التحرش الجنسي يمنع الفتيات من الخروج

تبرز قضية التحرش الجنسي مرة أخرى للسطح مع قدوم الأعياد، وفى ظل تنامي الخوف من تكرار حالة السعار الجنسي الذي شهدته منطقة وسط البلد، وهو الأمر الذي انعكس على الأسر التي لن تسمح معظمها إلى بناتها بالخروج في العيد بعد أن أصبح الشارع غير آمن. وفي نفس الوقت مازالت الدراسات والندوات والفاعليات التي تناقش أسباب هذه الحادثة مستمرة خاصة أنها كسرت تابوه الجنسي الذي كان يعد من أكبر المحرمات والتي لا يجب النقاش عليها. والتحرش الجنسي في الشارع مشكلة تنمو يوما بعد يوم، فهو لم يعد مقتصرا على الألفاظ الخارجة والجارحة، بل بدأ يأخذ أشكالا متعددة تشترك كلها في سمة أساسية هي العدوانية والتسبب في الشعور بالانتهاك وعدم الأمان.

أرجعت الدكتورة نادية صادق حالة التدني الأخلاقي إلى ذكورية المجتمع الذي يسخر كل شيء من أجل الرجل وإسعاده، ناهيك عن استيراد المفاهيم الوهابية التي لا ترى المرأة سوى أنها جسد لا عقل، شكل لا مضمون، مظهر لا مخبر، دمية لا كيان يشعر ويفكر. وقالت أن هذه الحادثة كشفت زيف الصورة المثالية للمجتمعات العربية، وفضحت الأسرار التي كان المجتمع الذكوري العربي يخفيها ورائها ويعدها من حرمات البيوت التي يجب أن لا تكشف على أحد . وأضاف أن المجتمع الذكوري حاول إبراز صورة المجتمع الفاضل، الخالي من الرذائل !، والذي يحمل إرث ديني كبير يحظر على أبناءه ممارسة الفحشاء وأن أفراده يبتعدون – طوعا عن ما يسميه الرذيلة. واستطردت انه خلال السنوات الخمس الماضية، ومع الانتشار الشديد للإنترنت وظهور المجتمعات ظهر للجميع أن هذا المجتمع يتعامل مع الدنيا بوجوه عدة ففي إستطلاع للرأي أجرته إدارة موقع القسم العربي بهيئة الإذاعة البريطانية BBC وأتاحت – من خلاله الفرصة للمتصفحين العرب في المشاركة بذكر ما أن كانوا قد تعرضوا لتحرش جنسي في فترة الطفولة، كانت المشاركات بالآلاف واضطرت إدارة الموقع تحت ضغط من كثرة المشاركات إلى نشرها في عدة أجزاء حتى تتمكن من نشرها ما تقدر عليه منها، وكلها تجارب مؤلمة تعبر عن مدى قسوة ووحشية وحيوانية هذا المجتمع الذي كبت غرائز أفراده ومنعهم من ممارسة الجنس بصورة طبيعية فبحثوا عن ما هو متاح، وكان الأطفال في النهاية هم الضحايا.

أما الدكتور محسن شعلان يقول أن الكثير من الرجال في مجتمعاتنا العربية يشعرون بالمتعة في الحديث عن مغامراتهم الجنسية، ويجد الكثير منهم لذة فائقة في إيهام سامعيهم أنه خبير جنس من طراز رفيع، وبأن فحولته تجعل النساء تتهافتن عليه، ويداعب مخيلة الكثير من الرجال صور شتى عن نساء، لا يتحركن إلا بأمر صاحب السلطان الذي يأمر فيطاع. وأضاف إنها ثقافة شعبية عربية رائجة في عصر الانحطاط هذا، ويمكن أن تكون نتاج حالة القمع الاجتماعي، التي تبالغ في منع الحديث في مسائل الجنس، وتضع القيود عليها كما يرجع البعض هذه الفحولة المزعومة، لنتاج حالة القمع السياسي التي تجعلنا لا حول لنا ولا قوة، لذا يلجأ البعض إلى تعويض حقوقه السياسية المغتصبة، بمثل هذه المبالغات الجنسية التي تنطوي على حد من تزوير الخيال، أكثر مما تنطوي على تزوير الواقع نفسه.

قالت الدكتورة ملك رشدي استاذ علم الاجتماع والانثروبولجى بالجامعة الامريكية أن التحرش وسيلة يعتبرها يستخدمها بعض لاثبات ذكوريتهم التي تغير مفهومها عن الماضي كثيراً حيث كان الرجل يتحلى بمقيم وصفات للشجاعة والمسئولية والذود عن المرأة عن الخطر لكن ارتبط هذه المفهوم حاليا بالجنس وقدرات الرجل. واكدت أن المجتمع اصبحا ذكوريا صرف لدرجة انه يلغى وجود المرأة في مجالات عديدة وتصبح وكأنها خلقت فقط من اجل خدمة الرجل. وأضافت أن التحرش الجنسي يقصد به التهديد الجنسي أو تلبية لطلب مقابل جنسى ويقوم على الاستفزاز العدوانية والسيطرة على الموقف وحذرت من وجود مناخ عام يسمح بنوع من هذه الممارسات.

أما الدكتورة فاطمة خفاجي خبيرة لدى مؤسسة المرأة والذاكرة قالت أن التحرش هو سلوك جنسي غير مرغوب فيه ويشمل اللمس وطلب خدمة جنسية ويأخذ أشكالا متعددة: شفهي وتصرف غير مرغوب في يحمل طبيعة جنسية ويرجع إلى عدة أسباب هي: عوامل فردية مثل خلل في الشخصية وهناك العلاقات اسرية مثل تاريخ العنف بالعائلة والمستوى الاقتصادي وأخيراً توجد العوامل المجتمعية المتمثلة في تقبل المجتمع لهذه الظاهرة.

وأشارت الدكتورة فاطمة إلى عدة نواقص لمواجهة التحرش هي:
1- عدم وجود اهتمام بجمع معلومات في هذا المجال كما لا توجد مؤسسات تعمل مع النساء اللاتي يتعرضن لتحرش جنسي.
2- التشريع والقانون لا يحد مفهوم لظاهرة التحرش ولا يعاقب الفاعل بجدية وعلى سبيل المثال ينص قانون العقوبات على معاقبة كل من فعل فاضح يخل بالحياء ولا تزيد السنة عن سنة أو غرامة 300 جنيه وهنا لا يوجد اشارة واضحة إلى التحرش.
3- استمرار التعامل مع جسد المرأة كأنه ملكية عامة ومشاع فهو ملك لوالدها وأخوها ثم لزوجها وتدفع المرأة حياتها في احيان كثيرة لمجرد الشك في سلوكها.
وطالبت الدكتورة فاطمة من جمعيات المرأة تقديم بعض الخدمات للتعامل مع هذه الازمة تبدأ بتعريف التحرش الجنسي ووجود لخدمة الخط الساخن وإعادة تأهيل المرأة التي تعرضت لتحرش
ومساعدتها قانونياً.

ويرى مركز النديم للتأهيل النفسي أن المذنبين في حق هؤلاء النساء والفتيات اللاتي تعرضن للتحرش الجنسي في الشوارع لا يقتصرون على الشباب الذين مارسوا هذا التحرش وإنما يضمون أيضا رجال الأمن المتواجدين بالمكان والذين لم يتعودوا حماية المواطن بعد أن أصبح جل مهمتهم هو الهجوم على المواطنين وحماية النظام.. وحيث أن أحدا من رجال الحكم أو نسائه لم يكونوا متواجدين في هذا الحدث فقد اعتبرت الشرطة أن الأمر لا يهمها بل أن رجال الشرطة قد يشاركون بعضا من هؤلاء الشباب موقفهم في ضرورة دفع النساء بعيدا عن الفضاء العام بعيدا عن الشارع. كما يضمون أيضا بعض أصحاب الفتاوى من رجال الدين وغيرهم ممن يركزون على المظهر والملبس والشكل ويحملون النساء مسئولية كل ما وصلت إليه البلاد من حالة تردي وانحطاط، ورأى المركز أن التركيز المتزايد على أهمية ما ترتديه النساء والفتيات وإصدار الأحكام على المظهر وكأنه الدليل على حسن الأخلاق أو فسادها يبعث برسالة واضحة للرأي العام بأن المرأة مسئولة عما يحدث لها إذا لم تنصاع لأوامر هذا أو ذاك الشيخ أو صاحب الفتوى.

31/12/2006
إسحق إبراهيم