عن السؤال حول دور البعثة الدبلوماسية ووظيفتها لدى الكرسي الرسولي يجب أن تكون واضحة المعالم. لكنه سؤال يطرحه العديد من الدبلوماسيين، لا بل الكثير من السفراء المعتمدين حديثاً لدى الكرسي الرسولي، وبخاصة إن أتوا من بلد لا يتمتع بتقليد مسيحي أو كاثوليكي". 

وذكر السيد أبي عاصي في مطلع حديثه اتفاقية فيينا بتاريخ 18 أبريل 1961 حول العلاقات الدبلوماسية.

ونبّه السفير اللبناني إلى أن "الكرسي الرسولي ليس كياناً كغيره من الكيانات". وذكّر الحضور أن "الكرسي الرسولي هو الكيان القانوني المعترف به دولياً الذي يجسد السلطة الروحية لرأس الكنيسة الكاثوليكية، أي البابا، وتساعده الإدارة البابوية الرومانية في حكومته المركزية. ونعني بالإدارة البابوية – كما شُرح لكم – مجموعة المديريات والهيئات التي تساعد الحبر الأعظم في ممارسة مهمته الرعوية السامية".

إلى ذلك، أوضح سعادته أن "الكرسي الرسولي، وعلى غرار الدول، يتمتع بحق فاعل وهو حق النيابة البابوية الدبلوماسية ويمارس حقاً غير فاعل وهو استقبال السفراء الذين ترسلهم بلدانهم بمهمة عادية دائمة أو بمهمة استثنائية. ولذلك، نحن معتمدون لدى الكرسي الرسولي وليس لدى دولة حاضرة الفاتيكان". 

وشرح السفير أن "دولة حاضرة الفاتيكان، التي هي أيضاً دولة مستقلة ذات سيادة تخضع للقانون العام الدولي، هي "قاعدة وحقيقة جغرافية" أنشئت خصيصاً عام 1929 إثر معاهدة اللاتران المبرمة بين الكرسي الرسولي وإيطاليا، بهدف محدد ووحيد هو ضمان استقلال البابا، والسماح للحبر الأعظم بأن يمارس بحرية مهامه في إدارة شؤون الكنيسة العالمية". 

وقدم أبي عاصي المثال التالي: "لمزيد من الفهم، تذكروا أنه في نهاية الدول الحبرية (1870) وقبل تأسيس دولة حاضرة الفاتيكان (1929)، استمر الكرسي الرسولي بالمحافظة على علاقات دبلوماسية مع الدول مع ازدياد عدد ممثليه في تلك الفترة من 16 إلى 29. اليوم، أصبح لدى أغلبية بلدان العالم علاقات دبلوماسية مع الكرسي الرسولي". 

وعرّف سعادة السفير اللبناني عن الميزة الثانية قائلاً: "في الوقت الذي تشكل فيه مساحة مدينة الفاتيكان 0.44 كلم2 وتضم حوالي 800 شخص، تجمع الكنيسة الكاثوليكية التي يترأسها الحبر الأعظم أكثر من مليار ومئة ألف شخص، من بينهم 400000 كاهن، و110000 طالب مدرسة إكليركية و32000 شماس دائم في عشرات الآلاف من الرعايا والمدارس والجامعات والمستشفيات والمستوصفات وغيرها من المؤسسات التربوية أو الخيرية الموزعة في كافة القارات". 

 إلى جانب ذلك، أوضح الدبلوماسي اللبناني أن: "خبرة الكرسي الرسولي في العلاقات الإنسانية تعود إلى 2000 عام من دون توقف حيث صمد في وجه الاجتياحات البربرية، والنازية، والشيوعية. وفي كل مرة، كسب شباباً جديداً كما يحلو لقداسة البابا بندكتس السادس عشر قوله." 

"والميزة الثالثة للكرسي الرسولي هي أنه ليس لديه مصالح مادية يدافع عنها حيث تترفع أعماله عن أي مصلحة خاصة. ولا تخضع مواقفه للجغرافيا السياسية أو الآجال الانتخابية أو تطور الأسواق. إن دبلوماسيته هي قبل كل شيء "دبلوماسية الإنجيل" وفقاً لما أعلنه المونسنيور دومينيك مامبرتي، أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان للعلاقات مع الدول، خلال أول لقاء له مع السفراء المعتمدين لدى الكرسي الرسولي في 14 نوفمبر 2006". 

كما أضاف السفير: "بموازاة ذلك، إن الممثلين الدبلوماسيين لدى الكرسي الرسولي غير مدعوين خلال أداء مهمتهم إلى الاهتمام بالقضايا الاقتصادية أو التجارية أو المالية، أو بالسياحة، أو بحماية مواطنيهم". 

وأشار السفير أبي عاصي إلى أنه نظراً لمركزية شخص قداسة البابا، القائد الأعلى للكنيسة والحبر الأعظم الذي يملك كل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وتساعده الإدارة البابوية الرومانية وهي شبيهة بالحكومة، إلى جانب دائرة وزارة الخارجية، فإن السفراء يعملون في الواقع في إطار الديبلوماسية الثنائية". 

ولكن في الوقت عينه فإن "الكرسي الرسولي الذي يتمتع بمركز مهم على الساحة الدولية والذي يشكل التعبير القانوني لحكومة الكنيسة الكاثوليكية العالمية، يمكن أن يُعتبر كذلك إطاراً للعمل الديبلوماسي المتعدد الأطراف على المستويين الداخلي والدولي". 

هكذا أوضح السفير اللبناني الطابع الدولي للإدارة البابوية الرومانية "المؤلفة في أغلبيتها من مسؤولين يتمتعون بالمواطنية الفاتيكانية" ولكن "كل هؤلاء الأشخاص يأتون من بلدان مختلفة ويعينون في مراكز متنوعة ويجلبون معهم مسيرة شخصية، وإضاءات نظر وتجارب مختلفة على مساحة العالم". 

وذكّر أبي عاصي هنا بتعيين "رئيس مجمع هندي وآخر برازيلي ضمن الإدارة البابوية."

 بالإضافة، ينعكس "الطابع العالمي للكنيسة على مستوى مجمع الكرادلة" حيث أكثر من 190 كاردينالاً يضمون 100 كاردينال من أوروبا و30 من أميركا اللاتينية و20 من أميركا الشمالية و20 من آسيا و4 من أوقيانيا. 

وختم السفير اللبناني حول دور البعثات الدبلوماسية لدى الكرسي الرسولي قائلاً: "إنها مدعوة كذلك إلى متابعة حياة الكنيسة في كل مكوناتها، أي الكرسي الرسولي، والكنيسة العالمية، والكنيسة المحلية لكل سفير، والعلاقات التي تتمتع بها هذه الكنيسة ليس فقط مع الكرسي الرسولي في روما، ولكن أيضاً مع الحكومة المركزية حول القضايا المختلفة في البلاد."


وقد جاء حديث الدبلوماسي اللبناني في مداخلة له في الخامس عشر من مايو الجاري حول "دور التمثيل الدبلوماسي ووظائفه لدى الكرسي الرسولي" في إطار مادة بعنوان "الكنيسة الكاثوليكية والسياسة الدولية للكرسي الرسولي" ضمن دورة حول "السلك الدبلوماسي: السفارات البابوية والتمثيل الدبلوماسي لدى الكرسي الرسولي" جرت في جامعة غريغوريانا الحبرية في روما.

وقد توجهت هذه الدورة الدراسية إلى دبلوماسيين من العالم العربي لتعريفهم على الكنيسة الكاثوليكية بدعوة من مؤسسة "الغريغوريانا" والمعهد الدولي "جاك ماريتان". وترأس الجلسة الكاردينال جان-لويس توران.

وأوضح السفير أبي عاصي أن "الكرسي الرسولي لا ينفك يذكّر بطبيعة الكنيسة العميقة والحقيقية: فللكنيسة بنية تقوم على الأسرار المقدسة ، وليس بنية سياسية. فلنصغِ إلى كلمات البابا بندكتس السادس عشر المعبّرة بتاريخ 22 فبراير الفائت حين قال: "من المهم أن يتمكن الناس من فهم أن الكنيسة ليست كياناً فوق وطني أو سلكاً إدارياً أو سُلطوياً. كما أنها ليست وكالة إجتماعية ولو أنها تقوم بعمل إجتماعي يتجاوز إطار الوطن، بل هي كيان روحي. ليست الكنيسة بنية واسعة أو منظمة دولية. بل الكنيسة هي جسم المسيح وبالتالي حقيقة روحية"."

وأكمل موضحاً أن "إحدى أولى وظائف الممثلين الدبلوماسيين لدى الكرسي الرسولي هي وظيفة تمثيلية. فمجرّد تواجد البعثات الدبلوماسية لدى الكرسي الرسولي باعتباره كياناً قانونياً وروحياً وسلطة معنوية يعبّر عن رغبة الدول في إقامة علاقات ودّ واحترام وتعاون مع كرسي بطرس وتالياً مع الكنيسة".

"إن هذا التمثيل يفترض طبعاً مشاركة الدبلوماسيين في مختلف أوجه النشاطات العامة للكرسي الرسولي، ولاسيما في الإحتفالات والمناسبات المقدسة، سواء احتفل بها الحبر الأعظم شخصياً أو فوّض أحداً لتمثيله فيها، مع اتباع بروتوكول محدّد ونظام تشريفات وتصدّر وبروتوكول احتفالات واضحين، مع ما يفترض ذلك من ارتداء البذلة الرسمية وغالباً الأوسمة التي تفيد عن مدى رسمية المناسبة". وهذه الإحتفالات غالباً ما تُبَثّ إلى أقصى المعمور.

أضاف قائلاً: "وبالإضافة إلى المشاركة البروتوكولية البحتة وشرف الإشتراك في هذه المناسبات التاريخية في معظم الأحيان، قد يأمل البعض –وأنا أعتقد أن هذه الحال شائعة ولا شك- في أن يشارك السلك الدبلوماسي برمّته، وكلٌّ على طريقته، في الصلاة المشتركة التي تُرفَع في مقام الروحانية هذا الذي يمثله الكرسي الرسولي من أجل تعزيز السلام والعدالة والمحبة".

وأردف السفير اللبناني قائلاً: "لعلكم توافقونني الرأي بأن "التمثيل" يعني "أن نعكس صورة الدولة التي أوفدتنا" وأنه في الكرسي الرسولي أكثر من أي مكان آخر يتعيّن على الدبلوماسيين أن يتقيّدوا بقواعد سلوك صارمة سواء على صعيد السلوك في المجتمع أو في الحياة الخاصة تكسبهم الإحترام والثقة والتقدير كما هو واجب".

"إن إحدى أهم وظائف البعثات الدبلوماسية لدى الكرسي الرسولي هي في المقام الثاني وظيفة "الإطلاع". ولكن من نطلع؟ وكيف؟ وبأي هدف؟

وقد تطرّق السفير أبي عاصي بشكل خاص إلى مسألة إبرام الإتفاقات الأساسية مع الكرسي الرسولي. فلا يغيب عن بال أحد أنه مع انتشار الفاشية في إيطاليا والنازية في ألمانيا، اضطرّ الكرسي الرسولي إلى أن يخوض مفاوضات لتوقيع معاهدات حبرية، بحيث يحمي نفسه بـ "درع قانوني". غير أن ظروف إبرام هذه الإتفاقات لم تعد دائماً مأساوية إلى هذا الحد في أيامنا هذه.

وأوضح سعادته قائلاً: "إن الهدف من إبرام "إتفاق أساسي" أو "معاهدة حبرية" هو تنظيم الوضع القانوني للكنيسة الكاثوليكية ومؤسساتها، مع الحرص على حماية حريتها، وبخاصة في ما يتعلق بالشعائر وادارة الشؤون الرعوية وحق الإجتماع والتجمّع والتعبير والعمل الخيري والنشاط الإجتماعي والتعليم الديني…"

"إن هذه الإتفاقات الثنائية التي هي بمثاية إتفاقات يرعاها القانون الدولي وهي بالتالي ثابتة تضمن للمؤسسات الكنسية عنصراً مهماً من الأمان وعدد الإتفاقات النافذة حالياً يرقى إلى 160 إتفاقية، بحسب السفير أبي عاصي. (يتبع)