كــيــف أنــظــر إلــي الآخـــريـــن؟

للأخــت / سـامــية صـمـوئــيــل

من راهبات القلب المقدس

 

كان هناك رجل عجوز يجلس علي باب مدينة قديمة فأقترب منه شاب وسأله: إني آت إلي هذه المدينة لأول مرة ، كيف تصف لي الناس الذين يعيشون فيها؟ فقال له العجوز:

 وكيف كان الناس في المدينة التي كنت فيها؟

      كانوا أنانيون وشريرون ! لهذا السبب انا سعيد لأني رحلت عنهم.

        أن ناس هذه المدينة يشبهون أولئك الذين تركتهم.

وبعد مدة جاء شاب آخر، وسأل العجوز ذات السؤال.فرد العجوز بنفس الطريقة : قل يا ابني وكيف كان الناس في المدينة التي أتيت منها؟

        كانوا طيبون، منفتحين، لطفاء وأمناء، كان لديً أصدقاء كثيرين وفراقهم كان صعبا عليً.

  أن ناس هذه المدينة يشبهون أولئك الذين تركتهم.

 

وكان بالقرب منهم تاجرا يسقي جماله ، وسمع الحوار مع الشابين …..  فأقترب من العجوز وقال له موبخا ومعاتبا: كيف يمكنك أن تعطي ردين مختلفين تماما علي سؤال واحد وجهه لك شخصين؟

       

لو نظرنا لهذا النص نجد نوعين من الناس، منهم المتشائم الذي يري أهل مدينته أنانيون وشريرون، ومنهم المتفاءل الذي يري كل الناس طيبين، ومنفتحين ولطفاء… الخ. هكذا نحن : أن نظرتنا للآخرين تعكس إلي حد كبير ما نحن عليه، فإذا كانت نظرتنا لأنفسنا ايجابية فمن السهل أن نري الآخرين بصورة ايجابية والعكس ، إذا كانت نظرتنا لأنفسنا سلبية فإننا نري دائما الآخرين بطريقة سلبية، ولا نري فيهم إلا عيوبهم ، من لا يستطيع تقدير ذاته وقبولها لا يمكنه تقدير الآخر ومحبته. ومن جهة أخري نجد في أي مجتمع هناك من نميل إليهم وندعوهم لطفاء، وهناك من نرفضهم وندعوهم أشرارا، وفي كلتا الحالتين نقع في خطأ هو تعميم حكمنا علي الآخر، هذا التعميم تنقصه النظرة الواقعية وهي عدم الحكم علي الآخر بطريقة مطلقة، لا نحكم علي المظاهر الخارجية لأننا لا يمكننا أن نفهم حقيقة الآخر من الداخل ، ولا يحق لأحد أن يدين الآخر بأنه شرير لأنه مختلف عنه في طريقة تفكيره وميوله ورغباته. فالذي يدين غيره إنما يسقط عيوبه الشخصية علي الآخرين وفي الواقع لا يري إلا نفسه. والذي يجلس علي كرسي الدينونة عليه أن يكون بلا عيب، ولذلك علينا أن نترك الدينونة والإحكام لمن هو أحق منا والذي قال " لا تدينوا كي لا تدانوا … مت 7 / 1 " . هذا لا يمنع التمييز بين ما هو خير وما هو شر، بين ما هو خطأ وما هو صواب.

        إذا : علينا أن نتلاشي التعميم في حكمنا علي الأمور، والتعود علي أن تكون نظرتنا موضوعية وبطريقة شخصية فمثلا : لا نقول هذه المجموعة كذا وكذا ، بل نخصص : هذا الشخص، فأحيانا شخص واحد يسئ إلي جماعة بكاملها ولهذا علينا عدم التعميم. الأحكام هي مجرد تعبيرات سطحية ، فليس الكل مخطئا وفي نفس الوقت ليس الكل علي صواب.

        ولو نظرنا للكتاب المقدس نجد أن الله يكلم الإنسان بطريقة شخصية ، ففي حديثه مع موسي يقول له " عرفتك باسمك" (خر: 33 / 17 ). فلكل إنسان فرادته وكيانه الخاص به، وما أمثلة الابن الضال ، الدرهم المفقود، الخروف الضال … إلا أمثلة ترفع من قيمة الفرد في نظر الله كما صورها السيد المسيح، فكل شخص فريد ذو كيان مستقل، لذلك يجب أن تكون نظرتي لأي شخص فريدة وشخصية، فليس الكل قالبا واحدا.

        لنتعلم كيف نري الجانب المضئ دون التركيز علي الجانب المظلم ورفض الآخر، فبرفضي للآخرين اعزل نفسي عنهم وفي سفر العدد مثالا واضحا لذلك :

" تكلمت مريم وهارون ضد موسي بسبب المرأة الحبشية التي تزوجها،  فغضب الرب عليهما وإذ بمريم برصاء كالثلج… "

 ( عد 12 : 8 -10).

        وبتأملنا في حياة السيد المسيح منذ مولده حتى صلبه نجده يحترم الإنسان في كل حالاته صديقا كان أم خاطئا، ولعل مشهد المرأة الزانية يوضح لنا ذلك " أما حكم عليك احد منهم ؟ … وإنا لا احكم عليك " (يو8 : 11 ). فقد عاش يسوع وسط مجتمعه بحب ورحمة وركز كثيرا علي احترام الإنسان كابن لله وأخ له، لم يقف عند مظاهر "الذبائح ،الطقوس ، المراسيم  " بل دخل إلي العمق، عمق الإنسان ليتفهمه ويساعده ، تعامل مع كل طبقات المجتمع . والسؤال الآن : كيف انظر أنا للآخرين ؟