عظمة رسالة المسيحي للقمص جبرائيل جرجس

نحن شعب مدعو لرسالة المسيح أي مدعوا لأن يتعلم منه كيف يصبح رسلا. وتمتاز رسالة المسيحي بروحانية مستمدة من الإنجيل والكتاب المقدس والقربان، لأنهم يحتوون بالحقيقة على كل ما هو ضروري للمسيحي.

ففي الإنجيل نرى كيف أن المسيح كان يجول مبشرا في البلاد معلما وشافيا وطاردا للأرواح النجسة ومقدما للناس ميلادا جديدا، فلقد كان المسيح في كل ما يفعله يقدم البشرى السعيدة بخلاص البشر رجال ونساء وأطفالا في الجليل. وفى اى مكان دخل، صار المكان مكانا للحب والرجاء لكل من يؤمن به  .

كان يسوع يثبت ويؤكد أنه رسول لله، أب لكل الأحياء، وكان يقاوم ويرفض كل محاولة من لحصر رسالته، فهي رسالة موجة لكل شخص، إلى كل أسرة، إلى كل جنس وملة والى أقاصي الأرض .

ولكي نفهم حقيقة كون يسوع مرسل ورسول حقيقي يجب الرجوع إلى الإنجيل ( مر 1 : 29- 31 ) "لما دخل بيت سمعان وأندراوس أخيه"  و( مر 2: 13 – 17 ) "لما دخل بيت لاوي العشار". فحيثما دخل إلى أي بيت كان يعلن بشرى الخلاص.

يسوع يدعو تلاميذه ويرسلهم :

          كان يسوع يدعو تلاميذه، وكان يذهب إليهم في أماكن عملهم وفى منازلهم، فدعا يسوع بعضهم بينما كانوا يصطادون، ودعا لاوى وهو جالس على مائدة الجباية .

وهكذا دعا التلاميذ الاثنى عشر، وقبلوا رسالته الخلاصية. وتحت قيادة بطرس الرسول وباقي الرسل أتم التأسيس لملكوت الأرضي (الكنيسة).

بعد أن نشروا وأبلغوا بشرى الخلاص السعيدة إلى العالم كله، كما تروي الأناجيل، بإرسال يسوع للتلاميذ لنشر رسالته بطريقته الخاصة  في مر 6: 7-13 ومت 10 :5-10  ولو 9 : 1 = 11 .

العلماني والكنيسة

     التلاميذ ذهبوا إلى العالم كأعضاء ملتزمين في الكنيسة وكل شخص يساهم اليوم بأي وسيلة كانت في الرسالة المسيحية يسلك حقا كعضو في الكنيسة، بناءاً على دعوة المسيح للجميع للذهاب إلى العالم كله والتبشير بإنجيل الخلاص – تذكر دائما هذا النص مت : 28: 16 -20 اذهبوا تلمذوا كل العالم …… وبعد هذا النص وعد يسوع كنيسته، وتلاميذه أن يكون معهم دائما إلى منتهى الدهر، مت 28 : 20 ،وأقرأ أيضا يو 20 : 19 – 13 ،وأع  1: 6- 11. الصعود وانتشارهم في الأقطار كلها .

كيف أراد المسيح له المجد أن تكون رسالة العلماني، ( عضو الكنيسة = وعضو جسد المسيح السري ) :

             أرادها رسالة عظيمة، لآن دعوة الإنسان في المسيحية هي دعوة عظيمة جدا. وقد بدأ يسوع المسيح حياته العلنية، ورسالته بعمل المعجزات في الجليل وكفر ناحوم والمدن المجاورة، شفا المرضى وأقام الموتى، وأخرج الأرواح الشريرة. ولما أرسل يوحنا المعمدان رسولين ليسألاه : "أأنت المسيح …؟  فرجعا وأبلغاه بما شهداه وسمعاه من المعجزات، رجع إلى لوقا 7: 18-27 . ثم كلم الجموع عن رسالة يوحنا المعمدان وعظمتها وقال  فأنى أقول لكم أنه ليس في مواليد النساء نبي أعظم من يوحنا المعمدان لو 7: 28  " وعندما شاء أن يكشف لنا عن سمو دعوتنا، نحن المسيحيين، أكد لنا أن دعوة المسيحي هي دعوة أسمى من دعوة يوحنا المعمدان ذاتها، فقال " لكن الأصغر في ملكوت الله أعظم منه  " لو7 : 28.

جوهر عظمة رسالة المسيحي :

رسالة المسيحي إذن تفوق رسالة يوحنا المعمدان، لأنها لا تختلف في جوهرها عن رسالة الكنيسة، إلا وهى تقديس النفس وتقديس النفوس. ويقوم المسيحي بهذه الرسالة النبيلة، والمهمة الجليلة، بقوة "كلمة الحق" أي بتعاليم الإنجيل المقدس. تلك التعاليم التي متى سرنا بمقتضاها بلغنا أسمى درجات الكمال والقداسة، وعملنا في الوقت نفسه على تقديس القريب، الذي إذ يرى أعمالنا الصالحة ينقاد بأكثر جاذبية لقبول هذه الكلمة، ويمجد الله أبانا السماوي .

ولكن، هل معنى ذلك أن رسالة المسيحي العلماني تقوم فقط بتقديس نفسه بالمحافظة على تعاليم الإنجيل وتقديس غيره بمثله وقدوته الصالحة ؟ .. كلا، ذلك لأنه لما كانت رسالة المسيحي العلماني هي أساسي في رسالة الكنيسة، وجب عليه أن يكون بقدر طاقته معاونا لرجال الاكليروس في نشر الحق، " 3يو1 : 8 أي الإنجيل بالتبشير أيضا .

ولذا يقول المجمع الفاتيكاني الثاني بأن هذه الرسالة "لا تقتصر على شهادة الحياة وحدها. لأن الرسول الحقيقي يبحث عن الفرص المؤاتية، ليبشر الناس بالمسيح عن طريق التعليم أيضا: أما غير المؤمنين فلكي يساعدهم على سلوك الطريق المؤدى إلى الإيمان. وأما المؤمنين فلكي يعلمهم، ويقويهم، ويحرضهم على أن يزداد حرارة في العبادة و لأن محبة المسيح تحثنا " : 2كو 5 : 14. … " ولما كانت مشاكل جديدة قد نشأت في عصرنا هذا. وقد أخذت تنشر أخطاء جسيمة ترمى إلى هدم الدين ، والنظام الأدبي والمجتمع البشرى ذاته من أساسه، فإن المجمع المقدس يحث العلمانيين بإلحاح على أن يلعب كل منهم، تبعا لمؤهلاته وثقافته الدينية، دورا أكثر فاعلية في التعمق في المبادئ المسحية وفى الدفاع عنها. كما في تطبيقها تطبيقا يلاءم الكنيسة… على أن يكون هذا متفقا مع روح الكنيسة . ( رجع مرسوم رسالة العلمانيين البند 6 ) .

       أما إذا سألت: ومن أين يستمد العلمانيين واجبهم وحقهم في أداء الرسالة المسحية؟ .. أجبتك مع المجمع المذكور: أنهم يستمدونها "من ذات اتحادهم بالمسيح الرأس" .على إن الرب نفسه هو الذي يدعوهم لهذه الرسالة، بعد أن اندمجوا عن طريق سر العماد في جسد المسيح السري، وتقووا بالنعمة وبقدرة الروح القدس في سر التثبيت. إذا كانوا قد تكرسوا فأصبحوا كهنوتا ملوكيا وشعبا مقدسا. (كما يعلمنا هامة الرسل بطرس في رسالته  ألأولى 2 : 4-10) لكي يجعلوا من جميع أعمالهم تقدمات روحية، ويكونوا شهودا للمسيح على وجه الأرض كلها. وأما الأسرار، ولاسيما سر القربان الأقدس، فإنها تمدهم وتغذيهم بتلك المحبة التي هي بمثابة الروح  والقوة الدافعة لكل رسالة " (ولاسيما الرسالة المسحية وهى رسالة تقديس وتبشير معا)، (البند الثالث من المرسوم الذكور)

الخلاصة

      إن المسيحي الحقيقي هو من يجتهد في اقتداء أثار المسيح معلمه ومخلصه، والتخلق بأخلاقه، وإتباع وصاياه. إن مثل هذا المسيحي هو عظيم حقا، وإن عظمته هذه تفوق عظمة يوحنا المعمدان والأنبياء كافة الذين سبقوه لأنها مبنية على كونه عضوا حيا في جسد المسيح السري، لأن دعوته إلى المسحية  تؤهله، لا بأعظم أعمال الغيرة الرسولية فحسب، بل وبقبول كل المواهب والنعم الروحية الممكنة، التي الوصول إلى أسمى درجات الكمال. بحيث أن أصغر أبناء الملكوت هو، بمؤازرة النعمة، الأعظم في الملكوت.    ولأنه باتحاده المتواصل بيسوع المسيح، في سر القربان المقدس، يصبح صورة حية للسيد المسيح، فيمجد الله ويبنى قريبه بمثله الصالح.

القمص جبرائيل جرجس