خطاب البابا بمناسبة افتتاح العام الدراسي للجامعات الحبرية في روما

الفاتيكان، 30 أكتوبر 2007 (Zenit.org).

 ننشر في ما يلي الخطاب الذي تلاه البابا بندكتس السادس عشر نهار الخميس المنصرم في ختام القداس بمناسبة افتتاح العام الدراسي للجامعات الحبرية في روما، والذي ترأسه الكاردينال زينون غروشولفسكي، عميد مجمع التربية الكاثوليكية.

حضرات السادة الكرادالة،

أيها الإخوة في الأسقفية وفي الكهنوت،

أيها الإخوة والأخوات الأعزاء!

أشكر الرب الذي يمنحني الفرصة هذا العام أيضًا لكي ألتقي، في مطلع العام الدراسي الجديد، بأساتذة وتلاميذ الجامعات الحبرية الكنسية المتواجدة في روما. إنه لقاء صلاة، وقد انتهى لتوه الاحتفال بالقداس الإلهي، الذي يشكل محور كل حياتنا المسيحية. وهو في الوقت عينه، مناسبة موآتية من أجل التفكير بمعنى وقيمة خبرة الدرس التي تعيشون هنا في روما، في قلب المسيحية.

 أوجه تحية حارة لكل منكم، بدءًا بالسيد الكاردينال زينون غروشولفسكي، عميد مجمع التربية الكاثوليكية، شاكرًا إياه لأجل الكلمات اللطيفة التي وجهها إلي باسمكم جميعًا.

 أحيي أيضًا الأساقفة، عمداء الجامعات، وأعضاء الهيئة التعليمية، مسؤولي ورؤساء الإكليريكيات والمعاهد، والتلامذة المتوافدين من مختلف ربوع العالم.

 إن اللقاء السنوي المعتاد الذي يجمع بشكل مثالي، في البازيليك الفاتيكانية، كل العائلة الأكاديمية في الجامعات الكنسية الرومانية، يمكّنكم، أيها الأصدقاء الأعزاء، من تلمّس خبرة الشراكة والأخوة الفريدة التي بوسعكم اختبارها في هذه السنوات بشكل أفضل: تحتاج هذه الخبرة، لكي تكون مثمرة، إلى إسهام الجميع وإسهام كل فرد.

 لقد شاركتم سوية في الاحتفال الافخارستي، ومعًا ستقضون هذا العام الجديد. اسعوا لكي تخلقوا في ما بينكم مناخًا يتكاتف فيه التزام الدرس والتعاضد الأخوي، فيصيرا غنىً مشتركًا ليس فقط على الصعيد الثقافي، العلمي و العقائدي، بل أيضًا على الصعيد الإنساني والروحي.

 اجتهدوا لكي تعرفوا أن تستفيدوا إلى أقصى حد من الفرص التي تعرض أمامكم في روما، التي هي مدينة فريدة بالفعل من هذه الناحية أيضًا.

 روما مدينة غنية بالذكريات التاريخية، بروائع الفن والثقافة؛ وهي مليئة بشكل خاص بشهادات مسيحية بليغة. لقد ولدت فيها على ممر العصور، جامعات وكليات كنسية، تربو الآن إلى قرون عدة، وقد تنشأ فيها أجيال من الكهنة والمنشطين الرعويين، ومن بينهم قديسون عظام ورجالات كنيسة لوامع. 

 وها إنكم تنخرطون للسير في إثرهم، مكرسين سنوات هامة من وجودكم للتعمق بمختلف المواد الإنسانية واللاهوتية. وقد كتب البابا الحبيب يوحنا بولس الثاني ففي الدستور الرسولي "الحكمة المسيحية" عام 1979 بأن من بين غايات هذه المؤسسات الجليلة هناك "التبحر وتعزيز المواد الخاصة، من خلال البحث العلمي، وخصوصًا من خلال التعمق في معرفة الوحي المسيحي، وما يرتبط به، ومن خلال التوضيح المنتظم للحقائق التي يتضمنها، وعلى ضوء هذه الحقائق استعراض المسائل الجديدة التي تطرأ، وتقديمها للمعاصرين بالشكل الذي يتناسب مع مختلف الثقافات" (الفصل الأول، المادة 3 § 1).

 إن هذا الالتزام لهو طارئ جدًا في عصر ما بعد الحداثة، حيث نعي الحاجة إلى تبشير جديد، يتطلب معلمين للإيمان وروادًا وشهودًا للإنجيل مستعدين استعدادًا لائقًا.

 بالواقع، تستطيع فترة إقامتكم في روما، ويجب عليها أن تعدكم للقيام بأفضل شكل ممكن بالدور الذي ينتظركم في مختلف حقول النشاط الرسولي. رسالة الكنيسة التبشيرية تتطلب، في زمننا هذا، ليس فقط أن يتم نشر رسالة الإنجيل في كل مكان، بل أيضًا أن يتداخل هذا الإنجيل بعمق في أساليب التفكير، وفي موازين الأحكام، وفي تصرفات البشر. بكلمة، يجب على كل ثقافة الإنسان المعاصر أن تتشرب من الإنجيل.

 يبغي تشعب التعاليم الذي يُعرض عليكم، في الجامعات ومراكز الدروس التي تزاولونها، أن يرد على هذا التحدي الروحي والثقافي الواسع والطارئ. تساعدكم إمكانية الدرس في روما، كرسية خليفة بطرس، وبالتالي الخدمة البطرسية، تساعدكم على تقوية حس الانتماء إلى الكنيسة والتزام الأمانة إلى السلطة التعليمية الجامعة التي يحملها البابا. من ثم، إن توفر الأساتذة والتلاميذ الذين يأتون من كل القارات في المؤسسات الأكاديمية والمعاهد والإكليريكيات، يقدم لكم فرصة إضافية للتعارف ولاختبار الجمال الذي يشكل جزءًا من عائلة الله الوحيدة والكبيرة: اعرفوا أن تستفيدوا من هذا بشكل كامل!

 أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، يجب على درس العلوم الإنسانية واللاهوتية أن يكون مرفقًا بالضرورة ودومًا بمعرفة متنامية، حميمية وعميقة للمسيح. وهذا يعني أنه إلى جانب الاهتمام بالدرس والبحث، يجب عليكم أن تحملوا توقًا صادقًا إلى القداسة. فلتكن سنوات الإعداد هذه في روما، إضافة إلى كونها التزامًا فكريًا جديًا ومتواترًا، فلتكن في المقام الأول، موضع صلاة حثيثة، معاشة بتناغم ثابت مع المعلم الإلهي الذي اختاركم لخدمته.

 بالشكل عينه، فليكن اللقاء بواقع المدينة الديني والاجتماعي وسيلة للغنى الروحي والرعوي.

 فلنطلب شفاعة مريم، الأم الطيعة والحكيمة، لكي تساعدكم حتى تكونوا جاهزين في كل ظرف لكي تتعرفوا على صوت الرب، هي التي تحميكم وترافقكم في مسيرة إعدادكم وفي كل لحظة من حياتكم.

 وأنا أؤكد لكم الذكر في الصلاة، وإذ أتمنى لكم سنة صافية وزاخرة بالثمار، وأثبت تمنياتي هذه ببركة رسولية خاصة.