تكمن أهمية الكرسي الرسولي بأنّ إحدى ميزاته هي في "عدم امتلاكه مصالح مادية يدافع عنها، حيث تترفع أعماله عن أي مصلحة خاصة" ، ومنه فإن الكرسي الرسولي – الذي هو دولة قائمة في قلب مدينة روما – هو ممثل الكنيسة الجامعة الكاثوليكية ، والكنيسة حسب تعبير قداسة البابا بتاريخ 22 شباط 2007 هي : " ليست كياناً فوق وطني أو سلكاً إدارياً أو سُلطوياً. كما أنها ليست وكالة إجتماعية ولو أنها تقوم بعمل إجتماعي يتجاوز إطار الوطن، بل هي كيان روحي. ليست الكنيسة بنية واسعة أو منظمة دولية. بل الكنيسة هي جسم المسيح وبالتالي حقيقة روحية" والكرسي الرسولي لا ينفك يذكّر بطبيعة الكنيسة العميقة والحقيقية : فللكنيسة بنية تقوم على الأسرار المقدسة ، وليس بنية سياسية.
فما هور دور التمثيل الدبلوماسي لدى الكرسي الرسولي ، اذا كانت هذه الدولة لها خصوصيتها غير السياسية ، فهي ليست هيئة "دولية" على غرار الهيئات الدولية الأخرى ، وكيف لدبلوماسي أن يضطلع بمهمته التي تقضي بـ"تمثيل" بلاده وبـ"إطلاع" دولته والكرسي الرسولي في آنٍ معاً على مجريات الأمور في إطار كهذا ؟ بل كيف يتمّ التفاوض حول "إتفاق أساسي"؟
إن إحدى أولى وظائف الممثلين الدبلوماسيين لدى الكرسي الرسولي هي وظيفة تمثيلية . فمجرّد تواجد البعثات الدبلوماسية لدى الكرسي الرسولي باعتباره كياناً قانونياً وروحياً وسلطة معنوية يعبّر عن رغبة الدول في إقامة علاقات ودّ واحترام وتعاون مع كرسي بطرس وتالياً مع الكنيسة. وهذا التمثيل يفترض طبعاً مشاركة الدبلوماسيين في مختلف أوجه النشاطات العامة للكرسي الرسولي، ولاسيما في الإحتفالات والمناسبات المقدسة، سواء احتفل بها الحبر الأعظم شخصياً أو فوّض أحداً لتمثيله فيها، مع اتباع بروتوكول محدّد ونظام تشريفات وتصدّر وبروتوكول احتفالات واضحين، مع ما يفترض ذلك من ارتداء البذلة الرسمية وغالباً الأوسمة التي تفيد عن مدى رسمية المناسبة. وهذه الإحتفالات غالباً ما تُبَثّ إلى أقصى المعمورة.
وبالإضافة إلى المشاركة البروتوكولية البحتة وشرف الإشتراك في هذه المناسبات التاريخية في معظم الأحيان، قد يأمل البعض في أن يشارك السلك الدبلوماسي برمّته، وكلٌّ على طريقته، في الصلاة المشتركة التي تُرفَع في مقام الروحانية هذا الذي يمثله الكرسي الرسولي من أجل تعزيز السلام والعدالة والمحبة.
إن التمثيل الدبلوماسي يعني أن نعكس صورة الدولة التي أوفدتنا وفي الكرسي الرسولي أكثر من أي مكان آخر يتعيّن على الدبلوماسيين أن يتقيّدوا بقواعد سلوك صارمة سواء على صعيد السلوك في المجتمع أو في الحياة الخاصة تكسبهم الإحترام والثقة والتقدير كما هو واجب".
أما وظيفة التمثيل الدبلوماسي الثانية لدى الكرسي الرسولي هي "الإطلاع". ولكن من نطلع؟ وكيف؟ وبأي هدف؟
تكمن هذه الاهمية ، أن الكرسي الرسولي ذي الرقعة الجغرافية الصغيرة ، يساعد تماما ، من خلال أقنية كثيرة متعددة ، على تقارب وجهات النظر بين ممثلين دبلوماسيين لديه من خلال عالميته ، فالكنيسة كونية بالفعل وهي تدافع عن قيم كونية تحظر كل أشكال اللجوء إلى القوة والعنف في العلاقات الإنسانية والدولية. ولأجل ذلك فإن للتمثيل الدبلوماسي الناشط أهمية نقل وجهات النظر الى الكرسي الرسولي التي بدورها تستطيع ان تنقل وجهات النظر هذه الى بقاع كثيرة في العالم .
أما من ناحية الاتفاقيات والمعاهدات فيجب أخذ العلم بأنه مع انتشار الفاشية في إيطاليا والنازية في ألمانيا، اضطرّ الكرسي الرسولي إلى أن يخوض مفاوضات لتوقيع معاهدات حبرية، بحيث يحمي نفسه بـ "درع قانوني". غير أن ظروف إبرام هذه الإتفاقات لم تعد دائماً مأساوية إلى هذا الحد في أيامنا هذه.
وتكمن أهمية الاتفاقيات المبرمة مع الكرسي الرسولي والتي نسميها "إتفاق أساسي" أو "معاهدة حبرية" هو تنظيم الوضع القانوني للكنيسة الكاثوليكية ومؤسساتها مع الدول ، ومع الحرص الشديد على حماية حريتها ، وبخاصة في ما يتعلق بالشعائر وادارة الشؤون الرعوية وحق الإجتماع والتجمّع والتعبير والعمل الخيري والنشاط الإجتماعي والتعليم الديني… وإن هذه الإتفاقات الثنائية التي هي بمثاية إتفاقات يرعاها القانون الدولي وهي بالتالي ثابتة تضمن للمؤسسات الكنسية عنصراً مهماً من الأمان ، مع العلم بأن عدد الإتفاقات النافذة حالياً يرقى إلى 160 إتفاقية .
أما الأهمية الثالثة للتمثيل الدبلوماسي فتكمن في الحوار بين الاديان كافة ، ومنها الحوار الديني المسيحي – الاسلامي ، فالوضع القانوني للحوار المسيحي الاسلامي ينضوي في البيان المجمعي Nostra Aetate وكما هو وارد في الجزء الثالث منه شرعة الحوار الإسلامي – المسيحي وفيه: "وتنظر الكنيسة بعين الإعتبار أيضاً إلى المسلمين الذين يعبدون الإله الواحد الحيّ القيوم الرحيم الضابط الكل خالق السماء والأرض المكلّم البشر. ويجتهدون في أن يخضعوا بكليتهم حتى لأوامر الله الخفية، كما يخضع له إبراهيم الذي يُسند إليه بطيبة خاطر الإيمان الإسلامي".
إن هذا الحوار يتميز بأربعة عناصر: وجود "عقيدة فاتيكانية للحوار (تتجسد خصوصاً في بيان "Nostra Aetate" الصادر في 28 أكتوبر 1965)"، "ومحاور وحيد وسامٍ (قداسة البابا)"، و"بنية (تتألف من المجلس الحبري للعلاقة بين الأديان واللجنة الخاصة المكلفة تعزيز العلاقات مع المسلمين من الناحية الدينية)" و"إطار لدراسة الإسلام وفهمه يتمثل في المعهد البابوي للدراسات العربية والإسلامية".
إن هذه النقاط المهمة للتمثيل الدبلوماسي لدى الكرسي الرسولي ليست هي النقاط الثلاثة فقط ، ولكنها العناوين الكبيرة المهمة التي على كل هيئة دبلوماسية لدى الكرسي الرسولي ، أن تجد من خلالها العناوين الصغيرة والمهمة لبلادها
في 4/11/2007
عن موقع عالم بلا حدود
ان تسمية الكرسي الرسولي هي ادق واصح من تسمية الفاتيكان ، وهذه التسمية تعود الى كون البابا هو خليفة القديس بطرس الذي انتقل من انطاكية الى روما واسس- كما نسميه – " كرسي روما " .