من هو الأفضل؟

للأخت/ سامية صموئيل 

من راهبات القلب المقدس

 

هناك أسطورة هندية تكلمنا عن قصة قوس قزح فتقول :

ذات يوم أخذت ألوان العالم كلها تتشاجر. كل لون كان يعتبر نفسه الأجمل والأهم والأكثر استخداماً والمفضل من الجميع ، وكان كل لون يتفاخر بنفسه بأعلي صوته، ومقتنع بأنه هو الأفضل. مشاجرتهم بلغت أقصي ذروتها والضجيج سيطر علي المكان. وفجأة ظهر وميض برق في السماء مصطحباً بدوي الرعد. وإذا بالمطر ينهمر بدون انقطاع فارتعبت الألوان واخذ كل لون يقترب من الأخر المختلف عنه ويستعين به كملجأ. وقال المطر:

 

" أيتها الخلائق تتشاجرون فيما بينكم وكل واحد منكم يريد أن يسيطر علي الأخر، ألا تعلمون بأن الله هو خالقكم، خلق كل واحد بهدف معين، وحيد مختلف. أنه يحب كل واحد منكم ويقبل الجميع ، هيا اشبكوا أياديكم ببعض وتعالوا إلي، أن الله يريد أن يوشح السماء بكم بشكل قوس قزح رائع حتى يبرهن لكل واحد منكم بأنه يحبكم كلكم ويمكنكم أن تعيشوا في سلام، هذه العلامة هي كوعد بأن الله معكم أنها علامة رجاء للمستقبل "

 

أن كل منا يعتقد أنه أفضل من غيره، وكل جماعة عندها أيضاً هذا الاعتقاد، شئ جميل أن يشعر الفرد بكيانه وأهميته ولكن ما هو غير مقبول أن يظن أنه أفضل من غيره. فلكل منا هدف ورسالة خاصة به، تتناسب مع إمكانياته وأسلوب حياته، هذا الاختلاف لا يعني أنني أفضل من غيري، لأن كل منا يكمل ما ينقص عند الأخر ولو نظرنا مثلاً إلي دور عامل النظافة في المدرسة نراه لا يقل أهمية عن دور المدرس، فلولا عامل النظافة لما توفر المناخ الملائم لاستيعاب الدروس التي يلقيها المدرس فكلا منهما يساهم في انجاز العملية التربوية بطريقة مختلفة. أن احتياجنا للآخر كاحتياج أعضاء الجسد الواحد لبعضها، فلا تقدر العين أن تقول لليد " لا احتاج إليك " ولا الرأس للرجلين " لا احتاج إليكما " وهكذا بقية الأعضاء( 1كو12 : 21). فكل عضو له دور مختلف، لكنه مهم لحياة الأخر، ولا يمكن الاستغناء عنه وفي نظر الله الكل متساوون وهو يحب كل إنسان بطريقة شخصية وفريدة

" أنت عزيزاً في عيني، فأني أحببتك " (اش : 43 1 – 4 ) .

 

أن النظر إلي الآخرين بأنهم أقل منا شأناً في الأهمية، أو في المستوي الاجتماعي هي نظرة فريسية نراها بوضوح في نص الفريسي والعشار، فالفريسي يري نفسه إنسان كامل يصوم ويؤدي فروض العبادة كما هي مطلوبة وأنه ليس مثل باقي الناس الخطاة في حين نري العشار يقف خاشعا، يطلب رحمة الله. يقول الكتاب المقدس " أقول لكم، هذا العشار، لا ذاك الفريسي، نزل إلي بيته مقبولا عند الله ( لو 18 : 9 – 14) .

وأخيرا علي كل منا أن يري ما عند الأخر من إمكانيات ومواهب وقدرات والاعتراف بالقيم الموجودة لديه، دون التفكير بأنه أفضل من الأخرين، فكلنا مخلوقون علي صورة الله، والكل علي نفس القدر من الأهمية، فليس هناك رجلا أو امرأة، حرا أو عبدا، فقيرا أو غنيا، ولكن هناك الإنسان كمخلوق فريد ومميز عن جميع المخلوقات، الإنسان مهما كان لونه أو جنسه أو دياناته، ويؤكد لنا سفر التكوين بأن الله خلق العالم ورآه حسناً وعندما خلق الإنسان رآه حسنا جدا (تك 1 : 31). وهذا يرينا المكانة الخاصة لكل منا عند الله. أن العظمة الحقيقية لا تكمن في السيطرة علي الآخرين وسلب حريتهم، بل في المحبة والتفاني والعطاء المجاني، ولقد أكد يسوع المسيح بقوله لنا : " من أراد أن يكون عظيما فيكم .. فليكن لكم خادما ( مر 9 : 35). والسؤال الآن هو : ما معني أن أكون عظيما ؟ وأين تكمن عظمتي؟.