نقاء النية صفة المسيحى الحقيقى

 

 

 قيل أن الملك نمرود حفيد حام قدم لأبناءه الثلاثة ثلاثة جرار، أحدهم من ذهب والثانية من زجاج والثالثة من خزف، ليختار كل منهم واحدة، إختار البكر ألأولة مكتوب عليها "مملكة". فوجدها ملآى بالدماء. والثانى فضل جرة الزجاج المكتوب عليها "مجد". وكان فيها رافات مشاهير العظماء. أما الثالث فأخذ جرة الخزف، وكانت فارغة غير أن أسم ألله منقوش فى قاعها. ثم سأل الملك رجال حاشيته. أى جرة أثمن فى الثلاثة جرات، أجاب الطماعون "جرة الذهب"، والمشغفون بالشهرة "جرة الزجاج"، أما الأتقياء فقالوا: "جرة الخزف، ولو فارغة لأن حرفا واحدا من أسم الله أثمن من كل خيرات الأرض ." يجب علينا أن نطبع ذلك الأسم الجليل على كل أعمالنا بالنية الصالحة.

 وهذا ما أكده السيد المسيح عندما قال :" إحذروا من أن تفعلوا الخير لكي يراكم الناس وإلا فليس لكم اجر عند ابيكم فى السماوات " (متى 6).

 

ما هى النية النقية ؟ وما المقصود من نقاء النية أو النية الصالحة ؟

 

سئل حبيس لماذا يقف قليلا قبل مباشرة كل عمل، فأجاب: "كما أن الصياد يقف هنيهة ليحكم تصويب سهمه إلى ما يريد إصتياده، أوجه أنا نيتى الى الله تعالى". وعليه إن النية النقبة هى إرادة حقيقية فى طلب رضى الله. لأن سفر الأمثال (16 : 4) يقول : "الرب صنع كل شئ لغايته". فيجب علينا أن نفعل كل شئ لأجل مجده وخدمته. والقديس باسيليوس يقول: "أن غاية حياة المسيحى هى تمجيد الله".

 

 ما هو مقياس النية النقية

 

يقال أنه فى الهيكل العظيم الذى بناه سليمان الحكيم كل شئ فيه من ذهب أو مطليا بالذهب. هكذا يجب أن تكون نفس المسيحى الحقيقى من فعل محبة الله او فعلا صادرة منها، لأنها هى هيكل الله. هكذا تكون نيتنا مستقيمة إذا ما جعلناها تتطابق مع إرادة الله التى هى قياس أفعالنا الصالحة. وسيكون كنز استحقاقك عظيما جدا إذا مارسنل أعمالنا، ونيتنا الأولى هي إرضاء الله، وما بقى يزاد لكم. فالويل للمسيحى الذى لا يشتغل ولا يتاجر إلا لأجل الخيرات الأرضية الزائلة. وقد قيل عن الذي يجتهد فى تحصيل الأرباح العالمية فقط : "نام فى رقادهم كل رجال الغنى ولم يجدوا فى أيديهم شيئا " (.مز 75 ) وفى الترجمة اليسوعية "ناموا نومهم، وكل رجال البأس خانتهم سواعدهم "،  أى أن محبى الغنى الفانى، قد تخيلوا سبات إنهماكهم هذا أنهم حاصلون على غنى غزير. إلا إنهم عند يقظتهم وجدوا أيديهم فارغة، فقد تعبوا جدا إلا أن أعمالهم ظهرت باطلة تشبه نسيج العنكبوت. وقال عنهم حزقيال النبى: "من كثرة متاجرتك إمتلأ باطنك عنفا وخطئت فدنستك مبعدا إياك عن جبل الله " (حز28: 16) .

من هم الذين يعملون بنية غير مستقيمة ؟

 

هم اولئك المسيحيون الذين يتعبون بعيدا عن الله، ومن غير الله، أنهم يتعبون ولكن بإسمهم. ويصنعون البر، ولكنهم يطلبون ذاتهم: أن غايتهم بشرية محض، ونتيجة أعمالهم  هي نفس نتيجة من يعمل الحسنات والصدقات، بنية حب الظهور، حتى يشار له، أو خوفا من رأى الرؤساء. كل هذه أعمال باطلة تشبه نسيج العنكبوت. لايمكنها أن تثمر شيئا للحياة الأبدية. هؤلاء الذين ليست لهم نية مستقيمة فى أعمالهم. ومن هنا وصية بولس الرسول فى (اكو10: 31): "فإذا أكلتم أو شربتم، أو عملتم شيئا، فأعملوا كل شئ لمجد الله". وايضا: "اشترينم بثمن كريم، فمجدوا الله وأحملوه فى أجسادكم" ( 1كو6: 20) وأيضا: "مهما أخذتم فيه من قول أوفعل،فليكن الكل بإسم الرب يسوع المسيح، شاكرين به لله ألآب" ( كو3: 17 ). وعليه بموجب هذه التعاليم علينا أن نعمل كل ما نعمل، لأمن أجل مجدنا الحقير، بل من أجل مجد الله العظيم المقدس، على أن تمتد هذه النية على كل أعمالنا جميعها، لا على الروحى منها فحسب، بل وعلى الجسدى أيضا، لا على الضرورى فحسب، بل وعلى غير الضرورى أيضا، لا على الرفيع فحسب، بل وعلى الوضيع أيضا، دون أى إستثناء البته.

 

 وفى الختام : الملكة استير تقدم لنا مثلا فى نقاء النية عندما قالت فى مناجتها الله: "إنك عارف يارب إنى من يوم اسرى ووصولى الى هنا لم يفرح قلبى إلا فيك" مشيرة بهذا الى ان كل ما كان يحصل لها من السرور وابتهاج كانت تقبله كأنه من الله. لأنها كانت توجه جميع أفعالها الى مجد الله وتطابق إرادتها فى كل امر مع إرادته. هذه هى النية النقية التى تعمل على الدوام مع الله، ولملك الدهور، لله الواحد الحي، والذي له الكرامة والمجد الى دهر الدهور … (1تى 1: 17).

 القمص جبرايئل جرجس الأحمر