من هم الكرادلة في الكنيسة الكاثوليكية؟ الأب رائـد عـوض أوب ساحلية

 

"ونحن على عتبة شهر تشرين الأول، شهر الوردية، أريد أن أوكل إلى السيدة العذراء مجمع الكرادلة الذي أنوي عقده في 21 تشرين أول بمناسبة اليوبيل الفضي الخامس والعشرين على بابويتي، وبهذه المناسبة فإني أريد أن أتعدى الحدود العددية المرعية وأقيم كرادلة جدداً". بهذه الكلمات أعلن قداسة البابا يوحنا بولس الثاني تعيين 31 كردينالاً جديداً في الكنيسة الكاثوليكية يوم الأحد الماضي وسيتم ترقيتهم لهذه المرتبة في الحادي والعشرين من الشهر الجاري حيث سيرتدون الثوب الأرجواني ويسلمهم البابا القبعة الأرجوانية أيضاً. فمن هم الكرادلة؟ وكيف يتم تعيينهم؟ وما هي وظيفتهم؟ وكيف يختار منهم خلفاً للبابا؟

 

سأحاول الاجابة على هذه الأسئلة من باب التعريف بهذه الرتبة السامية في الكنيسة الكاثوليكية.

 

إن تاريخ إقامة الكرادلة يعود إلى هيكلية تنظيم كنيسة روما التي أسسها القديس بطرس أول بابا في الكنيسة وخليفة السيد المسيح. ويعود ذلك إلى القرن الرابع للميلاد، فكان الكرادلة مستشارون ومعاونون للبابا في خدمة كنيسة في روما، ثم أصبحوا ينتمون إلى كنائس مختلفة في العالم. أما مجمع الكرادلة فقد أنشيء في عام 1150 وكان يرأسه أسقف أوستيا، الذي كان يدير الكرسي الرسولي عند وفاة البابا إلى أن ينتخب البابا الجديد. وفي عام 1059 أصبح الكرادلة هم الذين ينتخبون البابا الجديد. وفي القرن الثاني عشر أصبح الكرادلة يعينون في الكنائس الرئيسية خارج كنيسة روما أيضاً.  وبين القرن الثالث عشر والخامس عشر كان عدد الكرادلة لا يتجاوز الثلاثين، ثم رفعه البابا سكستوس الخامس إلى 70 كردينالاً في عام 1586. وفي مجمع الكرادلة التي انعقد في 15 كانون الأول عام 1958اعتمد البابا يوحنا الثالث والعشرون العدد الذي أقره البابا سكستوس الخامس والذي أكد عليه الحق القانوني لعام 1917 في الرقم 231.

 

وقد أقر البابا بولس السادس في 11 شباط 1965 إمكانية انضمام البطاركة الشرقيين إلى مجمع الكرادلة. وفي 21 تشرين الثاني لعام 1970 أقر البابا بولس السادس عمر 80 سنة كحد أقصى لخدمة الكرادلة في الدوائر الرومانية ومنظمات الكرسي الرسولي ودولة الفاتيكان، كما يفقدون الحق في التصويت لاختيار البابا والاشتراك في الاجتماع المغلق لاختيار البابا. وفي 5 تشرين ثاني عام 1973 رفع البابا بولس السادس عدد الكرادلة الذين يحق لهم انتخاب البابا إلى 120، وقد أكد البابا يوحنا بولس الثاني هذا القرار في الوثيقة حول الكرادلة التي نشرت في 22 شباط 1996.

 

أما البابا يوحنا بولس الثانس، الذي يحتفل في التاسع عشر من هذا الشهر بيوبيلة الفضي الخامس والعشرين لاعتلاء كرسي القديس بطرس كأسقف كنيسة روما وبابا الكنيسة الجامعة الكاثوليكية، فقد عين معظم الكرادلة الحاليين الذين يبلغ عددهم 164 كردينالاً، فقد عقد 19 مجمع كرادلة خلال حبريته ويبلغ العدد الذين يحق لهم بالتصويت لاختيار البابا حوالي 120 كردينالاً، أي أن عمرهم يقل عن 80 سنة وأما الباقون فقد تجاوزوا السن القانوني المسموح به حضور الاجتماع المغلق لاختيار البابا أو التصويت لانتخاب البابا. ويمكن القول بأن البابا الحالي قد ضرب رقماً قياسياً في تعيين كل الكرادلة وبهذا العدد الكبير، كما أنه عين جميع أساقفة العالم الذين يبلغ عددهم أكثر من 4000 أسقف.

بقي أن نقول كلمة وجيزة وسريعة عن انتخاب البابا: فعند وفاة البابا يجتمع جميع الكرادلة من جميع أنحاء العالم في الفاتيكان، ويدخلون الاجتماع المغلق في "الكابيلا سكستينا" الشهيرة، وينقطعون عن العالم حتى ينتخبوا من بينهم البابا الجديد، وبعد كل جلسة مغلقة تنتظر الجموع الغفيرة المجتمعة في ساحة القديس بطرس رؤية الدخان الذي يتصاعد من مدخنة مشرفة، فإذا لم يتم الاختيار يصعد دخان أسود وإذا تم الاختيار يصعد دخان أبيض، ويخرج بعد قليل عميد الكرادلة إلى شرفة كنيسة القديس بطرس ويقول باللاتينية "لدينا بابا" ويعلن عن إسمه ويقدمة للجماهير الغفيرة المتواجدة في الساحة. وقد تستغرق هذه العملية جلسات وقد تستمر لأيام ولكن الكرادلة لا يخرجون دون انتخاب البابا.

 

وأما تعيين الكرادلة الجدد فقد كان شاملاًً 18 دولة في العالم: الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، استراليا واسكتلندا، المكسيك والهند، البرزيل وجواتيمالا، اسبانيا ونيجيريا، فرنسا والسودان، غانا وكرواتيا، فيتنام وهنغاريا، اليابان وإيطاليا. وثمانية منهم يرأسون دوائر كنسية في الفاتيكان، والعديد منهم يرأس كنائس ذات كرسي كردينالي متعارف عليه تاريخياً. وقد فاجأ البابا العالم بتعيين أربعة كهنة لدرجة الكردينالية. ويمكن اعتبار تعيين رئيس أساقفة الخرطوم في السوادن المفاجأة الكبرى في هذا المجمع وهو جبرائيل زبير واكو، ويعتبر أول كاردنيال في تاريخ السودان والذي أعرب عن تأثره العميق بهذه اللفتة الكريمة من قداسة البابا واعتبرها دعماً وتكريماً لمليون مسيحي كاثوليكي يعيشون في السودان. كما أن البابا عين كاردينالاً فيتنامياً لأول مرة حيث لا تتمتع الكنيسة بالحرية الدينية لدرجة أن الحكومة الفيتنامية رفضت الاعتراف بهذا التعيين ولكن الكرسي الرسولي لا يستشير الدول بهذا الخصوص. كما أن البابا يحتفظ باسم الكاردينال الحادي والثلاثين سرياً وذلك لحساسيات سياسية أو كنسية وقد يعلن عنه قبل انعقاد المجمع بأيام وقد يبقيه سرياً.

 

ومن الجدير بالذكر أنه يوجد ثلاثة كرادلة عرب في مجمع الكرادلة وهم الكاردينال مار نصرالله صفير بطريرك الموارنه في لبنان، الكرادينال اسطيفان الثاني غطاس، بطريرك الأقباط الكاثوليك في مصر، والكاردينال أغناطيوس موسى داود، بطريرك السريان الكاثوليك سابقاً ورئيس مجمع الكنائس الشرقية في الفاتيكان. ومن يدري فقد يأتي دور كنيسة القدس أم جميع الكنائس، أفلا تستحق أن يكون لها كردينالاً مثل سائر الكنائس في العالم؟!

 

يمكننا القول مع قداسة البابا يوحنا بولس الثاني لدى اعلانه عن الكرادلة الجدد: "إن المرشحين للكردينالية ينحدرون من أنحاء مختلفة من العالم ويضطلعون بمهام مختلفة في خدمة شعب الله، فإنهم باختلاف مهامهم يعكسون الصورة الجامعة والعالمية للكنيسة الكاثوليكية". التي تمثل حوالي أكثر من مليار مسيحي في العالم. وهذا يؤكد كلام السيد المسيح عندما أرسل الرسل: "اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الأب والإبن والروح القدس وعلموهم أن يحفظوا كل ما أوصيتكم به، وهاءنذا معكم طوال الأيام إلى انقضاء الدهر" وكذلك وعد السيد المسيح للقديس بطرس عندما أقامه هامة للرسل: "أنت الصخر وعلى هذا الصخر سأبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها".

 

الأب رائـد عـوض أوب ساحلية

 الأحد 5/10/2003