مقدّمة
إن الإنسانية المثالية تكمن في الانتماء العميق إلى الله والارتباط الوثيق به. ولقد حقق يسوع ملء هذه الإنسانية. ونحن بدورنا مدعوون للبلوغ إلى هذا الملء بيسوع المسيح (أف4/13).. ألا يكفي؟!.. ألا يكفي أن يكون يسوع إنساناً نموذجياً يكشف عن الوجه الحقيقي للإنسان؛ فنقتبس منه هذا الوجه، وننتمي بواسطته إلى الله، ونرتبط به بثقة، وبذلك يكون الخلاص؟!.. لماذا هو إله أيضاً؟ ما أهمية ذلك بالنسبة لنا؟.. وبالمقابل، ما معنى أنه إله؟ ألكي يكون بإزاء الله، وبذلك يصبح الإيمان بألوهيته إيماناً بتعدد الآلهة؟.. بالطبع لا. وليس هو كائن وسط بين الله والإنسان. ما معنى أنه والله من جوهر واحد؟.. ما معنى أننا نؤمن بالآب والابن والروح القدس الإله الواحد؟.. تساؤلات كثيرة، لها من الأهمية، كما ذكرنا في المقال السابق، كأهمية الموضوع نفسه. والإجابة لا تأتي فقط من استعراض الأفكار، إذ لا بدَّ من اختبار وجودي في الإجابة عنها. فهل، كما تساءلنا في المقال السابق: كيف يكون يسوع إنسان "مِثْلي"؛ وتحوّل بنا السؤال إلى: كيف يمكنني أنا أن أكون "مِثْله".. هل سيتحوّل بنا السؤال في آخر المقال إلى سؤال آخر؟!.. سوف نتبع المنهجية نفسها، فنستعرض شفافية الألوهيّة في شخصية يسوع المسيح، بالطبع دون أن نذيب الإنسانية، من خلال الكتاب المقدس أولاً، ثم من خلال لاهوت وعقائد الكنيسة.
1- يسوع في الكتاب المقدس
المبدأ والأساس في التعرف على ألوهيّة المسيح: النظرة الصحيحة إلى الإنسان
علينا دائماً، عندما نريد الدخول في فهم سر ألوهيّة المسيح، تأمل رغبة الله في تأليه الإنسان. حيث تؤكد الأنثروبولوجيا الكتابيّة على فرادة الإنسان وأهميته في الخليقة. لا بل إنه هدف الله، والخليقة بأسرها إنما وجدت من أجل هذا الهدف. على "صورته ومثاله" يُبدعه، "ينفخ" فيه روحه، يشاركه في السيادة على كلّ ما لديه (تك1/26-28، 2/7). نستطيع أن نتلمّس رغبة الله في تأليه الإنسان، ليس فقط في الصفحات الأولى من الكتاب المقدس، بل في معظم صفحاته. المشكلة تكمن في أن الإنسان "أراد أن يجعل نفسه إلهاً دون الله، بالاستغناء عن الله. لقد كان يتوق إلى التأله ولكنه ضلَّ الطريق إذ اعتقد أن التأله يتم بانتفاخ الأنا. لقد كان في تصميم الله أن يتأله الإنسان، فإنه لم يخلق الإنسان ليكون له عبداً بل شريكاً في حياته الإلهية. ولكن هذا التأله لم يكن ممكناً بمعزل عن الله بل كان مشروطاً باتحاد الإنسان بالله، لأن من الله، ومن الله وحده، يستمد الإنسان كلّ موهبة وقوة وحياة. خارج الله ليس سوى العدم والفراغ والموت. ولكن الإنسان استمع إلى خداع الشرير فطمع بالتأله دون الله، فلم يبلغ مأربه بل انحط من مستواه الإنساني الأصيل عندما أراد أن يتشامخ فوقه وأخضع طبيعته للموت"[1]. هذا بالمختصر حقيقة آدم وحواء، الإنسان المنغلق في حدوده، والسمّر في ضعفه.
يستطيع الإنسان، إذن، بحسب مفهوم المسيحية، وفي أساس وجوده، أن يكون شفافاً لله بالانتماء إليه وبالعلاقة معه. لم يستطع ذلك في الواقع، وبكامل حريته، وهذا هو ألم الله. الله يتألم مذ أخفق الإنسان في مسيرة التأله[2].
إن يسوع، وهو آدم الجديد، وبحريته أيضاً، كشف بعمق عن هذه الإمكانية، خصوصاً في موته وقيامته. (1كو15/45-49)، كشف في ذاته عن إمكانية عدم التسمُّر في الحدود الإنسانية الضيقة والضعيفة، بانتمائه إلى الله، وبكونه من ذات كيانه. فإن استطعنا فهم مشيئة الله في تأليه الإنسان استطعنا الدخول في سر ألوهيّة المسيح، وبالعكس، إن دخلنا بعمق في سر ألوهيّة المسيح أطلت علينا رغبة الله في تأليهنا. المسألة إذاً، مسألة اختيار: البقاء في آدم المحدود، أو الاتشاح بالمسيح القائم والحي أبداً (غلا3/27).
ألقاب يسوع تعرّف عنه
نتابع ما بدأناه في المقال السابق، التعريفَ عن شخصية يسوع المسيح من خلال "الألقاب"، التي أُطلقت عليه أو أطلقها هو نفسه على نفسه. ونؤكد مجدداً أن هذه الألقاب، تدلّ في آنٍ معاً على ألوهيّة يسوع وإنسانيته، ولكننا نستطيع أن نرى في بعضها دلالات أقوى على إلوهته، كما رأينا في الأخرى الدلالات على إنسانيته. ولننتبه أيضاً إلى تغيير المعنى الجذري لها، بحسب مفهوم يسوع.
1– يسوع هو "الرب":
إن لفظة "الرب" هي ترجمة للفظة اليونانية كيريوس ، التي تُطلق على إنسان بغية الاحترام والتكريم، وتأتي بمعنى "السيد"[3]. استعملت مئات المرات في الكتاب المقدس بمعناها العادي، ولا تزال تستعمل إلى يومنا بهذا المعنى. ولكن، هناك مدلول آخر للكلمة يحمل معنى الألوهيّة، لا بدّ لنا من التبحر في تفسيره[4].
لقد كان شعب العهد القديم ومعاصرو يسوع "يمتنعون عن لفظ اسم الله "يهوه" احتراماً له. لذلك في قراءاتهم العمومية للكتاب المقدس، كانوا كلما يشاهدون هذا الاسم يقرأونه "أدوناي"، أي "الرب". ولقد تُرجمت هذه اللفظة إلى اليونانية، فيما يعرف بالترجمة السبعينية (LXX) بـ Kuryos أي "السيد" أو "الرب". وهكذا أصبحت لفظة "الرب" مرادفة لاسم الجلالة[5]، فكثيراً ما يقال "الرب الإله" للدلالة على الله، وعلى سيادته المطلقة عليهم وعلى الخليقة بأسراها، فهو "السيد" ولا سيد سواه[6].
لقد أطلق الرسل على يسوع هذا اللقب: "الرب" (Kuryos)، بمعناه المقدّس الذي يدلّ على الألوهيّة، لمّا اكتشفوا سره الفصحي في الموت والقيامة، فشاهدوا فيه وجه الله. إن هذا اللقب "يعبّر عن ذروة سرّ يسوع ابن الله"[7].
إن الإيمان المسيحي، الذي يتمحور حول شخص يسوع المسيح القائم من بين الأموات، يتطلّب "الشهادة" أن يسوع هو "الرب"، يقول بولس: "إذا شهدت بلسانك أن يسوع هو الرب، وآمنت بجنانك أن الله قد أقامه من بين الأموات، نلت الخلاص" (رو10/9). لذلك نجد يوحنا في اكتشافاته الأولى لشخصية يسوع بعد قيامته يشهد لبطرس: "هذا هو الرب" (أنظر: يو21/1-14)، كذلك التلاميذ: "لقد رأينا الرب" (يو20/25). ويؤكد بطرس، في بشارته الأولى يوم العنصرة، بعد أن يقوم بقراءة جديدة لشخصية يسوع، بطريقة "الخطف خلفاً" الـ Flash Back؛ يؤكد أن الله قد مجّد يسوع بأن جعله "رباً ومسيحاً" (رسل2/36).
"إن إعلان يسوع رباً لا يعني أنه بقيامته قد نال من الله ما لم يكن يملكه من قبل، أي كان مجرّد إنسان ثم أصبح رباً بعد قيامته. إن قيامة يسوع هي كشف وإعلان أمام الملأ لسر شخصه كما هو في ذاته منذ الأزل. وهذا ما يوضحه نشيد قديم يعود إلى المسيحيين الأولين، وقد أدخله بولس في رسالته إلى الفيلبيين (2/6-11). يصف هذا النشيد في ست فقرات المراحل التي مرَّ بها شخص يسوع:
وجوده قبل التجسد |
|
هو قائم في صورة الله، لم يعتدّ مساواته لله حالة مختلسة |
تجسده |
|
بل لاشى ذاته آخذاً صورة عبد، صائراً شبيهاً بالبشر، فوجد كبشر في الهيئة، |
تنازله حتى الموت |
|
ووضع نفسه، وصار طائعاً حتى الموت، الموت على الصليب. |
تمجيده |
|
لذلك رفعه الله رفعة فائقة، وأنعم عليه بالاسم الذي يفوق كل اسم، |
سجود الخلائق له |
|
لكي تجثو لاسم يسوع كل ركبة مما في السماوات، وعلى الأرض وتحت الأرض، |
إعلانه رباً |
|
ويشهد كل لسان بأن يسوع هو رب لمجد الله الآب.[8] |
لقد أحبّ يسوع نفسه هذا اللقب: "الرب"، وأقرنه دائماً بفعل "إخلاء الذات"، الذي كان قدوة فيه، فبعد أن غسل أقدام تلاميذه قال لهم: "أنتم تدعوني الرب والمعلم، وقد أصبتم فيما تقولون، فهكذا أنا. وإذا كنت أنا الرب والمعلم قد غسلت أقدامكم، فيجب عليكم أنتم أيضاً أن يغسل بغضكم أقدام بعض" (يو13/13-14).
والكنيسة الرسولية بدورها أحبّت هذا اللقب: "الرب". فنجد بولس يفتتح معظم رسائله بالتحية التي تتضمن تعبير "الرب يسوع المسيح". كما يرتبط هذا اللقب أيضاً بزمن الملكوت الذي بدأ يتحقق، بانتظار اكتماله في نهاية الأزمنة، فلقد تُرك، وبلغته الأصيلة الآراميّة، تعبير "ماران أتا" أي: "تعالَ أيها الرب" (1كو16/22) تأكيداً أن يسوع هو حضور الله المخلص، وهذا تفسير لفظة يسوع: يه شوع، يهوه يخلص، الله يخلص (مت1/21)، الله القريب من البشر، الله هو "عمانوئيل"، الله معنا (مت1/23).
2- يسوع هو "ابن الله":
إن فكرة تبنّي الله للإنسان فكرة قديمة. نجدها، ليس فقط في الأديان والثقافات الغابرة، بل أيضاً في أسفار الكتاب المقدس الأولى. لقد "كان شعب العهد القديم بجملته يعتبر نفسه ابناً لله". ففي سفر الخروج نقرأ قول الله لموسى: "قل لفرعون: كذا قال الرب.. أطلق ابني ليعبدني" (4/22). وكذلك يقول النبي هوشع عن شعب الله: "من مصر دعوت ابني" (11/1). وكان الملك بنوع فائق "ابن الله"، فهو يمثّل الشعب كلّه، وفي شخصه تتجمّع وعود الله لشعبه، يقول ناتان النبي باسم الله لدواد الملك: "متى تمّت أيامك واضّجعت مع آبائك، سأقيم من يليك من نسلك الذي يخرج من صلبك وأقرّ ملكه.. أنا أكون له أباً، وهو يكون لي ابناً" (2صمو7/12-14). ويقول المزامير في ذلك: "وجدت داود عبدي، بطيب قداستي مسحته… يدعوني: انك أبي وإلهي وصخرة خلاصي".
إن الأناجيل الإزائية تظهر أن يسوع منذ الحبل به، كما يعلن المبشّر، أنه "عظيم وابن العلي يدعى" (لو1/32)، وفي اعتماده يُسرّ الآب بمناداته "ابنه الحبيب" (مت3/17، مر1/11، لو3/22)، كذلك في تجليه (مت17/5، مر9/7، 9/35). ويشهد يوحنا المعمدان وتلاميذ يسوع والجموع ببنوّته لله لفعالية كلامه، ولما رأوا من الآيات (مت14/32، مر3/11، لو4/41، يو1/29-34،49). وغالباً ما يرتبط في الأناجيل لقبي "المسيح و"ابن الله" (مر1/1، 16/16، يو20/30-31). ويسوع نفسه يصرّح بأنه ابن الله (مت26/63-64)، ولكن بعد تحفظ طويل!.. فلِمَ هذا التحفظ؟.. ألأنه كان يخشى الفهم الخاطئ لحقيقة بنوّته الإلهية كما حصل لمعنى لقبَي "المسيح" و"ابن البشر"؟[9]..
إن "في انتقال لقب "ابن الله" من العهد القديم إلى العهد الجديد نلاحظ تغييراً جذرياً في المدلول والمعنى، مماثلاً للتغيير الذي حصل على لقَبي "المسيح" و "ابن البشر". فهذه الألقاب، بانتقالها من عهد التهيئة إلى عهد الكمال، ومن عهد الرمز إلى عهد التحقيق، قد تحوّل معناها من الملك المادي البشري المحصور في بقعة ضيقة من الأرض، الأرض المقدسة، إلى الملك الروحي الإلهي الذي يتخطّى حدود الممالك الأرضية ويمتدّ امتداد الله في الكون بأسره"[10].
ويرد لقب "ابن الله" مراراً في رسائل بولس الرسول للشهادة على بنوّته الإلهية، في إطار رسالته الخلاصية.. فيسوع هو أولاً ابن الله، الذي أرسله الله في ملء الأزمنة ليفتدي العالم، ويصبح بواسطته الناس أبناء الله" (غلا4/4-6) وينادوا الله على غراره: "أبانا.." (مت6/9). وهو، لكونه ابن الله يصبح تقدمة الله (رو 8/32). وهو ابن الله أي "صورة الله غير المنظور" (كول1/25)، و"صورة جوهر الآب" (عب1/2-3)[11].
بنوّة يسوع لله نموذجٌ لبنوّتنا
ندعو الابن ربنا. "تدعونني الرب والمعلِّم وأصبتم فيما تقولون، فهكذا أنا "(يو13/13). وإنه هو، بعد قيامته من الأموات يدعونا " إخوته "، فثمّة تكريم لنا فائق يوجب علينا، ونحن نتقبّل هذه التسمية، أن نعترف مع توما: "ربي وإلهي". أجل لأنه ذهب في تنازله إلى حدّ غسل أرجلنا… يريدنا أن نقوم إلى جنبه، ومعه نقول صلاة الـ" أبانا ". ويريد أكثر من ذلك: أن نتقبّل غفرانه بالتوبة ونتغذّى به في الافخارستيا. يريد أن يقوم فينا في حضرة الآب وحتى أن يكون، فينا، في الآب. يريدنا.. أن ندخل فيه، وبه – لأنه "السماء الجديدة والأرض الجديدة" – في حميميّة الحب الإلهي.[12]
3- يسوع هو "الابن":
إن إنجيل يوحنا يوضح بشكل صريح علاقة البنوّة والأبوّة بين يسوع والله (3/35، 5/19-25، 10/15، 14/7-16،..). ويرى مفسرو الكتاب المقدس أن هناك صلة وثيقة بين لفظة "الابن" المطلقة على يسوع، في الإنجيل الرابع خصوصاً (14 مرة)، ونداء "أبّـا"، الذي كان يسوع ينادي به الله، وهو يدل على العلاقة الخاصة الحميمة التي لا تحتمل المعنى المجازي. ويروا أيضاً أن تعبير "الابن" يختلف في أصله وفي فحواه عن لقب "ابن الله"[13].
لقد تفرّد يسوع باستعمال هذه الكلمة عن العهد القديم وعن جميع معاصريه، للدلالة على فرادة العلاقة بينه وبين الله أبيه. لذلك وجد معاصروه صعوبة في تفهم وقبول هذه العلاقة (يو5/17) وكان ذلك من أحد الأسباب التي دعتهم للقضاء عليه. فبرأيهم كيف يمكن لإنسان، كيسوع "الناصري"[14]، أن يكون في انتماء وجودي مع الله، ويوحد نفسه به، وبكل بساطة يقول: "أنا والآب واحد، فمن رآني فقد رأى الآب". والله هو المنزّه، الكائن المطلق، القدوس، المتعالي "الذي هو.."[15].. الذي، عندما صعد موسى في العهد القديم إلى جبل تجليات الله، وطلب إليه أن يشاهد وجهه لكي يخبر الشعب بمصداقية مشاهداته، تمنّع مفسِّراً: "أما وجهي فلا تستطيع أن تراه، لأنه لا يراني الإنسان ويحيا". ويريه في نهاية الحوار "ظهره"، وعندما نزل موسى الجبل اضطر أن يضع على وجهه "حجاباً"، لأن الشعب لم يستطيعوا أن ينظروا إليه لشدة النور الصادرة منه، لأنه رأى ظهر الله!! (خر33/18-23 و29-35). لا شك أن الدخول في فهم يسوع هو دخول تأمل في سر "الابن"، الذي يكشف عن سر الله في أن يكون "أب".
الإيمان بالثالوث والتجسد دعوةٌ للإنسان لمشاركة الله حياته
من هو هذا الإنسان؟ لم يعترف الرسل بإيمانهم بألوهية يسوع صراحة إلاّ في أعقاب تكوين استغرق زمناً طويلاً. سمعوا يسوع ينادي الله "بابا" (أبّا), وهي كلمة تدل على منتهى التوكّل البنوي. أحاول في صلاته أن أتصوّر دهشة الرسل لدى سماعهم يسوع يقول لله: "بابا ". رأوا يسوع يتصرّف كرجل له خبرة مباشرة بالله وبالإنسان. فظهر لهم كمن كان في آن واحد إلهاً ينظر إلى الإنسان وإنساناً ينظر إلى الله. وشاهدوا تلك الألفة الفريدة التي تربط إنساناً بالله، والتي عاشها يسوع، لا أمامهم فقط، بل من أجلهم أيضاً، إذ أنه دعاهم إلى المشاركة فيها: قولوا مثلي: بابا" (مت6/9).
حافظ يسوع على تلك الألفة حتى في منتهى الألم، حين صمت الآب وبدا غائباً وأظهر للناس منتهى القسوة: "يا أبتِ، في يديك أستودع روحي.. اغفر لهم". ولمّا قام من بين الأموات، اتّضح أن الله كان مع هذا الرجل. لكن السؤال بقي مطروحاً: هل هذا الإنسان هو الله؟ هل الله ويسوع اثنان أم واحد؟
وفي العنصرة، استولى روح يسوع على الرسل .. وقادهم إلى الأعمال نفسها – أعمال الرسل -، وإلى مواجهة الأخطار نفسها، وإلى الجرأة نفسها في الموت.. فلم يعترف الرسل بأن يسوع هو إله إلاّ في العنصرة.
يقول القديس كيرلّس الأورشليمي: "لو كان التجسد مجرّد وهم، لكان الخلاص أيضاً مجرّد وهم". لو لم يصر الله إنساناً، كيف أمكن للإنسان أن يؤلَّه؟.. خضعت الكنيسة لمنطق دقيق فرض عليها عدم الفصل في وحدة إيمانها، بين الإيمان الثلاثي بتأليه البشرية وألوهية يسوع المسيح والثالوث الأقدس. فإن لم يكن الله ثالوثاً، كان التجسد أسطورة، وإن كان التجسد أسطورة، لم يكن هناك من تأليه للإنسان. فالأمور مترابطة.
فرنسوا فاريون
مواقف يسوع تعرّف عنه
لقد أراد يسوع، لكونه كمال الانتماء الوجودي العميق لله، فهو من ذات كيانه؛ أن يعرّف عن إرادة ومواقف الله. إن مواقف يسوع لا تعبر فقط عن مشيئة الله وحسب، بل تكشف عن ألوهيته. لن نستطيع إلا أن نكرر أن قيامة يسوع هي إعلان حضور الله فيه، هي كشف ألوهيته بطريقة إنسانية، فالله الذي دخل في الحدود الإنسانية، بما في ذلك الموت؛ لا يبقى رهينة الموت. وما ارتباط ألوهيّة يسوع بإنسانيته بشكل عميق، سوى تأكيد على أن كل إنسان مدعو، بالعلاقة مع يسوع، إلى تجاوز تلك الحدود[16].
إن تجلي ألوهيّة يسوع لتلاميذه هي إعلان مسبق لقيامته (لو9/28-36)، حتى إذا ما رأوه مصلوباً، لا يظنوه فاقد الحرية، بل ليتأكدوا، وبعد حلول روحه القدّوس، تضامنه الإلهي مع الواقع الإنساني. فهو الذي اختبر الحرية بعمق في تتميمه مشيئة الآب، كما رأينا في المقال السابق، يعلن عن إرادة الله في تحرير الإنسان، كل إنسان وكل الإنسان. فلكونه في وحدة الكيان مع الله، ندّد بالباطل ورفض الظلم، فالله يدافع عن الحق ويطالب بالعدل (لو11/37-00، 13/32). ولأن الله لا يريد أن يبقى الإنسان في أَسر الخطيئة، يحرر يسوع، صورة الله الرحوم، من عبودية الخطيئة، ويقوم بحملة غفران شاملة وإعادة ثقة للكثير من الخاطئين (لو7/36-00 و19/1-00)، ويقوّض من سلطة الشر (لو8/26-39).
لم يقم يسوع بصنع المعجزات إلا ليعلن أن ألوهيته خلاصيّة. كأنه يريد أن يقول إذا كان هناك ما يعيق الإنسان في نموّه في حياة الملكوت فأنا أحرّره من ذلك (أنظر: يو9/1-00)، ليظهر ليس بصورة الله الذي يخلق ويُبدع، بل أيضاً بصورة المرمم والمدبر والشافي. أن قوة الله في يسوع تظهر في حبه0 وحنانه اللامتناهي[17]. فالمعجزات هي علامات تحرير لإعلان ملكوت الله. ولو تأملنا في بعض المعجزات التي عملها يسوع كعلامات تحرير لاستنتجنا ما يلي :
1- ليست المعجزة مهمة بحد ذاتها، فهي ليست "خارقة"[18]، إنها مدخل للحرية والخلاص (مر2/1..)، وبالمقابل ألوهيّة يسوع هي في أساس وجوده من أجل إعلان حب الله، وليست من أجل مجده الشخصي.
2- هناك مساهمة مع يسوع في حركة التحرير بالمعجزات (يو11/44)، رغبة منه في مشاركة الآخرين عمله الخلاصي، وبالتالي في ألوهيته.
3- دعوة يسوع بعد المعجزة إلى حياة جديدة حرّة (يو5/14)، ليصبح الإنسان، بالتشبه به، ابناً لله.
4- المعجزة دعوة لتمجيد الله (لو18/42-43)، فالله الذي يكشف عنه يسوع يتمجد بخلاص الإنسان.
لقد رفض يسوع إن يستعمل ألوهيته لمنفعته الشخصية برفضه تجارب إبليس: "إن كنت ابن الله، فـ.." (لو4/1-13). وبالرغم من أنه ابن الله قَبِلَ أن يموت على الصليب، من أن تكون بنوّته هذه أداة لمصالحه الخاصة، حتى ولو كلفه ذلك حياته (أنظر: مت 27/40). إن نزاهته وشجاعته على الصليب جعلت قائد المئة يشهد ببنوته لله (مر15/39).
المعجزات علامة ملكوت الله
إن موقف يسوع غير المنطقي ، برفضه أو بقبوله صنع الآيات ( أي المعجزات)، له ما يبرره في الروابط التي يضعها بين كلامه وعمله. لذلك يصرِّح قائلاً: "إذا كنت بروح الله أطرد الشياطين، فقد وافاكم ملكوت الله" (مت21/28). نحن هنا في صميم رسالة يسوع . ففي نظره ليس ملكوت الله نظرية مجرّدة.. بل هو مفهوم دينامي يؤيد تاريخ الخلاص.. فالآيات ترافق الأقوال.. "العميان يبصرون والعرج يمشون مشياً سويّاً، والبرص يبرؤون، والصمّ يسمعون، والموتى يقومون، والفقراء يبشَرون"(مت11/5-6).. يتجلى تحرير يسوع في قوله: "ها إني أطرد الشياطين وأجري الشفاء اليوم وغداً.." (لو13/32).. لقد شدد يسوع على الانتصار على الشيطان، وعلى أشفيته العديدة التي هي جزء لا يتجزأ من رسالته.. لاشك أن السر الفصحي وحده يستطيع أن يكشف عن معنى رسالة يسوع.[19]
2- المسيح في التفكير اللاهوتي
هناك من يُنكر ألوهيّة المسيح. وهناك من يفهمها خطأ، ويبقى في هذا الخطأ، أو يرفضها، أو يساهم مع غيره لرفضها بوعي أو بدون وعي. وهناك أيضاً من يعترف بها دون أن يختبرها.
لقد عالجت الكنيسة موضوع ألوهيّة المسيح منذ القرون الأولى، خصوصاً في المجامع المسكونية التي جابهت الهرطقات، وحددت الإيمان وأعلنت القوانين بلغة عصرها. فهي "لم تُدخل شيئاً جديداً على إيمان المسيح والرسل كما ورد في أسفار العهد الجديد، بل عبّرت عن هذا الإيمان بطرق جديدة.. لذلك يجب التمييز، في ما أعلنته المجامع المسكونية، بين آمرين: فهناك أولاً الإيمان الذي لا يمكن أن نحيد عنه، وهو نفسه إيمان المسيح والرسل في جميع أسفار العهد الجديد، وهناك ثانياً الألفاظ والتعابير التي فرضتها المجامع المسكونية، وقد اعتبرتها الأدق والأصح من بين جميع الألفاظ والتعابير المتداولة في زمانها عن هذا الإيمان. فتلك الألفاظ والتعابير يمكن لمجامع مسكونية أخرى إعادة النظر فيها وتطويرها وفقاً لتطور المفاهيم الفلسفية على مدى التاريخ"[20].
التشكيك بألوهية المسيح والرد عليه
هناك هرطقات عدة أنكرت أو شوّهت ألوهيّة المسيح. فـ"الشكلانية" (Modalisme) من أجل الحفاظ على وحدانية الله، قالت أنه يظهر بأشكالٍ ثلاثة، أو يقوم بأدوار ثلاثة: آب وابن وروح قدس، ولكنّه، كما تقول، أقنوم واحد له تسميات عديدة. أما "التبنوية" (Adoptianisme) فهي تنكر أصل المسيح الإلهي، فهو إنسان تبنّاه الله ومنحه سلطة إلهية لتتميم رسالته. كذلك "الأبيونية" (Ebionisme)، وهي بدعة "المتهودين"، التي رأت أن يسوع مجرد إنسان، ولد من يوسف ومريم، بعضهم يعترف بالولادة العجائبية، حلَّ عليه المسيح الكائن السماوي في أثناء معموديته، وفارقه في موته. ولعل أشهر هذه الهرطقات وأكثرها حدة وخطراً على المسيحية هي "الآريوسية" (Arianisme) التي "يمكن إيجازها في النقاط التالية:
أ ) إن الله واحد أحد، أزلي غير مولود، وكل ما سواه من الكائنات مخلوق من العدم بإرادته الحرة.
ب) إن الكلمة كائن وسط بين الله والخلائق؛ فالله قد خلقه من العدم قبل سائر الخلائق، ثم أعطاه أن يخلق جميع المخلوقات، لذلك نستطيع أن ندعوه إلهاً؛ فهو إله ثانٍ أدنى من الله. وهذا التمييز بين الإله الأول والإله الثاني، استقاه آريوس من الفلسفة الأفلاطونية.
ج) كذلك نستطيع أن ندعو الكلمة "ابن الله" أو "مولوداً من الله"، إلا أن تلك البنوة الإلهية ليست في الواقع إلا تبنياً. فالكلمة ليس من جوهر الله، إنما تبناه الله منذ خلقه، استباقاً لاستحقاقاته. وفكرة التبني هذه أخذها آريوس عن بولس السميساطي.
د) إن الكلمة، بما أنه مخلوق، فهو معرّض من طبيعته للخطيئة، لكنه في الواقع استطاع أن يحيا حياة قداسة وكمال ولم يسقط قط في الخطيئة. فهو أدنى من الله، ولكنه أقدس جميع الخلائق، ولا يمكن أن يُخلق كائن أعلى منه.
هـ) إن الروح القدس هو أول خلائق الكلمة، وهو أيضاً ليس من جوهر الله"[21].
لا شك أن هذه الهرطقات، الأريوسية خصوصاً، تأثرت بالفلسفة، الأفلاطونية خصوصاً، التي تعتبر الله في عمق كيانه منزّه عن المادة الفاسدة، "غير متغير" (Immuable) و"لا متأثر" (Impassible)، لذلك لا يمكن أن يكون والمسيح أن من "جوهر" واحد. فيسوع ليس إلا "عميل" (Intermédiaire) يستطيع أن يقرب بين الإنسان المحدود والله الغير محدود[22].
عُقد المجمع المسكوني الأول الذي ضمّ أساقفة الكنيسة، في مدينة نقيا سنة 325 للرد على الآريوسية وبقية الهرطقات، وأقرّ "قانون الإيمان"، في قسمه الأول أي حتى عبارة "وبالروح القدس"، الذي لا نزال نتلوه إلى اليوم. فيسوع هو "ابن الله الوحيد، المولود من الآب قبل كل الدهور، مولود غير مخلوق"، "لأن الفرق كبير بين الخلق والولادة. فالخلق يعني اختلافاً في الجوهر والطبيعة، أما الولادة فتعني أن ابن الله هو من ذات جوهر الله. لذلك يضيف قانون الإيمان أن يسوع هو "مساوٍ للآب في الجوهر" (o+moousio"+)، أو، بترجمة أدق، "واحد مع الآب في الجوهر". والجوهر هنا هو جوهر الألوهيّة أو الطبيعة الإلهية. فكما أن الآب إله، هكذا الابن أيضاً إله، والآب والابن لهما جوهر واحد، أي طبيعة إلهية واحدة. فالابن واحد مع الآب في الجوهر، إلا أنه متميّز عنه في الأقنوم، والأقنوم كلمة سريانية ترجم بها الآباء كلمة (upostasi") اليونانية، وتعني الشخص، أي الكائن الذي به يقوم الجوهر. فالجوهر لا يمكن أن يقوم دون كائن فرد يحمله. فالطبيعة الإنسانية مثلاً لا يمكن أن توجد دون إنسان فرد، دون شخص بشري يحملها، فتقوم به إلى الوجود. كذلك جوهر الله هو واحد، والطبيعة الإلهية هي واحدة. إلا أن تلك الطبيعة تقوم في ثلاثة أشخاص ندعوهم أقانيم، لأن بهم يقوم جوهر الله أو الطبيعة الإلهية الواحدة: أقنوم الآب، وأقنوم الابن، وأقنوم الروح القدس. وأقنوم الابن هو الذي تجسد في شخص يسوع المسيح"[23].
لا بد أن نفهم معاني الألفاظ المستعملة في الدلالة على مفاهيم الإيمان بيسوع المسيح: "مولود" من الله، "ابن الله"، "الجوهر"، "الطبيعة"،.. الخ. ونطهرها "من مدلولها البشري والمادي"، فهي أولاً وآخراً كلمات بشرية تدل في مقاربتنا على معنى يفوق البشر أي العلاقة بين الله الآب وكلمته الابن. تبقى "جميع التعابير والتشابيه البشرية ناقصة، إذ إن الله "سر" لاتستطيع محاولات العقل أن تحصره وتحده[24].
خاتمة
يشبِّه أحد الآباء سرّ الثالوث الأقدس بالشمس. الله يشبه الشمس: كيان، وضياء، وفعالية. كيان الله في ذاته، كالشمس في ذاتها، أي ذلك القرص الملتهب، لا يقترب منه، ولا يدنى إليه، "لا يدرك، ولا يعقل، كائن هُوَ هُوَ". وللشمس أشعة تصدر من ذات كيانها وتكشف عنها، هكذا ببساطة مطلقة يكشف يسوع عن وجه أبيه فيقول: "أنا والآب واحد.. فمن رآني فقد رأى الآب" (يو14/9). إن يسوع، يشبه أشعة الشمس في مثلنا السابق، فهو، كما تقول الليتورجيا، "ضياء الآب". وكما للشمس فعالية، حيث نرى الأشياء والأشخاص بواسطة نورها، وهي مصدر التركيب الضوئي الضروري لتكوين الغذاء، وهي أيضاً باعث الطاقة والدفء، لله فعاليته هي روحه. الروح القدس، روح يسوع (فيل1/19)، هو فعالية الله فينا. هو الذي يمنحنا التجاوب مع مبادرة الله، إنه باعث إيماننا، ومصدر مواهبنا، ومنطلق التزاماتنا. وكما تصل فعالية الشمس عبر الأشعة، تصل إلينا فعالية الله، إي الروح القدس، روح يسوع، عبر يسوع المسيح "ضياء الآب" (إقرأ: غلا4/4-6 ورو8/15). لنصبح بدورنا أبناء على غراره. فنحيا الله المحبة، حيث تتوسّع دائرة الحب الإلهي بين الآب والابن والروح القدس نحو جميع البشر لتشركهم في ذلك الحب
المسيحية في عمقها ليست نظرة فريدة إلى الله كشفها الله نفسه في شخص ابنه يسوع المسيح وحسب، بل هي أيضاً نظرة ممثالة في الفرادة إلى الإنسان، ولقد كشف ابن الله نفسه عن هذه النظرة بمجرد "أنسنته". فالذي قال: "أنا نور العالم" (يو12/8)، قال أيضاً لمن تبعه، وصار على غراره: "انتم نور العالم" (مت5/14). قيمة الإنسان أنه صورة الله ومثاله. ويسوع المسيح، الكامل في إنسانيته والكامل في ألوهيته، قد صحح هذه الصورة بعدما تشوَّهت بالخطيئة، ورممها بعد أن تكسّرت بالضعف، وأصلحها بعدما فسدت بالموت . إن الرغبة في التأله، وإن كانت من أصل الإنسان، هي أيضاً دعوة الابن ليصير كل من يؤمن به ابناً لله أبيه.
عن موقع القديسة تريزا
المراجع
[1]1) بندلي (كوستي)، مدخل إلى العقيدة المسيحية، منشورات النور، بيروت 1982، ص114
[2] 2) إقرأ كتاب: فاريون (فرنسوا)، إلهنا يتألم، دار المشرق، بيروت1993
[3] 3) أنظر: يو4/19، 5/7، 12/21،..
[4] 4) أنظر: كتاب المسيحية في عقائدها، التعليم المسيحي للبالغين، نشره مجلس أساقفة كنيسة ألمانية، ترجمه المطران كيرلس سليم بسترس، المكتبة البولسية، بيروت 1998، ص 182
[5] 5) أنظر: بسترس (الأب سليم)، اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر، الجزء1، المكتبة البولسية، 1984، ص142-145
[6] 6) أنظر: تك2/5-3/23، خر9/30، 1صمو6/20، 7/22،25، 1ملو18/37، 2ملو19/19، 1أخ 17/16،17، 22/1، 28/20، مز 28/18، أش37/4،16،20، أر10/10، دا9/4، يون6/4.
[7] 7) ري-مرميه (تيودول)، نؤمن، الجزء1، منشورات جامعة الروح القدس، الكسليك، لبنان1983، ص137.
[8] 8) أنظر: بسترس، المرجع السابق، ص144-145
9 ) أنظر المقال السابق: إنسانيّة يسوع..
[10]10) أنظر: بسترس، المرجع السابق، ص146-148
[11] 11) أنظر: بسترس، المرجع السابق، ص149-150
[12] 12) أنظر: بَلْتَسار (هانس أُرس فون)، نؤمن، دار المشرق1194، ص22-23
[13] ) عن المرجع السابق، أنظر: RATZINGER (J.), foi chrétienne hier et aujourd’hui, Mame, Tour, 1969, pp 144-149
[14] ) أنظر: المقال السابق، إنسانية المسيح، ص1-2
[15] ) يقال أنه عندما أراد موسى معرفة اسم الله قال له: "أنا يهوه" (خر3/15)، أي أنا هو الذي هو.. لكي يقول أن الله لا يدرك، ولا يعقل، ويحد لا بإسم ولا بتعريف..
[16] ) أنظر: E. SCHILLEBEECKX, le Christ sacrement de la rencontre de Dieu, Foi Vivante 133, CERF 1973, p22-
[17] ) أنظر: جوميه (جاك) وسبانخ (مارتن)، المسيح ابن مريم، دار المشرق 1982، ص73-74
[18] ) أنظر: المسيحية في عقائدها، المرجع السابق، ص 176
[19] ) أنظر: شربنتيه، المعجزات في الإنجيل، سلسلة دراسات في الكتاب المقدّس (3)، دار المشرق 1986،
[20] ) أنظر: بسترس، المرجع السابق، ص157-158
[21] ) أنظر: بسترس، المرجع السابق، ص167
[22] ) أنظر: سيداروس (الأب فاضل)، يسوع المسيح في تقليد الكنيسة، دار المشرق، بيروت1989، ص48
[23] ) بسترس، المرجع السابق، ص168
[24] ) سيداروس، المرجع السابق، ص49