الكنيسة الكاثوليكية تؤكد إيمانها و أقباط مصر وقعوا في فخ الإعلام

جاء بمقدمة مرسوم في "وسائل الإعلام الاجتماعية" بوثائق المجمع الفاتيكاني المسكوني الثاني الصادر عن الكنيسة الكاثوليكية 1962-1965 و الذي أوضح فيه المجمع أهمية دور الإعلام، "إن أمنا الكنيسة تعلم تمام العلم أن هذه الوسائل، إذا أحسنّا استخدامها أدت للجنس البشري خدمات جليلة. فهي تساهم بصورة فعّالة في الترفيه عن العقل وفي تثقيفه، كما تساعد على انتشار ملكوت الله وتدعيمه. إلا أن الكنيسة تعلم أيضاً أن في استطاعة الناس أن يستخدموا هذه الوسائل استخداماً مخالفاً لمقاصد الخالق، ويحولّوها إلى ما فيه هلاكهم" . وها نحن هذه الأيام نتلقى في كل وسائل الإعلام هجمات بسبب وثيقة تابعة لمجمع العقيدة والإيمان بالكنيسة الكاثوليكية. وتلك الهجمات كانت مسبقة بفضل وسائل الإعلام الغير نزيهة والتي أخذت من التنويه عن الوثيقة سلاحاً تشعل به الهواجس بين أبناء الكنائس الشرقية. وبسبب ضعف بعض الأشخاص القائمين بهذه الكنائس استجابوا لهذا الإعلام السلبي، فوقعوا في فخ الإعلام الهادم والذي تندّد به كل الكنائس، متجنبين استخدام العقل والمنطق في مواجهة أي خبر يذكر عن كنائسهم أو عقائدهم.

    فقد بدأ الإعلام في بث سموم الفرقة بين الكنيسة الكاثوليكية والكنائس الشرقية قبل صدور وثيقة خاصة بالكنيسة الكاثوليكية قبل صدورها بثلاث أيام تقريباً. تحمل الوثيقة عنوان " أجوبة على أسئلة تخص التعليم عن الكنيسة " وهي كما مبين بعنوانها عبارة عن أسئلة عن مفهوم الكنيسة في الكنيسة الكاثوليكية، صادرة عن مجمع العقيدة والإيمان والذي يرأسه الكاردينال وليم ليفادا.

    جاءت إجابة المجمع عن الأسئلة واضحة وصريحة ولا تمس أي كنيسة من قريب أو من بعيد بأي إهانة أو تجريح كما ذكر بوسائل الإعلام التي ترجمت الوثيقة بشكل يثير الكنائس الشرقية غير أبهة بمردود هذا على أبناء الكنائس جميعها. فجاءت ردود الأفعال من قبل بعض الكهنة بالكنيسة الأرثوذكسية وبعض المسئولين عن الكنيسة الإنجيلية غير محسوبة حيث وجهوا اتهامات عدة للبابا بندكتوس السادس عشر بابا الكنيسة الكاثوليكية، ووسموا تعليم الكنيسة بأنه هادم ويعود بنا إلى الوراء. و لكن للدارس للغة الانجليزية أو لأي لغة صدرت بها الوثيقة غير العربية سيعرف أن ما جاء بالوثيقة ليس فيه أي اهانة أو تكفير أو تجريح بكنيسة من الكنائس غير الكاثوليكية، و انه ليس بجديد حيث انه ذكر أكثر من مرة بالمجمع الفاتيكاني المسكوني الثاني – ولمن لا يعرف – وثائق المجمع الفاتيكاني المسكوني الثاني (1962-1965) هو المجمع المسكوني الحادي والعشرون، دعا إليه البابا يوحنا الثالث والعشرون. أصدر عدداً من الدساتير والمراسيم والقرارات والبيانات والتصريحات. وهو يكمل ما لم يستطع المجمع الفاتيكاني الأول أن ينجزه. وختمه البابا بولس السادس عام 1965 الذي استلم رئاسة الكنيسة بعد وفاة البابا الطوباوي يوحنا الثالث والعشرين.

    الجدير بالذكر أن وثائق المجمع ذكرت من قبل ما جاء يوم الثلاثاء 10 يوليو في الوثيقة، ولكن بسبب تحريف وسائل الإعلام لبعض الكلمات في ترجمتها، ولقلة دراية الكثيرين ممن لم يقرؤوا وثائق المجمع قبل هذا اليوم، فقد اتهمت الكنائس الشرقية الكنيسة الكاثوليكية بالحياد عن الحق وتهميش الآخر والرجوع إلى الوراء وما إلى ذلك من اتهامات باطلة نتيجة لأعلام نأسف أن غالبية من استخدموه كانوا مصريون، لا يدركون معنى اتهام الكنائس بعضها لبعض بهذا الشكل. ففي  عالمنا هذا أصبح كل شيء مباحا وشرعيا تحت نطاق من يستغلون تعبير"حرية التعبير والرأي" حتى وان جاءت مغالطة للحقيقة.

   

    ذكر بوثائق المجمع الصادرة من أكثر من أربعين عاما في وثيقة "قرار مجمعيّ في الحركة المسكونيّة" الفصل الأول (الحركة المسكونية والمبادئ الكاثوليكية) بند3 بعنوان العلاقات بين الإخوة المنفصلين والكنيسة الكاثوليكية: ظهرت منذ البداية بعض الانشقاقات في كنيسة الله الواحدة الوحيدة ندد بها الرسول بولس بشدة، وحدثت في خلال القرون التالية خلافات أخرى أشدّ خطراً، فانفصلت جماعات كبيرة عن الشركة الكاملة مع الكنيسة الكاثوليكية. وأحياناً كان يرجع السبب إلى أخطاء ارتكبها أشخاص من كلا الطرفين. أما من يولدون، اليوم، في هذه الجماعات ويعيشون في إيمانهم بالمسيح، فلا يمكن أن تنسب إليهم خطيئة الانفصال. والكنيسة الكاثوليكية تحيطهم باحترامها الأخوي ومحبتها. هذا لان المؤمنين بالمسيح الذين تعمدوا عماداً صحيحاً، يمكن وصفهم بأنهم في شركة ما مع الكنيسة الكاثوليكية وإن كانت هذه الشركة غير كاملة. ويقصد هنا بغير كاملة أي أنها لا تتبع نفس الكرسي الرسولي بروما.

هذا ما جاء عن علاقة الكنيسة الكاثوليكية مع الكنائس الشرقية الأرثوذكسية. أما ما جاء بوثائق المجمع يخص الكنائس البروتستانت (الإنجيلية)، فقد ذكر في نفس الوثيقة بالفصل الثالث وعنوانه (في الكنائس والجماعات الكنسية المنفصلة عن الكرسي الرسولي الروماني)، ثانياً الكنائس والجماعات الكنسية المنفصلة عن الكرسي الرسولي في الغرب، بند19 الوضع الخاص بهذه الجماعات: أن الكنائس والجماعات الكنسية التي انفصلت عن الكرسي الرسولي الروماني أيام الأزمة الكبرى التي نشأت في الغرب في أواخر القرون الوسطى أو في الأزمنة التالية، ترتبط بالكنيسة الكاثوليكية بقرابة وعلاقة خاصة نتجت عن المدة الطويلة التي عاشها الشعب المسيحي في الشركة الكنسيّة خلال القرون الغابرة. ونظراً لان هذه الكنائس والجماعات الكنسية تتميز بفوارق واضحة لا عن كنيستنا بحسب بل وفيما بينها أيضاً، وبسبب اختلاف نشأتها وعقيدتها وحياتها الروحية، فانه يصعب تعريفها تعريفاً واضحاً. ولكننا نأمل أن ينمو الوعي المسكوني وأن ينمو الاحترام المتبادل تدريجياً بين الجميع. وكلمة جماعات أطلقت بوثائق المجمع سابقاً لعدم ممارسة الأسرار المقدسة وعدم وجود الرئاسة البابوية لهذه الجماعات لكنها في الوقت ذاته تحتوي رسالة كنسية لمؤمنيها. ويتبين لنا أن ما جاء بالوثيقة الجديدة رداً على بعض الأسئلة يوم 10يوليو هو كلام ذكر من قبل وليس فيه أي جديد. وفي ترجمته الأصلية لا يجرح أي من الأرثوذكس أو البروتستانت ولكنه وضع خطاً تحت ما جاء بوثائق المجمع ويخص علاقته بهذه الكنائس في إطار مفهوم الكنيسة من الجهة الكاثوليكية. فالكنيسة الكاثوليكية دائما وأبدا تبدأ بالمبادرة المسكونية لوحدة الكنائس في كل العالم، وهي دائماً تعلن أنها مرتبطة بأولئك الذين اعتمدوا ويتحلون بالاسم المسيحي، ويقرون في كنائسهم بالفداء، ويجلّون الكتاب المقدس، ويؤمنون من كل قلبهم بالله الواحد القادر على كل شيء.

    لم تكن إجابات الأسئلة الخمس التي جاءت بالوثيقة المثار حولها الجدل جديدة، إنما هي جديدة لمن لا يعلم ما جاء بوثائق المجمع الفاتيكاني الثاني، وجديدة لمن يريد إثارة أمور يجعل منها سبب للفرقة بدل الاتحاد المدعوون إليه. فالأسئلة الخمسة وإجاباتهم هي من تعليم الكنيسة الكاثوليكية وتحوي كل الاحترام لكل مسيحي على الأرض وتسعى دائما للوحدة بين جميع الكنائس لا سيّما في الأمور الجوهرية الخاصة بالإيمان. وليس من دور الكنيسة أي كانت كاثوليكية أو غيرها تحديد من سيكون له الخلاص أو لا، لان الخلاص هبة من الله القادر أن يُعطيها في أي وقت لمن يريد، وهي ليست ملك لأحد. فكنيسة المسيح حاضرة وفاعلة في جميع الكنائس الغربية والشرقية وسائر الجماعات المؤمنة.

   

    القصد من الوثيقة الجديدة هو فقط الإجابة عن أسئلة جاءت بشكل صريح، فكان لابد ان تكون إجابتها بشكل صريح أيضاً.

والسؤال الذي أود أن اطرحه الآن: لماذا نقول أن الكنيسة الكاثوليكية لم تقصد التكفير أو التقليل من الكنائس الأخرى؟  والإجابة في النقاط التالية:

أولاً: منذ انفصال الكنيسة الشرقية عن الكنيسة الكاثوليكية الأم الجامعة ، هناك مبادرات مستمرة من طرف الكنيسة الكاثوليكية للوصول إلى تلاشي الاختلافات القائمة بين الكنيستين وخاصة المتعلقة بالعقيدة. وسبق أن كانت هناك مبادرة من البابا بولس السادس بالاجتماع مع البابا شنودة بروما 1973، وكانت المرة الأولى لزيارة بابا للكنيسة الشرقية الأرثوذكسية للكرسي البابوي. وفي هذه الزيارة تسلم قداسة البابا شنودة الثالث رفات القديس أثناسيوس الرسولي- البطريرك القبطي العشرين، بعد أن ظل في روما قرابة 16 قرنا. وفي ختام الزيارة صدر بيان مشترك خاصة بطبيعة المسيح اللاهوتية والإنسانية بعد عامان من النقاشات المستمرة من الطرفين استمرت المناقشات حول هذا الموضوع حتى اتفقت الكنيستين الكاثوليكية والقبطية الأرثوذكسية في 12 فبراير 1988م على صيغة مشتركة حول طبيعة المسيح.

 

ثانياً: انضمام الكنيسة الكاثوليكية لمجلس كنائس الشرق الوسط عام 1990م والذي تأسس في مايو عام 1974، بعد محاولات وعلاقات متعددة بدأت في نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، وكان يضم في عضويته الروم الأرثوذكس والأرثوذكسية الشرقية (الأقباط، السريان، الأرمن)، والكنيسة الإنجيلية. وبانضمام الكنيسة الكاثوليكية مثلت جميع كنائس الشرق الأوسط فيه. وهدف المجلس هو تعميق الشركة الروحية بين كنائس الشرق الأوسط وتوحيد كلمتها وجهودها إسهاماً في العمل من أجل وحدة الكنائس.

 

ثالثاً: بوثائق المجمع الفاتيكاني المسكوني الثاني كما ذكرنا كامل الاحترام لجميع الكنائس وسعي دائم من خلال وثائقه للتقرب منهم وزرع روح الوحدة بين الكنائس جميعاً.

 

رابعاً: سعي الكنيسة الكاثوليكية الدائم لتأكيد قيمة الإنسان والدفاع عن كرامته وحريته، وذلك من خلال وثائق المجمع الفاتيكاني المسكوني الأول والثاني. وهي من خلال الوثيقة الجديدة دافعت عن إيمانها وحقها أن تعلن للعالم أنها تملك الإيمان الحقيقي والخلاص. وهي بذلك لم تنكره من باقي الكنائس أو الجماعات الكنسية.

 

خامساً: أخيراً وليس آخراً أن الكنيسة الكاثوليكية هي كنيسة قائمة بذاتها لا تسعى لخطف أبناء الكنائس الأخرى اعترافا منها أن روح الله تحل بكل مكان يذكر فيه اسمه القدوس، وأيضاً لأنها تؤمن بقيمة الآخر ودوره في الحياة، فلا تسعى لمثل هذه الأساليب سواء بالتجريح أو خطف الأبناء كما ذكر.

 

   بالنهاية أود أن أقول، أن الوثيقة تؤكد وتوضح تعليم الكنيسة الكاثوليكية الثابت، ولا تأتى بجديد ، وإنما تعلن إيمانها بأن الكنيسة الكاثوليكية تتضمن العناصر الكاملة التي أرادها المسيح لكنيسته، وليس هناك أي شيء في أن تعلن انّ أي طائفة أو دين انه يحتوي كل العناصر الكاملة للإيمان والحقيقية. فالكنيسة الكاثوليكية لا تكفر أحدا ولا تقلل من شأن أي إيمان أو كنيسة بل تسعى دائماً لنشر المحبة والسلام بين كل البشر وخاصة داخل الكنيسة الواحدة المقدسة.

    كلمة أخيرة أود أن أضيفها لكل من يمسك بالقلم، ويتخذ من الكتابة نهجاً أو عملاً في حياته، لا بد أن تراعوا بضمائركم ما يقف جانب الحق والحقيقة ويناهض الباطل والظلم. فرسالة الإعلام هي التنوير والتثقيف والتعبير عن الآخر، لا الهدم وإشعال الخلافات بين البشر بعضهم بعض.

    نصلي إلى الله الواحد الوحيد القادر على أن يوحد كنيسته المقدسة في العالم اجمع، ويعطي جميع رؤساء الكنائس بالغرب والشرق الحكمة والفطنة حتى لا يكونوا بمهب الريح وعرضة للسقوط بفخ النزاعات السطحية والتي لا تحمل سوى الفراغ الروحي لأبناء الكنيسة وتزيد من الخلافات بين الكنائس. وعلى كل إنسان أن يصغي للروح القدس المنير في داخله حتى يتجنب السقوط في مثل هذه الأخطاء. نصلي لرب المجد وملك الكنيسة الواحدة أن يمنح لنا السلام القادر على تغيير النفوس والمحبة الفعالة بالعمل لا بالكلام.

 

*الوثيقة بلغتها الأصلية على موقع الفاتيكان الرسمي

http://www.vatican.va/roman_curia/congregations/cfaith/documents/rc

_con_cfaith_doc_20070629_responsa-quaestiones_en.html