لنتأمل مع بندكتس – 10 , 11 يناير 08

العاشر من يناير

روما، 11 يناير 2008(zenit.org).

 ننشر في ما يلي تأمل اليوم العاشر من يناير للبابا بندكتس السادس عشر، من كتاب "بندكتس".

الإيمان كفعل توكيد

ليس الإيمان استسلاماً للمنطق إزاء حدود معرفتنا؛ وهو ليس تقوقعاً في اللامنطق إزاء المخاطر التي قد تنجم عن منطق هو مجرد منطق إختباري. ليس الإيمان علامة سأم وهروب، بل هو شجاعة الكينونة ووعي على عظمة وسعة ما هو حقيقي. الإيمان فعل توكيد يستند إلى قوة كلمة "نعم" جديدة يقولها الإنسان عندما تلمس نعمة الله قلبه. ومن الأهمية بمكان بالنسبة إليّ، خصوصاً وسط الإستياء المضطرد من العقلانية التقنية، أن نركّز بكل وضوح على مدى منطقية الإيمان. وفي نظرة نقدية للحقبة المعاصرة تستمر منذ فترة بعيدة، لا يجدر بالمرء أن يأخذ على هذا الزمن ثقته العميقة بالمنطق بل مجرد تضييقه لمفهوم المنطق، ما فتح المجال أمام انتشار الأيديولوجيات اللاعقلانية. فالسر، من وجهة نظر إيمانية، ليس مرادفاً لغياب المنطق بل أعمق ما في المنطق الإلهي الذي يعجز بصرنا الوهن عن سبر أغواره. إنه المنطق الخلاق، وقوة الإدراك الإلهي التي تعطي الأمور معنىً. ومن هذا المنطلق وحده يتمكن المرء من أن يدرك بشكل صحيح سرّ المسيح الذي يتماثل فيه المنطق والمحبة. لذا، فإن أول فعل إيمان يقول لنا بأن كل الخلائق هي نتاج فكر فاض وتدفق. فروح الخالق مصدر وأساس كل شيء. وكل ما هو قائم له أساس منطقي لأنه وليدة منطق خلاق… وعليه، فالسرّ ليس نقيضاً للمنطق، بل هو ينقذ منطقية الوجود والإنسان ويدافع عنهما.

لنتأمل مع بندكتس الحادي عشر من يناير

الإيمان وسيلة تلاقٍ

لا يعتبرنَّ أحد أنه بلغ من الإيمان الذروة والكمال. فالإيمان فعل مستمر ومتجدد في الحياة وفي المعاناة، كما وفي الأفراح العارمة التي يغمرنا الله بها. ليس الإيمان قطعة نقدية نضعها في الجيب وننساها… فجوهر الإيمان أنّي لستُ ألتقي بأمر تمّ اختراعه، بل في الإيمان ما يأتي لملاقاتي أكبر وأعظم من كل ما قد نمنّي النفس به… الإيمان المسيحي يحمل لنا التعزية بأن الله عظيم إلى حدّ أنه قبل بأن يصبح صغيراً. وهنا في الواقع تكمن في ناظريّ عظمة الله التي لا نتوقع والتي لم نكن لنتصوّرها من قبل، في أنه قادر على التنازل إلى مستوانا… وأنه يتخذ هو نفسه جسداً بشرياً ولا يكتفي بأن يتخفى فيه لكي يطرحه بعد حين جانباً ويأخذ حلّةً أخرى، بل أنه يصبح إبن الإنسان بحق. ففي هذا وحده نرى حقيقةً طبيعة الله الأزلية، فهذا الفعل يفوق كل الأمور الأخرى عظمةً وتصوراً، وهو أكثر خلاصاً منها جميعاً… فهذا الإله الذي له القدرة على إدراك المحبة إلى حدّ أن يصبح هو ذاته إنساناً، أن يصبح هو ذاته حاضراً بيننا يعرّفنا بذاته ويتماثل معنا، هذا الإله هو ما نحتاجه بالضبط لكي لا نحيا حتى النهاية مع أنصاف الحقائق والحقائق المجتزأة.