عظة البطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير 18/11/07

 

بكركي، 18 نوفمبر 2007 (zenit.org).

ننشر في ما يلي العظة التي ألقاها البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير في قداس الأحد في كنيسة الصرح البطريركي في بكركي.
* * *

"لا تخف يا زكريا فقد استيجبت طلبتك"
لقد أتى بعض من سيدات "الكتائب اللبنانية" للصلاة معنا لراحة نفس المرحوم الشيخ بيار الجميل الذي انقضى سنة على اغتياله, واننا نصلي معهن على هذه النية ونسأل الله ان يجنب لبنان المزيد من المصائب والويلات.

مولد يوحنا المعمدان صاحبته اعجوبة. هي اعجوبة جرت لرجل وامرأته هما زكريا وأليصابات, وكانا قد طعنا في السن, ويئسا من ان يكون لهما ولد. ولكن الله تدخل استجابة لطلبهما. وكانا يسلكان في جميع وصاياه تعالى. وفيما كان زكريا يخدم في الهيكل, ظهر له ملاك الرب ليقول له: " لا تخف يا زكريا فقد استيجبت طلبتك, وامرأتك اليصابات ستلد لك ابنا, فسمه يوحنا. ويوحنا بالعبرية يعني: الله حنان. وهذا الولد سيكون عظيما في نظر الرب, وسيمتلىء من الروح القدس قبل ان يبصر النور. وستكون له جرأة جبرائيل, لذلك أصيب بالخرس او البكم, فلم يعد يقوى على الكلام, حتى تم له ما بشر به الملاك. واستعاد القدرة عليه. وهذا يعني ان الله يستجب من يسأله عن ايمان لذلك قال: "صلوا ولا تملوا".

وننتقل الى مواصلة الكلام عن العائلة المبنية على الزواج الذي هو سر رسمه السيد المسيح ليجعل الرباط الذي يجمع بين الزوجين رباطا مقدسا ابديا على ما قال: ولا يفرق بينهما الا الموت.

1- انفصال الزوجين
ان الحق الكنسي الخاص بامكانه ان يحدد ان دعوى الانفصال بين الزوجين يمكن ان يصار الى تقديمها باحدى طريقتين, واذا كان ذلك غير محدد, بامكان احد الزوجين الذي يطلب الانفصال ان يختار اما الطريقة الادارية, واما الطريقة القضائية. والطريقة الادارية تبدو انسب, لمجانبة تعقيدات الطريقة القضائية والاعلان عنها. واذا اختيرت الطريقة القضائية الشفهية والعادية, وبقدر ما يعود ذلك الى صلاحية المحكمة, يمكن اللجوء الى اربع محاكم مختلفة:
المحكمة الاولى هي التي لها ولاية مكانية اي المكان الذي احتفل فيه بالزواج.

المحكمة الثانية هي التي يقع تحت ولايتها مكان مسكن او شبه مسكن الزوج المدعي.

المحكمة الثالثة هي محكمة المكان القائم فيه مسكن المدعي, على ان يقيم الزوجان في المكان الواقع تحت ولاية مجلس اساقفة عينه, وان يوافق النائب القضائي بعد ان يكون قد استمع الى رأي هذا الاخير. واذا كان, لسبب خاص, ليس هناك نائب قضائي, يطلب رضى الأسقف المكاني.

المحكمة الرابعة هي محكمة المكان الذي ينبغي ان يجمع فيه اكبر عدد من البراهين, شرط موافقة النائب القضائي في مكان سكن المدعى عليه, وان يكون قد سأل سابقا من الجهة المدعى عليها ما اذا كان لها اعتراضات على ان تنظر هذه المحكمة في القضية.

وفي كلتا الحالتين, يصير اللجوء الى قاض منفرد, دون نفي امكانية استعانته بمعاونين, علمانيين او اكليريكيين, بصفة مستشارين. وعلى القاضي, قبل ان يقبل او يرفض دعوى انفصال زوجين, وان يلحظ امكانية مصالحتهما, وعليه, اذا لاح له امل بحل موفق, ان يضع كل الامكانيات الراعوية ليتصالح الزوجان, وليجتنبا القطيعة, ولو موقتة, ويستعيدا المساكنة الزوجية.

وفي دعاوى انفصال الزوجين, على محامي العدل ان يتدخل, وذلك تحت طائلة بطلان كل الاعمال التي تمت بغيابه. لأن هذه الدعاوى تنظر في الخير العام, وما لها من مضاعفات تتعلق بتربية الاولاد, وتنظيم الحياة في المجتمع. الى ما سوى ذلك.

هل طريقة النظر العادية في الدعوى هي, في دعاوى الانفصال, طريقة النزاع الشفهي؟ يلحظ المشترع, انه بناء على طلب الفريقين, والمحامي عن العدل, يمكن التصرف وفق صيغ النزاع العادي. ولا يمكن المحكمة الصالحة ان تهمل هذه الامكانية المتاحة للفريقين وللمحامي عن العدل. وهذه وسيلة لاعطاء كل الضمانات للمحافظة على الحقوق والمصالح الشرعية.

واذا كانت طريقة التقاضي المختارة هي طريقة النزاع العادي, واذا كان هناك استئناف, على محكمة الدرجة الثانية ان تبادر الى اصدار قرار, على ما هو ملحوظ في دعاوى بطلان الزواج.

2- الانفصال هو غير البطلان

ويجب الا يكون هناك خلط بين دعاوى انفصال الزوجين، واعلان بطلان الزواج الذي يمكن ان يتم لعيب في الرضى، ولوجود مانع مبطل، او لنقص جوهري في الصيغة. ولا يمكن اقرار بطلان الزواج الا عن طريقة محاكمة قضائية. وبما ان القضايا الزواجية لا يمكن ان تمر نهائيا في المحاكمة، فهناك شبه محاكمة بعد القرار الذي اعلن بطلان الزواج لاول مرة، قد ثبت في درجة الاستئناف، او بقرار تثبيت الحكم الاول، او بحكم ثان يؤكد الحكم الاول تصدره محكمة الاستئناف الكنسية الصالحة. وهذا الحكم لا يفسخ اي رباط، ولا يبطل اي زواج، وهذا لا يمكن صنعه بطريقة صحيحة، لكنه يعلن فقط بعد دعوى عادية، ان الزواج الذي كان من الممكن البدء به باعلان الطقس الزواجي، لم يكن موجودا وجودا صحيحا في الواقع، لانه كان هناك مانع يقف حاجزا دون صحة الزواج، او عيب في الرضى، او الصيغة.

ومن اعترض بقوله ان الكنيسة لها ايضا ان تبطل الزواج، وهي ترغب في المحافظة على ذلك، دون ان تعترف للدولة بهذه السلطة عينها، فهو يجهل العقيدة القضائية. وهذه الحجة يمكن ان تدل على سوء نية، عندما يضاف ان الكنيسة تمنح الطلاق فقط من باستطاعته ان يدفع، اي الاغنياء، والشخصيات الكبيرة، في مجال المعرفة والعلم. وهذا يدل على رفض القبول بان هناك عمالا عديدين او فعلة قد حصلوا على بطلان زواج بعد ان لجأوا الى طلب محاكمة مجانية.

ولهذا اعلن البابا يوحنا بولس الثاني عن حق الكنيسة الاساسي في تأكيد عدم فسخ الزواج في مجتمع معلمن، وعلى الرغم من قيام تيارات قوية تنادي بالطلاق. وهكذا يشير الاب الاقدس الى عدد الطلاق المتصاعد.

3- الزواج المدني يجب ان يعقبه زواج كنسي بالنسبة الى المعمدين

ان الزواج، بدون شك، يهم المجتمع المدني والدولة، وان ما يجب شجبه ايضا، هو ان العمل المدني يمكن اعتباره زواجا صحيحا، كما لو ان هناك نوعين من الزواجات احدهما ديني، قانوني، والآخر مدني. وان القوى العلمانية البرلمانية التي تحارب الكنيسة في هذا المجال، قد تصرفت تصرفا يدل على قدر كبير او صغير من الوعي وبدرجات، لتدخل في مرحلة اولى الزواج المدني، وبعد ذلك، الطلاق.

والزواج المدني هو ذاك الذي يعقد امام موظف مدني بحسب الشريعة المدنية. وفي بعض الدول، ان الزواج المدني معترف به، فيما هناك دول اخرى لا تعترف بالزواج المدني. والى هذا مرد النزاع القائم بين مختلف انواع الزواج المدني.

الزواج المدني الزامي او ضروري اذا كان يجب عقده امام الموظف المدني، وبحسب القانون المدني. وهناك بعض دول تعترف بالزواج الديني، فيما سواها لا تعترف به، والى هذا مرد الخلاف بين انواع الزواج المدني:

1- الزواج المدني الزامي او ضروري، اذا كان يجب عقده امام موظف مدني وبحسب القوانين المدنية فقط، تحت طائلة عدم الاعتراف بما له من نتائج مدنية.

2- الزواج المدني الحر او الاختياري، اذا كان يستطيع الجميع عقده امام موظف مدني، بحسب القوانين المدنية او الكنسية، او امام موظف مدني بحسب القوانين المدنية.

انه ثانوي، اذا كان القانون المدني يسمح بعقده امام موظف مدني بالنسبة الى الذين لا يؤمنون باي دين او بالنسبة الى مسيحيين على وجه عام، ليس لهم طائفة دينية، ولا خادم اسرار معترف به ليقبل رضاهم الزواجي: او على الرغم من انه خادم الطائفة الشرعي، يرفض حضور الزواج، بحجة ان هناك مانعا لم يفسح منه، وهو غريب عن الحق المدني.
ان الكنيسة تشجب وترذل زواج المعمدين المدني، على انه انتقاص من حقها ومن حرية الضمير، وهو مصدر اجحاف كبير بالنسبة الى الاخلاق العامة. وفي الواقع ان زواج المعمدين ليس، بالنسبة الى الضمير المسيحي، فعلا مزودجا، بل فعل واحد، لا ينقسم وغير قابل للكسر. ولا يمكن ان يكون هناك زواج دون ان يكون في الوقت عينه سرا. واذا كان صحيحا كسر، فهو صحيح ايضا كعقد، والعكس صحيح. وهكذا فان كل اتحاد زواجي بين كاثوليك معمدين خارج سر الزواج انما هو من طبعه سيء، ويجب شجبه على انه مساكنة غير شرعية. والفعل المدني وحده لا قيمة له، ولا قيمة له ضميريا بالتالي كعقد أو كمعاهدة زواجية.

حيثما يكون الزواج المدني الزاميا، يستطيع المؤمنون المسيحيون عقده، على أن يكون في نيتهم أن يقوموا باحتفال مدني، غير أنه عليهم، اذا كان ذلك ممكنا، أن يعقدوا زواجا دينيا. واذا كان واجبا عليهم أن يقوموا بزواج مدني، فلا يمكنهم أن يتساكنوا الا بعد أن يعقدوا الزواج الكنسي، لأنهم مع الفعل المدني وحده ليسوا بأزواج حقيقيين.
الزواج هو سر كسائر الاسرار السبعة، له شروطه ليكون صحيحا، ومنها الرضى المتبادل، أي قبول كلا الزوجين أحدهما بالآخر، وعزمهما على العيش معا مدى الحياة، وتربية من يرزقهما الله من بنين.
واذا كان الزواج يقضي بالوفاق والتفاهم بين الزوجين، فالعيش المشترك بين ابناء الوطن الواحد هو ضرورة لا يمكن تجاهلها. ويجب أن يكون هناك تفاهم بينهم خاصة عندما يتعلق الامر بانتخاب رئيس للجمهورية. وبقدر ما يتم الاجماع أو شبه الاجماع حوله، وتسهل مهمة هذا الرئيس، ويستطيع اذ ذاك أن يستقطب جميع أبناء البلد الواحد، ويسير بهم الى ما يضمن أمن البلد واستقراره وازدهاره. وهذا ما نأمل أن يتوفر لبلدنا في هذه الظروف العصيبة التي تمر بالمنطقة وبلبنان. وأنا لعلى يقين أن نواب الامة يعرفون ما عليهم من واجب في هذا الظرف العصيب، وسيقومون به، على الرغم من جميع العوائق، ولا شك في أن التاريخ سيسجل على كل منهم، وعلى كل مسؤول في لبنان، مواقفه في مثل هذه الظروف المصيرية. فعسى أن يعي كل منهم مسؤوليته، ويتصرف بمقتضى ضميره الوطني.

 

 

البطريرك الماروني: "العيش المشترك بين ابناء الوطن الواحد هو ضرورة لا يمكن تجاهلها. يجب أن يكون هناك تفاهم بينهم خاصة عندما يتعلق الامر بانتخاب رئيس للجمهورية"

 استهل البطريرك صفير عظة الأحد متذكرًا الشهيد بيار الجميل بالقول: "لقد أتى بعض من سيدات "الكتائب اللبنانية" للصلاة معنا لراحة نفس المرحوم الشيخ بيار الجميل الذي انقضى سنة على اغتياله, واننا نصلي معهن على هذه النية ونسأل الله ان يجنب لبنان المزيد من المصائب والويلات".

وفي ختام حديثه عن الإنفصال وبطلان الزواج والزواج المدني، تطرق إلى الوضع اللبناني بالقول: "اذا كان الزواج يقضي بالوفاق والتفاهم بين الزوجين، فالعيش المشترك بين ابناء الوطن الواحد هو ضرورة لا يمكن تجاهلها".

وتابع: "يجب أن يكون هناك تفاهم بينهم خاصة عندما يتعلق الامر بانتخاب رئيس للجمهورية. وبقدر ما يتم الاجماع أو شبه الاجماع حوله، وتسهل مهمة هذا الرئيس، ويستطيع اذ ذاك أن يستقطب جميع أبناء البلد الواحد، ويسير بهم الى ما يضمن أمن البلد واستقراره وازدهاره".

ثم قال: "وهذا ما نأمل أن يتوفر لبلدنا في هذه الظروف العصيبة التي تمر بالمنطقة وبلبنان. وأنا لعلى يقين أن نواب الامة يعرفون ما عليهم من واجب في هذا الظرف العصيب، وسيقومون به، على الرغم من جميع العوائق، ولا شك في أن التاريخ سيسجل على كل منهم، وعلى كل مسؤول في لبنان، مواقفه في مثل هذه الظروف المصيرية. فعسى أن يعي كل منهم مسؤوليته، ويتصرف بمقتضى ضميره الوطني".