هل أنا حر؟ للأخت سامية صموئيل

ضاق الفتي بعيشه في بيت أبيه ، فقرر الرحيل إلي مدينة أخري أراد أن يكون ملكاً لنفسه، أن يتصرف كما يحلو له بدون أي ضغط خارجي من الآخرين . فرحل الشاب وترك وراءه أباً حزيناً وأما محطمة، وأخوة حائرين. وذهب إلي حيث أراد، بعيدا عن أبيه. استقر في أحدي المدن وعاش بالطريقة التي تمناها، وبعد فترة من الزمن ندم كثيرا علي ما فعله فقد أسرف كل ماله وأصبح يعوزه الضروري، وتركه الجميع حتى أصدقائه.  تألم كثيرا وفجأة عاد إلي صوابه وفكر في الرجوع إلي أبيه لأنه لم يجد الحرية المنشودة التي رحل بحثا عنها، فقد كانت حرية وهمية.

 

أن قصة هذا الشاب هي قصة الكثيرين منا، فهو يري أن مفهوم الحرية هو أن يتصرف كما يشاء، دون أي ضغط خارجي يملئ عليه سلوكه، وفي نظر الكثيرين أن الحرية هي التخلص من كل سلطة، ومقدرة عمل أي شئ، وفي أي وقت وبأي وسيلة. ولكن هل هذا هو  معني الحرية الصحيح؟

 

أن الحرية الحقيقية هي أن يأتي سلوكنا معبراً عن شخصيتنا كوحدة متكاملة، وهي أن تضع بنفسك ولنفسك قيودا وتعيش وفقها، الإنسان الحر هو الذي يتحرر من كل الأهواء وكل سيطرة، هو الذي يتخلص من رغباته غير المشروعة، هو الذي يتجرد ويعلو ويسمو فوق كل شئ.

أن الحرية الإنسانية محدودة ولا يمكنها أن تثمر إلا في ظل الحرية الروحية فالحرية الكاملة هي التي ينعم بها الله وكلما ازداد الإنسان تقربا من الله ازدادات فيه الحرية الحقيقية التي لا تجعله فريسة لأي هوي من الأهواء ، في هذا الشأن يقول لنا السيد المسيح " إذا ثبتم  في كلامي ، صرتم في الحقيقة تلاميذي ، تعرفون الحق والحق يحرركم ( يو 8 : 31 ) "من يخطأ يكون عبدا للخطية"  ( يو 8 : 34 ).

 

أن تحقيق إنسانيتي ليس بالأمر الهين، بل يتحقق من خلال صراع مع نفسي ومع الأخر الذي يريدني أن أكون علي الصورة التي يراها هو لأنه لا يقبل الاختلاف القائم بيننا، ولهذا كلما أحقق حريتي أتألم،  ولكن هذا الألم إيجابيا لأنه يساهم في نموي الشخصي. ويقول الفيلسوف سارتر في ذلك "أن وجود الآخرين خطر علي حريتي" ولكن حريتي  تتحقق من خلال العلاقة مع الآخرين،  وبفضل الأخر واحتكاكي به أكون "أنا".

أن حريتي ليست جاهزة، فهي مسيرة مستمرة، ولذلك يري الباحثون أنه من الأفضل استخدام لفظ "تحرير" و لفظ  "تحرر" بدلاً من لفظ الحرية، فالتحرر عملية مستمرة تتطلب منا مجهودا مستمرا لإحرازها.

 في الواقع أن خبرة الحرية مخيفة لأنها تجعلني مسئولا أمام الله والآخرين عن أعمالي، ولذلك يحاول الإنسان الهروب منها مثلا:

أدم : عندما أخطأ أ لم يستطيع مواجهة الله،  لكنه ارجع  الخطأ لامراته، وهي بدورها أرجعته للحية. وهذه خبرة كل العصور فكل منا يرمي خطأه علي الأخر ليهرب من المسئولية.

داود النبي: عندما أخطأ مع امرأة  اوريا  حاول الهروب ولم يعد لحريته إلا عندما واجه الحقيقة وتحمل المسئولية  "خطأت إلي الرب"  فبقدر ما أعيش إنسانيتي بحرية، بقدر ما أتحمل مسئولية أفعالي ومن هنا نري أن الحرية والمسئولية مرتبطتان ارتباطا وثيقا.

 

حريتي والمؤثرات الخارجية:

لعلنا نتساءل: هل القانون والمؤثرات الاقتصادية والنفسية …. إلخ  لها دورها في تحقيق إنسانيتي وحريتي وأن ظهرت كمتنافية معها؟ والإجابة عن هذا التساؤل هي: أن تحقيق إنسانيتي وحريتي لا يتنافي مع وجود مؤثرات خارجية، بل أن الإنسان مدعو أن ينمو نحو الحرية داخل جماعة إنسانية وهي الإطار لحريته، فهو ينمو من خلال التحكم في هذه المؤثرات.

من الضروري أن يكون هناك ضوابط كي أمارس هذه الحرية، فالقوانين لا تمنعني أن أمارس حريتي، بل تحميني من نفسي ومن الآخرين مثلاً:

         القانون الذي ينظم حركة المرور يحفظ قادة السيارات في الحفاظ علي حياتهم والحرية هنا توجد في الكيفية التي أتقبل بها القانون، فقد  جعل القانون لخدمة الإنسان، وليس الإنسان  للقانون. قبول القانون هو موقف لحريتي والاستخفاف به يعني أنني ليست حرا.

أن الحرية هي القدرة علي خلق علاقات واعية ونابعة من داخلنا، علاقات حقيقية وملتزمة، ونحن نجد معني لشخصيتنا في قدرتنا علي الحوار الحقيقي الذي يواجه الأخر باختلافاته وتميزه وفي استعدادنا للتعاون المخلص وتحمل المسئولية.

 

وخلاصة القول أنك لن تكون حرا إلا إذا تحررت من كل كلام باطل، ومن كل فكر شرير، ومن كل حقد أو ضغينة ومن كل القيود التي تقف عائقا في طريقك للاتحاد بالله واحترام الآخرين. تكون حرا يعني انك تكون مسئولا عن أفعالك، تكون صاحب قرار، تقبل بإرادتك هذا العمل أو ذاك، أنك ليس مجبر علي شئ ولكن التزامك ومسئوليتك يفرضان عليك أن تعمل بهذه الطريقة.

 

والسؤال الموجه لكل منا: ما هي الأشياء التي تستعبدني والتي تمنع حريتي (علاقات ، أفكار ، مركز ، …. إلخ) وما هي  الطريقة التي تساعدني علي أن أكون حرا ؟

 

 للأخت/ سامية صموئيل

من راهبات القلب المقدس