بكركي، 11 نوفمبر 2007 (zenit.org).
ننشر في ما يلي العظة التي ألقاها البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير في قداس الأحد في كنيسة الصرح البطريركي في بكركي.
"وحان عيد التجديد في اورشليم"
"التجديد هو أحدث الأعياد اليهودية، بدأ الاحتفال به يهوذا المكابي سنة 164 قبل المسيح، والذي جدد العبادة في هيكل أورشليم، بعد أن دنسه أنطيوكس أبيفانيوس مدة ثلاث سنين ونصف. وهو آخر عيد في حياة يسوع العلنية، وفيه أعلن هويته الكاملة: انه المسيح ابن الله. والمسيح قال لليهود انه ابن الله، ولكنهم لم يصدقوا، لذلك قال لهم أيضا:"الأعمال التي أعملها باسم أبي تشهد لي، لكنكم لا تؤمنون لأنكم لستم من خرافي".
وننتقل الى الكلام عن سر الزواج، وقضايا الهجر والانفصال، وما ينتج عنهما من شؤون غالبا ما تكون مأساوية.
1- الانعام البولسي
ان الزواج المعقود بين شخصين غير معمدين قابل للانحلال بقوة الانعام البولسي. والانعام البولسي هو طريقة لفسخ زواج غير المؤمنين، وان مكتملا، على أثر اهتداء أحد الزوجين وقبوله العماد بالماء ورفض الآخر، اما قبول العماد، واما المساكنة السلمية بدون اهانة الخالق. والمبدأ القائل بان انعام الايمان، في حال الشك، ينعم برعاية القانون، يتعلق معا بالانعام البولسي وممارسة السلطة العائدة للحبر الأعظم النيابية. وفي هذه الحالة، يمكن فسخ الزواج الصحيح موضوعيا، والمشكوك به على المستوى الشخصي، بقوة السلطة النيابية.
ومن الأهمية بمكان ان نشير الى أن الزواج الصحيح يولد بين الزوجين رباطا نهائيا من طبيعته، وحصريا، وذلك لمصلحة الايمان التي تعمل لها الوحدة، والطهارة، والمحبة، والطاعة الصادقة والنبيلة. وهذه كلها تساعد على توطيد السلام بين الزوجين والكرامة والسعادة. وينشأ بقوة ذلك مانع الوثاق الذي يطال خصائص الزواج المسيحي الحقيقية، أي خاصتي الوحدة وعدم الانفصام. ولذلك ان كل زواج معقود بين شخصين مقيدين سابقا برباط زواج سابق، ولو غير مكتمل، هو زواج غير صحيح، قبل الحصول شرعا، وعلى وجه التأكيد، على اعلان بطلان الزواج السابق، أو فسخه. واذا كان الأمر يتعلق بزواج أسراري معقود ومكتمل، فان الحبر الأعظم عينه لا يمكنه أن يحله.
وفي هذا الاطار، من الضروري توجيه الانتباه خاصة الى الصعوبات، وعدم تفاهم الزوجين المتبادل، والى عدم قدرتهم على الانفتاح على علاقات شخصية بينهما، من شأن هذا كله ان يؤدي بالزواج الصحيح الى فسخ يكون عادة غير قابل للاصلاح.
مما لا شك فيه، وانسجاما مع عقيدة الكنيسة وتقاليدها، وتعاليم الأحبار الأعظمين، واستنادا الى القوانين المرعية الاجراء، ينبغي على الأزواج أن يعيشوا معا، الآ اذا كان هناك سبب وجيه، يمنع ذلك، ناشئ عن الحق الطبيعي، وليس فقط نابعا من الشريعة الوضعية. وبالتالي يجب احترام متطلبات الشخص البشري الأساسية في حياة الأزواج والأبناء. ويمكن اللجؤ الى الانفصال، مع قيام الرباط الزوجي، بالاتفاق المتبادل بين الزوجين، أو بناء على مبادرة أحدهما دون موافقة الشريك الآخر، ويمكن أن يكون هذا الانفصال بطريقة موقتة أو دائمة، مؤبدة.
وفي مطلق الأحوال، ان الهجر أو الانفصال هو الدواء الأخير، الذي ينتج عنه وضع خطر بالنسبة الى محافظة الزوجين على العفة الزوجية، ويجب الآ يعمد الى هذه الوسيلة الا في حال استحالة وجود طريقة أخرى. وبحسب العقيدة الكاثوليكية، يمكن القبول بانفصال الزوجين لوقت محدد، ويكون مؤبدا في الحالة التي أشار اليها القانون، وهي حالات الخيانة الزوجية، وقطع العلاقة مع الزوج. وفي هذه الحالة، يستمر الرباط الزواجي، ولا يستطيع الزوجان عقد زواج جديد.
2- الهجر الدائم
والانفصال أو الهجر الدائم دون الرضى المتبادل يمكن الزوج البريء أن يقدم عليه في حال الخيانة، على الرغم من أنه يطلب من الزوج الآخر، بدافع من المحبة المسيحية، وخير العائلة، ألآ يرفض مسامحة الزوج الخائن، وعدم قطع رباط الحياة الزوجية.
على كل، في حال الزنى الكامل، والأكيد من الناحية الأدبية، وليس الظن بوقوعه، من قبل أحد الزوجين، فان للزوج الآخر، مع قيام الرباط الزوجي، الحق في هجر الزوج المذنب، الا اذا كان قد تغاضى عن الخطأ، أو تسبب به، أو سامح بصورة علنية أو ضمنية، أو اذا كان هو عينه اقترف خيانة مماثلة من جهته. المسامحة الضمنية تكون عندما يكون الزوج البريء، بعد أن يكون اضطلع على خيانة الزوج الآخر، قد واصل علاقاته به بمحبة زواجية. وتفترض المسامحة اذا كان الزوج البريء قد حافظ خلال ستة أشهر على الحياة الزوجية المشتركة، ولم يطرد شريكه الزاني، أو انه لم يهجره، ولم يباشر أي عمل قانوني لدى السلطة الكنسية أو المدنية.
وبامكان الزوج البريء، استنادا الى أحكام الشرع الكنسي المرعي الاجراء، أن يلجأ، بموافقة الاسقف الأبرشي، الى التقاضي أمام السلطة الكنسية أو المدنية. ولا يلحظ التشريع الجديد أية مفاضلة بين المحاكم الكنسية أو المدنية، بحيث أن الزوج أو الزوجة الراغب أو الراغبة في الهجر بامكانه أو بامكانها أن تتوجه الى مطران أبرشية مكان اقامته. والقضايا الزواجية عندنا هي من اختصاص المحاكم الكنسية.
ان امكانية الانفصال الزواجي، تتم بقرار خاص، عندما يضع الزوج شريك حياته أو أولادهما في وضع خطر على نفس الآخر وجسده، أو يجعل، بطريقة أو أخرى، الحياة المشتركة، صعبة، واذا كان هناك خطر في انتظار قرار الأسقف المحلي. ولا بد من الاشارة الى أن القوانين الكنسية تلحظ في موضوع الهجر بناء على قرار شخصي من أحد الزوجين، يتضمن واجب اعادة الحياة المشتركة والاقلاع عن الدعوى، اذا انتفى سبب الهجر، الا اذا كان هناك أمر آخر تلحظه السلطة الكنسية.
3- التشريع الكنسي يعبر عن روح الكنيسة
ان التشريع المدني – في البلدان التي فيها تشريع مدني يتناول القضايا الكنسية- يعترف بانفصال الزوجين عن رضى متبادل، وهذا يخالف روح الكنيسة الذي يريد أن يضمن احترام رباط الزواج والمفاعيل الناتجة عنه، وذلك للتعرف، بطريقة فضلى وبروح مسيحية، الى وضع الأزواج المنفصلين الصعب، وتوفير معاش لأولادهم وتعليمهم.
في مجلة الحق القانوني، نجد نوعا جديدا من القضايا، المخصصة للأزواج الذين يريدون أن يعطوا صيغة جديدة لانفصالهم. والشرع يحدد عبارات تتعلق بالمحاكمة الخاصة التي تؤكد سلطة الكنيسة، وصلاحية نظرها في مثل هذه القضايا.
ان حياة الأزواج المشتركة هي نتيجة جوهرية لقيام رباطهم الزواجي. وانفصال الزوجين ليس نتيجة مفعول مدني للزواج الذي يستطيع التشريع المدني أن يطالب به، ولكنه نتيجة مباشرة للرباط الزواجي الأسراري، مع ما يرافقه من مفاعيل روحية وأدبية هامة تتعلق بحياة الزوجين والعائلة المسيحية. ولهذا لا تستطيع الكنيسة أن تتنكر لحقها في النظر في أمر انفصال الزوجين وتقريره، وخاصة اذا كان هناك خطر متأت عن السلطة القضائية المدنية التي ترفض أو تفرض انفصال الزوجين وذلك خلافا للشريعة الألهية.
وعلاوة على ذلك، ان تمديد تشريع الانفصال، في بعض البلدان، ومبدأ الفصل بين السلطة التشريعية الكنسية، والسلطة التشريعية المدنية، يتطلب تشريعا قانونيا كنسيا دقيقا خاصا يتعلق بفصل الأزواج، ويضع، في حالات خاصة، بين أيدي السلطة المدنية ممارسة سلطتها التشريعية في ما يتعلق بالمفاعيل المدنية الحق، الخاصة بالزواج، بحيث يمكن تنظيم العلاقات بين الأزواج. وعلى الاسقف المكاني الأبرشي، أمام هذا الخيار، وعندما لا ينتج القرار الكنسي أي مفعول مدني، وبعد التأكد من أن القرار المدني ليس فيه ما يخالف الحق الألهي، أن يراعي الظروف الخاصة، ويستطيع أن يمنح الاذن باللجؤ الى المحاكم المدنية.
وفي حال أن قضية انفصال الزوجين تتعلق أيضا بمفاعيل الزواج المدنية، فعلى القاضي الكنسي، المختص شرعا، أن يتصرف بحيث انه- مع المحافظة على ما ينص عليه الحق القانوني في هذه الحالة بالنسبة الى اسقف مكان اقامة الزوجين- يدفع بالقضية، منذ البداية، الى المحاكم المدنية للنظر فيها. وعليه فان المحاكم الكنسية، ولو لم يكن لأحكامها مفاعيل مدنية، تحتفظ بحق النظر في قضايا الهجر، لكي تتخذ التدابير اللازمة لتلافي اتخاذ القاضي المدني قرارا قد يكون مخالفا لمبادىء الحق الألهي.
ولهذا السبب ان المؤمن المسيحي الذي يريد أن يباشر قضية هجر، عليه أن يذهب الى مطران الأبرشية التي يسكن فيها الزوجان، وهذا الأخير يقرر احالة الدعوى الى النظر فيها بطريقة ادارية. وهناك أيضا احتمال آخر، وهو أن يقرر القاضي أن يصدر حكمه بطريقة قضائية، الا اذا كانت هناك امكانية شرعية تنص عليها الاتفاقيات الموقع عليها بين الدول والكنيسة، أو الملحوظة بموجب قوانين بعض الأبرشيات.
الخلافات العائلية تورث هموما كثيرة، وتنغص عيش أفراد العائلة التي يعصف بها الخلاف. واذا انتقلنا الى الوطن فالخلاف يقضي عليه، وعلى مقوماته، ويضع مصيره في دائرة الخطر. أفليس هذا ما نراه يحتل عندنا ساحة الوطن.
ولو كانت المؤسسات الدستورية فاعلة، لما كان هناك من حاجة الى البحث عن طريقة تقوم مقامها. وزمن الاستحقاق الرئاسي أصبح وشيكا، بعد أن تأجل موعد انتخاب رئيس للجمهورية مرتين. والواجب الوطني يقضي على جميع النواب الذين انتدبهم المواطنون اللبنانيون ليقوموا مقامهم في تسيير سفينة الوطن، بعد أن محضوهم ثقتهم التامة. ونكرر ما قلناه سابقا، وهو أن التخلف عن القيام بالواجب الوطني، كتعمد مخالفة الدستور باللجؤ الى تفسيره تفسيرا يبعد به عن مضمونه، ان هذا الموقف يصيب من الوطن مقتلا.
فعسى أن يتعظ الجميع من أخطاء الماضي، ويجانبوا الوقوع فيها ثانية".
البطريرك الماروني: "لو كانت المؤسسات الدستورية فاعلة، لما كان هناك من حاجة الى البحث عن طريقة تقوم مقامها"
"الخلاف يقضي على الوطن وعلى مقوماته، ويضع مصيره في دائرة الخطر". هذا ما البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير في عظته التي ألقاها في قداس الأحد في كنيسة الصرح البطريركي في بكركي.
وقال صفير: "لو كانت المؤسسات الدستورية فاعلة، لما كان هناك من حاجة الى البحث عن طريقة تقوم مقامها".
وأضاف بأن "زمن الاستحقاق الرئاسي أصبح وشيكا، بعد أن تأجل موعد انتخاب رئيس للجمهورية مرتين. والواجب الوطني يقضي على جميع النواب الذين انتدبهم المواطنون اللبنانيون ليقوموا مقامهم في تسيير سفينة الوطن، بعد أن محضوهم ثقتهم التامة".
وقال البطريرك الماروني بأن "التخلف عن القيام بالواجب الوطني، كتعمد مخالفة الدستور باللجوء الى تفسيره تفسيرا يبعد به عن مضمونه، ان هذا الموقف يصيب من الوطن مقتلتً".
وختمنيافته قائلاً:"عسى أن يتعظ الجميع من أخطاء الماضي، ويجانبوا الوقوع فيها ثانية".