عظة البطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير 4/11/07

بكركي، 4 نوفمبر 2007 (zenit.org).-

ننشر في ما يلي العظة التي ألقاها البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير في قداس الأحد في كنيسة الصرح البطريركي في بكركي.

"أنت هو المسيح ابن الله الحي"

هذا الاحد هو احد تقديس البيعة, اي الكنيسة. وبطرس وحده هو الذي انبرى بين جميع التلاميذ ليقول للسيد المسيح: "أنت هو ابن الله الحي". وقد جاء جواب بطرس جوابا على سؤال طرحه السيد المسيح على تلاميذه بقوله لهم: "من يقول الناس اني انا ابن الانسان؟". فراحوا كل بدوره يقول: اناس يقول انك يوحنا المعمدان, وآخرون يقولون انك ايليا, وغيرهم يقولون انك ارميا او احد الانبياء. وتابع السؤال بقوله لهم: "وانتم من تقولون اني انا؟". بطرس وحده اجابه الجواب الصحيح عندما قال: "أنت هو المسيح ابن الله الحي". اذذاك طوب المسيح بطرس بقوله له: "طوبى لك يا سمعان بن يونا! لأنه لا لحم ولا دم اظهر لك ذلك, بل ابي الذي في السموات. وبعدئذ جعله أساسا للكنيسة, وأقامه رئيسا على اخوته الرسل بقوله له: "أنت الصخرة وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي, وابواب الجحيم لن تقوى عليها". ثم وعد باعطائه مفتاح الحل والربط بقوله له: "سأعطيك مفاتيح ملكوت السماوات. فكل ما تربطه على الارض يكون مربوطا في السموات, وما تحله على الارض يكون محلولا في السماوات". واوصى تلاميذه بألا يعلنوه لأنه آثر ان يبقى متخفيا, لأن ساعة اعلان نفسه مسيح الله لم تكن قد أتت بعد.
وننتقل الى الحديث عن الزواج, والانفصال, والطلاق, وقضايا الضمير كما تراها الكنيسة الكاثوليكية.

1- الزواج

نتحدث اليوم عن قضايا عدم فسخ الزواج, وانفصال الزوجين, والطلاق, وهذه امور ضميرية يواجهها القضاة والمحامون. والزواج المعقود بطريقة صحيحة هو غير قابل للانفصام, ولا يمكن حله بارادة المتعاقدين المتبادلة, ولا باية ارادة بشرية. وهذا يصح على الزواجات الطبيعية, والزواجات المطبوعة بطابع السر. أما في ما خص المعمدين, فالزواج الذي يحمل طابع السر هو صحيح. وهذا ما ذكر به البابا الراحل يوحنا بولس الثاني. وهناك فرق بين بطلان الزواج, والطلاق. ولا يمكن الكنيسة ان تعلن الزواج باطلا, الا اذا كان لم يعقد عقدا صحيحا. وهذا يعني ان الزواج لم يكن موجودا من الاساس. وبعكس ذلك, ان الزواج المعقود عقدا صحيحا, لا يمكن فسخه ابدا. واذا كانت الكنيسة تمنع الطلاق, فلأن عدم فسخ الزواج هو ما طبعه الخالق في الزواج بمقتضى الشريعة الطبيعية.
ان الله وحده هو صانع الزواج, وما يحمله من قيم وما له من غايات. بالزواج الرجل والمرأة يهب احدهما الآخر عن محبة تامة, ويقيمان فيما بينهما, بقوة العقد الزواجي, شراكة تستمر مدى الحياة, وتتميز, ليس فقط بالوحدة, بل ايضا بعدم الانفصام, على ما اشار اليه المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني بقوله: "ان هذا الاتحاد الحميم, بوصفه هبة متبادلة بين شخصين, ولخير الاولاد, يقتضيان الامانة التامة من الزوجين, عدم انفصام هذه الوحدة.
ان كل زواج معقود بين غير المؤمنين عقدا صحيحا, ينعم في داخله بعدم الانحلال, وذلك بقوة الحق الطبيعي, وبقوة الحق الالهي, وذلك بحيث انه لا يمكن فسخه, لا برضى الزوجين المتعاقدين, ولا بأية ارادة بشرية. وهذا يسري ايضا على عقد الزواج الذي لم يرتفع الى مقام سر ذلك ان الزواج بقوة الحق الطبيعي غير قابل للحل, ويمكن الدولة في بعض الحالات ان تضع عقوبات على الطلاق.
ان الشريعة الالهية الوضعية وهبت الجنس البشري عدم انحلال رباط الزواج, وهذا ما اشارت اليه صرخة آدم عندما ظهرت له شريكة حياته, فقال: "هذه عظم من عظمي, ولحم من لحمي… ولهذا يترك الرجل اباه وامه ويلتصق بامرأته, ويكونان كلاهما جسدا واحدا". وفي العهد القديم, وضع موسى, كمرسل من الله الى العبرانيين, حدودا لعدم حل الزواج فقال: "اذا اتخذ رجل امرأة وعاش معها, ولكنها لم تحظ عنده لعيب انكره عليها, فليكتب لها كتاب طلاق يدفعه الى يدها, ويصرفها من بيته, واذا خرجت من بيته ومضت وصارت لرجل آخر… فليس لبعلها الاول الذي طلقها ان يعود, ويأخذها لتكون له زوجة بعدما تدنست, فان ذلك رجس لدى الرب".

2- الطلاق

وكان ذلك تفسيحا من الله جاد به على شعبه لقساوة قلوبهم, غير انه في البدء لم يكن هكذا على ما جاء في انجيل القديس متى في مستهل الفصل التاسع عشر. وفي العهد الجديد, ان الرب يسوع, بعد ان ألغى ما سمح به لموسى, اعاد عدم حل الزواج الذي كان منذ البدء, واعلنه اعلانا اكثر وضوحا فقال: "لقد قيل ان من طلق امرأته يجب ان يسلمها كتاب طلاق, غير اني انا اقول لكم ان من طلق زوجته, الا في حال مساكنة زنى, يجعلها تزني, وان من تزوج أخرى فقد زنى, ومن يتزوج مطلقة يزني".
وان بولس الرسول يؤكد هذه الحقيقة باستعماله تقريبا الالفاظ عينها فيقول: "أما المتزوجون فآمرهم, لا انا بل الرب, بأن لا تفارق المرأة رجلها, وان فارقته, فلتبق بلا زواج, او فلتصالح رجلها, وبأن لا يترك الرجل امرأته", ويقول ايضا ان المرأة تظل مرتبطة برجلها ما دام حيا. فان مات رجلها, فهي حرة ان تتزوج من تشاء, ولكن بالرب فقط. الا انها في رأيي, يقول بولس الرسول, تكون اكثر غبطة، ان ظلت حرة. واظن ان في انا ايضا روح الله. ان موت احد الزوجين وحده بامكانه ان يكون سببا لفسخ رباط الزواج لدى الذين اصبحوا جسدا واحدا.
ان للمسيح زوجة واحدة هي الكنيسة، وان للكنيسة زوجا واحدا هو المسيح، وهو رأسها، ومخلصها، يسوع المسيح. وعلى هذا المثال الالهي تأسس الزواج المسيحي، ولهذا السبب ان هذا الرباط، وهو كالرباط القائم بين المسيح والكنيسة، ليس فقط مقدسا، بل انه دائم، على ما يقول القديس بولس: "لذلك يترك الرجل اباه وامه، ويلزم امرأته، فيصير الاثنان جسدا واحدا". وجميع هذه الاقوال الكتابية اجملها السيد المسيح بكلمة واحدة وهي "ما جمعه الله، فلا يفرقه انسان"، وكان اذ ذاك يتحدث عن قيمة عدم انحلال الزواج التي لا تثمن.
والاستشهادان السابقان اللذان ذكرناهما اي "ما عدا مساكنة الزنى، يرتكب خطيئة" لا تعني ان الزنى هو سبيل الى فسخ الرباط الزوجي. الزنى يبرر طلاق الزوجة، دون ان يسمح لها بزواج جديد. ان السلطة والتقليد قد اعطيا لهذين المقطعين تفسيرا عمليا وهو عدم فسخ الزواج.
ان المجمع التريدنتيني لم يشأ ان يرذل تفسير اليونانيين الارثوذكس المخالف، الذين يقبلون الطلاق، على اساس هذين المقطعين. غير ان البابا بنديكتوس الثاني عشر الذي اصدر رسالة في سنة 1341 جاء فيها ان قولهم: "ان شهوة الجسد انما هي شر وخطيئة، وان الزوجين المسيحيين يرتكبان خطيئة عندما يمارسان حقهما الزوجي، لانهما يعتبران ان هذا الحق هو خطيئة، لانهما يعتبران ان هذا الحق هو خطيئة، وقد دحض المجمع التريدنتيني هذا القول بتأكيده:ان من يقول ان الكنيسة تخطأ عندما تعلم، بحسب عقيدة الانجيل والرسل، ان الرباط الزواجي لا يمكن حله بسبب زنى احد الزوجين وان احدهما ولو بريئا، ولم يتسبب بزنى، بامكانه ان يعقد زواجا جديدا، وشريك حياته لا يزال على قيد الحياة، وان الزوج الذي يطرد زوجته الزانية، ويتزوج سواها هو ايضا زان، وان الزوجة التي طردت زوجها الزاني وتزوجت سواه، ترتكب خطيئة الزنى، فليكن محروما". وهذه التعاليم لا تعترف بها الكنيسة الكاثوليكية، سواء احدث فسخ الزواج بسبب تنافر الاطباع، او الوقوع في الهرطقة، او غاب احد الزوجين عن قصد وتصميم. والمجمع التريدنتيني ومجلة الحق القانوني هما صدى لتعاليم الكنيسة التقليدي. وان الاحبار الاعظمين اعلنوا دائما ودون انقطاع مبدأ عدم انحلال الزواج. وان عدم انحلال الزواج اصبح مقبولا ومسلما به دونما جدل، منذ القرن الثاني عشر.

3- الكنيسة الكاثوليكية تدافع عن عقد الزواج

وقد دافعت الكنيسة الكاثوليكية، والكرسي الرسولي دائما بتعليمهما واعمالهما،عن عدم انحلال الزواج المسيحي، المعقود والمكتمل، لانه يمثل اتحاد المسيح بالكنيسة. ولهذا ان اللاهوتيين يسمون عدم الانحلال الزواجي خير السر اي ان له قيمة سر ولا يمكن بالتالي لاية سلطة بشرية، او لاي سبب آخر، ان يحله، ما عدا الموت.
والبابا يوحنا بولس الثاني علمنا ان المشاركة الزوجية لا تتسم بالوحدة وحسب، بل بعدم الانحلال، وان من واجب الكنيسة ان تؤكد كل التأكيد عقيدة عدم انحلال الزواج. وقد جاء في رسالة قداسة البابا يوحنا بولس الثاني: "الجماعة العائلية قوله": هكذا ان الزوجين بهبة احدهما الآخر، يعطيان ما هو ابعد منهما، اي وجود اولادهما الذين يعكسون انعكاسا حيا حبهما، وهو علامة دائمة للوحدة الزوجية، ومختصر حي لكيانهما كأب وأم".
والزواجات الاخرى التي لم تكتمل هي ايضا غير قابلة للحل الا في بعض حالات خاصة، اذا توفرت لها بعض الظروف. والحبر الاعظم وحده هو الذي يعلن بطلانها. بحسب القانون الكنسي. مثلا في حال الزواج المقرر غير المكتمل بين معمدين، والكنيسة تعترف بذلك.
ان سر الزواج رسمه السيد المسيح وسيلة لتقديس العائلة، وهذا ما غاب عن نظر الكثيرين حتى من المعمدين، وما يجب التقيد به لخير العائلة والمجتمع.
وخير المجتمع يقضي ايضا بواجب التقيد بمنطق الدستور خاصة في ما يتعلق بانتخاب رئيس للجمهورية.وهو عمل يجب الا يتفرد به فريق دون فريق، او يتخلف عنه جماعة دون جماعة، والتفرد في هذا المجال، كالتخلف لهما عواقب وخيمة على الوطن باكمله. ألهمنا الله جميعا خير السبل لانقاذ وطننا مما يتهدده من مخاطر تفكك، وساعتئذ لا يعود ينفع الندم.