العفة بقلم: جيانا كردي

مقدّمة
كثير من الآراء تفترض أن يتزوج المرء لكي يطفئ شهوته، وأن الطريق الوحيد للخلاص من الحاجة الجنسية الملحة هو الزواج، "ما يعني أن الشهوة تبقى هكذا على فجاجتها ولو سترت بستر الزواج، أي أنها لا تقيم وزناً لأهمية الآخر بحد ذاته" (*).
هذه الآراء ترى بأن المشكلة الفعلية التي علينا مواجهتها هي مشكلة الزواج المؤجل لظروف مادية وسكنية حقيقية.
ولكن ما النتيجة الحقيقية لعلاقة زوجية تبنى فقط لإسكات الشهوة الجنسية؟
إن الإنسان، إذا اتخذ من أي إنسان آخر، وبنوع أخص من الذي يرتبط به برباط الزواج، مجرد أداة ووسيلة لتحقيق أغراضه، لا يسيء إلى هذا الآخر فحسب إنما يسيء إلى ذاته أيضاً.
فالإنسان يحتاج فعلاً إلى أشياء كثيرة. يحتاج إلى طعام ولذة وأمان ومقام ومال يوفر له هذه الأشياء كلها، يحتاج إلى حلول لمشكلاته وانفراج لأزماته.. ولكنه أحوج ما يكون إلى تحقيق لقاء بالإنسان الآخر يحرره من سجن عزلته ويسمح للحياة بأن تتدفق فيه ويصله بالوجود قاطبة.ولا يستطيع للفرد أن يرى الآخر كشخص إلا إذا اعتبره مهم كما يعتبر نفسه هو مهماً، أي إذا أراده (من أجل ما ينتظره منه وحسب، من لذة أو أمان أو تخلص من مشاكل وما شابه ذلك، بل من أجل نفسه أولاً).أي إذا اعتبر مصير الآخر مهم كمصيره هو وسعادته الآخر مهمة كسعادته نفسه وكذلك منفعته..عند ذلك فقط تنشأ محبة أصلية "أحبب قريبك كنفسك" (لوقا 10: 27).
إن الزواج من شأنه، عقلانيّاً، أن يلبي حاجات متنوعة ( جسدية ونفسية واجتماعية). ولكن ذلك ليس بجوهره، فإذا تحوّل هدف الزواج إلى تحقيق تلك الحاجات فقط، فهو عندئذ سيتحوّل لصفقة مربحة ونوع من الدعارة المشروعة، ويؤدي إلى فقدانه للركيزة التي تضمن سلامته وهي اللقاء بين الشريكين، وفي هذه الحالة فإن استمرارية الزواج تعرض للتهديد لأن موضوع الشهوة يستنفذ فيتحول الرجل عن امرأته وتصبح (عينه إلى الخارج) ويتفكك الزواج فعلياً فتنفض حياة الزوجين وتضطرب نفسية الأولاد.
فلا نقول إن الرجل يتزوج من أجل إطفاء الشهوة، إنما هو يتزوج (وهذا هو المعنى الإنساني للزواج) إذا ما أحب فتاة، ووجدا كلاهما أن هذا الحب بلغ مرحلة نهائية يسمح لكل منهما بالمراهنة على ضم مصيره إلى مصير الآخر المحبوب، والمحبوب المقصود عنا ليس بالضرورة أن يكون حباً رومنسياً مشبوباً، بل أن يجمع المقومات الثلاث التالية: تجاوب على الصعيد العاطفي، تجاوب على الصعيد الروحي (صعيد الأفكار والمواقف والتطلعات والأهداف)، وتجاوب على الصعيد الجنسي..
هذا الحب الحقيقي يسمح للشاب والفتاة أن يتبادلا الأفكار والخبرات، وأن يعملا معاً من أجل قضية مشتركة، في هذا المناخ يتاح للشهوة أن تتسامى، وتغذي نشاطات إنسانية راقية وفي هذا المناخ يكتشف الشاب والفتاة بعضهما البعض لا كمجرد أنثى أو ذكر يثير المشاعر الجنسية، بل كإنسان بالدرجة الأولى.
بالطبع قد يصطدم هذا الحب في الظروف الراهنة بعقبات تحول دون تحقيقه الفوري بالزواج وتضطر المعنيين به إلى الانتظار فترة قد تطول، ولكن كونه حباً أصيلاً سيكون قادراً على مواجهة الصعوبات.
فالحب، يلطف الشهوة ويروقها بالحسنى، ولذا فهو يسمح بتأجيل إشباعها دون أن يحصل تحرق.
من جهة أخرى فالحب يدعو إلى مواجهة العقبات التي تعترض الزواج بنظرة جديدة وبناءة فقضية السكن بالفعل مشكلة ليس لأن الفتاة التي ترفض السكن مع أهل الشاب هي غير متواضعة، فالمفهوم الحالي للزواج هو مفهوم الاستقلال عن الغطاء الأبوي وبناء أسرة مستقلة تعبر عن بلوغ الزوجين مرحلة الرشد وتتطلب بالتالي سكناً مستقلاً يكرس استقلالها ويحميه. ومن الطبيعي بالتالي أن تريد الفتاة أن تتصرف كراشدة وأن يسلك زوجها أيضاً على هذا المنوال.
إلا أن الكثيرين لا يقبلوا بأن يقدمون على الزواج إلاّ إذا توفرت لهم جميع وسائل الرفاهية، وهذا ناتج من كونهم لا يرون في الحب الركيزة الأولى والأساسية للزواج، والفتاة هي عادة للأسف الأكثر تشدداً من حيث هذا الطلب، لأنها ترى هي أيضاً في الزواج لا تعبيراً عن الحب بالدرجة الأولى، بل وسيلة لبلوغ الاستقرار والأمان والوجاهة الاجتماعية، أما إذا أساء الحب فهو كفيل بأن يجعل الشاب والفتاة يقنعان بالقليل. " كما في حال الكثير من الكوبلات الطلاب الجامعي في الغرب ذلك لأن الحب يبدو في نظرهما أهم من السكن الذي يضمه .. فيرتضيان في البداية مأوى متواضعاً يطورانه لاحقاً نحو الأكمل والأفضل بجهاد مشترك يستمد حوافزه من فرح عيشهما معاً".
فالعفة تعتبر عند الكثيرين، موقفاً سلبياً في جوهره، موقف امتناع. واللفظة المستعملة نفسها تدعم هذا التفسير وتغذيه: فعبارة "عفة" مشتقة من "عفّ" عن الشيء أي امتنع عنه. ولكن هذا المظهر السلبي بعيد عن أن يستنفذ معانيها أو يعبر عن جوهرها الأصيل. هذا الجوهر لا يتضح إلا إذا نظرنا إلى العفة من خلال الحب الذي هو اكتمال الجنس الإنساني. فالعفة مرتبطة بالحب ارتباطاً وثيقاً، العفة إذاً إيجابية بطبيعتها، إذ أنها عملية ربط الجنس بالحب، إنها الحرص على أن يبقى الجنس محافظاً على مرماه الإنساني والاتحادي.
صحيح أن هذا الموقف الإيجابي الأساسي يقتضي اتخاذ بعض المواقف السلبية، ولكن هذه الأخيرة نابعة عن الأول ومترجمة له.
العفة الزائفة
كثيراً ما يخلط الناس بين الامتناع عن العمل الجنسي وبين العفة. لذا اقتضى، من أجل إيضاح معالم العفة الحقيقية، أن نميزها عن العفة الزائفة.
الخوف من الجنس هو عفّة زائفة. فكثيراً ما تعزى إلى العفة مواقف نابعة بالفعل إلى حد بعيد من الخوف من الجنس، أنما هو وليد بيئة اجتماعية وتربية عائلية تحاولان خنق حيوية الفرد. فالصراع بين الإنسان والمجتمع، خاصة في هذا الميدان، يعبر عن انقسام بين الإنسان ونفسه.
تلك الكراهية للجنس المتأصلة في أعماق الشعور الإنساني إنما هي نابعة من الخوف. ولكن ما هي دوافع هذا الخوف من الجنس الذي يعتري كل إنسان في عقله الباطن، لذا سنوجزها بما يلي:
أ ) النرجسية:
خط النمو كما قلنا ينطلق من النرجسية الأولى التي يتميز بها الطفل المولود حديثاً حتى يصل، من خلال انفتاح تدريجي، إلى لقاء حقيقي بالآخر. رواسب النرجسية الأولى لا تزول بالكلية بل يبقى قسط منها، يكثر أو يقل، في نفسية الراشد نفسه. تؤثر في السلوك بصورة لا شعورية إلى حد بعيد. وإذا قوي تأثيرها، فقد يشعر المرء بشكل غامض إن اتصاله بالآخر إنما هو انتزاع له من تلك القوقعة التي هو مطمئن لها.
اطمئنان الجنين في بطن الوالدة. يشعر إن دخول الآخر في نطاق أناه خطر عليه لأنه يضطره إلى إقامة الحساب لهذا الآخر ويزعزع بالتالي محورية الأنا الطفلية التي لا تزال مرتكز شخصه. وبما أن الاتصال بالآخر الأكثر صميمية هو الاتصال الجنسي، لذا يسود أمراً كهذا خوف غامض من الجنس يتستر بشتى الأقنعة ويجد لنفسه شتى المبررات. وقد يلجأ هذا المرء إلى القيم الخلقية، فيتذرع بإجلال زائف لفضيلة العفة ليخفي عن نفسه أولاُ، عجزه الصميمي عن مواجهة الآخر.
ب ) الخوف من الأنوثة عند الذكور
هناك عامل آخر في العقل الباطن، ينشئ خوفاً من الجنس ألا وهو الخوف من المرأة عند الذكور. هذا الخوف قد يتستر على صعيد الوعي بذرائع مختلفة، منها اعتبار المرأة خطراً على الفضيلة أو على الرجولة والصاق شتر التهم بها، أما مصدره العميق فكثيراً ما يكمن في العلاقة الأولى التي تقوم بين الطفل وأمه. ذلك إن الأم ، أيا كان حنانها، لا يمكنها أن تلبي كل حاجات الطفل وأن تلبيها فوراً. لذا لا بد أن يصدر عنها حرمان لطفلها يثير عنده نزعة عدوانية تجاه والدته تختلط بحبه لها. ولكن تلك النزعة العدوانية ترتد على الطفل نفسه. فعدوانه على الأم يبدو له بمثابة عدوان الأم عليه، إذ لم يتوصل بعد إلى التمييز بين شخص الأم وشخصه. هكذا تبدو له في شعوره مزدوجة، "أماً طيبة " تمنحه الطعام والحنان والأمان، و" أما شريرة " معتدية وفتاكة. وبما أن صورة الأم هذه، كما تتكون في الطفولة، تحدد لا شعورياً إلى حد بعيد علاقة الرجل بالكون عامة وبالنساء بنوع خاص، فقد ينتج عن طغيان صورة " الأم الشريرة "، خوفاً من الأنوثة عامة قد يدفع بدوره إلى الامتناع عن الاتصال الجنسي ويوجد لنفسه شتى المبررات، بما فيها تعلق زائف بالعفة.
ج ) رفض الأنوثة عند الإناث
أما عند الإناث، فهناك عامل يلعب دوراً هاماً في تغذية الخوف من الجنس، ألا وهو رفض الأنوثة الذي تمتد جذوره إلى الطفولة المبكرة. ذلك أن البنت عندما تكتشف حوالي الثالثة من عمرها الاختلاف بين الجنسين، تصدم، كما بّين فرويد، لعدم وجود عضو الذكور في جسدها، وتتوهم بالتالي أن جسدها مبتور، ناقص. هذا الشعور بالنقص يتخذ بالطبع كل أبعاده بتأثير العوامل الاجتماعية التي تعطي الأولوية للرجل معتبرة المرأة " الجنس الثاني " وكونها تتحمل كل العبء البيولوجي لوظيفة التناسل، بما في ذلك من دورة شهرية وحمل ووضع وإرضاع، أدركنا كيف أنه قد ينشأ عندها رفض، يبقى إلى حد ما لا شعورياً، لتلك الأنوثة المعاشة كجرح وعبء وقيد هذا ما دعاه المحلل النفسي شارل بودوان " مركب ديانا " وبالتالي خوف من الجنس الذي فيه ممارسة لتلك الأنوثة الساحقة. وقد تصبح العفة عند ذاك ذريعة للهروب من تلك الممارسة.
د ) مركب أوديب
مركب أوديب يجمع بين المتناقضات: فالمعشوق الأول (الأم بالنسبة للطفل والأب بالنسبة للطفلة) هو موضوع تحريم بآن، أما السلطة التي تحرمه فهي سلطة المنافس الوالدي. السبيل الطبيعي لتخطي هذا التناقض بين الحب والتحريم هو أن يتخلى الولد عن المعشوق الأوديبي ريثما يقيم فيما بعد، إذا تم نضوجه، علاقة حب شبيهة بتلك التي تخلى عنها. أما إذا لم يستطع الطفل أن ينجز هذا التخلي، وبعبارة أخرى إذا بقي في قرارة نفسه، في اللاشعور، على عشقه الأوديبي، فسوف يعيش ميوله الجنسية فيما بعد على أنها إعادة ليس إلاّ لغرامه المحرم الأول وبالتالي سوف تقع تلك الميول تحت طائلة التحريم الذي أصاب العشق الأوديبي مثيرة في النفس جزعاً غامضاً يحاول المرء أن يبرره بشتى الوسائل دون أن يعي مصدره اللاشعوري. وقد يقود هذا الجزع إلى تجنب للجنب يتخذ أحياناً العفة ذريعة له.
وفيما نحن في معرض الخوف من الجنس، يجدر بنا أن نشير إلى أن هذا الخوف قد لا يقود إلى عفة زائفة بل بالعكس إلى الإباحية. هناك نوع من " الهرب إلى الأمام " فقد يحاول المرء أن يعوض عن الجزع الذي يعتريه أمام الجنس، لا بل أن يقنع نفسه بأنه غير خائف، وذلك بتهالكه على الجنس. 
العفة الحقة
العفة الحقة لا تبلغ بصورة مطلقة في الواقع لأنها تفترض رشداً تاماً على الصعيد النفسي وكمالاً على الصعيد الخلقي، والمعلوم أنه ليس من إنسان راشد تماماً أو كامل خلقياً. إلا أنها مثال يقترب منه أكثر أو أقل. ولكن ما هي مميزات تلك العفة الأصلية؟
أ) – ليست خوفاً من الجنس بل تعهداً واعياً له
العفة الحقة تفترض تخطي الخوف الغريزي الذي يلازم، كما رأينا، النزعة الجنسية. العفيف فعلاً ينظر إلى الجنس نظرة معاشة، وجدانية، وليس نظرة عقلية صرفة، يدرك أن تلك الطاقة، ككل الطاقات الطبيعية النابعة من تكوين الإنسان، يجب أن يتعهدها بحريته الواعية، الخلاقة، لكي " يؤنستها " إذا صح التعبير، أي يوجهها في خط تحقيق إنسانيته الأصيلة.
ب) ليست انطواء بل اتجاهاً أصيلاً إلى الآخر
تخطي الخوف هذا يفترض تجاوزاً للنرجسية التي هي، في آخر المطاف، السبب العميق للتخوف من الجنس. هذا التجاوز للنرجسية يساهم في تحقيقه النضج النفسي من جهة والجهاد الخلقي والروحي من جهة أخرى. بدونه ليس هناك من عفة أصلية بل تقوقع بغية الهروب من مجازفة الحياة. العفيف حقاً ليس بمنطوٍ على نفسه، إنما هو ذاك المتجه بالفعل إلى الآخر، يرى فيه لا طريدة تقتنص أو فاكهة تستهلك أو أداة تستخدم أو مادة تستغل أو شيئاً يمتلك، إنما يرى فيه شخصاً حراً، مستقلاً، كريماً، فيأبى أن يدخل معه في علاقة جنسية إلى على أساس اعتباره لا شيئاً بل ذاتاً ، لا فريسة بل شريكاً.
العفيف حقاً لا يعوزه الحب، إنما هو بالعكس حريص على أصالة الحب، تلك الأصالة المشروطة بالاحترام العميق لشخص الآخر وإرادة الخير له في الصميم.
العفة صادرة عن اقتناع لا عن تبعية
إذا كانت العفة نابعة من مثل هذا الانفتاح إلى الآخر والاحترام لشخصه، فهذا يعني أنها ليست سلوكاً يتلبسه ، ولا دوراً يمثله انقياداً منه لعادات البيئة الاجتماعية التي يعيش فيها أو لضغط التربية التي تلقاها. إنها بالعكس وليدة قناعته لا العقلية وحسب بل الوجدانية أيضاً. إنها تعبير عن التزام كياني حر، لذا فالعفيف حقاً يحس بأنه في سلوكه منسجم مع ذاته الأصيلة، إنه فاعل لا منفعل، خلاّق لا مقلد. إنه يختبر الحرية والفرح.
ليست تعامياً بل مواجهة
تلك العفة الأصيلة الصادرة عن اقتناع عميق بضرورة توجيه الجنس وفقاً لمرماه الإنساني، لا تمت بصلة إلى الهرب من مشكلة يستعصي حلها، هرب المكبوت الذي يتجاهل وجود النزعة الجنسية فيه. العفة الحقيقية تعهد للجنس، مواجهة واعية له. تلك المواجهة، التي هي على نقيض تعامي الكبت، تؤول إلى ضبط للجنس باسم المعنى الإنساني الذي ينبغي أن يتحقق فيه.
هناك خلط شائع بين ضبط النفس هذا والكبت بمعناه الفرويدي. إلا أن رائد التحليل النفسي قد ميز بوضوح بين العمليتين. فقد استعمل عبارتين، إحداهما (Verdrangung) المترجمة إلى الفرنسية بـ ( Refoulement ) للدلالة على الكبت، والثانية (Unterdruckung) المترجمة إلى الفرنسية بـ (repression) للدلالة على ضبط النفس. فالكبت بالنسبة إليه عملية طفلية بطبيعتها، أما ضبط النفس فصادر عن ذات ناضجة.
فالكبت عملية غير عاقلة، لا إرادية أو نصف إرادية، تجري على هامش الشخص، تتم بدافع من "مبدأ اللذة " الغريزي. لذا فليس لها من قيمة خلقية حقيقية. أما ضبط النفس فهو عمل عاقل إرادي، يساهم فيه الشخص صميميّاً، يوجهه السعي إلى القيم وتحقيق مثل اتخذها المرء بوعي. لذا فإن له قيمة خلقية فعلية.
ضبط النفس هذا لا يناقض الكبت وحسب إنما لا يتحقق إلا بتجاوزه.
العفّة ليست تجزئة للكيان الإنساني بل تعبيراً عن جنس مندمج بشخصية متكاملة موحدة
فالجنس عند الإنسان العفيف حقاً ليس جسماً غريباً قائماً على هامش الشخصية تقف منه هذه الأخيرة موقفاً مبنياً على التجاهل أو الصدّ، فيتسرب إليها عنوة بأشكال ملتوية ويحرم من توجيهها. إنما هو مندمج بالشخصية يتفاعل مع عناصرها المختلفة فيغنيها بحيويته ويتخذ منها بعده الإنساني.
هذا الاندماج لا يعني بالطبع زوال التوتر وحتى الصراع. فالإنسان كائن معقد أبداً لا يحقق ذاته إلا من خلال توتر مستمر بين العوامل المختلفة والمتضادة التي يتألف منها كيانه. إلا أن صراع العفة هو من جهة صراع واعٍ، يجري في النور لا في ظلمة اللاشعور، ومن جهة أخرى صراع تخوضه شخصية موحدة.
ــــــــــــــــــــــــ

(*) ما وُضع بين ".." مقتبس من: كوستي بندلي, "الجنس ومعناه الإنساني"، منشورات النور1999).

عن موقع القديسة تريزا