زيارة قداسة البابا الرعوية لمدينة نابولي 21/10/07

بندكتس السادس عشر إلى أهل نابولي: "الله لا يستطيع أن يغير الأشياء دون توبتنا"

"الصلاة هي ما يُبقي شعلة الإيمان مضاءة"

نابولي، 22 أكتوبر 2007 (Zenit.org). – "الصلاة هي أكبر قوة محولة في العالم"، هذا ما قاله البابا بندكتس السادس عشر أثناء الاحتفال بالقداس في ساحة البليبيشيتو في مدينة نابولي التي قام قداسته بزيارتها نهار الأحد 21 أكتوبر 2007.

 تحدث البابا في القسم الأول من عظته عن الصلاة رابطًا إياها بالإيمان الذي وصفه بالقوة "التي تغير العالم وتحوله إلى ملكوت الله، بسكون ودون ضجيج" مشيرًا إلى أن الصلاة عي "التعبير عن الإيمان".

 وشرح البابا هذه العلاقة قائلاً: "عندما يتشرب الإيمان من محبة الله، الذي يتم التعرف عليه كآب صالح وعادل، تصبح الصلاة ثابتة، ملحة، تصبح أنين روح، صرخة نفس تخترق قلب الله. بهذا الشكل تصبح الصلاة أكبر قوة محولة في العالم".

 من ناحية أخرى صرح البابا أن "الصلاة هي ما يُبقي شعلة الإيمان مضاءة"، لذا علينا أن نصلي سوية "بشجاعة متواضعة": "يا رب، فليجدنا مجيئك في وسطنا في احتفال الأحد هذا، مجتمعين ومصابيح إيماننا مشتعلة. نحن نؤمن ونثق بك! قوّ إيماننا!".

 ودعا الأب الأقدس المؤمنين إلى التأمل بمثل الأرملة الفقيرة، التي يتحدث عنها يسوع في الإنجيل، كيف أنها تصر بحزم وفي النهاية تنال إصغاء قاضٍ ظالم! وقال البابا: "كيف يمكنكم أن تفكروا أن أبيكم السماوي، الصالح والأمين، الذي يريد فقط خير أبنائه، لا يعدل تجاهكم في وقته؟ الإيمان يؤكد لنا أن الله يصغي إلى صلاتنا ويستجيبنا في الوقت المناسب، حتى ولو يبدو وكأن الخبرة اليومية تكذّب هذه القناعة".

 وأمام صعوبة الأوضاع الحياتية التي تبدو وكأنه تكذب هذه القناعة أوضح البابا أن "الله لا يستطيع أن يغير الأشياء دون توبتنا، وتوبتنا الحقيقية تبدأ من "صرخة" النفس، التي تطلب الغفران والخلاص". فالصلاة المسيحية "ليست تعبيرًا عن الجبرية (القضاء والقدر) أو عن الجمود، بل هي عكس الهروب من الواقع، والحميمية المنطوية على التعزيات: هي قوة رجاء والتعبير الأكبر عن الإيمان بقوة الله التي هي محبة والتي لا تتخلى عنا".

 

البابا يحض أساقفة نابولي على الصلاة والوعظ وعلى التضامن مع شعبهم

الله يمنح الخلاص… ولكنه يشترط أيدينا المرفوعة بالصلاة

حض البابا بندكتس السادس عشر أساقفة نابولي على الصلاة التي علمها يسوع، مستخدمًا الكلمات التي يوجهها القديس بولس إلى تلميذه تيموثاوس، فقال: "اثبتوا في ما تعلمتم وكونوا منه على يقين. أعلنوا الكلمة، أصروا في كل وقت، مناسب أو غير مناسب، وحضوا، ووبخوا وعظوا بكل أناة وتعليم".

جاء كلامه هذا خلال العظة التي ألقاها في ساحة البليبيشيتو في نابولي، حيث علق البابا على القراءة الأولى المأخوذة من كتاب الخروج عندما يتحدث عن الحرب بين إسرائيل وعماليق.

قال الأب الأقدس معلقًا على هذا النص الكتابي: "الصلاة التي رفعت بإيمان إلى الإله الحق هي التي حددت مصير الصراع الحاد. بينما كان يشوع ورجاله يواجهون الخصوم في الميدان، كان موسى على قمة الجبل رافعًا يديه، في وضعية رجل يصلي. هاتان اليدان المرفوعتان أكدتا انتصار إسرائيل. كان الله مع شعبه، كان يريد انتصاره، ولكنه كان يشرط تدخله بيدي موسى المرفوعتين. يبدو الأمر غير معقول، ولكنه كذلك: الله يحتاج إلى أيدي خادمه المرفوعتين!".

ولذا حض البابا الأساقفة على أن يكونوا على مثال موسى، رجالاً يثابرون على الصلاة بالقول: "مثل موسى على الجبل، ثابروا على الصلاة من أجل المؤمنين الموكلين إلى عنايتكم الرعوية ومعهم، لكيما تستطيعوا سوية أن تواجهوا كل يوم الصراع الحسن لأجل الإنجيل".

 وتابع بندكتس السادس عشر: "يدا موسى المرفوعتان تجعلاننا نفكر بيدي يسوع على الصليب: ذراعان ممدودان ومسمرتان، من خلالهما حاز المخلص على النصر في المعركة المصيرية ضد العدو الجهنمي. معركته ويداه المرفوعتان نحو الآب والممدودتان فوق العالم تطلبان أذرعًا أخرى، قلوبًا أخرى تتابع تقدمة الذات بحب يسوع نفسه، حتى نهاية العالم".

 

بندكتس السادس عشر يعرض حلولاً عملية للعنف والتردي في نابولي

لم يقتصر البابا في عظة الأحد على التعليق بشكل نظري على الأناجيل التي تتحدث عن الصلاة، بل انطلق من كلمة الله لكي يشارك المؤمنين بالأبعاد العملية التي تمنحها كلمة الله لواقع مدينة نابولي الإيطالية الصعب.

فبحسب بندكتس السادس عشر، نابولي مدينة "لا تفتقر إلى القوى السليمة، والأناس الطيبين، المحضرة ثقافيًا والتي تملك حسًا عائليًا حيًا"، ولكنها في الوقت عينه تعاني الكثير من الفقر والبطالة وغيرها من الظواهر المأساوية، خصوصًا ظاهرة العنف التي لا تقتصر على جرائم "الكامورا" المؤسفة وحسب، بل أيضًا على "العنف الذي يصبح للأسف عقلية شائعة، متغلغلة في مختلف طيات العيش الاجتماعي"، "مع خطر أن تجذب بشكل خاص الشباب، التي تنمو في بيئة يكثر فيها عدم الشرعية وثقافة تدبير الحال".

 
وعرض البابا عدد سبل لإيجاد حل لهذه المشكلة ومن بينها:

–         "مضاعفة الجهود من أجل استراتيجية وقاية، تهدف إلى المدرسة، إلى العمل، وإلى مساعدة الشباب على تدبير وقت الفراغ".

–         التدخل العملي الذي "يشمل الجميع في الحرب ضد كل أنواع العنف، انطلاقًا من تنشئة الضمائر وتحويل العقليات، والمواقف، والتصرفات في كل الأيام".

–         "تدخلات سياسية مناسبة"، ولكن قبل ذلك، "تجدد روحي عميق"؛ فنابوليبنظر بندكتس السادس عشر – "تحتاج إلى مؤمنين يضعون ثقتهم كلها بالله، وبعونه يلتزمون بنشر قيم الإنجيل في المجتمع".

 هذا وذكر بندكتس السادس عشر بزيارة البابا يوحنا بولس الثاني إلى نابولي عام 1979 وعام 1990، مشيرًا إلى أن زيارته قد "شجعت ولادة الرجاء"، موضحًا أن هذه إنما هي رسالة الكنيسة: "تنمية الإيمان والرجاء في الشعب المسيحي".  و "الرجاء الحقيقي  – تابع البابا –  يولد فقط من دم المسيح ومن الدم الذي يسفك لأجله. هناك الدم الذي هو علامة موت؛ ولكن هناك أيضًا الدم الذي يعبر عن الحب والحياة: دم المسيح والشهداء، وهو ينبوع حياة جديدة".

 

بندكتس السادس عشر: "لا يمكننا أبدًا أن ندعو اسم الله، للتوصل إلى تبرير الشر والعنف"

"تستطيع الأديان ويجب عليها أن تقدم معطيات ثمينة من أجل بناء إنسانية مسالمة، لأنها تتحدث عن السلام إلى قلب الإنسان"

التقى البابا بندكتس السادس عشر أثناء زيارته نابولي بالرؤساء الروحيين لمختلف الجماعات الدينية المشاركين في اللقاء العالمي للسلام، الذي تنظمه جماعة سانت إيجيديو، والذي يعقد هذا العام في نابولي من 21 ولغاية 23 أكتوبر الجاري وموضوعه: "من أجل عالم دون عنف – أديان وثقافات في حوار".

وحيا البابا المشاركين في اللقاء معبرًا عن تقديره لجهود المشاركين، وخصوصًا جماعة سانت إيجيديو التي "التي تعمل بإخلاص من أجل تعزيز الحوار بين الأديان والثقافات بـ "روح أسيزي"".

واعتبر الأب الأقدس أن هذا اللقاء "يحملنا بشكل مثالي إلى عام 1986"، عندما دعا البابا يوحنا بولس الثاني كبار الممثلين الدينيين، إلى هضبة القديس فرنسيس للصلاة من أجل السلام، "مسلطًا الضوء حينها على الرباط الجوهري الذي يوحد بين الموقف الديني الأصيل والحس الحي نحو هذا الخير الأساسي بالنسبة للبشرية".

وشدد بندكتس السادس عشر أنه "أمام عالم تمزقه النزاعات، حيث أحيانًا يتم تبرير العنف باسم الله، من المهم التشديد أن الديانات لا يمكنها أبدًا أن تكون وسيلة للكره؛ لا يمكننا أبدًا أن ندعو اسم الله، للتوصل إلى تبرير الشر والعنف".

وأشار أنه بعكس ذلك، "تستطيع الأديان ويجب عليها أن تقدم معطيات ثمينة من أجل بناء إنسانية مسالمة، لأنها تتحدث عن السلام إلى قلب الإنسان".

كما وأكد أن الكنيسة الكاثوليكية تبغي متابعة المسير في طريق الحوار "من أجل تنمية التفاهم بين مختلف الثقافات، التقاليد والحكم الدينية".