الفاتيكان، 8 أكتوبر 2007 (ZENIT.org).
ننشر في ما يلي الخطاب الذي ألقاه البابا بندكتس السادس عشر أثناء مقابلته الخاصة مع أعضاء اللجنة اللاهوتية العالمية بمناسبة دورتها السنوية العامة نهار الجمعة 5 أكتوبر 2007.
أيها السادة الكرادلة،
أيها الإخوة في الأسقفية،
حضرات الأساتذة اللامعين والمساهمين الأعزاء،
أستقبلكم بفرح خاص عقب اختتام أعمال دورتكم العامة السنوية.
أود أن أوجه شكرًا قلبيًا إلى حضرتكم، نيافة الكاردينال، لأجل كلمات الإكرام التي وجهتموها لي بصفتكم رئيس اللجنة اللاهوتية العالمية.
كما سبق وذكرتم، لقد أعطت أعمال "الخماسية" السابعة للجنة اللاهوتية العالمية ثمارًا عملية من خلال إصدار وثيقة "رجاء الخلاص للأطفال الذين يموتون دون معمودية".
في هذه الوثيقة، يتم استعراض هذا الموضوع في إطار شمولية إرادة الله الخلاصية، وشمولية وساطة المسيح الفريدة، وأولوية النعمة الإلهية وأسرارية الكنيسة.
ثقتي بأن تشكل هذه الوثيقة مرجعًا مفيدًا لرعاة الكنيسة وللاهوتيين، وعونًا ومنبع تعزية للمؤمنين الذين تألموا في العائلة جراء موت غير متوقع لطفل لم يتلق غسل الولادة من جديد.
تستطيع أفكاركم أن تكون مناسبة لتعمق ولبحث أوسع في هذا الشأن. بالحقيقة، علينا أن نتعمق دومًا بشكل أكبر في فهم مختلف أشكال ظهور حب الله، الذي اعتلن في المسيح، نحو البشر جميعًا، وخصوصًا نحو الأصغر والأفقر.
أهنئكم لأجل النتائج التي أحرزتموها، وفي الوقت عينه، أشجعكم على الاستمرار في الالتزام بدراسة المواضيع المطروحة لهذه السنوات الخمس، والتي سبق وعالجتموها في السنوات السابقة وفي هذه الدورة العامة الحالية.
هذه المواضيع ، كما سبق وأشرتم، نيافة الكاردينال، هي أسس الشريعة الخلقية الطبيعية، ومبادئ اللاهوت ومنهجه.
بمناسبة المقابلة في 1 ديسمبر 2005، قدمت لكم خطوطًا أساسية للعمل الذي يجب على اللاهوتي أن يقوم به في شركة مع صوت الكنيسة الحي تحت رعاية السلطة التعليمية. أود أن أتوقف بشكل خاص الآن حول مسألة الشريعة الخلقية الطبيعية.
كما تعرفون، بدعوة من مجمع عقيدة الإيمان، يجري عقد سلسلة من حلقات الدرس وأيام الدرس، من قبل عدة مراكز جامعية ومؤسسات، بغية التوصل إلى أسس وتفاهم بناء وفعال بشأن التعليم المتعلق بالشريعة الطبيعية. لقد لقيت هذه الدعوة قبولاً إيجابيًا وصدىً لافتًا. ولذا، يتم انتظار إسهام اللجنة اللاهوتية العالمية باهتمام بالغ، لكي تبرهن وتبين أسس شريعة خلقية جامعة، تنتمي إلى إرث الحكمة البشرية، التي تشكل بنوع ما، مشاركةً للخليقة العقلية في شريعة الله الأزلية.
لسنا إذًا بصدد موضوع طائفي حصرًا، حتى ولو أن التعليم بشأن الشريعة الخلقية الطبيعية يستنير وينمو بالملء على ضوء الوحي المسيحي وتحقيق الإنسان في سر المسيح.
يلخص تعليم الكنيسة الكاثوليكية بشكل جيد مضمون التعليم حول الشريعة الطبيعية، مظهرًا كيف أنها "تقدم القواعد الأولى والجوهرية التي تنظم الحياة الخلقية. ركيزتها هي التوق والطاعة لله، منبع وحكم كل خير، إضافة إلى معنى الآخر كمساوٍ للذات. في خطوطها الرئيسية، تُعرَض هذه الشريعة في الوصايا العشر. يتم تسمية هذه الشريعة "طبيعية"، لا بالنظر إلى طبيعة الكائنات غير العقلانية، بل لأن العقل الذي يصدرها هو عقل خاص بالطبيعة البشرية" (عدد 1955).
مع هذا التعليم نتوصل إلى غايتين جوهريتين: من ناحية، نفهم أن مكنون الإيمان المسيحي الخلقي لا يشكل فرضًا من الخارج على ضمير الإنسان، بل قاعدة لها ركيزتها في الطبيعة البشرية بالذات؛ من ناحية أخرى، انطلاقًا من الشريعة الطبيعية المتوفرة بحد ذاتها لكل خليقة عقلانية، تشكل أساسًا للدخول في حوار مع كل البشر ذوي الإرادة الصالحة، وبشكل عام، مع المجتمع المدني والعلماني.
ولكن نظرًا لتأثير عوامل ذات طابع ثقافي وإيديولوجي، يجد المجتمع المدني والعلماني نفسه اليوم في حالة ضياع: لقد فقد الوضوح الأولي لأسس الكيان البشري ولتصرفاته، وتواجه الشريعة الطبيعية مفاهيم أخرى تشكل نكرانًا لها. ولهذا الأمر نتائج خطيرة في المجال المدني والاجتماعي.
يسيطر لدى الكثير من المفكرين مفهوم وضعي للقانون. فبنظرهم، البشرية، أو المجتمع، أو أغلبية السكان، هي المنبع الرئيسي للشريعة المدنية. ولذا المشكلة المطروحة هي ليست البحث عن الخير، بل مشكلة السلطة، أو بالحري توازن القوى.
في أساس هذه النزعة هنالك "النسبية الخلقية"، التي يتوصل البعض إلى أن يرى فيها أحد الشروط الأساسية للديمقراطية، لأن النسبية بنظرهم تضمن التسامح والاحترام المتبادل بين الأشخاص. ولكن لو كان الأمر حقًا كذلك، لصارت الأكثرية في وقت معين مصدر القانون الأساسي. والتاريخ يبين بوضوح كبير أن الأكثريات تستطيع أن تخطئ.
العقلانية الحقة لا يضمنها الاتفاق بين عدد كبير من الأشخاص، بل فقط شفافية العقل البشري وعكسه للعقل الخالق والاصغاء المشترك لمصدر عقلانيتنا هذا.
عندما يتعلق الأمر بالمتطلبات الأساسية لكرامة الشخص البشري، لحياته، للمؤسسة العائلية، للعدالة في التنظيم الاجتماعي، أي الحقوق الأساسية للإنسان، ما من شريعة يضعها البشر تستطيع أن تتلاعب بالقانون الذي وضعه الخالق في صميم قلب الإنسان، دون أن يؤدي ذلك إلى إصابة المجتمع نفسه بشكل مأساوي في ما يشكل ركيزته التي لا بديل لها.
يصبح القانون الطبيعي هكذا الضمانة الحقيقية المقدمة لكل شخص حتى يعيش حرًا ومحترمًا في كرامته، محميًا من أي نوع من الاستغلال الإيديولوجي ومن كل غوغائية وتسلط من قبل من هو قوي. ما من أحد يستطيع أن يتملص من هذا النداء إلى الواجب. إذا ما افترضنا أن قد يتوصل عمى الضمير الجماعي، والشكوكية والنسبية الخلقية إلى محو المبادئ الأساسية للشريعة الطبيعية، فالتنظيم الاجتماعي نفسه سيصاب بشكل مميت وجذري في أسسه. بوجه هذا العمى، الذي هو أزمة حضارية، قبل أن يكون أزمة مسيحية، يجب أن نحرك كل ضمائر البشر ذوي الإرادة الصالحة، علمانيين أم منتمين إلى ديانات مغايرة عن المسيحية، لكي يلتزموا معًا، وبشكل عملي في خلق الشروط الضرورية، في الثقافة والمجتمع المدني والسياسة، لكي يتم التوصل إلى وعي كامل لقيمة الشريعة الخلقية الطبيعية الذي لا يمكن التغاضي عنه. إذ إن تقدم الأفراد والمجتمعات في سبيل التطور الأصيل، يرتكز على احترام هذه الشريعة، بشكل يطابق العقل السليم، الذي هو اشتراك في عقل الله الأزلي.
أعزائي، بعرفان أعبر لكم جميعًا عن تقديري للإخلاص الذي يميزكم، كما وأعبر عن احترامي للعمل الذي قمتم به وما زلتم.
وإذ أعبر لكم عن تمنياتي بالخير لأجل التزاماتكم المستقبلية، أمنحكم بعطف بركتي.
بندكتس السادس عشر يتحدث عن إحدى وظائف البحث اللاهوتي الأساسية
"علينا أن نتعمق دومًا بشكل أكبر في فهم مختلف أشكال ظهور حب الله، الذي اعتلن في المسيح، نحو البشر جميعًا"
عبر البابا بندكتس السادس عشر، في معرض خطابه إلى أعضاء للجنة اللاهوتية العالمية نهار الجمعة 5 أكتوبر عن عرفانه للعمل الذي تقوم به اللجنة في مجال البحث اللاهوتي، وأشار إلى أن جوهر العمل اللاهوتي هو "أن نتعمق دومًا بشكل أكبر في فهم مختلف أشكال ظهور حب الله، الذي اعتلن في المسيح، نحو البشر جميعًا".
ففي كلامه عن الوثيقة المتعلقة بخلاص الأطفال الذين ماتوا قبل تلقي سر العماد بعنوان "رجاء الخلاص للأطفال الذين يموتون دون معمودية"، قال الأب الأقدس: "في هذه الوثيقة، يتم استعراض هذا الموضوع في إطار شمولية إرادة الله الخلاصية، وشمولية وساطة المسيح الفريدة، وأولوية النعمة الإلهية وأسرارية الكنيسة".
وأضاف: "تشكل هذه الوثيقة مرجعًا مفيدًا لرعاة الكنيسة وللاهوتيين، وعونًا ومنبع تعزية للمؤمنين الذين تألموا في العائلة جراء موت غير متوقع لطفل لم يتلق غسل الولادة من جديد".
ثم قال: "تستطيع أفكاركم أن تكون مناسبة لتعمق ولبحث أوسع في هذا الشأن. بالحقيقة، علينا أن نتعمق دومًا بشكل أكبر في فهم مختلف أشكال ظهور حب الله، الذي اعتلن في المسيح، نحو البشر جميعًا، وخصوصًا نحو الأصغر والأفقر".