العذراء مريم والصلاة

العذراء مريم والصلاة

\"\"

 

أننا نعلم من الإنجيل المقدس بأن الخمر قد نفذ في العرس الذي حضره يسوع مع أمه وتلاميذه في قانا مدينة الجليل، فتأثرت مريم لما أستحوذ على العروسين من خزي أمام المدعوين، ولم يكن منها إلا أن عرضت حاجتهما على يسوع. واثقة كل الثقة بقوة أبنها .

مريم في نظر المسيح :

يعلم المسيح علم اليقين أن مريم أمه تعرف عنه انه هو الله المتجسد الذي يحس بأحاسيس الناس ويشاركهم وجدانهم ويتحنن عليهم ويعطيهم بسخاء سؤل قلوبهم .

أن الله قد أناط دائما منح نعمه بالصلاة، لذلك أمنا مريم العذراء تحرضنا على أن نستمدها منه كي يفيضها علينا.

إيمان مريم وعمق ثقتها في المسيح :

من هذا يظهر كم أنه مفيد أن نثق بالله وأن نسلم بين يديه كل مصالحنا، كل شيء هو يدعو للثقة: نجوم السماء وخيرات الأرض، فوائد الزمان ووعود الأبدية. ولكن من أتكل على زراع من لحم يشبه الاريقى النابتة في البادية، أرميا 17 :5ـ6 ، نصيبه يكون اليبس، أما الذي يضع ثقته في الله متخذا إياه مسندا له يشبه إحدى هذه النبتات الخصبة النامية على ساحل المياه، أرميا 17 : 8، أوراقها ستكون محمية من الريح المحرقة، وستحافظ على خضرتها ولن تكف على ألاثمار .

كل شىء يحملنا على الثقة بالله، صلاحه تعالى وقدرته ومواعيده وأمانته ومعرفته لاحتياجاتنا وضعفنا الشخصي، بالاختبار اليومي من عدم مقدرة البشر بل ومن خيانتهم.

عليك إذا بالثقة بالله فى جميع ضيقاتك مهما كان نوعها، أنك تشتكى من أن الله لا يمنحك عونه في وقت أحزانك: غير أنه عليك أن تعلم أن ثقتك أن تقودك إليه لتطلب منه هذا العون فيعطيك أياه حينئذ.

أنه يعرف بلا شك حالتك التعيسة التي توجد فيها، ولكن ينتظر أن ثقتك به، ينتظر أن تكلمه عن حالتك بثقة وتسليم، وحينئذ سيحول مائك إلى خمر، وأحزانك إلى فرح.

أنك تستسلم للقلق ولقلة الشجاعة كانه لايوجد اله فى إسرايئل 4مل 1 : 3 .

معجزة قانا تعلمنا أن نرفق صلاتنا بثقة كاملة فى السيد المسيح كما فعلت أمه القديسة مريم، لأن قلة الثقة هي  علامة إيمان ضعيف. وهذا هو السبب في بقاء عدد عظيم من صلواتنا بلا أستجابة .

ليس من الضرورى أن نتحين بعض الاوقات الملائمة لنقدم للرب ذبيحة شفاهنا. إن إلهنا مستعد لسماعنا بلا انقطاع، وهو يقول لنا: اطلبوا تجدوا، من يطلب يجد

صلوة قصيرة وبسيطة وقوية:

فكيف إذا لا تهتم على مثال مريم بطلب نعمه تعالى لنا وللقريب. نحن أبناء ذاك الإله الصالح الذي لا يريد أن يرد أحدا، وخدام ذاك الإله الغنى الذي في وسعه أن يشبع رغبات الجميع؟

يظهر من معجزة قانا أن صلاة مريم كانت قصيرة، الأمر الذي يدلنا على أن الرب، خلاف لما يفعله الناس، لا يفرض علينا صلاة مصطنعة. ولا يفرض علينا دقة أو فصاحة في تعاملنا معه.

أن الصلاة التي تروق في عيني الرب وتحمله على الاستجابة هي الصلاة المعمولة ببساطة، والتي تقتصر فيها على أن تطلب منه ما هو مطابق لمجده تعالى وضروري لخلاصنا، أو أقله وان لم يكن منافيا لهذين الأمرين، أن عواطف القلب تنال العطايا أكثر من تعابير الكتب .

إن بعض التنهدات الصادرة من قلب حنة أم صموئيل نالت لها ليس فقط الابن الذي طلبته بل أيضا ابنا نبيا حاكما لإسرائيل، وكانت تتكلم في قلبها، 1ملو 1 :13 .

إن يسوع يكلم أمه بطريقة يخال منه انه لا يريد أن يعطيها أي أمل بالاستجابة، ومع ذلك فهي لا تكف عن أن تثق به حتى تنال ما تريده. وهذا دليل على انه من النادر جدا أن نصلى بثقة ولا نستجاب. أن الإلحاح مكروه لدى البشر لأنه يتعبهم : أما أنت فلا تكل من الطلب إلى الرب، وهو ولا يكل من الاستجابة لك.

مهما كانت صلواتك حارة فقد يبدو لك أحيانا أن تسمع يسوع يقول لك ما قاله لامه : لم تأت بعد الساعة، يو2 : 4. ولكن إذا كان ثقتك راسخة فهذه الساعة ستدنو لا محالة.

لقد طلب القديس بولس من الرب أنقذه من تجربة معينة، مع ذلك فقد شعر دائما بها، وحيث انه كان يواصل صلواته هذه فقد شاء الرب يمنحه نعمة أخرى أهلته لجمع استحقاقات عظيمة له. فهل يمكن أن نقول بأنه لم يستجبه؟.

منذ سنين وأنت تطلب من الرب أن يخلصك من مرضك ولم يفعل، إلا أن الصبر الذي تتحمل به هذا المرض هو أيضا ثمرة لصلاتك، فقد استجابك إذا!

يحدث غالبا أن ما نطلبه من الله ظنا منا انه خير يضحى لنا شرا إذا أعطانا إياه. لذلك هو يرفض طلبنا هذا لأنه يحبنا، أو لأنه ينتظر الوقت المناسب.

علينا أن نعتبر نعم الخلاص والتقديس التي يخص بها الرب مختاريه أكثر من اختيارنا للنعم الزمنية التي يفيضها الرب على الجميع.

شفاعة العذراء في العرس :

عندما نرفع قلوبنا إلى الرب بشفاعة العذراء مريم قائلين: "بشفاعة والدة الإله القديسة مريم يارب انعم لنا بمغفرة خطايانا" وغيرها من توسلات الملائكة والقديسين إنما نتخيل أنفسنا أمام المسيح في موقفه من توسلات أمه في عرس قانا الجليل واستجابته لهذه الابتهالات في شفاعتها لأنه لمس حرارة صلاتها. ولهذا فلنتعلم أن نرفع قلوبنا معها متممين وصاياه وسالكين بكل دقة حسب تعاليمه، وأن نسمع "أمر" أمنا مريم الذي قالته لخدام العرس: "مهما قال لكم فافعلوه" دون خوف أو اعتراض بل في تسليم وطاعة حتى ننال خيره ومجده. ولنا الثقة بأن العذراء تتشفع لنا في كل حين أمامه قائلة "ليس لهم خمر" في الحزن وفي الفرح، في الحاجة وفي الضيقة، كأم حقيقية وشفيعة وكمثال للبشرية المخلصة والتي "تثق فتنال تؤمن فيكون لها"

وختاما نطلب شفاعتها لكي يظهر مجد ابنها أمام الجميع حتى ينالوا مغفرة خطاياهم فيمجدوا اسمه العظيم .

 

القمص جبرائيل الأحمر