رسالة عيد الميلاد لنيافة الأنبا ابراهيم اسحق مطران المنيا

لا تخافوا … أبشركم بفرح عظيم… وُلِدَ لكم اليوم مُخلّص…

واليكم هذه العلامة، تجدون طفلاً مقمطاً مضجعاً في مذود" (لو 2: 10- 12)

  أحبائي الكهنة والرهبان والراهبات والعلمانيين، أبناء إيبارشية المنيا، الذين أحملهم في قلبي وأصلي معهم ولأجلهم، ليغمركم إله الرجاء بالفرح والسلام في الإيمان حتى يفيض رجاءكم بقوة الروح القدس.

نحتفل اليوم بعيد تجسّد المحبة الإلهيّة، عيد ميلاد السيد المسيح، كلمة الله الذي صار بشراً وعاش بيننا، كما نستقبل عاماً جديداً ندعو الرب أن يباركه ويملأه بسلامه وفرحه، ويفيض بخيره على وطننا مصر وكل بلاد العالم، وعلى كنيستنا وشعبه في كل مكان. ومن كل قلوبنا نصلي طالبين الرحمة لضحايا الكوارث والعنف والإرهاب، و العزاء لكل المتألمين من أجل فقدان أحبائهم. ولأن الاحتفال بعيد الميلاد هو فرصة لقراءة جديدة لحياتنا وعلاقاتنا في نور الإيمان والخروج من ظلمتنا في نور المسيح، نود أن نتأمل في:

 أولاً: التجسّد دعوة إلى الرجاء

هل أنت متشاءم أم متفاءل؟

سؤال سمعناه يتكرر كثيراً هذه الأيام بشكل ملفت للانتباه خلال احتفالاتنا ببداية العام الجديد وكذلك في لقاءات تليفزيونية وصحفية وأحاديث أخرى كثيرة شملت حتى المنجمين. وكذلك نحن أيضا، في التعبير عن أمنياتنا للعام الجديد نعلنها ونحن في قلق وخوف من الغد. هل أنت متشاءم أم متفاءل؟ لماذا يا ترى هذا السؤال؟ وعن ماذا يعبر في حياتنا ؟

1- هل كما يعتقد الكثيرون منا أنه بسبب قلة الإمكانيات المادية وغياب ضمانات المستقبل؟

ربما يكون هذا جزء من الجواب لأن المال عامل مساعد ولكن هل هو السبب والحل الوحيد؟ فإن كان كذلك فلماذا يشكو حتى الأغنياء من نفس القلق والخوف ؟ وهل الفقير مادياً هو فقير في كل جوانب حياته أم أن لديه من الغنى ما يمكنه مشاركة الآخرين به؟ على مثال الرب يسوع الكلمة المتجسد: "كيف افتقر لأجلكم وهو الغنى لتغتنوا أنتم بفقره" (2 كور 8: 9).

– بالطبع إن المشكلة المادية تفرض نفسها اليوم على الحياة، ولكن السؤال الأهم هو لماذا وصل العالم الى هذا الحد من الخوف والقلق أليست الأنانية والانعزالية هي السبب، وهى وراء عدم عدالة توزيع الخيرات على بني البشر؟ أليس الجشع والشره في الربح السريع والاحتكار هما سبب في تردي الأحوال؟

2– هل خوفنا وقلقنا ناتج عن اليأس في إيجاد حلول لمشاكلنا؟

من أين ننتظر الحلول هل من الخارج فقط – هل من المسئولين– أم أن الأمر يعنينا نحن ويطلب منا التفكير والمشاركة والمبادرة ؟ هل نسعى لطرح بدائل وحلول أم نكتفي بالإعتراض والتهرّب من مسئوليتنا ملقين اللّوم على المسئولين بل على الله نفسه؟ ألا يظن كل منا أن له مسؤولية في الوصول إلى هذا الواقع، وله دور مسؤول في إيجاد حل له؟ ومن ناحية أخرى، ما هي يا ترى نظرتنا للحياة والإيمان والإنسان، هل الحياة هي الطعام والشراب أم أنها أفضل من الطعام كما يقول الرب يسوع ( متى 6 :25 ).

 – وعن الإيمان نسأل، هل هو مجرد ممارسات شكلية فارغة من الجوهر أو واجبات مفروضة تفتقد الروح والحيوية؟ أم أن الإيمان هو واقع يعاش ويقودنا إلى القيام بمبادرات ولو صغيرة لجعل الحياة أكثر إنسانية، و الى ابتكار أساليب جديدة توافق حياتنا المعاصرة؟

 – والإنسان، هل كرامته وقيمته في ذاته أم فيما يملك؟ هل هو أداة للتملّك والمتعة والاستغلال أم هو طريق إلى الخلاص الحقيقي؟ فالإنسان هو الطريق إلى الله كما قال قداسة البابا يوحنا بولس الثاني. إن الحل الحقيقي يكمن في تغيير فكرنا ورؤيتنا وتوجهنا وهذه هي دعوة الميلاد لنا. "انزعوا عنكم الإنسان العتيق وتجددوا روحا وعقلا والبسوا الإنسان الجديد الذي خلقه الله على صورته في البر وقداسة الحق (اف4:22-24).

ثانياً: التجسّد دعوة إلى عدم الخوف.

لا تخافوا… إنها دعوة السماء لنا في هذا اليوم: "لا خوف في المحبة بل المحبة تنفي كل خوف" (1 يو 4: 18)، فلا تخف من حدودك، من ضعف إمكانياتك، لا تخف من الآخرين بل انفتح على نفسك وعليهم، وثق في محبة الله وعنايته التي تدفعك إلى النمو والتقدّم. ان القلق مضيعة للوقت ولا يفيد شيئاً، فلا فرح للإنسان دون سلام، ولا سلام له مادام يائساً، والميلاد يبشرنا بهذا السلام : "المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام وللناس المسرة".

 الأنبا أبراهيم اسحق مطران المنيا