عظة البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير

بكركي، 23 سبتمبر 2007 (zenit.org).

ننشر في ما يلي عظة البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير التي ألقاها في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي.

"إحذروا أن يضلكم أحد"

 
يتحدث الإنجيل اليوم عن خراب الهيكل ونهاية العالم. هذاالهيكل الذي بناه سليمان الملك، حوالى ألف سنة قبل مجيء المسيح، ودمره البابليون 500 سنة قبل مجيء المسيح، وبدأ هيرودوس بترميمه بعشرين سنة قبل المسيح، ثم عاد فدمره الرومان 70 سنة بعد المسيح، ولم يبق منه حجر على حجر، كما قال السيد المسيح عينه.
سأل التلاميذ معلمهم عن مجيئه الثاني فأجابهم: إحذروا أن يضلكم أحد. هذا المجيء الثاني لا يعلم زمنه أحد، وستكون إذذاك نهاية العالم. وسيتفجر الشر وسيتفشى الكفر بين الناس بطريقة لا تقبل الردع، وسيقوم أنبياء كذبة ويضلون الكثيرين وسيتدخل الله ليقضي على هذا الشر ويعيد خلق عالم جديد.
وننتقل إلى الحديث عن الزواجات التي تتم بين أشخاص ليسوا من دين واحد أو مذهب واحد وهي زواجات مختلطة، والكنيسة لا تحبها وإن كانت لا تمنعها، محافظة على الأصول الدينية المسيحية.

الزواج المختلط

ما عدا الزواج المختلط، من حيث الدين، هناك زواج مختلط من حيث المذهب وقد وضعت له الكنيسة قواعد. ويجب الرجوع في هذه الزواجات الى التعليمات التي تضمنها الإرشاد الذي أصدره البابا بولس السادس في 31 آذار 1970، وهو موضوع عالجته اللجنة الحبرية لراعوية المهاجرين والسواح، في كتاب لها صدر في 26 أيار 1978. وجاء فيه "ان اللقاء بين مؤمنين كاثوليك وغير مسيحيين يقع في مناسبات كثيرة من جراء انتقال الأشخاص المتكاثر، وهو يرتدي أهمية كبيرة وينشأ عنه مشاكل تتعلق بالزواجات المختلطة وهي مشاكل لها أهميتها ودقيقة تقتضي معالجتها الكثير من الحكمة للحد من حرية الشخص في عقد مثل هذه الزواج والتقيد بالتعليمات التي تصدرها الكنيسة في هذا المجال. وهذه التعليمات تقيد الجهة الكاثوليكية لأنها تعليمات صادرة عن النيسة الكاثوليكية، وهي بالتالي تقيد الكاثوليك، ولكنها تطال أيضا غير الكاثوليك.

ان الزواج المختلط يعني ذاك الذي يعقده شخصان أحدهما معمد والآخر غير معمد أو يدين بدين غير كاثوليكي، مؤمنا كان أو غير مؤمن، وهذا النوع من الزواجات لا يتم إلا بعد نيل التفسيح المطلوب في هذه الحالة من السلطة الكنسية الكاثوليكية، وإلا وقع الزواج باطلا في نظر الكنيسة الكاثوليكية. وهناك تعليمات من الكرسي الرسولي تعالج الزواج المختلط الذي يتم بين كاثوليكي ومسيحي غير كاثوليكي، وهو غير الزواج الذي يتم بين كاثوليكي وغير مؤمن. والفرق بين الزواجين كبير لأنهما في أساسهما مختلفان اختلافا جوهريا. ويجب ان تترك الحرية للزوج الكاثوليكي في ان يربي الاولاد تربية مسيحية، وان يسود جو العائلة مناخ من التفاهم والهدوء الروحي والاجتماعي.

لا شك في أن الزواج الذي يتم بين شخصين لهما ايمان مسيحي واحد، هو عادة أثبت من زواج يتم بين معمد وغير معمد. والفرق كبير بالنسبة الى المعمد، لما عليه من واجبات دينية يجب ان يتمها، فيما شريك حياته قد يكون لديه واجبات اخرى مغايرة.

ان البابا بولس السادس قد اعترف في رسالته التي عنوانها "العناية الرعاوية بالدوارين او المهاجرين"، بان الهجرة هي مظهر من اكثر المظاهر التي تثير قلق الكنيسة، خصوصا في ما يتعلق بالزواج.

هناك قانون يقول: "ان الزواج بين شخصين احدهما قبل سر العماد في حضن الكنيسة الكاثوليكية، او احتضنته هذه الكنيسة، او لم يقص عنها بفعل وضعي، والآخر غير معمد، يعتبر زواجا غير صحيح، ويلحظ القانون الكنسي عدة حالات. الاولى تتعلق بشخص معمد في الكنيسة الكاثوليكية، او قبل في هذه الكنيسة او سواها من الكنائس المسيحية غير الكاثوليكية وشخص غير معمد. والحالة الثانية تنطبق على شخص معمد لم يخرج من الكنيسة الكاثوليكية بفعل وضعي كأن يكون قد جحد جهرا الايمان الكاثوليكي، كتابة او شفهيا، باعتناقه احدى البدع، او التحاقه بجماعة تناوىء الكنيسة الكاثوليكية والايمان الكاثوليكي، غير انه قضى حياة بعيدة عن كل ممارسة كنسية، ان هذا لا يشكل مثل هذا المانع.

ان الزواجات التي تتم بين شخصين مختلفي المذهب يقتضي له تفسيح من المطران الأبرشي، على ان تتم بعض شروط منها: اولا ان الشخص الكاثوليكي يعلن انه مستعد على الا يتخلى عن ايمانه الكاثوليكي، وان يبذل ما بامكانه لتعميد اولاده وتربيتهم بحسب الدين الكاثوليكي. ثانيا ان يعلم الزوج غير الكاثوليكي ان شريكه المعمد اخذ على نفسه هذا التعهد. ثالثا ان يطلع الزوجان على الخصائص الاساسية للزواج، وما يترتب عليه من نتائج، يلتزم كلا الزوجين بها.

وهذه المقتضيات الثلاث، عندما يكون هناك زواج يعقد بين شخصين مختلفي المذهب، علىالزوجين القيام بهذه المقتضيات وفق الصيغة التي يقترحها مجلس الاساقفة.

صعوبات الزواج مع اختلاف المذهب

ان الزواج مع اختلاف المذاهب، كالزواج المختلط، فيه صعوبات خاصة به، اولا ان الاختلاف بالنسبة الى الايمان ينشىء خلافات في مختلف مناحي التفكير، والمسلك، والحياة كلها. وفضلا عن ذلك، ان العودة الى ثقافة الزوجين بامكانها ان تختلف، وأن تشتد مع الزمن، أن تضع المعمد أمام صعوبات كثيرة ليبقى وفيا لمعتقداته الدينية، ويحمل على احترامها. ويكفي، لفهم ذلك، أن نتمثل أن كاثوليكيا تزوج من غير مسيحية، وذهب ليعيش في بلد زوجته الذي هو في غالبيته غير مسيحي.

ان البابا بولس السادس في وثيقته التي عنوانها "الزواج المختلط"، يلاحظ ان الزواجات المختلطة، بما انها نتيجة اختلاف الدين، والانقسام القائم بين الكنائس المسيحية، لا تساعد، بوجه عام، ما عدا بعض حالات خاصة، على اعادة تأليف الوحدة بين المسيحيين. وقد شرح أن "الصعوبات الناشئة عن الزواج المختلط هي كثيرة، لأن مثل هذا الزواج يدخل نوعا من الانقسام على الخلية الحية التي هي الكنيسة. والاختلاف في الحياة الدينية يجعل شاقا القيام باكمال الواجبات الدينية واحترامها.

وقد تطرق البابا يوحنا بولس الثاني غير مرة لهذا الموضوع. وفعل ذلك بوضوح في رسالته عن يوم المهاجر العالمي الصادرة في 15 آب سنة 1986. وقد دعا فيها المسيحيين الى استذكار هذا الواقع، وهو لكي يكون الزوجان متحدين في المحبة، يجب أن يحبا الله بهذه المحبة ذاتها، وأن هذا المبدأ يجب أن يكون في أساس كل اعتبار يتعلق بالزواج، سواء أكان بين مؤمن وكافر، أو كان بين كاثوليكي وغير معمد. وشدد البابا يوحنا بولس الثاني على العوائق الكبرى التي تعترض سبيل الزوجين في حال زواج تم مع اختلاف المذهب عندما يكون "الزوج الكاثوليكي مجبرا على الاقامة في بلد غريب عن الدين المسيحي، أو هو يظهر عداء لهذا الدين، في الحياة العامة، والتشريع، والعادات".
لهذا انه يوصي الكهنة ليضعوا موضع العمل "تعليما دينيا ينطق ووضع الخطيبين المختلفي الدين، ويهدف الى تثقيف كائنين مؤمنين دينيا، ومنخرطين في الحياة المدنية، ومتيقنين من الاسباب التي من أجلها يؤمنان شخصيا، لدوافع خاصة بالضمير أو بايمان مختلف عن ايمانهما. وهو يطلب من هؤلاء الاشخاص أن يتطوعوا في خدمة الفقراء، يشاركوا في حياة الجماعة بكاملها.

ويدعو قداسته ايضا في الرسالة عينها الى اعارة الزواجات المختلفة المذهب انتباها خاصا, مثل الزواجات المختلطة, وهذه الاخيرة اصبحت سهلة من جراء الهجرة والتبادل الثقافي بين البلدان.
وقد شدد الارشاد الرسولي عن العائلة الصادر في 22 تشرين الثاني 1981 على الصعوبات الخاصة التي قد يصادفها الزوجان في احترام كل منهما حرية الآخر الدينية. ويمكن هذه الحرية ان تجد عراقيل خطيرة من جراء الضغوط التي يمارسها احد الزوجين على الآخر ليحاول حمله على تغيير معتقده الديني, او بالاعتماد على عوائق كثيرة متنوعة تقف دون ممارسته حريته في الشأن الديني.
ولاحظ قداسته تكاثر الزواجات بين كاثوليك واشخاص غير معمدين. وفي مثل هذه الزواجات, ان الشخص غير المعمد والذي يمارس دينا آخر, يجب ان تحترم معتقداته الدينية, كما اشار اليه المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني في وثيقته "عصرنا".

الزواجات المختلطة تكاثرت خاصة في البلدان التي فيها أناس من أديان ومذاهب مختلفة. والمهم في هذا المجال ان يحافظ الكاثوليكي على معتقداته الدينية, بحسب تعاليم الكنيسة الكاثوليكية.

وان ما نشهده عندنا من احداث دامية مفجعة تدل على فقدان الايمان لدى بعضهم, والابتعاد عن تعاليم الله ووصاياه. ووصيته في عظته على الجبل تقول: "سمعتم انه قيل للاقدمين: لا تقتل. ومن يقتل يستوجب حكم القضاء. أما انا فاقول لكم: ان كل من يغضب على اخيه يستوجب حكم القضاء, ومن قال لأخيه: يا احمق! يستوجب حكم المجلس. ومن قال: يا كافر! يستوجب نار جهنم".
وما ابعدنا عن هذه التعاليم السامية, عندما تودي عندنا عبوة ناسفة فيها كمية كبيرة من المواد المتفجرة بحياة نائب وتسعة اشخاص آمنين, وتوقع ما يقارب الخمسين جريحا, وتنزل اضرارا جسيمة في المحلات والمباني المحيطة في مكان التفجير. ونتساءل قائلين: اما لهذا الليل من آخر؟".