التساؤلات والبراهين عن التعاليم الكنسية عن القديسة مريم العذراء

 

 

تــقــديــــم

 

لقد سبق وأن أصدرت من خلال كنيسة السيدة العذراء للأقباط الكاثوليك بلوس انجلوس، سلسلة من الكتيبات لشرح القضايا التالية:(1) التعليم القائل بعصمة مريم العذراء من دنس الخطيئة الأصليـة، (2) قضيـة بتوليـة مريـم الدائـمة، (3)معنى لقب مريم أم الله "ثيؤتوكوس"، (4) معنى إنتقال مريم العذراء بالنفس والجسد الى السماء، و "القديسة مريم أم يسوع وسر تكريمها".ويسرني أن أقدم هذا الكتيب الجديد عن"تعاليم الكنيسة الكاثوليكية عن القديسة مريم أم يسوع – تساؤلات وبراهين"،والذى هو تجميع لبعض الأسئلة و الإعتراضات التى يدفعها البعض ممن لم يعرف من هى أم يسوع والرد عليها بصورة مبسطة بما تعلّمه الكنيسة منذ نشأتها عن القديسة مريم العذراء تلك التى حيّاها ملاك الرب قائلاً:" يا ممتلئة نعمة الربّ معكِ مُباركة أنتِ فى النساء" (لوقا28:1). يمكن لـمن يريد الشرح الكامل لتلك القضايا الرجوع لتلك الكتيبات الـمنشورة سابقاً أو الـمراجع التى حوتها.

أطلب من الرب أن يساعد هذا الكتيب أبناء الكنيسة الكاثوليكيـة على تفهم معتقدات وتعاليـم كنيستهم لينموا فى الإيـمان ببركة الرب وشفاعة أمنا مريم العذراء.

 

              نبيل حليم يعقوب  

 

 

1. "الأسانيد الكتابية للتعاليم الكنسية عن القديسة مريم أم يسوع  الجزء الأول-عصمة مريم العذراء من دنس الخطيئة الأصلية" – (8 ديسمبر2004)

  2. الأسانيد الكتابية للتعاليم الكنسية عن القديسة مريم أم يسوع-الجزء الثانى –قضية بتولية مريم الدائمـة ( اغسطس 2005) 

3. الأسانيد الكتابية للتعاليم الكنسية عن القديسة مريم أم يسوع" – الجزء الثالث –قضية والدة الله (مارس 2006)

4. الأسانيد الكتابية للتعاليم الكنسية عن القديسة مريم أم يسوع" – الجزء الرابع  –إنتقال مريم العذراء الى السماء بالنفس والجسد (أغسطس 2006)

5.  "القديسة مريم أم يسوع وسر تكريمها" (25 ديسمبر 2006)

   

لوس أنجلوس فى 15 أغسطس  2007

العيد الخامس عشر لتدشين الكنيسة بلوس أنجلوس

 

الفهرس

1. تساؤلات بخصوص تقديم الإكرام للقديسة مريم أم يسوع

2. تساؤلات بخصوص التعليم القائل بعصـمة مــريــم العذراء من دنـــس الخطيئة الأصلية

3. تساؤلات بخصوص شفاعة مريم العذراء وشفاعة القديسين

4. تساؤلات بخصوص بتولية مريم العذراء الدائـمة

5. تساؤلات بخصوص لقب "والدة الإلـه"

6. تساؤلات بخصوص إنتقال مريم العذراء للسماء بالنفس والجسد

 

تساؤلات بخصوص تقديـم الإكرام للقديسة مريم أم يسوع

 

سؤال: يلزم لأي تعليم او طقس أو أي ممارسات من أن تكون لهـا أصول انجيليـة، ونرفض  تماماً أي مصادر أخرى كالتقليد أو غيرهـا لأن أي تعليم يجب أن يكون مصدره من الكتاب الـمقدس وحده وليس أي مرجع آخر Sola Scripture

 

الرد:

1. موقف غريب ممن يرفضون التقليد الكنسي ولكنهم يعملون بالكثير منه عملاً كمثل تخصيص يوم الأحد للرب بدل السبت، عماد الأطفال أو الكبار عند الإنضمام للكنيسة، أو عقد أكاليل الزواج ولم يأت أي ذكر من تلك الممارسات بصورة قاطعة فى الكتاب المقدس.

ومن العجيب ان إجراءات وطقوس عبادتهم هى تقليد متوارث بينهم منذ 300 عام فقط وليس من أيام الرسل والآباء.

2. الكثيـر ممـا يؤمنون بـه كقانون الإيـمان أو الثالوث الأقدس أو قانون الكتاب الـمقدس لا يمكن أن نجده مكتوبـاً حرفيـاً فى العهد القديم أو العهد الجديد.

3. أن مفهوم كنيسة السيد الـمسيح حسب ما جاء فى قانون الإيـمان والذى يؤمنون به ويرددونـه والذى جاء فيـه " نؤمن بكنيسة واحدة جامعـة مقدسة رسوليـة" لا ينطبق على طوائفهـم والتى تعددت إلى أكثـر من 2000 طائفة ومِلـة.

4. أيـن يـمكننا أن نجد أن يسوع قد أعطى رسله أو تلاميذه أن يكتبوا أقوالـه وتعاليـمه؟

5. أين يـمكننا أن نجد فى الكتاب الـمقدس أن الإيـمان الـمسيحي يجب أن يُبنـى فقط على ما هو مكتوب؟

6. كيف عرفنـا من كَتب الأناجيل والرسائل التى نؤمن بهـا جميعا؟

7. أيـن يمكن أن نجد فى العهد الجديد قائـمة بالكتب التى يجب أن تكون ضمن كتب الكتاب الـمقدس؟ أليس ذلك جاء بـما أورده أبـاء الكنيسة الأول؟. لقد مضى أكثـر من 380 عامـا بعد قيامـة السيد الـمسيح حتى تم الإعتراف بقانونيـة كتب العهد القديم والجديد فى الكنيسة جمعاء.

8. عن القول بأن السيد الـمسيح قد أدان سُنـّة الشيوخ عندما قال:"لأنكم تركتم وصايا الله وتـمسكتم بسُنـّة الناس من غسل جِرار وكؤوس وأشياء أخرى كثيرة أمثال هذه تفعلونهـا"(مرقس8:7و13)، فكيف طلب يسوع من سامعيـه قائلاً:"إن الكتبـة والفريّسيين جالسون على كرسي موسى فـمهما قالوا لكم فإحفظوه واعـملوا بـه وأمـا مثل أعـمالهم فلا تعملوا لأنهم يقولون ولا يفعلون"(متى2:23-3)؟

9. عن القول بأن بولس الرسول قد أدان التقليد الشفوي مستندين الى قولـه:"إحذروا أن يسلبكم أحد بالفلسفة والغرور الباطل حسب سُنـّة الناس على مقتضى أركان العالـم لا على مقتضى الـمسيح"(كولوسي8:2) فلـماذا قال نفس الرسول لأهل تسالونيكي:"أما تذكرون أنـّي لـما كنتُ عندكم قلت لكم ذلك"(2تس5:2)، ومدح أهل كورنثوس قائلاً:"وإنـي أمدحكم أيها الإخوة لأنكم تذكروني فى كل شيئ وتحافظون على التقاليد كما سلّـمتها لكم"(1كورنثوس2:11)؟، ولـماذا قال بطرس الرسول عن رسائل القديس بولس أنهـا"على حسب الحكمة التى أُتيهـا كما أن رسائله كلها أيضاً يُتكلم فيها عن هذه الأمور إلاّ أن فيها أشياء صعبـة الفهم يُحرفهـا الذين لا عِلم عندهم ولا رسوخ كما يفعلون فى سائر الكتابات لهلاك نفوسهم" (2بطرس 16:3).

لقد اعلن المجمع الفاتيكاني الثاني فى دستور الوحي الإلهي رقم 9:" إن التقليد والكتاب المقدس يرتبطان ويتصلان فيما بينهما بشكل وثيق فكلاهما ينبعان من مصدر إلهي واحد، ويؤلفان بصورة ما وحدة لا تتجزأ ويهدفان الى غاية واحدة. فالكتاب المقدس هو حقا كلمة الله، من حيث انه مكتوب بوحي من الروح القدس وأما التقليد المقدس فينقل كلمة الله التى عهد بها السيد المسيح والروح القدس الى الرسل. وهو يبلغها كاملة الى خلفائهم لكى يحفظوها ويعلموا بها وينشروها بكل امانة بواسطة تبشيرهم، ينيرهم روح الحق. ولذلك يتضح ان الكنيسة لا تستقي يقينها بشأن كل حقائق الوحى من الكتاب المقدس وحده. ومن ثم يجب قبول كل من الكتاب المقدس والتقليد ويجب تكريمهما بقدر متساو من التقوى  والإجلال"

سؤال: لابد من تفسيـر دقيق وحرفـي لآيات الكتاب الـمقدس.  آيات صريحة تقول ان مريم قد أنجبت بعد يسوع كما جاء فى الإنجيل بحسب متى عن يوسف الذى "أخذ إمرأتـه ولم يعرفهـا حتى ولدت إبنهـا البِكر وسمّاه يسوع"(متى25:1)، وما ذُكر عن أخوة ليسوع

(متى54:13-55).

الرد: تلك النقاط سيأتـى الرد عليها فى الجزء الخاص عن "بتوليـة مريـم الدائـمة"ولكن لابد من توضيح نقطـة هامـة وهـى أن الكتاب الـمقدس ليس هو مجرد آيـة أو آيات، وإنـما هو روح معينـة تتمشى فى الكتاب كله والشخص الذى يضع أمـامـه آيـة واحدة أو أجزاء من آيـة فاصلاً إياهـا عن ظروفهـا وملابساتها وعن الـمعنى العام كله فهو يُخطئ فى تفسيره وعليـه أن يجمع كل النصوص التى تتعلق بنقطة البحث ويرى على أي شيئ تدل. ذلك التطبيق الحرفـي والذى هاجم  السيد الـمسيح الفريسيون عندما قال: "لقد ضلّلتم لأنكم لم تعرفوا الكتب ولا قوّة الله"(متى 29:22)، ولذلك ففى تعرفنـا على الإيمان السليم علينا أن نتذكر قول الرسول بولس: "لا الحرف بل الروح. لأن الحرف يقتل، ولكن الروح يحيي"(2كورنثوس6:3)، ولنبحث ونفتش الكتب"وبكل ما نطقت بـه الأنبيـاء" حتى يمكن أن نرى هل جاء أي شيئ يختص بأم الـمسيّا كما جاء عن يسوع والذى قام هو بنفسه أولاً بالتفسير لتلميذي عمواس"من موسى ومن جميع الأنبيـاء ما يختص بـه فى الأسفار كلها"(لوقا25:24-26).

والآن فلنبحث عن مريم العذراء فى الكتاب الـمقدس ونجمع ما جاء عنهـا  نتأمل فيـه ولا نتخذ آية واحدة لكي تدعم عقيدة أو تعليم كنسي مـا.

سؤال: على الرغم من الإهتمام الكبير بمريم فى الكنيسة الكاثوليكية إلاّ انه لم يذكر الكتاب المقدس إلاّ القليل عنها. ان هذه الملاحظة مهمة امام علم اللاهوت المريمي كما اخترعته الكنيسة الكاثوليكية وهذا الكمّ الهائل من الإكرامات والعبادات المقدمة لها. ومن العجيب ايضاً ان جميع هذه التعاليم والتى تخص مريم هى بالفعل تعاليم حديثة (الحبل بلا دنس 1854 وانتقالها للسماء عام 1950)؟

الرد: لقد جاء فى انجيل يوحنا عن القديسة مريم فى عدة مواضع وخاصة عند الصليب (يوحنا25:19-27) عندما كان يسوع تحت الآلام وهو معلق على خشبة العار حاملاً خطايا البشر ووسط كل ذلك فكّر فى امه وبمن يعتنى بها من بعده. ان يسوع والذى احب مريم بهذا  المقدار فهل نحبها نحن اقل؟. لم تخترع الكنيسة الكاثوليكية تعليما جديدا بل جاءت الإعلانات فى عصرنا الحديث تتويجا لما تناقلته الأجيال عبرعصور الكنيسة من تقديم الإكرام والمدائح والإماتات الروحية لمريم ام يسوع وذلك لإيمانها بمكانة مريم فى الكنيسة وفى خطة الله الخلاصية للبشر منذ ان سلّمت نفسها كاملة لله. 

سؤال: لقد كرّم الملاك مريم كأم ليسوع ودعاها "مباركة بين النساء" وليس فوق النساء (لوقا28:1) وهذا لا يعنى انه يدعونا ان نؤلها او نعبدها او نصلي لها. لقد وصف الكتاب المقدس مريم كإمرأة مطيعة وفاضلة ومُحبة ولكن لم يفرض علينا عبادتها لأن مثل هذا التعليم هو شرك بالله؟

الرد: ان الترجمة السليمة لتحية الملاك لمريم:"السلام لكِ يا ممتلئة نِعمة مباركة انت فى النساء" وهذا لا يعنى مطلقا انها مؤلهة ولم تعّلم الكنيسة مطلقاً ان نعبد مريم ولا يوجد تعليم او دستور او قانون كنسي يفرض على المؤمنين تقديم العبادة لمريم ام يسوع.

 

سؤال: قال الله انه "لا يُعطى مجده لآخر"(اشعيا8:42) فلماذا يُعطى المجد لمريم؟

الرد: ان هذه الآية بكاملها كما جاءت:"انا الرب وهذا اسمي ولا اعطى لآخر مجدي ولا للمنحوتات حمدي"، انما تشير الى المنحوتات والتماثيل  فالله لا يريدنا ان نقدّم أي مجد او عبادة الى أي آلهة كاذبة. ان الكنيسة الكاثوليكية فى تعاليمها لا تقدم العبادة لمريم بل تكريم فائق لمكانتها الفائقة فوق الملائكة والقديسين والأبرار. ان الله الخالق لا يعطى المجد الذى له وحده لأي مخلوق آخر سواه حتى الى مريم ولكنه يمنح النعمة والمجد للأبرار كما جاء "يؤتي النعمة والمجد"(مزمور11:83)،وكون مريم "الممتلئة نِعمة" فهى قد تمجدت من قِبل الرب  عندما اختارها لتكون أماً لله الكلمة ولهذا استحقت التكريم وليس العبادة.  

سؤال: كيف يمكن الإدعاء بأن الكنيسة الكاثوليكية لا تعبد مريم بينما اهم الصلوات الكاثوليكية هى المسبحة الوردية هى صلاة الى مريم؟

الرد:ان الذبيحة الإلهية للقداس هى اهم صلاة كاثوليكية وليست المسبحة الوردية والقداس هو ذبيحة مقدمة لله تعالى. فهل تقدم الكنيسة الكاثوليكية الذبائح الى مريم؟ بالطبع لا وعلى هذا فلا يمكن اتهام الكنيسة الكاثوليكية بعبادة مريم.

سؤال: حيث ان هناك ملايين من المسيحيين الصالحين لا يقدموا الإكرام لمريم فهل هذا يعني فى الحقيقة ان هناك أي ضرورة لتقديم مثل هذا الإكرام؟

الرد: هذا السؤال يشابه القول بأن سر التناول المقدس ليس هو الطريق الوحيد للحصول على الخلاص فهل هذا يعنى عدم ممارسته؟ وعليه فيمكن طرح السؤال بطريقة اخرى: هل من الضروري إدخال مثل هذا الإكرام؟ وتكون الإجابة – غير ضروري. ولكن يتبع ذلك سؤال آخر هل مثل ذلك الإكرام مطابق لمشيئة الله وخطته الخلاصية هنا تكون الإجابة بنعم. فعندما لا يُقدم الإكرام لمريم فهذا يعنى انها مثل أي مسيحي عادي لا يستحق أي تكريم أكثر من أي عضو آخر و انه من غير الضروري ان تُذكر او أن نتشبه بها، واذا كان هذا صحيحاً فكيف وصفها الكتاب المقدس "المباركة" (لوقا 28:1)؟، وكيف نطق الروح القدس على لسان القديسة اليصابات:"مباركة أنتِ فى النساء"(لوقا42:1)، وما نطقت به مريم نفسها وهى ممتلئة من الروح القدس "فها منذ الآن تُطوبني جميع الأجيال"(لوقا48:1)، وكيف يطلق عليها كل مكرموها لقب "القديسة مريم العذراء"؟

سؤال: هل يمكن ان يكون مثل هذا الإكرام عبارة عن تعصب وهلوسة مريمية قد يؤدى الى أخطاء  لاهوتية حقيقية؟

الرد: هذا ممكن. لكن إذا لم يصبح الإكرام فى حدود التعاليم الكنسية كما حددها المجمع الفاتيكاني الثاني والتى حذّرت من الإفراط فى هذا التكريم أو إهمال ان مريم لم تكن فى حاجة للخلاص، أو بإعطاء مريم مكانة خاصة وإعتبارها انها أرحم من يسوع مثلا او بإعتبارها شخصية كتابية كالشخصيات الأخرى ومن انها ليست إلاّ اماً ليسوع وانتهى بهذا دورها والى غير ذلك من التعاليم التى  تقلل او ترفع ممارسيات المؤمنين التقوية الى درجة الإنكار أو العبادة.  

سؤال: منطق التفكيـر بـ "إمـا أن تُحب الله أو تحب مريم"،قإما أن تحب يسوع أو مريم، أو إمـا أن تطيع يسوع أو تطيع بابا الكنيسة الكاثوليكية، فلا يمكن أن تحب أو تطيع الإثنيـن معاً!!

الرد: لـم يضع أبداً الكتاب الـمقدس مريم العذراء فى مكانـة للـمنافسة مع يسوع، وأيضاً لـم تفعل الكنيسة الكاثوليكية هذا ولـم تُعلّم بـه، بل وضعت يسوع ومريـم كفريق واحد ينفذا مشيئة إلهيـة واحدة هى تـمجيد الله. ان يسوع فى صلاتـه الأخيرة قبل أن يُصلب ويـموت ويقوم من بين الأموات قال:" أنـا قد مجدّتك على الأرض وأتممتُ العـمل الذى أعطيتني لأعمله"(يوحنا4:17)،ومريم العذراء أم يسوع هتفت عندمـا حيّتهـا وكرّمتهـا اليصابات وهى ممتلئة بالروح القدس قائلـة:"تعظم نفسي الرب"(لوقا 46:1). ففى كل مرّة يُقدم الإكرام للعذراء مريـم ترفعـه هـى للـه تعالـى (لوقا46:1-55)، فلا مـجال لذلك الـمنطق العجيب من أنـه لا يُـمكن تقديـم الـتمجيد للـه إذا مـا أطعنـا تعاليـم الكنيسة.

سؤال: ما هذا الكم الهائل من التعاليم الكنسية والتى هى من صنع البشر؟

الرد: الذين يهاجمون الكنيسة لا يفهمون جيداً الفرق بين كيفيـة تطور و نشر أي تعليم أو عقيدة فـما هو إلا عبارة عن إعادة إكتشاف لهـا ومن ثَم إعلان صحتهـا، وبين أي تغييـر فى هذا التعليم أو العقيدة والـمسلّم لنـا من الرسل والذى إذا حدث دون سند من الوحي الإلهي أو التقليد الكنسي يُعتبـر حينئذاك باطل أو غير صحيح.

مـا من أحد يُنكـر أن حياة الإنسان لا تسير على وتيرة واحدة، فهى دائما فى حالة نـمو وتجديد مستمر فينمو فى حياتـه الروحيـة ويزداد فهـمه للأشياء كلـما تعمق فى دراستهـا أو إختبارهـا. فإذا طبقنا ذلك على الإيمان والذى يقوم على بشارة السيد الـمسيح والرسل والكنيسة، ولقد تبلور هذا الإيـمان فى الأجيال الأولى للـمسيحية فى صيغ عقائديـة وألفاظ لاهوتيـة، وأنظـمة تقويـة تعبر عنـه وتحتفل بـه وتنقله للأجيال، وكان على الكنيسة أن تساعد أبنائهـا على النمو فى التعمق فى الإيمان ومعايشته بطريقة صحيحة تبنى حياتهم الروحية وعلاقتهم بالله والقريب والـمجتمع.  

ان الكنيسة وهى جسد السيد الـمسيح الحي (كولوسي24:1)، وهى الكرمة بأغصانهـا وفروعهـا (يوحنا5:15)، التى تنمو وتزدهر أغصانها"حتى أن طيور السماء تأتي وتستظل فى أغصانها"(متى31:13-32)، وهى تتعلـم من خبراتهـا وتسترشد بالروح القدس الذى قال عنـه السيد الـمسيح "فهو يرشدكم إلى جميع الحق"(يوحنا13:16)، وتستخدم سلطانهـا التعليـمي الـُمعطى والـمأخوذ مباشرة من السيد الـمسيح:"كل ما ربطتموه على الأرض يكون مربوطاً فى السماء وكل ما حللتموه على الأرض يكون محلولاً فى السماء"(متى18:18)، وكما قال :"من سمع إليكم سمع لي"(لوقا16:10).

فلم تخترع الكنيسة الكاثوليكية أبداً او تستحدث عقيدة جديدة تخالف الحقائق الإيمانية كما تسلمتهـا من السيد والـمعلّم ومن الرسل وخلفائهم من بعدهم.  وعليـه فلا يـمكن إستحداث أي عقيدة جديدة لم يأتِ بهـا الكتاب الـمقدس أو التقليد الكنسي الـمقدس. ولقد أعلن أعلن الـمجمع الفاتيكاني الثاني (فى دستور الوحي الإلهـي رقم 9):"التقليد والكتاب المقدس يرتبطان ويتصلان معاً فكلاهما ينبعان من مصدر إلهي واحد وهما وحدة واحدة لا تتجزأ يهدفان الى غاية واحدة..ومن ثـم يجب قبول كل من الكتاب الـمقدس والتقليد ويجب تكريمهما بقدر متساو".

 

تساؤلات بخصوص التعليم القائل بعصـمة مــريــم العذراء من دنـــس الخطيئة الأصليـة

 

سؤال: كيف يمكن القول أن مريم العذراء قد عُصمت من اللحظة الأولـى للحبل بها من الخطيئة الأصليـة، وبالتالـى وُلدت بدونهـا، بينما جاء فى رسالة القديس بولس:"إذ الجميع قد خطئوا فيعوزهم مجد الله"(رومية23:3)، وايضاً جاء على لسانهـا:"وتبتهج روحي بالله مخلصّي"(لوقا47:1) وهذا يعني أن الخطأة فقط هم الذين يحتاجون إلـى مخلّص؟

وأيضاً جاء فى العهد القديم العديد من الآيات التى تؤكد انـه ليس هناك إنسان بلا خطيئة إلاّ يسوع الـمسيح"الذى ظهر ليرفع خطايانا ولا خطيئة فيـه"(1يوحنا5:3)، وها هو أيوب يُعلن:"ما الإنسان حتى يزكو أو مولود الـمرأة حتى يبِرّ"(ايوب14:15)، ويقول الـمرّنم:"إني فى الإثم وُلدت وفى الخطيئة ولدتنـي أمي"(مزمور5:50)، وسليمان الحكيم يقول:"ليس من صدّيق على الأرض يصنع الخير بغير أن يخطأ"(جامعـة20:7)، و "لأنـه ليس إنسان لا يخطأ"(3ملوك46:8)، وعليـه فلا يمكن قبول أن مريم قد عُصمت من الخطيئة. وأيضاً

يقول الكتاب الـمقدس أن خطايا الأباء يحملها الأبناء وحتى الجيل الرابع، فكيف يمكن تفسير ذلك التعليم القائل بأن مريم قد عُصمت من خطيئة الأبـاء؟

ان الكنيسة الكاثوليكية قد إستحدثت وحدها هذه العقيدة التى لـم يكن لها وجود من

قبل، فمتى تم إعلان هذه العقيدة؟

الرد:

فى يوم 8 ديسمبر من عام 1854 أعلن البابا بيوس التاسع هذا الإعلان فى الدستور العقائدي Ineffabilis Deus

" إكرامـاً للثالوث القدوس وإحتراما وتـزيـيـناً  للعذراء, إرتفاعاً للإيمان الكاثوليكي وتنميـة وإزدهار للديانة المسيحيـة نعلن ونحدد أن التعليم القائل بأن الطوباية مريم العذراء قد عـُصـمـت منذ اللحظة الأولى للحبل بها من كل دنس الخطيئة الأصلية وذلك بنعمة وإنعـام فريدين من الله القديرونظراً لإستحقاقات يسوع المسيح مخلص الجنس البشري, هو تعليم موحي به من اللـه وواجب من ثم على جميع المؤمنين الإيمان بـه إيماناً ثابتاً وعلى الدوام".

1.   لن نـجد فى الكتاب المقدس نـصـاً يعلن صراحة عن هذا التعبير

"الخطيئة الأصلية" ولكن توجد إشارات تومئ الى ذلك المعنى.

2.   نبؤة المخلص الآتـي والعداوة ما بين المرأة وابليس(تكوين 15:3) والتى تظهر عداوة متأصلة،راسخة،ومستديمة‎،فلا يمكن ان تكون قد وُجدت تلك المرأة فى لحظة من الزمن تحت قبضة ابليس.والقول بأن العذراء لم يُحبل بها بلا دنس الخطيئة الأصلية يجعلها فى هذه اللحظة أسيرة ابليس وحليفته ومن ثم لا تنال رضى الله ولا تستحق النعمة.  فإما نبطل قول الله الذى أعلن بوجود العداوة وإستمرارها بين المرأة والحية القديمة وإما بأن نقر ان العذراء الـمعلن عنها صراحة قد وقعت تحت قبضة ابليس. تلك النبؤة، تنبيء ايضا عن قرار الله بإرسال ابنه ليخلص العالم وهذا القرار أو النبؤة يقضي بان الـمخلص يأخذ جسدا من إمرأة وان هذه المرأة تكون عذراء. وقد إمتلأ الكتاب المقدس بالعديد من الرموز والشخصيات عن تلك الأم وابنها وتفاصيل المجيئ وايضا تفاصيل عن حياة ذلك الـمخلّص " ها ان العذراء تحبل وتلد إبنا ويدعى اسمه عمانوئيل" (أش 14:7و 5:35-10). فهل يصح ان تلك الأم التى اختارها الله منذ البدء لتكون أمـاُ لإبنه الفادي قد تركها لحظة من الزمن تحت قبضة ابليس؟

3.   عندما اُرسل الـملاك جبرائيل الى مريم حياها تحية عجيبة "السلام عليك يا ممتلئة نعمة" (لو28:1). وهي كانت المرة الوحيدة التي جاء ذكر هذا التعبير فى الكتاب المقدس –الـمِلء حتى الفيض-،وترجمات الكتاب التى جاءت فيها هذه العبارة " أيتها المنعم عليها" ليست تحمل المعنى الحقيقي للكلمة اليونانية الاصلية (خاريتوميني) = الملء حتى الفيض. فتعبير "الممتلئة نعمة" يدل على شيء قد حدث فعلا .. ممتلئة الآن قبل حلول الروح القدس وتجسد الإبن فى أحشائها. وكان سلام الملاك وهو يلقبها بأنها "ممتلئة نعمة" كان قبل أن يحل  عليها الروح القدس وقبل أن تظللها قوة العلي، أي انها كانت ممتلئة نعمة قبل بشارة الملاك وليس بعد أن قبلت أن تكون "آمـة للرب". وكلمة "ممتلئة نعمة" كما جاءت فى اللغة اليونانيـة، قد استخدمت مرتان فقط فى العهد الجديد فى انجيل لوقا28:1 فلقد قيلت لـمريم قبل الفداء،وفى رسالة القديس بولس لأهل افسس عن نعمة المسيح بعد الخلاص "الذى لنا فيه الفداء بدمـه مغفرة الزلاّت على حسب غِنى نعـمته"(افسس6:1).

4.   إيـماءات كتاب نشيد الأناشيد: "كالسوسنّة بين الشوك كذلك خليلتي بين البنات(2:2)، "كلّك جميلة يا خليلتي ولا عيب فيكِ"(7:4)، "أختي العروس جنّة مقفلـة ينبوع مُقفل وعين مختومـة"(12:4)، "من هذه الـمشرقة كالصبح الجميلة كالقمـر الـمختارة كالشمس الـمرهوبـة كصفوف تحت الرايات"(9:6).

5.   تعترف معظم الطوائف المسيحية ان مريم كانت بتولا قبل ولادة المسيح وأثناء ولادة المسيح وبعد ولادة المسيح ويلقبونها بالعذراء كل حين او الدائمة البتولية فإن كان الله بأعجوبة باهرة قد حافظ على بتوليتها دون مساس ليحافظ على كرامته ومهابته تمهيدا لتجسد ابنه الحبييب هل كان يصعب عليه تعالى ان يصون نفس امه ويعصمها من التلوث بالخطيئة الأصلية؟

6.   الكتب الطقسية وأقوال الآباء منذ بدء الكنيسة مملؤة تعبيرات وشهادات عن برارة وقداسة مريم. فنجد نصوص تعظم العذراء بوجه عام وهى موجودة فى معظم الكتب الطقسية، ونصوص ترفع العذراء الى مرتبة أعلى من السموات والسارافيم والشاروبيم، ونصوص تُعظم العذراء بصفتها أم المسيح ولأنها ولدت لنا المسيح المخلص، ونصوص تشير فعلا الى فحوى العقيدة حيث تمدح ميلاد مريم العجيب ، والترانيم الطقسية التى تُشير بصورة فعالة الى عقيدة الحبل بلا دنس . أما الألقاب التى نُعتت بها العذراء فهى عديدة وكلها تنبئ عن مدى إيمان الأباء بنقاء وطهارة مريم العذراء.

7.   حواء الثانيـة  كما  شُبهت من العديد من أبـاء الكنيسة وعلماؤهـا، فكما أن الـمسيح هو آدم الثانـي:"فكما فى آدم يموت الجميع كذلك فى الـمسيح سيحيا الجميع" (1كورنثوس22:15). ولقد تم عمل مقارنـة ما بين حواء العهد القديم وحواء العهد الجديد.

8.   أن عقيدة قداسة مريم العذراء كانت من احدى ما يشغل الكنيسة فى القرون الأولـى. فإختيار الله لمريم لتكون أما لإبنه وقبول مريم لهذه الرسالة وإعتبار نفسها آمة للرب يعلن عن مدى قبولها لمشيئة الرب، لهذا وصفتها الكنيسة "بأنها كلية القداسة". وأعُلن فى القرن الخامس ( مجمع أفسس عام 431) ان مريم هى والدة اللـه "ثيئوتوكوس" بكل ما يحمله هذا الإيمان من معنىو تأكيدا لقداستها. ومجمع أفسس بتحديده رسمياً عقيدة أمومة العذراء مريم للمسيح الفادي وهذه الأمومة الإلهية تقتضى حتما القداسة الدائمة.  فلقب "كلية القداسة" يعني أن مريم قد أُختصت بإستثناء من الخطيئة، لأن الخطيئة عموما هى رفض لمشيئة الله والإبتعاد عنه،ومريم لم تبتعد يوما عن الله بل وضعت نفسها فى خدمة العلي .

9.   انها عناية الله المسبقة فى إختيار شخص معين وتخصيصه بكامله لذاته تعالى منذ لحظة بدء كيانه فيدعوه للإشتراك معه فى تنفيذ مواعيده الإلهية ويتجاوب هذا الشخص بقبول دعوة الله بإيمان وثقة فى الله لـلإشتراك فى تنفيذ التدبير الإلهي المعلن له تدريجيا " فقالت مريم ها انا آمة الرب فليكن لي بحسب قولك". لقد أختار الله الأب مريم إختيارا شخصيا فريدا من نوعه وتجاوبت مريم مع هذا الإختيار. " كما إختارنا فيه من قبل إنشاء العالم لنكون قديسين وبغير عيب أمامه بالمحبة"(أفسس 4:1).

مريم قد إختارها الله منذ الأزل لتكون أمـاً له. ويذكر لنا الكتاب المقدس إختيار بعض الرسل والأنبياء من أحشاء امهم مثال شمشون (قضاة 3:13), أرميا (أر 5:1) ويوحنا المعمدان (لو 15:1) وبولس الرسول (غلاطية 15:1).

وهذا يعني ان الإختيار من الرب ليس شيئا جديدا. كذلك ألا يهتم الله برحم أمـه كما فعل من قبل عند تقديسه لأحد قضاة اسرائيل وهو شمشون حيث أمر ملاك الرب منوح وزوجتـه قائلاً:"فاحتفظي ولا تشربي خمراً ولا مُسكراً ولا تأكلي شيئا نجساً"(قضاة3:13-17)، فكم بالحري تقديس رحم العذراء من قبل أن يتجسد الله الكلـمة؟

10.                    الله هو الذى غرس جنة عدن ( تك 9,8:1)، وهو الذى صمّم لنوح فلك النجاة ( تك 15,14:6). وهو الذى طلب من موسى ان يكون مسكن الرب بحسب ما هو مُريه (خروج9,8:25 و 1:26). والله هو الذى طلب من موسى ان يصنع تابوت العهد الحامل للوصايا (خروج 10:25-14)، ودافع الله عن هذا التابوت حتى أن عُزّة" مات عندما لـمس التابوت(2ملوك7:6). ومريم التى حملت واضع الناموس ووريث العهد فهل يصعب على الرب ان يطهر ويقدس وينعم على مسكنه الجديد بهذه النعمة وان يجعل نفسها نقية كما كان تابوت العهد مذهبا من الداخل والخارج.

11.                    مريم العذراء وتابوت العهد – ان هناك العديد من أوجـه التشابـه ما بين تابوت العهد القديم ومريم العذراء تابوت العهد الجديد. فتابوت العهد مصنوع من خشب السنط الذى لا يسّوس ومغشى بصفائح من ذهب من الداخل والخارج،وكان اللـه يظهر فوق غطاء التابوت بين الكاروبين،وكان التابوت يحوي وعاء الـمنّ وعصا هارون ولوحا الشريعة وبجواره كتاب التوراة. فالخشب الذى لا يسوّس رمز لطهارة العذراء وقداستها،والذهب الذى من الداخل والخارج رمز للـمجد وللنقـاء. وكان التابوت يتقدم الشعب العبراني فى الـمعارك ومريم العذراء هى ملجأنـا ومن يستغيث بهـا لا يُرد خائبـا،ومريم حوت فى داخلهـا العديد من الفضائل.  فكون أن يُرمز تابوت العهد القديم لـمريم العذراء فكان رمزاً لتعليـمنا نحن كما قال بولس الرسول:"فهذه الأمور عَرَضت لهم رموزاً وكُكتبت لـموعظتنـا نحن الذين انتهت إلينـا أواخر الدهور" (1كورنثوس11:10).

 

12.                    مريم تمثل صورة الإنسان كما يريده الله منذ الأزل، صورة الإنسان كما يريده الله وكما سيكون فى الدهر الآتي. وقدحصلت مريم على هذه النعمة منذ وجودها على الأرض كما يذكر سفر نشيد الأناشيد"كلك جميلة يا خليلتي ولا عيب فيكِ " (نشيد الأناشيد 7:4).

13.                    فى ظهورات مريم العذراء فى جوادالوب بالـمكسيك فى  عام 1531 وهى تطأ الحيّة تـمثلاً بصورة العهد القديم عن الـمرأة التى ستسحق رأس الحيـّة وإثباتا لقداستها وبرارتهـا الدائـمة. وفى عام 1830م ظهرت مريم العذراء للقديسة كاترين لابوريـه وطلبت منها صنع ايقونـة على أن يُكتب عليها الكلمات التاليـة"يا مريم البريئة من كل دنس صلّي لأجلنـا". و فى لورد بفرنسا وبسؤال القديسة برناديت عمن تكون هذه السيدة التى تظهر لها وما اسمها فكان رد العذراء فى 25/5/1858 أي بعد اربع سنوات من إعلان البابا بيوس التاسع عن هذه العقيدة.." أنا التى حُبل بهـا بـلا دنس". و فى فاطيما بالبرتغال ظهرت مريم العذراء عام 1917 وكان طلبهـا أن يكرسّ العالـم لقلب مريم الطاهـر.

وجميع هذه الظهورات قد أُعتمدت صحتهـا من الكنيسة الكاثوليكية بعد بحث وتحقيق وظهور العديد من الـمعجزات التى صاحبت تلك الظهورات.

14.                    جاء فى تحية الملاك لمريم "… مباركة أنت فى النساء" (لوقا28:1) نجد أن ملاك من قـِبل الله يناديها بانها ممتلئة نعمة كما سبق وان أوضحنا من قبل وها هو الآن يضيف صِفة أخرى بأنها مباركة فهل يعقل ان تأتي هذه التحية السماوية ومريم كانت خالية من كل نعمة من أول لحظة من حياتها؟. وكيف يناديها ملاك الرب بانها مباركة فى النساء وتكون تلك التى كانت حينا فى زمرة البشر الذين حلت عليهم لعنة الخطيئة الأصلية؟

15.                    فى الناموس الطبيعي يتم  الزواج بين الأنثى والذكر، ولكن الله قد استثنى مريم من هذا الناموس الطبيعي فى ولادتها للمخلّص بأن ولدته بدون سابق عيشة مع رجل:" الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك" (لو 35:1) ، وهنا يهتف علماء الكنيسة قائلين كيف يعتني الله بإعفائها من ناموس طبيعي عام للجنس البشري وكيف لا يعتني فى تحريرها من سـُنة إنتشار الخطيئة الأصلية العامة خاصة وأنه قد إستثناها من سُنة فساد الأجساد بعد الموت ( عيد انتقال مريم العذراء للسماء بالنفس والجسد ) فهل صعب على الله ان يحميها من وصمة الخطيئة الأصلية؟

16.                    إذ كانت عناية الله ايضا قد دبرت ان جسد يسوع الـمائت لا يدفن إلا فى" قبر جديد لم يوضع فيه أحد" (يو41:19) ، فهل يصعب عليه تدبير ان يكون الرحم الذى يحمله غير مدنس؟

17.                     القديسة مريـم رمز لكنيسة الـمسيحلقد جاء أن السيد الـمسيح قد أحب كنيسته"ليهديهـا لنفسه مجيدة لا كَلَف فيها ولا غضن ولا شيئ مثل ذلك بل تكون مقدّسة منّزهـة عن كل عيب"(افسس25:5-27)، أفلا يصنع نفس الشيئ مع مريم العذراء رمز الكنيسة(رؤيا19:11)؟

18.                     ربـما لا توجد آيات مباشرة فى الكتاب الـمقدس لتأكيد هذا التعليـم بعصمة مريم العذراء من دنس الخطيئـة الأصليـة ولكن لا توجد أيضاً آيات تنفيـه.

+ الرد على القول بأن خطايا الأباء يحملهـا الأبنـاء حتى الجيل الرابع:

ان هذا الـمبدأ ينطبق على الخطايا الشخصيـة التى يقترفهـا الأباء وبهذا ينالون عقابهـا كما جاء:"وإن لم تطِع كلام الرب إلهك حافظاً وصاياه ورسومـه..تأتى عليك اللعنات كلهـا وتُدرك"(تثنية28)، فلا يمكن أن يُطبق هذا الـمبدأ على الخطيئـة الأصليـ. هذا بالإضافـة إلى أن تطبيق مثل هذا الـمبدأ على السيد الـمسيح والذى جاء من سلالة آدم إبن الله كما ذكر القديس لوقا فى سلسلة الأنساب (لوقا23:3-38) فغير مقبول لأن الـمسيح" الذى لـم يصنع خطيئة ولـم يُجد فى فـمه مكر"(1بط22:2) وبالتالـى لا يـمكن الإعتداد بهذا الـمبدأ وتطبيقـه على مريم العذراء.

+ الرد على من يستندون لقول بولس الرسول:"ليس من يعمل الصلاح ولا واحد" و "إذ الجميع قد خطئوا فيوعزهم مجد الله"(رومية12:3و22).

هذا الـمبدأ ينطبق أيضاً على الخطايـا الشخصيـة وليست الخطيئـة الأصليـة، هذا بالإضافـة

أن الرسول لا يعني بكلمة "الجميع" هنا والتى تعنى كل فرد بـمعناها الشامل وإلاّ فيجوز تطبيقهـا على آدم وحواء قبل السقوط.

+ الرد على من يستندون إلى الآيات:"من أجل ذلك كما انهـا بإنسان واحد دخلت الخطيئة إلى العالـم ولالخطيئة الـموت وهكذا إجتاز الـموت إلى جميع الناس بالذى خطِئوا فيـه"(رومية12:5)،و ايضاً ما جاء:"فإذن كما أنـه بـمعصيـة إنسان واحد جُعل الكثيرون خطأة"(روميـة18:5-19).

يـمكن القول بأنـه هناك دائـماً إستثناءات فإن أخنوخ مثلاً جاء عنـه "ولـم يُجد بعد لأن الله

أخذه"(تكوين22:5)، و"بالإيـمان نُقل أخنوخ لئلا يرى الـموت ولم يُجد لأن الله نقلـه لأنـه من قبل نقله شُهد لـه بأنـه أرضى الله"(عبرانيين5:11). وايليا النبي الذى أخذتـه مركبـة ناريـة وخيل ناريـّة…وطلع ايليل فى العاصفة نحو السماء"(4ملوك11:2).

+ الرد على أن العذراء مريم كانت تحتاج للخلاص مثلهـا مثل أي بشر ولهذا صرخت قائلـة:"وتبتهج روحي بالله مخلّصي"(لوقا47:1).

أي خلاص كانت ياتُرى تعنيـه القديسة مريـم؟

– أهو الخلاص من العدو مثلما قال موسى لبني اسرائيل:"قفوا وأنظروا خلاص الرب"(خروج13:14)؟

– أهو الخلاص من مرض كما قال السيد الـمسيح للـمرأة نازفـة الدم:"ثقي يا إبنـة إيـمانك خلّصكِ"(لوقا50:7)؟

– أهو الخلاص الذى يعني الإنقاذ كما قالوا عن السيد الـمسيح عند الصليب:"خلّص آخريـن أما نفسه فلم يقدر أن يخلّصهـا"(متى42:27)؟

– أهو الخلاص من الضيق عمومـا كما فعل ملاك الرب مع يعقوب والذى قال:"الله الذى سار

أمامي الـملاك الذى خلّصني من كل شر"(تكوين17:48)؟

أم هو الخلاص من الخطيـة الأولـى ومن عقوبتهـا ومن آثارهـا ودينونتهـا والذى هو عمل الله نفسه؟. هذا الخلاص قال عنـه بولس الرسول:"الذى خلّصنـا ودعانـا دعوة مقدسة لا بـمقتضى أعمالنـا بل بـمقتضى القصد والنعـمة التى أُعطيت لنـا فى الـمسيح يسوع قبل الأزمنـة الأزليـة، وانـما أظهرت الآن بظهور مخلصنـا يسوع الـمسيح الذى أبطل الـموت وأنار الحياة"(2تيموثاوس9:1-10)، وكما قال:"ولكن حين ظهر لطف مخلصنا الله وإحساناتـه لا بأعمال فى بِر عملناها بل بـمقتضى رحمتـه خلّصنـا بغسل الـميلاد الثانـي وتجديد الروح القدس الذى سكبـه بغنـى علينـا بيسوع الـمسيح مخلصنـا"(تيطس3:3-6).

هذا الخلاص بالـمسيح يسوع نالـه جميع الناس فى جميع العصور ولجميع الخطايا فى كل مكان بعد موت الـمسيح على الصليب وقيامتـه من بين الأموات، ولكن نالتـه العذراء أيضاً بصفـة خاصـة مسبقاً وبإنعام فريد، فليس بـمعقول أن التى قدّم الخلاص بواسطتهـا لا تتمتع هى ببركات هذا الخلاص بصورة إستثنائيـة وعجيبة.

ان الكتاب الـمقدس يذكر لنا ان هناك خلاصاً آخر نهائيـا فيقول عنـه بولس الرسول:"فإن سيرتنـا نحن هى فى السموات التى منها أيضاً ننتظر مخلّصاً هو الرب يسوع الذى سيغير شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده"(فيلبي20:3)، فهذا الخلاص هو عندما نخلع هذا الجسد ونلبس جسد الـمجد بعد مجيئ الـمسيح الثانـي والقيامـة العامـة. ويقول كذلك الرسول بولس:"هكذا الـمسيح بعدما قدّم مرة لكي يحمل خطايا كثيرين، سيظهر ثانية بلا خطية للخلاص للذين ينتظرونـه"(عبرانيين28:9)، فهذا هو الخلاص النهائي الذى يحدث بعد الـمجيئ الثانـي. وبنفس الـمعنى هكذا يقول القديس بطرس الرسول:"أنتم الذين بقوة الله محروسون بإيـمان لخلاص مستعد أن يُعلن فى الزمان الأخيـر"(1بطرس5:1). عن هذا الخلاص يقول بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس:"لاحظ نفسك والتعليم وداوم على ذلك لأنك إذا فعلت ذلك تخلّص نفسك والذين يسمعونك"(1تيموثاوس16:4). وهذا الخلاص يحتاج الى صبر وجهاد فلقد نال الـمؤمنون الخلاص بدم الـمسيح فى الـمعموديـة ولكن،ه كان مجرد عربون(افسس14:1)، ولهذا ينصحنا الرسول قائلاً:"تمموا خلاصكم بخوف ورعدة"(فيلبي12:2).

فهل يمكن القول أن العذراء كانت عندما أنشدت "تبتهج روحي بالله مخلصّي" ربـما انهـا كانت تعنـي هذا الخلاص النهائـي؟

وما هو العجب فى أن تنشد العذراء هذا النشيد النبوي وهى فتاة يهوديـة متدينـة ومكرّسـة للرب، فداود سبّح فى القديم قائلاً: "أما نفسي فتبتهج بالرب وتُسر بخلاصـه"(مزمور9:34)، وايضاً "ليُسر بك جميع الذين يلتمسونك ويفرحوا وليقُل فى كل حين محبّوا خلاصك تَعظّم الرّب"(مزمور17:39). وهذا النشيد هو أيضاً مشابـه لنشيد حنّة أم صموئيل النبي التى أنشدت قائلة: "ابتهج قلبي بالرب..لأنـي قد فرحت بخلاصك"(1ملوك1:2-11)، فلا نتخذ من نشيد مريم العذراء حجـة من انهـا كانت تحتاج للخلاص أو نتخذه كدليل على إنهـا قد حصلت على الخلاص بالفعل لهذا هتفت قائلة "مـخلصّي".

                    ——————

                            

تساؤلات بخصوص شفاعة مريم العذراء وشفاعة القديسين

 

سؤال: هل هناك أدلة من الكتاب المقدس تؤيد "شفاعة القديسين" عموما؟

الرد:

1. تذكر كلمة الشفاعة مرات عديدة في العهدين القديم والجديد، وقد ترجمت الكلمات العبرية واليونانية الدالة عليها إلى العديد من الكلمات التي توضح المعنى ففي العهد القديم تدل عليها كلمة egp (بغى) العبرية والتي تعطى معنى قريب من المعنى العربي للكلمة بمعنى: "أراد الشيء وطلبه وألح فيه"، "يقدم التماسا بغرض قبوله"، "يتوسط" وقد ترجمت هذه الكلمة إلى "يلح" في (راعوث 1: 16، إرميا 7: 16)، و"يلتمس" في (تك 23: 8، أي 21: 15)، و"يتوسل" في (إرميا 27: 18)، و"يتضرع" (إرميا 15: 11).

أما في العهد الجديد فقد دلت عليها الكلمة اليونانية entugcanw (انتيجخانو) بمعنى "يلتمس أو يتوسل" (أع 25: 24، رو 8: 26 و27 و34، 11: 2، عب 7: 25)، كما ترجمت إلى كلمة صلاة في (1 تي 4: 5)، ابتهالات في ( 1 تي 2: 1).ويتضح في العديد من هذه المواقع السابقة أن الشفاعة مقبولة بل مطلوبة من رجال الله الأنبياء والقديسين من أجل سكان الشعوب التي يعيشون بينهم ومن أجل شفاء آخرين أو التوسل من أجل عدم هلاكهم. 

2. من الضروري حينما نتحدث عن الكنيسة أن لا نتحدث عنها بصورة أحياء وأموات، فمن الخطأ أن نعتقد أن الذين يعيشون الآن من أعضاء الكنيسة هم الأحياء بينما المنتقلين من الآباء والقديسين هم أموات حيث أن هذا مخالف لتعاليم السيد المسيح نفسه حينما يقول:" أنا اله إبراهيم واله اسحق واله يعقوب، ليس الله اله أموات بل اله أحياء" (متى 22: 32). "ليس هو اله أموات بل اله أحياء. فأنتم إذا تضلون كثيراً" (مرقس 12: 27)، "وليس هو اله أموات بل اله أحياء لأن الجميع عنده أحياء" (لوقا 20: 38). فمن الضروري أن نتحدث عن الكنيسة باعتبارها كنيسة واحدة، جسد المسيح الحي، بقسميها الكنيسة المنتصرة وتشمل المنتقلين الذين أكملوا جهادهم على الأرض وهم الآن أحياء بأرواحهم في الفردوس، والكنيسة المجاهدة وتشملنا نحن الذين نجاهد من أجل أن نكمل سعينا بخوف ورعدة. إذن فالقديسون أحياء في السموات وليسوا أمواتا، فعلاقتنا إذن ليست بأموات بل بأحياء وإن كانوا غير مرئيين لأنهم ليسوا في الجسد. ويحتوي العهدين القديم والجديد على العشرات من المواضع التي تتحدث عن قبول الله لشفاعة قديسيه وأنبيائه: (دانيال35:3)، (اشعيا 17:63)، (3ملوك13:11)، (رؤيا 8:5-9)،(رؤبا 3:8).

3. جاء "عندما الحمل فتح الختم الخامس رأيت تحت المذبح نفوس المقتولين لأجل كلمة الله ولأجل الشهادة التى شهدوا بها فصرخوا بصوت عظيم قائلين حتى متى أيها السيد القدوس الحق لا تقضي لدمائنا من سكان الأرض فاعطى كل واحد منهم حلة بيضاء وأُمروا أن يستريحوا مدة يسيرة بعد إلى أن يكمل عدد شركائهم فى الخدمة وأخوتهم الذى سيقتلون مثلهم” (رؤيا 9:9-11) فها أن أرواح الشهداء تلتمس من الله وهى فى السماء أن ينتقم عدله لدمائهم المسفوكة ظلماً وإعتداءاً ، فأجاب الله طلبهم مؤجلاً نفاذه حتى يكمل عدد اخوتهم. وفعلا عندما آن الآوان لحلول غضب الله على روما الوثنية وحلت بها الضربات السماوية دوى صوت فى السماء “إشمتي ايتها السماء وأيها القديسون والرسل والأنبياء فإن الله قد إنتقم لكم منها” (رؤيا 20:18).

4. "ويكون فرح فى السماء بخاطئ واحد يتوب أكثر من تسعة وتسعين" (لوقا 7:5) وهنا يؤكد السيد المسيح ان سكان السماء يفرحون بتوبة الخاطئ، فكيف علموا بهذه التوبة؟..وأليس هذا دليل على انه توجد صلة بين السماويين ونحن البشر.

5. قول يسوع" احذروا ان تحتقروا أحد هـؤلاء الصغار فإني أقول لكم ام ملائكتهم فى السموات كل حين يعاينون وجه أبي الذى فى السماوات" (مت 10:18). وهـذا برهان على ان الملائكة فى السماوات يعرفون ما يحدث على الأرض كإحتقار أحد الصغار الذين يحرسونهـم.

6. ان القول بعدم معرفة سكان السماء لصلوات الأرضيين مردود عليها بما هو مدون فى سفر الرؤيا (رؤ 3:8-4) " وجاء ملاك آخر ووقف عند المذبح ومعه مـجمـرة من ذهب فأُعطي بخوراً كثيراً ليقدم صلوات القديسين كلهم على مذبح الذهب الذى أمام العرش فصعد دخان البخور من صلوات القديسين من يد ملاك الله"  وهذه عن الملاك الذى يقدم لله صلوات القديسين كلهم وكما جاء فى( رؤ8:5 )، فهل من الجائز ان خلائق مثل الملائكة والقديسين يرفعون صلوات الأرضيين ولا يدرون أمرها.

7. جاء فى رسالة بولس الرسول "أليس جميعهم أرواح خادمة ترسل للخدمة من أجل الذين سيرثون الخلاص" (عب 14:1) وهنا نجد ملائكة منتدبة للخدمة فهل لاتعرف من تخدم وتقف على احتياجة .

8. "اذا كنت تصلي بالدموع وتدفن الموتى فأنا الملاك روفائيل كنت أقدم صلاتك الى الله" (طوبيا 12:12).

9. "دنوتتم الى جبل صهيون ومدينة الله الحي أورشليم السماوية والى محفل ربوات من

الملائكة والى كنيسة الأبكار المكتوبين فى السماوات والى الله ديان الجميع والى أرواح الصديقين المكملين والى يسوع وسيط العهد الجديد" (عب 22:12-24).

10.أن الله بارك اسحق وأكثر نسله إكراماً لأبيه الراقد اذ قال له " أُكثر نسلك من أجل ان ابراهيم سمع قولي، فإني معك أباركك من أجل عبدي ابراهيم" (تك 24:26) وهذا ايضا دليل على ان الله يكرم قديسيه الراقدين.

11. ان أرميا النبي لما تشفع الى الله ان يرحم الشعب على ما حـل به من شدة القجط لم يقبل شفاعته نظراً لعظم خطيئة الشعب بل أجابه قائلاً “ وقال الرب لو أن موسى وصموئيل وقفا أمامي لما توجهت نفسي الى هذا الشعب فأطرحهم عن وجهي وليخرجوا “ (أر 1:15). وهـذا برهان من فم القدوس على ان قديسيه الراقدين كموسى وصموئيل يقفون امامه ويتشفعون فينا ويقبل شفاعتهتم.

12. الملاك الذى بشر منوح وزوجته بأمر شمشون “إن صنعت محرقة فللرب أصعدها…فكان عند إرتفاع اللهيب عن المذبح نحو السماء ان ملاك الرب صعد فى لهيب المذبح” (قضاة 16:13،20).

13. "فقالت المرأة لشاول رأيت آلهة تصعد من الأرض فقال لها ما هي هيئته قالت رجل شيخ صاعد مرتديا برداء” وكان ان أخبرروح  صموئيل النبي شاول عن موته (1صمو 15:28) وهذا يدل على معرفة السماويين بأمور نا نحن البشر.

14. "فنحن أيضا إذ يحدق بنا مثل هذا السحاب من الشهود فلنلق عنا كل ثقل وما يشتمل علينا من الخطيئة ولنسابق بالصبر فى الجهاد الذى امامنا" (عبرانيين 1:12).

15. "لا تنسوا إضافة الغرباء لأن بها أناسا أضافوا ملائكة وهم لا يدرون” (عب 2:13).

16. رؤيا يهوذا المكابي “ رأيت أونيا الكاهن الأعظم رجل الخير والصلاح المهيب المنظر الحليم الأخلاق صاحب الأقوال الرائعة المواظب منذ صبائه على جميع ضروب الفضائل باسطاً يديه ومُصلياً لأجل جماعة اليهود بأسرها. ثم تراءى لي رجل كريم الشيبة أغر البهاء عليه جلالة عجيبة سامية. فأجاب أونيا  وقال هذا مُحب الإخوة المكثر الصلوات لأجل الشعب والمدينة المقدسة إرميا نبي الله. ثم إرميا مد يمينه وناول يهوذا سيفا من ذهب وقال خذ هذا السيف المقدس هِبة من عند الله به تحطم الأعداء “ (2مكا 12:15-16).

17. ان أليشع النبي بعد موته أقام الميت الذى مس عظامه اذ طرح فى قبر اليشع خوفا من غزاة موآب (2ملوك 20:13-21) وهـذا يدل كيف ان الرب يكرم حتى رفات قديسيه ويصنع بها المعجزات.

18. ان أيليا النبي بعد إنتقاله من العالم للسماء علم ان يورام بن يوشافاط ملك يهوذا لم يسر فى طريق ابيه البار وعمل الشر فى عيني الرب فأرسل اليه ايليا كتابة يذكر له فيها هـذا الأمر ويتنبأ عليه ان الرب سيضربه هـو وشعبه ضربة عظيمة ، وتمت نبؤة ايليا (2أي12:21-16) وهـذه آية صريحة توضح ان القديسين بعد إنتقالهم عنا إلى السماء يعلمون عن أحوالنا على الأرض. 

ولكننا ينبغي أن نعلم أننا حينما نطلب شفاعة العذراء والملائكة وتوسلات وصلوات القديسين من أجلنا فإننا لا نقدم لهم الصلاة أو العبادة، فالعبادة والصلاة لا تقدم إلا لله الواحد المثلث الأقانيم. وإنما نحن نطلب منهم كأحباء لنا، مثلما يطلب الطفل الصغير من أمه أن تطلب من أبيه من أجله، رغم أن الأب يحب الابن ويفرح بتلبية جميع طلباته إن كانت في صالحه.

ولا يعني طلبنا لتوسلات القديسين من أجلنا أن نمتنع نحن عن الصلاة أمام الله من أجل أن يستجيب طلباتنا، فلابد أن نصلي بلجاجة، ويدعمنا في هذه الصلاة أعضاء جسد المسيح من القديسين الذين ارضوا الله بمحبتهم. فالله يحبنا ويريد أن نقرع ونطلب ونسأل، ليفتح ويعطي ويجيب جميع ما نطلب، بل واكثر مما نطلب حسب غناه، حسب مشيئته الصالحة.

                          

 

 تساؤلات بخصوص بتولية مريم العذراء الدائـمة

 

سؤال: هناك رأي قائل بأن أخوة يسوع هم أبناء للقديس يوسف من زواج سابق، فهل هذا يدعم بتولية مريم؟

الرد: لا يمكن ان يكون اخوة يسوع هم من زواج سابق للقديس يوسف وذلك للأسباب التالية:

1. يذكر لنا الكتاب المقدس عن الإكتتاب "صعد يوسف ايضا من الجليل..ليكتتب مع إمرأته الـمخطوبة"(لوقا5:4) فلو كان ليوسف ابناء من زواج سابق لذكر أنهم قد ذهبوا معه الى بيت لحم للإكتتاب.

2. يذكر لنا الكتاب المقدس انه عندما ظهر الملاك فى حلم قال ليوسف "قم فخذ الصبي وأمه وإهرب إلى أرض مصر" (متى13:2) ولم يذكر اي شيئ عن أبناء يوسف،ألايهم السماء انقاذهم ايضا؟

3. يذكر لنا الكتاب المقدس ان مريم ويوسف والصبي ذهبوا للهيكل كعادة العيد وكان يسوع له اثناعشر عاما وعند رجوعهما بقى الصبي يسوع فى اورشليم وابواه لايعلمان(لوقا41:2-43)،"وإذ كانا يظنان انه مع الرفقة سافرا مسيرة يوم وكانا يطلبانه عند الاقارب والـمعارف"(لوقا44:2) ولم يذكر ان كان له اخوة أتت مع يوسف الى أورشليم. 

4. يذكر لنا الكتاب المقدس بالتحديد من هم والداي يعقوب ويوسى وسمعان ويهوذا وهما حلفى او كلوبا وزوجته مريم.

5. كيف يختار الله شيخا ضعيفا أرمل وله ستة أبناء لخدمة العائلة الـمقدسة والمحافظة عليها والتعب فى تحصيل قوتها وكيف يتحمل شيخ ضعيف مشقات السفر الى مصر والعودة منها؟.  

6. يذكر لنا الكتاب الـمقدس قول السيد المسيح على الصليب"فلما رأى يسوع أمه والتلميذ الذى يحبه واقفاً قال لأمه يا امرأة هوذا إبنك ثم قال للتلميذ هذه أمك. ومن تلك الساعة أخذها التلميذ الى خاصّته"

(يوحنا36:19-37).  وهنا لـماذا لم يترك يسوع أمـه لأحد إخوتـه أو أخواتـه؟، وإنما طلب من يوحنا بن زبدى تلميذه أن يرعى أمـه.

7. نقرأ فى بدء رسالة يهوذا "من يهوذا عبد يسوع المسيح وأخى يعقوب.."(يهوذا 1)

فلماذا وضع يهوذا فروقاً بين انه عبد ليسوع الـمسيح وأخ ليعقوب؟،أليس لأنه كان فقط اخاً

ليعقوب؟    

8. و فى انجيل متى "أوليست اخواته كلهن عندنا"(متى56:13) تشير الى وجود عدد كثير

من الأخوات لهذا جاءت كلمة "كلهن" بالإضافة الى ما جاء ذكره من أسماء أربعة من الإخوة إنـما يدل على عدد كبير من الأبناء وهذا من الـمستحيل أن يثبت انهم جميعا أولاد يوسف من زواج سابق.

9. فى عرس قانا الجليل دعى يسوع وتلاميذه "وفى اليوم الثالث كان عُرس قانا الجليل وكانت أم يسوع هناك. فدُعي يسوع وتلاميذه إلى العُرس"(يو1:2-2) ولم يُذكر أي شيئ عن "اخوتـه" إلاّ بعد إنتهاء العُرس"وبعد هذا انحدر الى كفرناحوم هو وأمـه وإخوتـه وتلاميذه"(يوحنا12:2، فإذا ما كان هؤلاء "الإخوة" هم أبناء لـمريم العذراء فـمن غير الـمعقول أن يُدعى واحد فقط من أبناءها وهو يسوع لهذا العُرس، ولكن إذا ما كان هؤلاء "الإخوة" ما هم إلاّ أقارب ليسوع فيمكننـا فهم هذا النص بصورة أوضح.  

 

سؤال: ما هو الرد على الرأي القائل بأن أخوة يسوع هم أبناء للقديس يوسف من القديسة مريم؟

 

الرد:

1. إن القديس يوسف الذى يذكر الكتاب عنه انه كان باراً والبرارة فى عُرف الكتاب الـمقدس هى القداسة،وهى العيش بطرق الحق والعدالة والعمل بوصايا الله. جاءه الـملاك وطمأنه وأمره أن يأخذ امرأته الى بيته وأطاع يوسف كما فعل من قبله الأنبياء والأبرار من طاعة أوامر الرب وانطلق بامرأته الى بيته وعلم ان الله يُعد لـمجئ الـمخلص العجيب فهل نتصور أن يجرؤ أن يلمس امرأته بعد أن علم بحقيقة أمرها؟!.

وبعد الـميلاد ظهر له الملاك وقال له خذ الصبي وامه ولم يقل خذ زوجتك وطفلك وهذا يعنى ان مريم لم تصر زوجة له بعد ولادة المسيح بل علاقتها مازالت بالمسيح وليست مع يوسف.

2. رؤيـة فى حلم وبشارة ورعاة يُبشرون والمجوس يسجدون ويقدمون الهدايـا وصرخة سمعان الشيخ وحنة النبية فكيف نصدق ان يوسف على الرغم من معرفته الكاملـة بـمثل هذه العجائب المدهشة يجرؤ أن يلمس أم الرب..هيكل الله..مسكن الروح القدس؟    

3. مريم العذراء هل تقبل يوسف زوجاً ؟. لا.لقد إمتلأت تماما من النعمة والروح القدس وولدت مخلص العالم،فإن لم تجد إشباع أشواقها الروحية وتطلعاتها السماوية فى ابن الله الوحيد فهل تجده فى الزواج وإنجاب الأولاد؟

4. فى قصة فقد يسوع فى الهيكل وكان يسوع لـه اثنا عشر عاما (لوقا43:2-44) فلم يُذكر ان كان له أخوة أتت بعد يسوع. إثنا عشر عاما بعد ميلاد يسوع ألم تكن كافية لإنجاب أولاد كما يدعى البعض؟

5. عند الصليب ترك يسوع أمه إلى تلميذه الحبيب يوحنا البتول فأين هم اخوته؟ وكيف يـمكن ليسوع أن يفرّق ما بين مريم وأولادها ليسلمها الى يوحنا؟. والكلمة التى جاءت على فم السيد الـمسيح عندما قال لأمـه:"يا إمرأة هوذا ابنكِ"(يوحنا26:19) –ide ho uios sou ولم يقل مثل احد ابناءك.

6. تساؤل العذراء مريم للملاك فى البشارة "كيف يكون هذا وانا لا أعرف رجلاً" (لوقا34:1) ما كانت تقوله إن لم تكن قد أخذت عهداً على نفسها للبتولية وهذا ما يؤكده القديس اغسطينوس. وعندما اخبرها الملاك "ان الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك ولذلك فالقدوس الـمولود منك يُدعى ابن الله"(لوقا35:1) فكيف بعد ذلك تضحي ببتوليتها من أجل أطفال آخرين يأتوا بعد إبنها يسوع الإبن الوحيد للآب السماوي وهى بالتالى

الأم الأرضية الوحيدة للإبن السماوى الوحيد؟

7. فى نص انجيل مرقس"أليس هذا هو النجار ابن مريم وأخا…."(مر3:6) حدد أن يسوع هو إبن مريم وليس أحد أبناء مريم وإلاّ لكان قد ذكر اسم يسوع ضمن قائمة أسماء اخوته لأن يسوع كان معروفا من أنه الإبن الوحيد لـمريم.

8. فى نص انجيل لوقا وفى مجمع الناصرة تعجب الجميع من يسوع ومن كلام النعمة البارز فيه وقالوا"اليس هذا هو ابن يوسف"(لوقا22:4) ولم يقولوا أنـه أحد أبناء يوسف.

9. عند الصليب عندما أعطى يسوع أمه الى يوحنا قال"هذه هى أمك" وقال لأمه "يا مرأة هوذا هو ابنك"(يوحنا36:19) ولم يقل هوذا كأحد ابناءك.

10. موسى النبي لم يعرف امرأتـه صِفّورة بعد ان رأى الله (خروج15:19) فكيف ليوسف ان يلمس أو يقترب لأم يسوع ابن الله. فالبتولية هى رمز لشركة فريدة مع الله كما يعلن سفر الرؤيا"هؤلاء هم الذين لم يتنجسوا مع النساء لأنم أبكار هم التابعون للحمل حيثما يذهب وقد افتدوا من بين الناس باكورة لله والحمل ولم يوجد فى أفواههم كذب لأنهم بلاعيب أمام عرش الله"(رؤيا4:14-5).

11. عندما يظهرون أن مريم هى إمرأة عادية لها أن تحبل وتلد بنين وبنات من غير مراعاة من ان ابنها يسوع هو ابن الله فيعد هذا تقليل من شأن يسوع نفسه من انه انسان عادي وليس قدوس الله. 

12. فى نص انجيل متى "أو ليست أخواتـه كلهن عندنـا"(متى 56:13) وهذا يعني أكثر من "أخت"، وياللعجب اربع إخوة وعدة أخوات من مريم العذراء تلك التى قالت للـملاك "كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجلاً" عندما أخبرها بـميلاد طفل واحد هو "قدوس الله".

13. جاء فى سفر الأعمال"هؤلاء كلهم كانوا مواظبين على الصلاة بنفس واحدة ومريم أم يسوع ومع إخوتـه"(اعمال14:1)، وما إذا قرأنـا الآيـة التاليـة:"وفى تلك الأيام قام بطرس فى وسط الإخوة وكان عدد الأسماء جميعاً نحو مئة وعشرين"، فهل هذا يعنى ان هناك 120 أخ للسيد الـمسيح وبالتالـي هم ابناء لـمريم العذراء؟

14. "إخوة يسوع" كان هذا هو التعبيـر الشائع الـمستخدم لوصف الـمسيحيين الأوائل قبل ان يُدعون "مسيحيين" كما جاء فى سفر الأعمال "حتى ان التلاميذ دُعُوا مسيحيين بإنطاكية أولاً"(اعمال26:11)، وهذا ما جعل كتبة العهد الجديد يستخدمون لقب "إخوة الرب" أو "إخوة يسوع" بالـمعنى الشامل لكل من يؤمن ويتبع تعاليـم الرب يسوع.

 

15. لقد جاء بأن إخوة يسوع قد وجهوا النقد له والنصح كما جاء:

"وسمع ذووه فخرجوا ليمسكوه لأنهم قالوا إنـه شارد العقل"(مرقس21:3) و"فقالوا له اخوتـه تحّول من ههنا واذهب الى اليهودية ليرى تلاميذك ايضاً اعمالك التى تصنعها …لأن إخوتـه لم يكونوا يؤمنون به"(يو3:3-5). وفى العادات الشرقية فالإبن الأكبر هو الذى يعطى النصيحة للأصغر وليس العكس لأن هذا يُعد عدم إحترام. فإذا كان هؤلاء الإخوة أكبر من يسوع فهذا ينفى بالطبع انهم قد وُلدوا من مريم لأنـه مكتوب انـه كان "ابنها البِكر"(لوقا7:2). وان كانوا اصغر من يسوع فغير مقبول ان ينقدوا أخاهم.

إن كل ما سبق ذكره من الحجج والأسانيد الكتابية والـمنطقية لا يدع ثمة شك ان من أطلق عليهم "اخوة يسوع" ما هم إلاّ أقربـاء لـه.

سؤال: ما هو الرد على الرأي القائل بأنـه لـماذا لـم يأت أي ذِكر عن بتوليـة مريـم فى الإنجيل حسب القديس مرقس والإنجيل بحسب القديس يوحنا وفى رسائل القديس بولس الأربعـة عشر أو غيرها من الرسائل الرسولية الجامعـة

الرد:لقد كتب القديس مرقس انجيله فى وقت مبكّر كانت مريم ام يسوع حيّة وقتها وكانت معروفة لدى الكثيرين ولم تكن القصة تحتاج لرواية فلقد وضع القديس مرقس التركيز كله على تعاليم المسيح ومعجزاته وبدأ إنجيله بتعريف الـمسيح تعريفاً يحمل مفهوم الميلاد والموت والقيامـة معاً، فأوجز إعلانـه بقولـه"بدء إنجيل يسوع الـمسيح إبن الله"(مرقس1:1)، بإعتبار ان "يسوع" هو إسمه بالـميلاد، و"الـمسيح" لقبـه بالصلب، و"إبن الله" لاهوتـه الأزلي كياناً واحداً لا يتجزأ. القديس مرقس كان هدفـه يقدم يسوع للإيمان بـه كمسيّا إبن الله، ومعنى ان الله أبوه انـه ليس من أب جسدي وهذا إستعلان لـميلاده من عذراء.

اما القديس يوحنا فلقد كتب انجيله فى وقت متأخر كانت فيه قصة الميلاد العذراوي قد عُرفت وذاعت من انجيلي متى ولوقا، كما انه قد ركّز على لاهوت السيد المسيح ومن انـه "إبن الله الوحيد" والذى جاء فى الانجيل 6 مرات، وهذا يعني انه لم يولد من يوسف بل من الله.

أمـا القديس بولس الرسول فكانت أول معرفتـه بيسوع الـمسيح أن رآه فى السماء بوجه يشرق بلمعان أقوى من الشمس، فجاء تعبيره عن ميلاد المسيح فى هيئة إنسان بقوله:"الله ظهر فى الجسد"(1تيموثاوس16:3)، وأكمل وقال:"مولوداً من إمرأة"(غلاطية 4:4) وبهذا حدد ان ميلاد يسوع الـمسيح بدون رجل، وهذا فيه كل مفهوم العذراويـة للـمرأة التى وُلِدَ منها.

 

سؤال: ما هو الرد على ان البتولية لم تكن معروفة فى العهد القديم؟

الرد: البتولية كانت تعتبر نوعا من التقرب الى الله، وهناك تقليد يؤكد ان موسى النبي كان قد اعتزل امراته صفورة منذ يوم رؤيته للعليقة المشتعلة حتى انها حينما سمعت ان الروح قد حلّ على الداد وميداد صرخت قائلة يا لحزن زوجتي هذين الرجلين"(عدد26:11) لأن مفهومها كان ان الألفة مع الله سيتبعه الإنفصال عن الزواج. فعلى الرغم ان الله قد طلب فى القديم من شعبه ان يتقدسوا لمدة ثلاثة ايام قبل ان يهبط الرب امام جميع الشعب على جبل سيناء وبأن "لا يقربوا امرأة"(خروج15:19)، فلقد اختار موسى ان يظل "مقدساً" لأنه عرف انه "حاضر امام الرب" دائما وليس فقط فى فترة خروج بنى اسرائيل من ارض مصر. ومن اين عرف القديس يوحنا المعمدان ان يعيش فى بريّة اليهودية حتى ظهور السيد المسيح (متى1:3-4).وماذا عن حنة النبية التى ترملّت بعد سبع سنين من زواجها و"ظلت لا تفارق الهيكل عابدة بأصوام وصلوات"(لوقا36:2) لمدة اربعة وثمانين سنة، فمن اين عرفت ان العلاقة مع الله تعنى التكريس الكامل له. كتب كلا من المؤرخين اليهود فيلون Philo ويوسيفوس وهيبوليتوس عن حياة البتولية ما بين جماعة الأسينين Essenes والذين عاشوا ما قبل ظهور السيد المسيح والتى اكتشفت كتاباتهم حديثا ما بين حفائر وادى قمران بالبحر الميت.

ولقد اكد السيد المسيح فى تعاليمه العلاقة ما بين التبتل والحياة الملائكية"ان ابناء هذا الدهر يُزوجون ويتزوجون اما الذين استحقوا الفوز بذلك الدهر وبالقيامة من بين الأموات فلا يُزوجون ولايتزوجون. ولايمكن أن يموتوا بعد لأنهم مساوون للـملائكة وهم أبناء الله لكونهم أبناء القيامة"(لوقا34:20-36). وعلى نفس المعنى يمكن تفسير قول الـمعلّم الإلهي:"الحق اقول لكم إنه ما من احد ترك بيتا او والدين او اخوة او امرأة او بنين لأجل ملكوت الله إلا ينال فى هذا الزمان أضعافاً كثيرة وفى الدهر الآتى الحياة الأبدية"(لوقا29:18-30). وبالمثل نجد فى سفر الرؤيا معنى التبتل والإقتراب الى الله:"هؤلاء هم الذين لم يتنجسوا مع النساء لأنهم أطهار"(رؤيا4:14-5). 

 

سؤال: ما هو الرد على القول بأن مريم قد دُعيت إمرأة ليوسف؟

الرد: ظن البعض ان هذه الكلمة "امرأة" كما جاءت على لسان الملاك(متى20:1)، وفى انجيل لوقا (لوقا5:2) عندما ذهب يوسف "ليكتتب مع مريم امرأتـه"، وايضا بما جاء فى رسالة بولس الرسول"ارسل الله ابنه مولودا من إمرأة"(غلاطية4:4) من ان مريم لم تكن عذراء. ان كلمة "امرأة" لا تعنى ما نفهمه نحن من الفرق بين الإمرأة والأنسة فكلمة امرأة تعنى سيدة باللغة العبرية وكان هذا هو التعبير الـمألوف فى لغة الشعب العبراني. وفى لغة الكتاب المقدس يعبّر عن كل جنس حواء بلقب امراة سواء أكانت متزوجة (خروج17:20 و تثنية 5:25 و افسس28:5)، ام كانت فتاة عذراء شابة (امثال10:31و متى28:5). لقد دعى الكتاب المقدس حواء امرأة قبل الخروج من الجنة وقبل ان تعرف آدم زوجها "لأنها من امرئ أخذت"(تكوين23:2). فالمرأة عموما سواء عذراء او متزوجة تُسمى إمرأة كما أن الأعزب أو المتزوج من الذكور يسمى رجلاً. وأيضاً لا يمكن القول ان مريم لم تكن عذراء وقت ميلاد الـمسيح لأنـه جاء على لسان الملاك:"فإن المولود فيها إنما هو من الروح القدس"(متى20:1). 

وايضاً لقد دُعيت مريم إمرأة قبل ان تُعطى وليدها، وإمرأة بعد أن ولدت وحيدها وهذا ما قاله الوحي الإلهي:"يا يوسف إبن داود لا تخف أن تأخذ مريم إمرأتك"(متى20:1)، وما دعاها به يسوع فى عُرس قانا الجليل:"مالي ولك يا إمرأة"(يوحنا 4:2)، فإذا ما دعاها الكتاب الـمقدس إمرأة قبل ولادتها وهى عذراء فلما لا نفهم حينما يدعوها إمرأة بعد أن ولدت يسوع الـمسيح وبقيت عذراء؟

 

سؤال: ما هو الرد على ان الكتاب الـمقدس لـم يذكر مريم العذراء إلاّ القليل فلما كل هذه الضجـة على كون مريم بتولاً أم غيـر بتول؟

 

الرد: انـه من العجيب ان اسم مريم قد ذُكر بالإسم 20 مرة فى العهد الجديد كما جاء فى : متى 16:1و 20:1و 11:2 و55:13، ومرقس3:6، ولوقا 27:1 ولوقا30:1 و34:1 و 36:1 و39:1 و41:1 و56:1، ولوقا 5:2 و16:2 و19:2 و34:2، ويوحنا25:19 واعمال14:1.

هذا بالإضافـة من اسم مريم قد ذُكر اكثر من آدم تلك الشخصية الهامـة والذى جاء ذكره 7 مرات فقط فى العهد الجديد (لوقا38:3 ورومية14:5 و1كورنثوس 22:15 و45:15  و1تيموثاوس 13:2 و14:2و يهوذا14 ). وايضاً اكثر من حواء والتى جاء ذكرها مرتان فقط فى العهد الجديد (1تيموثاوس  13:2و14:2)، وبالطبع لايمكن  لأحد أن يُنكر أهمية آدم وحواء فى تاريخ الخلاص.

وإذا ما تأملنـا متى جاء اسم مريم العذراء فى الكتاب المقدس سنجد ان كلها جاءت فى أحداث هامـة تمت فى حياة وخدمـة ابنهـا يسوع: البشارة (لوقا27:1-38)،زيارة اليصابات (لوقا39:1-45)، ميلاد يسوع (لوقا7:2)، تقدمة يسوع فى الهيكل (لوقا22:2)، اول معجزة فى قانا الجليل(يوحنا 2)، موت يسوع على الصليب (يوحنا25:19).

أي يمكننـا القول بأن مريم كانت مع يسوع منذ ميلاده العذراوي حتى موتـه على الصليب. والجدير بالذِكر، انـه فى بعض تلك الحوادث جاء ذِكر مريم حسب لقبهـا "أم يسوع". هذا ولا يجب ان ننسى ما جاء عنها فى النبؤات وما عكسته الرموز والشخصيات، أبعد ذلك يدّعون لِـمَ كل هذه الضجـة!

ان العناية الإلهية تعمل دومـا برفق،فحين تريد أن تفرض علينـا بعض الأسرار والتى تفوق إدراكنـا وطبيعتنـا الـمحدودة تهيئ نفوسنـا لقبول مثل هذه الأسرار تهيئـة بطيئـة وبحكـمة إلهيـة تفوق الوصف. ومن بين هذه الحقائق كان تجسد الإبن الأزلـي، والأمومـة الإلهيـة والفداء العجيب. فـالعهد القديـم بكامله من ناموس وتاريخ وطقوس ونبؤات ومزامير وشخصيات ورموز جاء برسم كامل للـمسيّا، فتحدث عن وظيفـة الـمخلّص ورسالتـه وظروف دعوتـه والعائلة التى سيجئ منها والمكان الذى سيولد فيه والزمن التى سيولد فيه،ومعجزاته وألوهيته وإتضاعه وصلبه وموته وقيامته فى اليوم الثالث وصعوده الى السماء ومجيئه فى المجد وملكوته الابدي. ولقد تطابق الناموس والنبؤات والمزامير فى المسيح يسوع ابن مريم العذراء، وهذا ما قام بشرحـه يسوع مع تلميذي عمواس ليفهموا الـمكتوب عنه:"ثم إبتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يفسّر لهما الأمور الـمختصة بـه فى جميع الكتب"(لوقا25:24-27).

وكما تكامل رسم يسوع فى العهد القديم حتى أتت الساعة وجاء فى ملء الزمان:"ولـما جاء ملء (كمل) الزمان أرسل الله ابنه مولودا من امرأة" (غلاطية4:4)، كذلك تكاملت النبؤات وأشارت إلـى تلك الأم العجيبة.

إلـى العذراء مريم تومئ فى الكتاب الـمقدس أشياء عديدة. وكما يقول القديس بولس ان كل شيئ فى العهد القديم كان رمزيـاً فى اشخاصه ومحرقاتـه وطقوسه الـمختلفة،فهى كانت كلها ظلالاً للـمستقبل وترسم مسبقا وفق الـمخطط الإلهـي بعض ملامح السيد الـمسيح وأمـه مريم.

أليست هى التى وُلد منها قدوس الله كما جاء:"فأجاب الملاك وقال لها إن الروح القدس يحلّ عليكِ وقوة العليّ تُظللكِ ولذلك فالقدوس المولود منكِ يُدعى ابن الله"(لوقا35:1)؟

أليست هى إمراة نبؤة الخلاص والتى قيلت للحيّة بعد السقوط على فم الرب القدير:"واجعل عداوة بينكِ وبين الـمرأة وبين نسلكِ ونسلها فهو يسحق رأسكِ وأنتِ ترصدين عقِبـه"(تكوين15:3)؟

أليست هى تلك العذراء التى تنبأ عنهـا اشعيا فى القديم:"فلذلك يُؤتيكم السيّد نفسه آيـة ها إنّ العذراء تحبل وتلد إبنـاً وتدعو اسمه عمانوئيل" (اش14:7)؟

أليست هى تلك الأنثى الجديدة التى خلقها الرب فى الأرض والتى تحيط برجل كما تنبـأ ارميـا فى القديم(ارميا22:31)؟

أليست هى أم القدوس(لوقا35:1)؟

أليست هى أم عمانوئيـل(متى23:1)؟

أليست هى أم الـمخلّص(لوقا11:2)؟

أليست هى الـمباركة فى النساء(لوقا42:1)؟

 

الرد على القول بأن يوسف "لـم يعرفهـا حتى ولدت ابنهـا البِكر":

أولا- معنى "لـم يعرفهـا"إن القديس يوسف الذى يذكر الكتاب عنه انه كان باراً والبرارة فى عُرف الكتاب الـمقدس هى القداسة،وهى العيش بطرق الحق والعدالة والعمل بوصايا الله. جاءه الـملاك وطمأنه وأمره أن يأخذ امرأته الى بيته وأطاع يوسف كما فعل من قبله الأنبياء والأبرار من طاعة أوامر الرب وانطلق بامرأته الى بيته وعلم ان الله يُعد لـمجئ الـمخلص العجيب فهل نتصور أن يجرؤ أن يلمس امرأته بعد أن علم بحقيقة أمرها؟!.

وبعد الـميلاد ظهر له الملاك وقال له خذ الصبي وامه ولم يقل خذ زوجتك وطفلك وهذا يعنى ان مريم لم تصر زوجة له بعد ولادة المسيح بل علاقتها مازالت بالمسيح وليست مع يوسف.رؤيـة فى حلم وبشارة ورعاة يُبشرون والمجوس يسجدون ويقدمون الهدايـا وصرخة سمعان الشيخ وحنة النبية فكيف نصدق ان يوسف على الرغم من معرفته الكاملـة بـمثل هذه العجائب المدهشة يجرؤ أن يلمس أم الرب..هيكل الله..مسكن الروح القدس؟     ومريم العذراء هل تقبل يوسف زوجاً ؟. بالطبع لا.لقد إمتلأت تماما من النعمة والروح القدس وولدت مخلص العالم،فإن لم تجد إشباع أشواقها الروحية وتطلعاتها السماوية فى ابن الله الوحيد فهل تجده فى الزواج وإنجاب الأولاد؟

 

ثانيـا – معنى "حتى ولدت"

انها مغالطة لأبسط قواعد اللغة العربية لكلمة "حتى" فهى تنفى ما بعدها كما هى تنفى ماقبلها لا سيما اذا تبعتها حرف نفى (لم يعرفها) اي لم يعرفها بعد الولادة كما لم يعرفها قبل الولادة.

+ يقول العلاّمة ديونيسوس مطران السريان فى دفاعه عن استخدام كلمة "حتى" من ان لفظة "حتى" تقال على ثلاثة انواع:

أ- على ما له حد:كقوله "لم يرتحل الشعب حتى أُرجعت مريم"(عدد15:12) اي بعد شفائها قد رحلوا. وكقوله"لايزول قضيب من يهوذا حتى يأتى شيلون"(تكوين10:49) اي بعدما يجيئ المخلص يزول القضيب اي المُلك.

ب- يفصل الأمور: كقوله"سار ايليا فى البرية حتى جاء وجلس تحت رِتمة" (3ملوك4:19) ومعلوم انه بعدما أتى جلس وبعدما وصل للجبل استراح.

ج- على مالاحد له:كقوله"أرسل نوح الغراب فخرج مترددا حتى نشفت المياه"(تكوين7:8) ومعلوم أنه بعدما نشفت الـمياه لم يرجع. وكقوله"ان ميكال ابنة شاول لم يكن لها ولد حتى ماتت"(2صموئل23:6) فهل ولدت بعد موتها،فإن لم تلد قبل موتها فكم بالأمر بعد وفاتها. وكقوله"ها انا معكم كل الايام حتى انقضاء الدهر"(متى19:28) العل الرب فيما بعد يتركهم. وكقوله"قال الرب لربي اجلس عن يـميني حتى اضع أعداءك موطئاً لقدميك"(مز1:109) فهل يبطل جلوس المسيح عن يمين ابيه بعد اخضاع اعدائه.

وعليه فلفظة "حتى" التى قيلت فانما اطلقت على ما لاحد له بمعنى انه لم يعرفها قط لاقبل ولا بعد.

 

ثالثا- معنى "ابنهـا البِكر"

بحسب الفِكر اليهودي "البِكر" يعني فاتح رحم، ولا تدل على أن هناك أولاد آخريـن، حتى ولو لم يكن له اخوة أصاغر، فالبِكر لـه الـميراث بحسب الشريعـة وهناك طقوس خاصة بحسب الناموس يلزم إجرائهـا لذلك الإبن البِكر كما جاء:"قدّس لـي كل بِكر كل فاتح رحم من بني إسرائيل من الناس والبهائم إنـه ليّ"(خروج2:13) و"كل فاتح رحم فهو ليّ" (خروج19:34).

+ دعي المسيح خمس مرات فى الكتاب المقدس باسم الإبن الوحيد ودعي بالعديد من المرات باسم الإبن فقط ليدل هذا اللقب على انه لا ثاني له "من يؤمن بالإبن فله الحياة الأبدية ومن لا يؤمن بالإبن فلا يعاين الحياة"(يوحنا36:3)، "الله لم يره أحد قط. الإبن الوحيد الذى فى حضن الآب هو أخبر"(يوحنا18:1) فهل يُعقل إذن أن هذا الإبن الوحيد الجنس يكون وحيداً لأبيـه ولا يكون وحيداً لأمـه؟

+ ذكر فى الإنجيل حادثـة القيامـة حيث جاء ذكر ملاكين جالسين عند القبر:" أما مريم

فكانت واقفة عند القبر خارجا تبكي. وفيما هى تبكي انحنت الى القبر فنظرت ملاكين بثياب بيض جالسين واحدا عند الرأس والآخر عند الرجلين حيث كان جسد يسوع موضوعاً"(يوحنا11:20-12) وهنا يتبادر عدة اسئلة: للـماذا جلس أحدهما عند الرأس والآخر عند أخمص القدم، ولماذا لم يجلسا معا فى الجهة الوسطى ولماذا لم يجلس احدهما فى الـمنتصف، ولماذا لم يكن هناك ملاك ثالث يتوسط الـملاكين فيجلس بينهما حيث كان جسد الرب يسوع؟. والجواب حيث قد وضع الـمسيح جسده الناسوتي لا يجرؤ ملاك أن يضع جسمه النورانـي، فإذا كان الـملاك لم يجرؤ أن يفعل هذا فى حجر فهل للإنسان أن يعمل هذا؟

+ جاء فى سفر الملوك الأول ان داود الملك عندما شاخ وتقدم فى الأيام وكانوا يدثرونه بالثياب فلم يدفأ وبحثوا له عن فتاة عذراء لتكن له حاضنة ليدفأ الملك "فوجدوا أبيشج الشونمية فجاءوا بها الى الملك وكانت الفتاة جميلة جدا فكانت حاضنة الملك وكانت تخدمه ولكن الملك لم يعرفها"(1ملوك1:1-4). وبعد موت داود جاء أدونيا اخو سليمان الملك وطلب بواسطة ام سليمان الملك ان يعطيه ابيشج الشونمية زوجة له ولكن حلف سليمان بالله الحي وقتل أدونيا بيد بناياهو بن يهوياداع فبطش بـه ومات (1ملوك13:2و17و23-25). وهنا فلنقارن بين عذراء داود الأرملة والعذراء مريم الأم الباقيـة عذراء، فسليمان الملك لم يوافق أن تصير أبيشج زوجة لأخيـه وهى التى يوما من الأيام اقترن اسمها بإسم داود. العرف والتقاليد تمنع بأن تصير للرجل إمرأة ابيـه (1كورنثوس1:5) فماذا لو فكرنـا لأن تصير العذراء مريم أم داود الجديد(هوشع5:3) وسليمان الحديث (متى42:12) أماً لغير الـمسيح يسوع؟

+ نبؤة حزقيال النبي حين كتب فى سفره وقال:"ثم أرجعني الى طريق باب المقدس الخارجي المتجه للمشرق وهو مغلق. فقال لي الرب هذا الباب يكون مغلقاً لا يُفتح ولا يدخل منـه إنسان لأن الرب إلـه اسرائيل دخل منـه فيكون مغلقاً"(حزقيال1:44-2). فأي باب هذا الذى فيه دخل ومنه خرج الرب وبهذا مُنع من دخولـه أي بشر آخر كي يظل الباب مغلقاً لا يُفتح لغيره ولا يُستخدم بعده؟

+ إذا كانت مريم العذراء فى بشارة الـملاك جبرائيل لها قد استغربت حين بشرها قائلا:"ها أنتِ ستحبلين وتلدين إبنا وتسمينـه يسوع"(لوقا31:1)،

                           ——————–

 

تساؤلات بخصوص لقب "والدة الإلـه"

سؤال: لـماذا أُطلق على القديسة مريم العذراء أم يسوع لقب "أم الله"؟، ومـا معنـاه؟

ويمكننا القول بأن مريـم هى أم يسوع الإنسان فقط ولا يمكن لبشر أن يكون أما لله؟. لا يُنكر أحد أن مريم كانت أم يسوع. أليس خطأ أن يُطلق عليهـا لقب "أم الله"؟ فهى لـم تكن كائنـة قبل الله أو قبل أن تلده، وبالطبع لم تعطيـه الألوهيـة؟

 

الرد:

منذ العصور الأولـى للـمسيحية وتطلق الكنيسة على مريم العذراء لقب "والدة الإله"، وهوليس مجرد إسم ولا هو لقب تكريمي للعذراء، إنـما هو تعريف لاهوتـي يحمل حقيقة حيّة إيـمانية، وتحمل لنا أيضا فعل محبة الله فى أعلى صورها.

ففى عام يونيو من431م إجتمع أكثر من 200 أسقفاً من جميع أنحاء الأرض فى مدينة افسس فى أيام الإمبراطور ثيودوسيوس الثاني ورأس الـمجمع القديس كيرلس الكبير بطريرك الأسكندريـة وذلك للدفاع ضد هرطقـة نسطور أسقف القسطنطينية الذى نادى بأن يسوع ما هو إلآّ شخصان بشري وإلهي بدلاً من شخص واحد ذو طبيعتين بشريـة وإلهيـة وبهذا تكون مريم هى أمـا لشخص يسوع البشري. وأطلق الـمجمع لقب "ثيؤتوكوس" أي "حاملـة الإلـه" على القديسة مريم، وأعلنوا:" إن كلمة "ثيؤتوكوس" لا تستحدث أي عنصر جديد فى الإيمان، وإنما تجمع فى تعبير قاطع ما استخدمته الكنيسة قبل عصور الـمجامع"، ثم أقّرهـا المجمع. وهذه العقيدة الـمريمية تجمع عليها كل الطوائف الـمسيحية من كاثوليك وأرثوذكس وأنجيليين.

وهذه الحقيقة هو ان العذراء مريم ولدت الإله الـمتأنس، أي الـمسيح بلاهوتـه وناسوتـه،وعندما نقول عن أم انها ولدت إنسانا لا نقول انها أم الجسد فقط بل أم الإنسان كله مع انها لـم تلد روح الإنسان الذى خلقه الله، هكذا تدعى القديسة مريم والدة الإله ولو انها لم تلد اللاهوت لكن ولدت الإله الـمتأنس. إذا كان السيد الـمسيح هو الله الذى ظهر فى الجسد كقول الرسول بولس"عظيم سر التقوى الذى تجّلى فى الجسد"(1تيمو16:3) فوجب أن تدعى العذراء بأم الله فهى أم يسوع، ويسوع هو الله وعلى هذا تكون القديسة مريم هى أم الله، وبالعكس إذا لـم تكن القديسة مريم أم الله لا يكون الإبن الـمولود منها إلها. إن حبل مريم بيسوع الـمسيح لـم ينتج عنه تكوين شخص جديد لـم يكن له وجود سابق كـما هى الحال فى سائر البشر بل تكوين طبيعة بشرية اتخذها الأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس الـموجود منذ الأزل فى جوهر واحد مع الآب والروح القدس. فيسوع الـمسيح ليس إلا شخص واحد، شخص الإله الـمتجسد الذى اتخذ طبيعتنا البشرية من جسد مريم وصار بذلك إبن مريم.

 

الأدلـة الـكتابية

ان الكتاب الـمقدس ينسب للقديسة مـريم هذا اللقب العظيم فى مواضع مختلفة:

– يقول آشعيا النبي "هوذا العذراء تحبل وتلد إبناً ويدعون اسمه عـمانوئيل" (أش 14:7) "الذى تفسيره الله معنا"وهذا الإبن هو الإله القدير (أش 6:9)

– عندما جاء الـملاك جبرائيل للقديسة مريم ليبشرها بالـميلاد العجيب قال لها "ها أنتِ تحبلين وتلدين إبناً وتسمينه يسوع هذا يكون عظيما وإبن العلي يدعى" (لوقا32:1)، فالذى ولدته العذراء هو يسوع (يهوة يخلّص) وهو ابن العلي، الله الكلمة الـمتجسد.

– عندما سألت العذراء الـملاك وقالت له "كيف لـي هذا وأنا لا أعرف رجلاً" كان رد الـملاك لها "الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك ولذلك فالقدوس الـمولود منك يدعى ابن الله" (لوقا35:1).

– القديسة أليصابات عندما امتلأت من الروح القدس عندما زارتها العذراء مريم صرخت بصوت عظيم وقالت "فمن أين لي هذا أن تأتي أم ربي إلـي" (لوقا43:1)، فالذى فى بطن العذراء هو الرب الإله. فيسوع هو "الرب" ولقب الرب يعني الله فإن كان الـمسيح هو الرب فأم الرب هى والدة الإله.

– يقول القديس بولس الرسول "ولما جاء ملء (كمل) الزمان أرسل الله ابنه مولوداً من امرأة" (غلاطية 4:4) فالـمولود من السيدة العذراء هو ابن الله الكلمة الذى صار جسداً.

– يقول الكتاب الـمقدس عن مريم انهـا "أم يسوع"(اعمال الرسل14:1)، وأن يسوع هو اللـه كما جاء "فى البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله"(يوحنا1:1)، والكلمة "صار جسداً"(يوحنا14:1)، فـمريم هى فى الحقيقة أم الله الكلمة المتجسدة.

جاء فى نص انجيل متى:"أما مولد الـمسيح فكان هكذا لـما خطبت مريم أمه ليوسف وُجدت من قبل أن يجتمعا حُبلى من الروح القدس" (متى18:1). وعندما ظهر الـملاك ليوسف فى حلم قال:"لا تخف أن تأخذ امرأتك مريم فإن الـمولود منهـا هو من الروح القدس ..وكان هذا ليتم ما قيل من الرب بالنبي القائل ها إن العذراء تحبل وتلد إبناً ويُدعى عمانوئيل الذى تفسيره الله معنا"(متى19:1-24).  وفى نص القديس لوقا:" وها أنتِ تحبلين وتلدين إبناً وتسمينه يسوع. وهذا سيكون عظيماً وابن العليّ يدعى.

وسيعطيه الرب الإله عرش داود أبيـه ويملك على آل يعقوب الى الأبد"فأجاب الـملاك وقال لهـا إن الروح القدس يحلّ عليكِ وقوة العليّ تُظللكِ ولذلك فالقدوس الـمولود منكِ يُدعى إبن الله"(لوقا31:1-32و35).  من هذه الآيات يتضح الآتـى:

       ان الـمولود هو "إبن العلي"، "الـمالك إلى الأبد"، الذى ليس لـملكه نهايـة".

       انـه "القدوس" ، "إبن الله".

       ان الحـمل و الـميلاد تـما بقوة الروح القدس وبدون زرع بشر.

       ان قوة الله العلي ظللت العذراء والروح القدس نفسه حلّ عليهـا.

       ان الـمولود هو من العذراء نفسها "الـمولود منكِ"، بمعنى إنـه نـما كأي جنين فى بطن امـه وتغذى على طعامها وأخذ ناسوتـه بالكامل منهـا.

معنى هذا ان الجنين أو الـمولود الذى كان فى بطن مريم العذراء هو القدوس ابن الله العليّ الـملك "الإلـه الحقيقي"(1يوحنا20:5)، وهو "صورة الله الغير الـمنظور وبِكر كل خلق"(كولوسي15:1)، وهو "إذ قد تَشارك الأولاد فى اللحم والدم اشترك هو أيضاً كذلك فيهمـا..من ثم كان ينبغي أن يُشبه إخوتـه فى كل شيئ"(عبرانيين14:2و17)، ويعنى هذا فى بساطـة ان مريم هـى أم الإلـه.

 الأدلـة الـمنطقية:

– إن الذين يعترضون على تسمية العذراء "أم الله" يقولون ان القديسة لـم تلد اللاهوت ولذلك لا يجب أن تدعى أم الله والحقيقة ان العذراء مريم ولدت الإله الـمتأنس، أي الـمسيح بلاهوته وناسوته وعندما نقول عن أم انها ولدت إنسانا لا نقول انها أم الجسد فقط بل أم الإنسان كله مع انها لـم تلد روح الإنسان التى خلقها الله، هكذا تدعى القديسة مريم والدة الإله ولو انها لم تلد اللاهوت لكن ولدت الإله الـمتأنس.

– إذا كان السيد الـمسيح هو الله الذى ظهر فى الجسد (1تي 16:3) فوجب أن تدعى العذراء بأم الله فهى أم يسوع ويسوع هو الله وعلى هذا تكون القديسة مريم هى أم الله، وبالعكس إذا لـم تكن القديسة مريم أم الله لا يكون الإبن الـمولود منها إلها.

– إن حبل مريم بيسوع الـمسيح لـم ينتج عنه تكوين شخص جديد لـم

يكن له وجود سابق كـما هى الحال فى سائر البشر بل تكوين طبيعة بشرية اتخذها الأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس الـموجود منذ الأزل فى جوهر واحد مع الأب والروح القدس. فيسوع الـمسيح ليس إلا شخص واحد شخص الإله الـمتجسد الذى اتخذ طبيعتنا البشرية من جسد مريم وصار بذلك إبن مريم.

– لقب مثل هذا قد يشابـه القول "خالقـة الخالق" قد يبدو فى ظاهره متناقض مثل تلك الالفاظ أو الأقوال أو التعبيرات التى جاءت فى الكتاب الـمقدس والتى قد تبدو متناقضة مثل ما جاء على لسان القديس بطرس فى عظته يوم الخمسين:"وقتلتم مُبدئ الحياة"(اعمال15:3)، أو ما جاء عن يسوع نفسه من انه صام لمدة 40 يوما ثم جاع هذا الذى أكثر الخبز وأشبع الجياع، وأيضا ما قالـه من "الآب هو أعظم مني"(يوحنا28:14) وهو نفسه القائل:"إن الله أبوه مساوياً نفسه بالله"(يوحنا18:5). مثل تلك الـمناقضات الظاهريـة لا يمكن فهمـها إلاّ إذا تم فهم من هو يسوع الإنسان التام والإلـه التام والذى أوضحهـا هو لنـا فى عدة مواضع من انـه "إبن الإنسان" و "إبن الله". بهذا الـمفهوم يـمكننا أن نقول انـه الرب الخالق الذى خلق مريـم، وأيضا هو الـمولود من مريم، وبـما أن يسوع هو شخص واحد الله الـمتجسد "الذى إذ هو فى صورة الله لم يكن يعتد مساواته لله إختلاساً لكنه أخلى ذاتـه آخذاً صورة عبد صائراً فى شبه البشر وموجوداً كبشر فى الهيئة"(فيلبي5:2-11)، لذا فيـمكن القول أن مريم هى أم يسوع الله الـمتجسد.

4. ان من ينكر هذا اللقب "ام الإلـه" يعود الى نفس الهرطقات التى ظهرت فى القرون الأولى للمسيحية  والتى تناولت مسألـة من هو يسوع الـمسيح واهمها:

– التبنيون Adoptionists والتى دعت ان يسوع هو إنسان عادي قد تبنـاه الله كإبن لـه.

– الغنوصيـة Docetism والتى نادت بأن يسوع الـمسيح لم يصر انسانا حقيقيا بل بدى هكذا كأنـه يحمل جسداً وانه قد عبر فى العذراء دون ان يأخذ من جسدها شيئا.

-الـمانيـة Manichaeism والتى اعتبرت ان ظهور يسوع كالنور المتلألئ مثله مثل بوذا والأنبياء وغيرهم وانـه ليس ابنا لـمريم بأي حال من الأحوال.

– الأريوسية Arianismفقد انكرت ان يسوع إبن مريم هو ابن الله غير المخلوق أوانـه واحد فى الجوهر مع الأب وبالتالي انكروا ألوهيـة السيد الـمسيح وامومة القديسة مريم للـه.

– النسطوريـة Nestorianism والتى لقبّت مريم بـخريستوكوس أي والدة المسيح، وقالوا انه يوجد شخصان فى المسيح ابن مريم وابن الله اتحدا معا اتحادا معنويـا لا اقنوميا، فالمسيح لا يسمى "الله" بل حامل الله على نفس الدرجة التى دعى اليه القديسون بالنعمة الإلهية التى توهب لهم، وهكذا فإن مريم لم تكن امـا للـه بل للإنسان يسوع الذى سكن فيـه الله. فيعود من يهاجم امومـة العذراء الى نص قانون الإيـمان الذى وضعتـه الكنيسة لتوضح من هو المسيح والذى جاء فيـه:"نؤمن برب واحد يسوع المسيح ابن الله الوحيد المولود من الآب قبل كل الدهور. اله من اله. نور من نور. اله حق من اله حق. مولود غير مخلوق. مساو للآب فى الجوهر الذى به كان كل شيئ. الذى من اجلنا نحن البشر ومن اجل خلاصنا نزل من السماء وتجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء صار انسانا وصلب عنا على عهد بيلاطس البنطى. تألم وقبر وقام من بين الأموات فى اليوم الثالث، كما فى الكتب، وصعد الى السموات، وجلس عن يمين ابيه. وياتى فى مجده ليدين الحياء والأموات. الذى لا فناء لملكه".

                      —————————

 

تساؤلات بخصوص إنتقال مريم العذراء للسماء بالنفس والجسد

 

سؤال: ما معنى التعليم القائل بإنتقال أو صعود العذراتء للسماء؟

 

الرد:

1. لاتوجد آيات صريجة تتحدث عن هذه العقيدة فى الكتاب المقدس، وايضاً لا يوجد ما ينفي هذا الإنتقال. وأيضاً لـم يقل أحد أو علّم بأن مريم العذراء قد صعدت بقوتها هى كما فعل السيد المسيح والذى عاين صعوده الرسل كما جاء فى سفر أعمال الرسل:"ولـمّا قال هذا ارتفع وهم ناظرون وأخذتـه سحابة عن عيونهم"(اعمال10:1)، وأكده ملاكان: "إن يسوع هذا الذى ارتفع عنكم إلى السماء سيأتى هكذا كما عاينتموه مُنطلقاً الى السماء"(اعمال11:1). فمريم العذراء قد نُقل جسدها للسماء بواسطة الملائكة ولهذا فيُوصف صعود السيد المسيح بأنـه "صعود" ويتم ترجمتها بـاللغة الإنجليزيـة الى  Ascension والتى تعنى صعود-ارتفاع طلوع-ارتقاء، بينما إنتقال مريم العذراء فيوصف بكلمة Assumption.   والتى تعنى "أُخذ إلى أعلى"، فلا بد من ان نفرّق بين كلمة "صعود" وكلمة "إنتقال"، فالعذراء مريم لم تصعد إذ ان الصعود خاص بالرب يسوع وحده، اما الإنتقال فهو بقوة الرب وهو ما حدث لأمنا مريم العذراء.  والمعنى اللاهوتي المسيحي لكلمة "إنتقال" هو وفاة أي ذهاب النفس دون الجسد إلى ملاقاة ربها لتنال جزاء ما صنعت من خير او شر على الأرض، ولكن مريم العذراء قد تميزت على كل الأرضيين بإنتقالها بالنفس والجسد الى ملكوت السموات. ولم يكن موت العذراء كما هو نزاعاً بين النفس والجسد بل كان جواب الأم لدعوة إبنها إلى سعادة مـجده، لذلك سمّى آباء الكنيسة موت العذراء "مروراً –راحة – رقاداً-سباتاً".

2. ان تمجيد مريم العذراء بإنتقالها للسماء هو تطبيق عملي لقول بولس الرسول:"وحيث نحن أبناء فنحن ورثـة ورثـة الله ووارثون مع المسيح إن كنّا نتألـم معه لكي نتمجّد معه"(رومية17:8)، ومريم ولدت يسوع وعاشت معه على الأرض وتألـمت معـه و"إُرس فيها سيف الوجع"(لوقا35:2) حسب نبؤة سمعان الشيخ، ونفذّت مشيئة الآب السماوي، أفلا تستحق أن تُـمجد"؟

3. حالات صعود الأجسام للسماء أو بـما يُسمى فى العهد الجديد بـ "الإختطاف" فمذكورة فى الكتاب المقدس وعليه فهى ليست حديثة العهد أو لـم يسبق لها مثيل:

 – أخنوخ: جاء عنه "وسلك أخنوخ مع الله ولـم يُوجد لأن الله أخذخ"(تكوين24:5)،

وجاء عنه ايضاً:"وبالإيـمان نُقل أخنوخ لئلا يرى الـموت ولـم يُجد بعد لأن الله نقله لأنـه من

قبل نقل شُهد لـه بأنـه أرضى الله"(عبرانيين5:11).

 – إيليا النبي: جاء عنـه "إذ مركبة ناريـة وخيل ناريـو..وطلع إيليا فى العاصفة إلى السماء"(4ملوك11:2).

ولقد ذكر القديس بولس كيفية ذلك الإنتقال للـمؤمنين وخاصة يوم مجيئ الرب:"ثم نحن الأحياء الباقين نُختطف جميعاً معهم فى السُحب لنلاقي المسيح فى الجو وهكذا نكون مع الرب دائماً"(1تسالونيكي17:4).

4. يظهر ايمان المسيحيون الأوائل فى إنتقال مريم العذراء الى السماء فى عدم وجود أي رفات او ذخائر لها،فلقد كانوا اشد الحرص على الإحتفاظ بذخائر القديسين والشهداء حتى ولو كان هناك مخاطر (مثل محاولة جمع ودفن بقايا و أشلاء اجساد لالشهداء الذين لقوا حتفهم امام الأسود ايام الإضطهادات)، وذلك لإيمانهم العميق بأن هذه الأجساد هى جزء من جسد المسيح السري وانها هيكل للروح القدس (1كورنثوس15:6و19). ولولا حرص المسيحيون الأوائل على ذلك لما عُرفت عظام القديس بطرس والقديسة مريم المجدلية وغيرهم من القديسين، فهناك المئات من رفانتهم محفوظة فى الكنائس التى شُيدت بأسماهم، ومن هنا يتبادر للذهن السؤال أين ياتُرى بقايا جسد القديسة مريم العذراء؟. لايوجد دليل او مرجع او كنيسة تتدعى معرفتها اين مكان جسد أم يسوع، وحتى قبرها والذى تدّعى كلا من كنيسة أفسس أو كنيسة أورشليم انها تمتلكه فهو فارغ. لقد ذكر القديس يوحنا الدمشقي هذه الحقيقة عندما ذكر ان القديس يوفينال Juvenal  اسقف اورشليم والذى حضر مجمع خلقيدونية (451م) اعلن للإمبراطور مارسيان والذى رغب فى الإحتفاظ بجسد أم الله بأن مريم قد ماتت فى حضور جميع الرسل وان قبرها عندما فُتح حسب طلب القديس توما وُجد فارغاً وعليه أجمع الرسل بأن جسدها قد رُفع للسماء.  لقد عُرف المسيحيون الأوائل ان هناك شيئا غير عادي وعجائبي قد حدث لجسد مريم وهذا يوضح لماذا لايوجد احد يدعى ملكيته او أي جزء منه لأنه غير موجود على الأرض بل فى السماء مُمجّد ومتحد بنفسها.

5. فى كتابات الأباء الأوائل فى الكنيسة وخاصة ما هو معروف بـ "إنتقال مريم Transitus Mariae والموجود بعدة لغات سريانية ويونانية ولاتينية وقبطية وعربية وحبشية والذى يرجع تاريخ كتابته الى القرن الرابع والخامس الميلادي وكلها تجمع على الإيمان بإنتقال مريم للسماء. لقد وقف آباء الكنيسة الأوائل بشدة فى وجه الخرافات والبِدع والهرطقات حفاظاً على ما تسلّموه من الإيمان القويم من الرسل، فإذا كان إنتقال مريم العذراء هو عبارة عن قصة خرافية لكنا نتوقع وجود كتابات تدحض مثل هذا الإعتقاد.

6. ان هذا التعليم لم يكن بأي حال من الأحوال دفاعاً عن بدعـة، ولكنه كان تأكيداً للإكرام الـمُقدّم لـمريم العذراء وذلك حسب سلطان الكنيسة الـممنوح لها من السيد الـمسيح وبنعمة من الروح القدس والذى هو "روح الحق فهو يُرشدكم الى جميع الحق"(يوحنا13:16).

7. لقد سمح الله بأن جسد مريم العذراء يُحفظ سالماً من الدنس بسبب عصمتها من تبعات الخطيئة الأصليـة وايضا الفعليـة، ولذلك من اللائق إستثنـاء جسدها من الفساد. وهذا ما رآه بعض الأباء مثل القديس توما الإكويني فى تفسيره للآيـة الواردة على لسان الملاك جبرائيل:"السلام عليكِ يا ممتلئة نعمة"(لوقا28:1)، فإن ميزة الإمتلاء بالنعمة هو أساس لتمجيد الله لـمريم، ولـم تقع بذلك فى لعنة الخطيئة التى وردت فى سفر التكوين 16:3-19)، ولهذا فإن مريم ممتلئة نعمة وروحاً وجسداً مما يستوجب عدم فساد جسدها.

8. لقد رأى بعض الـمفسرين فى الآيـة الواردة فى سفر المزامير:"قم ايها الرب الى موضع

راحتك انت وتابوت عزتك"(مزمور8:131) تأييداً لهذه العقيدة، فإن تابوت العهد القديم ما

هو إلاّ رمز لتابوت العهد الجديد أي القديسة مريم أم يسوع.

9. ورأى بعض الـمفسّرين فى الآيـة الواردة فى سفر الرؤيا:"وانفتح هيكل الله فى السماء وظهر تابوت عهده فى هيكله، وحدثت بروق وأصوات رعود وزلزلة وبرد عظيم"(رؤيا19:11) انه لا يمكن ان ينطبق على وجود تابوت مادي بل هو وجود القديسة مريم فى ملكوت السموات لأنه لا يمكن أن تظهر أشياء مادية فى السماء كالأبنيـة والأخشاب والنباتات أو غيرها.

10. ورأى بعض الـمفسرّين ايضا فى الآيـة الواردة فى سفر نشيد الأناشيد:"من هذه الطالعة من القفر الـمستندة على حبيبها" (نشيد الأناشيد5:8) وايضا ما جاء "من هذة الطالعة من القفر كعمود بخور معطّرة بالمرّ واللّبان"(نشيد الأناشيد6:3) إفادة بخروج العذراء مريم من العالـم بصحبة إبنها يسوع وهى مُمجدة.

11. ورأى بعض الـمفسرّين ايضا فى الآيـة الواردة فى اشعيا النبي:"مجد لبنان يأتي اليكِ .. أُمجد موطئ قدميّ"(اشعيا13:60) إفادة بالمجد الذى حصلت عليه مريم العذراء.

12. بـما أن الله قد حفظ جسد مريم فى البتوليـة والطُهر، فكان من اللائق أن يكّرم الله هذا الجسد كما يُمجد قديسيه الى يومنا هذا حيث يحفظ الرب بعض أجساد القديسين (امثال القديسة ريتا دى كاشيا والقديس انطزنيوس البادوي وغيرهم)، فإن مريم العذراء يجب ان تتميز على الكل بأن جسدها يُحفظ فى السماء.

13. ذُكر فى العهد القديم كيف أمات الله موسى ودفنه بنفسه فى جبل "نبو" بعيداً عن أعين الشعب خوفاً من ان يعبد الشعب جسده، لذلك قيل فى سفر التثنية:"ولم يعرف إنسان قبره إلى هذا اليوم"(تثنية6:34). ثم جاء فى رسالة يهوذا عن جسد موسى يكشف عن أهمية خاصة لجسد موسى ويبدو ان رئيس الـملائكة ميخائيل كان منوطاً به حراسة الجسد أو الصعود به إلى السماء وحاول إبليس أن يسترده أو يكشف عن مكانه لتضليل الشعب فوقعت معركة بينهما استنجد فيها رئيس الملائكة بالرب قائلاً:"لينتهرك الرب"(يهوذا9). فإذا كان قد صار إهتمام الله هكذا بموسى وكان هذا بسبب ان جسد موسى كان قد نضح عليه مجد الله وانعكس عليه نور وجهه بسبب تواجده مع الله اربعين يوما، وقبوله من يديه وصايا مكتوبة، فكم يكون إهتمام المسيح بجسد العذراء بعد نياحتها الذى نال حلول الروح القدس وملئا من النعمة وتظليلاً بقوة العلي ثم حلول الله الكلمة في أحشائها؟

14. ان إنتقال مريم العذراء هو تحقيق للنبؤة التى قيلت على لسان القديسة اليصابات:"طوبى للتى آمنت لأنه سيتم ما قيل لها من قِبل الرب"(لوقا45:1)، فها ان كل الوعود التى قيلت من قِبل الرب للمؤمنين به قد تحققت للعذراء، ونالت هذه النِعم السماويـة بأن تُصبح أماً ليسوع وأن تدوم بتوليتها وان يٌحبل بها بلا وصمة الخطيئة الأولى وان تكون أماً للـه وللكنيسة ,اخيراً إنتقال نفسها وجسدها للـمجد الأبدي.

15. ان عقيدة إنتقال مريم العذراء للسماء بالنفس والجسد مرتبطة بعقيدة عصمتها من دنس الخطيئة الأصلية وايضا عقيدة بتوليتها الدائمة، فحيث ان مريم قد حُبل بها بلا دنس الخطيئة الأولـى فهى لا تعاني تبعات وآثار تلك الخطيئة والتى منها إنحلال الجسد فى القبر، وحيث ان مريم قد حبلت بالمسيح وهى عذراء وولدته بـمعجزة وظلت عذراء فلا يمكن قبول ان جسده الذى تقدّس بقدوس الله يعاني فساداً.  

 

سؤال: يعتقد الكاثوليك ان يسوع ومريم متساويان لأنهما صعدا كليهما الى السماء، وهذا امر غير منطقي.

 

الرد: مريم العذراء لم تصعد الى السماء بل انتقلت الى السماء. السيد المسيح قد صعد بقوته، بينما أُخذت مريم العذراء الى السماء بمعرفة الله. هذا الإنتقال هو مطابق فى الأساس لما ذكره الإنجيلين عن إنتقال المؤمنين فى يوم مجئ الرب، وهذا ما تعلنه العقيدة من ان مريم العذراء قد إنتقلت للسماء.

 

سؤال: لـم يقل الكتاب المقدس ان مريم العذراء قد إنتقلت للسماء، فمن اين جاء هذا التعليم؟

 

الرد: الإنجيل المقدس هو ايضا لم يذكر أي شيئ عن نهاية حياة رسل السيد المسيح ةلكن كما ذُكر فى تاريخ الكنيسة من ان القديس بطرس مات مصلوبا منكس الرأس فى روما والقديس بولس مات بقطع رأسه، وهذه الأحداث لم تُذكر إطلاقاً فى الكتاب المقدس ولكنها متداولة ومعروفة ومقبولة من جميع الطوائف المسيحية. لـماذا إذم نرفض أن نصدف ما آمن بـه آباء الكنيسة الأوائل من أن يسوع قد رفع مريم الى السماء بعد أن أنهت حياتها على الأرض؟

 

سؤال: لماذا يأخذ الله مريم للسماء بهذا الشكل؟

 

الرد: ولـِمَ لا؟. لقد أخذ الله من قبل اخنوخ وايليا للسماء بغير حتى ان يذوقا الموت. لقد أقام الله موتى من اليهود الصالحين فى وقت موت السيد المسيح على الصليب (متى52:27-53)، ووعد الله بإنتقال الأحياء والأموات المؤمنين فى نهاية الأيام (1تسالونيكي16:4-17)، فلماذا لايفعل يسوع نفس الشيئ مع امه تلك المرأة التى يلزمه إكرامها بحسب قانونه؟ ومريم العذراء هى تابوت العهد الجديد فلماذا يسمح الله لهذا التابوت المقدس ان يفسد فى القبر؟ لايمكن ان يعقل ان الجسد الذى تقدّس بحلول كلمة الله فيه يرى فساداً، لهذا أخذ الله تابوت العهد الجديد الى السماء حيث رآها يوحنا الرائي كما جاء فى سفر الرؤيا(رؤيا19:11-1:12).

                    ——————–

                  

 مؤلفات الشماس نبيل حليم يعقوب عن مريم العذراء

1. "مريم العذراء التى حُبل بهـا بلا دنس" – مايو    1997                    

2."مريم الملكة المختارة والدة الإلـه" – سبتمـبر 1999   

3. "العذراء الناصعة..الرائعة..القانعة,العذراء الخاضعة الدامعـة الضارعـة" – أكتوبر1999

4.  "مريم وأبناءها: أمومتها..شفاعتهـا..إكرامها" – مايو 2000 

5. طلبة سيدتنا مريم العذراء..شرح وتفسير" – 15 أغسطس 2001

6. أخوة يسوع ما هـى حقيقتهم؟ – سبتمبر 2002                   

7."أعياد القديسة مريم العذراء" – 8 ديسمبر2002

8. مريـم العذراء الفتاة والأم والزوجـة – يناير 2003

9. الـمسبحة الورديـة – مارس 2003                                  

10. حياة مريم أم يسوع – أغسطس 2003                

11. مريم العذراء فى الكتاب الـمقدس -أغسطس 2003

12."فضائل القديسة مريم العذراء" (15أغسطس 2004)

13."الأسانيد الكتابية للتعاليم الكنسية عن القديسة مريم أم يسوع  الجزء الأول-عصمة مريم العذراء من دنس الخطيئة الأصلية" – (8 ديسمبر2004)

14.الأسانيد الكتابية للتعاليم الكنسية عن القديسة مريم أم يسوعالجزء الثانى قضية بتولية مريم الدائمـة ( اغسطس 2005) 

15.  الأسانيد الكتابية للتعاليم الكنسية عن القديسة مريم أم يسوع" – الجزء الثالث قضية والدة الله (مارس 2006)

16. الأسانيد الكتابية للتعاليم الكنسية عن القديسة مريم أم يسوع" – الجزء الرابع  إنتقال مريم العذراء الى السماء بالنفس والجسد (أغسطس 2006)

17. "القديسة مريم أم يسوع وسر تكريمها" (25 ديسمبر 2006)

18. "صلوات مع القديسة مريم العذراء" (يونيو 2007)

19. "حياتـي مع مريم – كتيب للصلوات اليومية" – (مايو 2007) من خلال My Life With Mary Apostolate

 

لوس أنجلوس فى 15 أغسطس  2007

St. Mary Coptic Catholic Church

2701 Newell Street

Los Angeles, California 90039